فى ظل تفجرشرارة ثورة الشباب العربي التى تشتعل حاليا، وتموج بالأحداث الدامية والتطورات المتتابعة لهذه الثورات، التى تحفل بها الشوارع العربية وتشهدها أقطارعربية مختلفة، لمطالبة ساستها وحكامها بالإصلاح والحصول على حقوق المواطن العربي المغيبة والمسلوبة، وحتى تتحقق له العدالة، ليعيش الإنسان فى هذه البلدان كمواطن له حريته وعزته وكرامتة دون منة، فى ظل ذلك تتواصل حلقات هذه الأحداث بوتيرة متسارعة، بعد أن فقد المواطن العربي صبره وسكوته بعد صمت وانتظار طويل، لم يعد فيه الإنتظارأوالصبرمجديا ولا السكوت نافعا. وبدلا من أن تستجيب السلطات لهذه الثورات العربية لتلبية مطالبها وحقوقها، تجابه هذه الدعوات بوحشية وبالعنف القاتل بالرصاص الحي وبالقنابل المسيلة للدموع وربما بالأسلحة المحرمة دوليا، وللأسف مازلنا نتابع كل يوم نزيف هذه الدماء العربية الزكية تهدربلا ثمن، ويذهب دم ضحاياها هباء لبينما يفلت الجناة دون عقاب، بل على العكس من ذلك فكل يوم يمرنشهد سقوط المزيد من الضحايا والقتلي والجرحى، الذين يسقطون ويقتلون بدم بارد ودون شفقة أورحمة. ولكن مايدمي القلب فى إستمرارهذه المجازرالدموية لما يحدث، هو انها تمارس وترتكب ليس بيد عدوأجنبي جاء من وراء الحدود العربية، ولكن بإرادة داخلية تقودها جيوش هذه الأنظمة العربية ذاتها، والمحصلة النهائية لهذه المأساة هوالخسارة الجسيمة لذخيرة ثمينة أوشريحة هامة من خيرة شباب وأبناء هذه الأمة. ومايحزفى نفس المواطن العربي لإستباحة هذه الدماء، هوأنه ليس هناك مبررأو مسوغ شرعي، يبيح أسباب الإستخدام المفرط للقوة بهذه الوحشية، لمواجهة هذه الإنتفاضات باستخدام وسائل الإبادة والقتل والقمع لهؤلاء المطالبين بحقوقهم، فحتى الآن وكما هو واضح من خلال شاشات التلفزة، التى تعرض لهذه الدعوات الحقوقية من قبل الشارع العربي، لاتزال ترفع فيها الشعارات السلمية للمطالبة بالتغييروالإصلاح، ونجد أن الجميع مازال متمسك بالخيارات السلمية وبمواجهة القوات الأمنية بالصدورالعارية، لبينما تواجه هذه المطالب بردود فعل عنيفة صادرة من قبل تلك السلطات وجيوش تلك الأنظمة وهي تصوب أسلحتها إلى صدورهم العارية، والتى تأتي منها كرد فعل معاكس على تلك المطالب. ولكن المفارقة العجيبة فى هذه السلوكيات غيرالحضارية لهذه الأنظمة للتعامل مع شعوبها، هوما توضحه حقيقة هذه الكيانات العربية التى تقف ضد تيارالإصلاح والتغييروإرجاع حركة التاريخ للوراء..! وما يظهره الواقع هوأن الحاكم أوالزعيم الأوحد العربي مصرعلى التشبث بحكمه وسلطته دون منازع، وأنه لايريد أن يتعظ أويستفيد من دروس الأحداث والمتغيرات من حوله، حتى ولوأفني الشعب كله عن بكرة أبيه من أجل بقائه على كرسيه، فهمه الوحيد هوالمحافظة على كرسيه وسلطته وهيمنته التى ليس بالمقبول فى نظره منافسته من قبل أحد أي كان، وأظن أنه بموجب هذه القناعة الساخرة، بات يعتبرهذه السلطة عبارة عن منحة إلهية وهبت له وحده، ويملكها بصك شرعي من الخالق العظيم، لايحق لأحد التدخل فى شأنه..! فلا غرابة إذن أن نجد لسان حاله يقول: إما أن أحكمكم بالطريقة التى أريد أوأن أبيدكم عن بكرة أبيكم..