لقد زادت العنوسة عن حدها في كثير من الدول العربية، وخاصة في دول الخليج العربي، وأصبحت شبحاً يؤرق الفتيات، فعندما تبلغ الفتاة سن الرشد، تحاول الهروب منه، قدر استطاعتها، ولكنها تواجه بعادات وتقاليد العائلة، التي ترفض رفضاً قاطعاً خروج الفتاة عن رغبة أبيها. وصلني إميل عبر بريدي الالكتروني، منذ عدة أيام، من فتاة، تشكو من ظلم والدها لها، والذي أوصلها إلى سن العنوسة، ظناً منه بأنه بذلك يعززها، ويعلي من قدرها، سأرويه للقارئ العزيز، لعله يأخذ العبرة والعظة من هذه الفتاة المسكينة، التي وضعها أبوها في مأزق، حتى أوصلها إلى سن متأخرة دون زواج، مما جعلها تخاف أن تصل إلى مرحلة اليأس، والحرمان من الأمومة، التي تتمناها الأنثى. أحاول قدر استطاعتي تفريغ رسالتها بطريقة صحيحة، لأن بها بعض الأخطاء اللغوية، تقول بحسرة: «أنا فتاة على قدر كبير من الجمال، أثناء دراستي الجامعية، تقدم لخطبتي شباب كثيرون، وعندما كان يقابل أي منهم والدي ليطلب يدي، كان يرفض رفضاً قاطعاً، بحجة أني طالبة جامعية، ولابد أن أكمل تعليمي، حتى لو تمسك الشاب بي، وأخبر والدي أنه لا يمانع في إكمالي دراستي بعد الزواج، لكن لم يجد ذلك مع والدي نفعاً. أنهيت دراستي الجامعية، وارتديت المعطف الأبيض، الذي كان حلمي وحلم أسرتي، أن أرتديه، وفرحت وفرحت معي أسرتي، وأصبحت طبيبة يشار لها بالبنان، ومازال الشباب يتقدمون لخطبتي، لكن كلما تقدم أحدهم لخطبتي، قابله والدي بكثرة الطلبات التي لا يستطيع أي شاب مقبل على الزواج الوفاء بها، ما أدى إلى عزوف الشاب عن الزواج بي. كلما رفض والدي شاباً تقدم لخطبتي، بادرته أمي بالسؤال: لماذا رفضته؟ فيرد والدي: إنه لا يقدر على مهرها.. ومن كثرة ما كان يرفض المتقدمين لخطبتي، أخبرته بأني لا أريد مهراً كبيراً، وأني راضية بالقليل، لأنني أحتاج إلى رجل يحافظ عليَّ، وأحس معه بالدفء والحنان! كان يرد عليَّ بأنه لم يوصلني إلى هذه الدرجة العلمية لكي يأخذني شاب لا يستطيع دفع مهري. تكرر هذا المشهد مرات عدة، حتى إنني تخطيت الخامسة والثلاثين من عمري، وأصبح الشباب ينظرون إليَّ على أني متزوجة، ومنهم من ينظر إليَّ على أني مطلقة، ومنهم من ينظر إليَّ على أني أرملة، على الرغم من أني فتاة عذراء، لم يسبق لي الزواج.. ولكبر سني أصبح لا يتقدم لخطبتي أحد من الشباب، عدا كبار السن، الذين هم في سن والدي، وبالطبع أنا كفتاة تعمل في وظيفة مرموقة، وعلى قدر كبير من الجمال، مازلت أحلم بالزواج بشاب يكبرني قليلاً، على الرغم من أنني أعلم يقيناً أن هذا الطلب شبه مستحيل. من شدة يأسي من الزواج، فقدت الأمل، وأصبحت كلما تذكرت مواقف والدي، وما كان يفعله مع الشباب المتقدمين لخطبتي، أقول: «سامحك الله يا أبي، فأنت السبب الرئيسي في تعاستي». وأردفت في نهاية رسالتها: «أنا لم أطلب منك المساعدة، لأني أعلم أنه ليس بوسعك شيء تقدمه لي، فقد فاتني القطار، لكني أرسلت إليك لتنشر قصتي، علها تفيد أولياء الأمور، ولا يكونون سبباً في تعاسة بناتهن». بدوري نشرت قصة هذه الفتاة، بناءً على طلبها، علها تصل إلى أحد أولياء الأمور، الذين يتمسكون بالمهور العالية، ظناً منهم بأنهم بذلك يحافظون على بناتهم، وهذا خطأ كبير فليس المهر الكبير هو الذي يجبر الشاب على الحفاظ على زوجته، فأقلكن مهوراً أكثركن بركة، وعلى أولياء الأمور أن يبحثوا عن الشاب ذي الخلق والدين، كما أوصى بذلك رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام، عندما قال في حديثه الشريف: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». والله أسأل أن يصلح حال أولياء الأمور، ويجعلهم سبباً في سعادة أبنائهم، وليس تعاستهم.. إنه ولي ذلك والقادر عليه. محمد أحمد عزوز كاتب مصري