بثت الفضائية الأخبارية السورية تقريراً أخبارياً موجزاً تحت هذا العنوان ( ماذا يجري في سوريا ) يذكر الحالة التي آلت إليها الأحداث الجارية في سوريا ، و بين هذا التقرير كيف تتصعد مظاهر الإحتجاجات ، و ترتفع وتيرة التخريب و العبث بالحياة العامة و مرافقها من قبل بعض المندسين ، أو الجماعات المتطرفة المسلحة التي كشرت عن نابها ، و خرجت من أوكارها و أخبيتها في الفترة الأخيرة في بعض المناطق والمدن و القرى في شمال سوريا ... كلما ارتفعت وتيرة التصريحات و الخطابات و الكلمات من قبل كبار المسؤلين الغربيين و الأمريكيين ، تتهم فيها القيادة السورية و قوات الأمن و عناصر الجيش بالإعتداء على المتظاهرين أو بالتعامل مع المتظاهرين باسلوب العنف و البطش ....الخ ... و كأن هناك علاقات منظمة بسرية شديدة بين تصريحات المسؤلين الغربيين ، و بين هذا التصعيد الماثل في الأحداث الدموية الجارية ، على شكل ملفت للنظر من قبل المسلحين المندسين الذين يعتدون على أمن و استقرار البلاد و يعثون فوق تراب سوريا الطاهر فساداً و تخريباً و قتلاً ودماراً . و قد أعجبني في هذا التقرير الأنف الذكر ، لفته الأنظار إلى هذه الدوامة التي يجيد الغرب في صناعتها ، و يقذفها بين رحاب الشعوب العربية على شكل دمى مزركشة و مزدانة بألوان مساحيق التجميل ، و مزدهية بالكريم و البريانطين الأمريكاني ، و متراخية بالعطر الفرنسي ، و لكن ما أن يدنو منها المرء ، أو يلمسها بيديه حتى تأخذه الصعقة ، و ينكشف له زيفها و غشها و يرمق متعجبا في وجهها و في عينيها اللتين ترسلان حقدهما و مكرهما بشكل واضح و كأنهما تقولان : الويل للعرب من شرٍّ قد اقترب ؟! و ربما هذا الأمر يجعلني أن أعيد لذهن القارىء الكريم ، ما كتبته سابقاً عن ثورة الياسمين التونسية و عن ثورة النيل ، ثم عن الثورة الليبية ( مع اعتقادي الجازم بأن هذه الثورات كما يحلو للبعض أن يسميها هي محض صناعة غربية و أمريكية ..! أو قل : مؤامرات بأثواب ثورات ، تزفها إلينا يد المكر و الخديعة و الحقد الأعمى على العروبة و الإسلام ، و أستثني منها ثورة النيل التي كانت بحق ثورة شبابية دكت أهم معاقل الخيانة و العمالة في العالم العربي و الإسلامي ) ... فسبق لي و ألمحت في مقالي ( منمنمات خواطرية على أرابيسك الثورة التونسية ) أن هناك بون شاسع بين من يكسر القيود عن معصمه بيديه و إرادته و قوته المعنوية و النضالية و الثورية ، و بين من يكسر هذه القيود بمساعدة الغرب و مباركته ( أعداء أمتنا و حضارتنا ) و أن بعض دول الغرب و على رأسها فرنسا سحبت البساط من تحت الرئيس المخلوع ليس حبا بالشعب التونسي و إنما حرصا على مصالحها السياسية و الإقتصادية ... و لهذا كان الفرنسيون هم أول من أطلقوا على الثورة التونسية : ثورة الياسمين ..! بل قد شبهها بعض كبار المسؤلين الفرنسيين بالثورة الفرنسية ..! على الرغم من الاختلاف الشديد في الزمان و المكان و الكيف و الكم ..! و السياق التاريخي و الحضاري ..! و كأن هؤلاء المسؤلين الغربيين يقصدون : أن ما جرى في تونس سوف يكون الشرارة التي تشعل النيران في أقطار عربية أخرى ... و لهذا كانوا ينسجون خيوط مؤمراتهم ، و يعدون العدة لإشعال هذه النيران في بقية الأقطار العربية التي تتمتع باستقلالية عن اتباع السياسة الأمريكية و الغربية ، أو عن انتهاج نهج الدول العربية النفطية حيال التعامل مع القضايا المصيرية و القومية لأمتنا العربية المتتدة من المحيط إلى الخليج و في مقدمتها القضية الفلسطينية ، و قضية تهويد القدس و الإعتداء على المسجد الأقصى ( فتخاذل الدول العربية النفطية واضح في هذه المسألة ) . و سبق لي أن تحدثت عن الثورة الليبية في مقالي ( قادمون من بنغازي يروون مشاهداتهم ) عن الطرف الذي بدأ بالقتل و التخريب و الإعتداء على المرافق العامة و أملاك الناس ، و تحدثت عن أول مذبحة ارتكبت في هذا الصراع حسب روايات شهود العيان ، و هي مذبحة سكنة الفضيل بو عمر في إحدى ضواحي بنغازي و كان بطلها السفاح عبدالفتاح يونس ( وزير الداخلية المنشق عن القذافي ) ومعه