فلا مجال لأي حوارولا لأيي دعوات تنال من سلطاتي أو تنقص أوتهدد من شرعيتي الإلهية الممنوحة لي من رب العزة والجلال..! وأظن أن هذه الصورة الطريفة الساخرة، هي ترجمة صادقة وحقيقية لهذا الأنموذج النمطي العجيب لتفكيرالحاكم العربي، ضمن ما أظهرته سلسلة الأحداث العربية الراهنة وفى إطارنموذج (أما أن أحكمكم أوأقتلكم) رجوعا لحديث مندوب ليبيا في الأممالمتحدة طيب الذكرالسيد عبد الرحمن شلقم، حينما كان يدلي بحديثه المؤثرفي بداية أحداث ليبيا، حول دكتاتورية القذافي وصلفه واستبداده وإصراره على حكم ليبيا إلى مدى الحياة، وإشارته إلى إستنكارالقذافي برفضه لمطالب ودعوات وحقوق شعبه السلمية، السياسية والإجتماعية والإقتصادية المشروعة، وبدعوتهم إلى العدول عن مطالبهم، وإلا كان مصيرهم القتل، فأما أن يحكمهم أويقتلهم، وهو ما أراده وتحقق على أرض الواقع، عندما جابه تلك الدعوات السلمية بوسائل القتل والإبادة والتدميرعبرإطلاق الرصاص وبالإغارة عليهم بالطائرات ورميهم بالمدافع والرشاشات وجميع انواع الاسلحة، الأمرالذي سارع بتحشيد المجتمع الدولي عليه. لقد جسد السيد شلقم بكلماته التاريخية المعبرة والمؤثرة عن عقلية القذافي بقوله (أحكمكم أوأقتلكم) ترجمة صادقة وحقيقية لتسلط القذافي والحاكم العربي بصفة عامة على شعبوبهم بالقهروالحديد والنار، وهوفعلا ما ترجمته وتترجمه حاليا وقائع الاحداث والممارسات الوحشية التى تقابل به هذه الشعوب ثمنا وطلبا لحرياتها وحقوقها المشروعة. فمن غرائب ما يحدث فى عالمنا العربي، هو إستمرارهذه الممارسات القمعية والتعسفية، للتعامل مع الشعوب بمثل هذه الكيفية من السلوكيات الخرقاء، فى عصرتجاوز فيه العالم وبمراحل عصورالظلام والإنحطاط والتخلف والعبودية، التى كان فيه فرد واحد ينفرد بالسيطرة على سلطات وحكم البلاد والعباد، ويمسك بيده كل السلطات التشريعية والتنفيدية والقضائية، فأرتقى العالم بوعيه وعلمه وفكره وإنجازاته الحضارية إلى مراتب النمووالتقدم، فكان من أهم هذه الإنجازات العصرية على صعيد هذا الواقع، تحقيق نشرالحريات للشعوب وترسيخ قيم الديمقراطية التى تأتي بها الإنتخابات، لتصبح الشعوب حرة في إختيارمن يحكمها فى ظل تلك السلطات الدستورية، وباعتبارأن الشعب هوالمصدرالوحيد للسلطات. ولنا أن لا نعجب بأن هذه التطورات الحضارية للأنظمة والحكومات الدستورية فى العالم، قد حدثت منذ أمد بعيد وحقبات تاريخية طويلة، لبينما لايزال العالم العربي يرزح منغمس حتى أذنيه وإلى اليوم، فى أتون صراعاته الدينية والمذهبية والطائفية، وتمسك حكامه بمناصبهم وكراسيهم حتى الموت أوالإغتيال، مضافا لذلك طغيانهم بالحكم الفردي الشمولي المتخلف، الذى عفى عليه الزمن والذي لايزال يحكم بقبضته الحديدية، ويجرد المجتمعات من إنسانيتها ويحرمها من حرياتها وتطلعاتها وحقوقها المشروعة، وربما أن هذه من أعاجيب المفارقات الغريبة، التى لانجد لها تفسيراواضحا أمام مايحدث من متغيرات فى هذا العالم المتحضر، وهي مفارقة قد وضعتنا دون شك، أمثولة للتخلف والسخرية وسط هذا العالم الذى أصبح لايحترمنا ولايقيم وزنا لقضايانا..! فيقولون لنا كيف تريدون وتطلبون منا أن نحترم مجتمعات لازالت تصرعلى أن تعيش بعقلية القرون الوسطى، ولاتريد أن تتطورفى محيط هذا العالم الذي أصبح يموج بكل هذه الطفرات المتتابعة من المتغيرات الإنسانية والحضارية..؟ وأظن أن خيردليل على ذلك، هومايترجم ويجسد هذا المشهد المسرحي البائس لماتعانية قضايانا العربية من مواقف هزيلة، بل ومهينة فى أحيان كثيرة من قبل الهيئات والمنظمات الدولية في الأممالمتحدة، فحتى يستيقظ أويستعيد العرب حرياتهم من الطغاة بفعل هذه التحركات وتعم الحياة الديمقراطية بلدانهم، سيضل مستقبل العرب غامضا، بل ورهنا لهذه المواقف المتحجرة..! وستبقى قضاياهم الحضارية والتنموية معلقة دون حلول حتى يأتي المدد من عند الله. احمد علي الشمر [email protected]