قائد قوات الصاعقة في بنغازي ، و مجموعات مسلحة من الثائرين و المعارضين لنظام القذافي آنذاك ... و تساءلت في ذلك المقال عن سكوت وسائل الإعلام عن مثل هذه المذابح التي يرتكبها الذين يطلق عليهم : الثوار .. و الذي يزعجني و يمقتني كثيرا كثيراً ، هو جعل هؤلاء الذين يمدون أيديهم إلى الطليان و الفرنسسين و الأمريكان استجداء للمعونة بالمال السلاح و العتاد ، و طلباً للنصرة و التأييد المعنوي و السياسي و العسكري من صورة شيخ المجاهدين العرب في العصر الحديث شعارا لهم في أروقتهم و منتدياتهم و تظاهراتهم ، و كان الأولى لهم أن يرفعوا صورة المستر أوباما أو مدام كلينتون ، أو المهراجا ساركوزي ؟! كما سبق لي و أشدت بثورة النيل المباركة في عدة مقالات سابقة ، و و قفت خلالها وقفة متأنية حول بعض الأمور التي كادت أن تقلب الأوضاع رأسا على عقب ، و أن تحول هذه الثورة إلى فوضى تجر أرض الكنانة إلى منحدر سحيق من الدمار أو فقد الأمن و الاستقرار ، و أشرت في مقالي ( ثورة النيل و قائمة العار ) إلى وجوب تعاضد الشعب المصري بكل فئاته و طوائفه و أطيافه السياسية ، و تآلفه مع بعضه البعض صفاً واحداً من أجل إنجاح الثورة ، و الخروج بمصر العروبة و الحضارة من حالة الفوضى الخلاقة إلى حالة الاستقرار و المضي قدما في طريق الإصلاح و البناء لمستقبل مشرق ، و عدم النظر إلى الوراء ..! ؟ و اليوم أقف مع بلدي الحبيب سوريا ( رغم مواقفي المعارضة من قبل ) وقفة صمود و تصدي لكل المؤمرات التي يحيكها المتآمرون و المستغربون و المتأمركون ، و الإعلام العربي المأجور و العميل الواقع تحت سيطرة الموساد الإسرائيلي و المخابرات المركزية الأمريكية ، و التي تقوده و توجهه بعض الدول العربية النفطية خدمة للمصالح الامبريالية و الاستعمارية في وطننا العربي الكبير ، و العظيم ... فأقول بكل صراحة و وضوح : أنني تريثت كثيراً للكلام عما يجري في سوريا ريثما تتضح الأمور ، و تنكشف للعيان خيوط المؤامرة التي دبرت بليل ، و حيكت بصمت و خفاء تحت جنح الظلام ، و تحت أغطية عديدة براقة و خادعة ..! و كي لا أتهم بالعمالة للنظام ، أو بالتزلف إلى الحكام ، أو بموقف السمج الضعيف الذي يريد أن ينجو بنفسه من وطأة الضيق أو الحرج أو الخطر ، أو قبضة رجال الأمن و السلطة ، أضم صوتي إلى صوت وزير خارجية سوريا السيد ( وليد المعلم ) الذي أثبت لنا أنه معلم بحق ، أردد معه : أنه لا مكان للنفوذ الأجنبي و الأوربي في سوريا بعد اليوم .... و سوريا .. القطرالعربي الذي كان دوما يقف إلى جانب الأخوة العرب الأشقاء في الملمات و الأزمات ... قد خذله بعض الأخوة الأشقاء الذين وقفت سوريا إلى جانبهم بالأمس، و كانت بالنسبة لهم ملجأ مستقراً ، و ملاذاً آمناً ...! و كذلك أرفع يدي نحو السماء ، بقلب نابض و مشفق ، خالص من أدران الشرك و النفاق ، و نزعات الجاهلية الجهلاء ، مردداً مع شيخنا و أستاذنا سعادة الدكتور( محمد سعيد رمضان البوطي ) حفظه الله ذخراً للوطن و للأمة ، داعياً الله البر الرحيم و مستجيراً بجنابه الأعظم : اللهم اختر لسوريا الخير .. و هيىء لقائدها بطانة الخير و المعروف و الصلاح ، و ألهمه العمل بكتابك و سنة نبيك و نصرة المظلومين و الضعفاء و المساكين ، و اصرف عنها كيد الكائدين ، و حسد المتأمرين ، و اجعلها بلدا آمنا مستقراً ، و بارك بأهلها و شعبها ،كما باركت بأرضها و ترابها على لسان نبيك الأعظم فإنك على كل شيء قدير . و أخيراً لا آخراً ، أقول و أنا على يقين تام بما أقول : إن هذا المكوك الفضائي المصنوع من البلاستيك المطاطي ، و من أغصان شجرة الزقوم ، و مطلي بدهن لحم الخنزير، الذي حط رحاله بالأمس القريب في أنطاليا التركية ، ثم في بروكسل البلجيكية ، سوف يعود إلى محطته التي انطلق منها محطم الرأس ، منزوع الجوانب ، و لسوف ينادى عليه في كل من واشنطن و تل أبيب : " ولات حين مناص " . و أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي و لكم فاستغفروه يغفر لكم فإنك نعم المولى و نعم النصير . بقلم : عبد الرزاق كيلو سوريا [email protected]