لا يختلف طواغيت العرب عن المستعمرين الأجانب في التعامل مع الشعب العربي، فالإرهاب من خلال القتل والتنكيل والتعذيب الفاضح هو الآلية التي توحد بين الطرفين في قمع الشعب العربي. كانت تجرحنا كثيرا دعاواى المحافظين الجدد في أمريكا، ومن قبلهم دعاواى الصهاينة، بأن العربي –بالمعنى الدارج- "لا يخاف إلا بعينه". فكثيرا ما كان الكُتاب الصهاينة والمحافظون الجدد الأمريكيون يقولون أن قتل العرب والتنكيل بهم على مرأى ومسمع من الشعب العربي هو الطريقة الناجعة لكبح جماح العرب وسجنهم في توابيت الخوف وسراديب الذعر. فالقتل والتنكيل، في رأيهم، يرسل للشعب رسالة مؤداها أن ذلك هو مصيركم إذا أنتم خرجتم على ما نخططه لكم. وغدت هذه الفكرة صورة نمطية عن العرب: "إن العرب لا يخافون إلا بأعينهم". استخدمت الولاياتالمتحدة ذلك في العراق عندما كانت تسرَب عن عمد أعمال التعذيب الوحشية والعبث بالبشر التي كان يمارسها جنودها بحق العراقيين. ففي أوج المقاومة العراقية سرب جيش الأمريكي صور التعذيب بسجن أبو غريب بغرض بث الذعر في قلوب العراقيين. وقد نهجت الحكومات العراقية العميلة المتتابعة نفس النهج على طول الطريق. فنشر الفيديو الذي يصور الجنود العراقيين "البواسل" وهم يتبارون في ركل ودهس رجل عراقي مكبل وهو يحتضر يندرج في هذه الآلية ولا يخرج عن نفس الهدف والرسالة: من يقاوم أو يفكر في المقاومة سيكون ذلك مصيره. لكن يبدو أن النظم المستبدة العربية كانت الأسبق إلى ترويج هذه الصورة النمطية للعرب. وقد كتبت قبل ذلك عن أن تسريب كليبات التعذيب على أيدي الشرطة المصرية كان مقصودا به إرهاب الشعب المصري. وها هو النظام السوري "المقاوم" يمارس نفس الآلية على نحو تصاعدي على مدى الأسابيع الثلاث التي انقضت من عمر ثورة الشعب السوري. فمنذ اليوم الأول لثورة الشعب السوري استخدم النظام القتل المتعمد والعنف المفرط بغرض تخويف الشعب السوري وإعادته إلى حالة السكون والموات. وفي كل يوم يخرج فيه الشعب للتظاهر يقتل العشرات من المتظاهرين، ثم ينسب ذلك إلى عصابات إجرامية، وكأن قتل المتظاهرين مغنما للعصابات الإجرامية، وكأن النظام السوري السلطوي لأقصى درجة الذي يعد على الناس أنفاسهم لا يستطيع أن يتعامل مع هذه العصابات. ومما يؤكد توظيف النظام السوري لفكرة "أن العرب لا يخافون إلا بأعينهم" ذلك الفيديو الذي يظهر أفراد من الأمن السوري يعثبون بمتظاهرين مكبلين بركلهم في وجوههم والقفز فوق ظهورهم ولطمهم بالأيدي وبالعصي، حيث يمارس أفراد الأمن ذلك في الشارع وواضح أن من يصور المشهد واحد منهم وكذلك بعلم الآخرين. فهذا الفيديو لم يصور دون علم مَنْ يمارسون التعذيب، بل هم يتباهون بذلك أمام الكاميرا. وذلك بالطبع من أجل إرسال الرسالة نفسها إلى الشعب السوري: هذا مصير من سينزل إلى الشارع للمطالبة بالإصلاح. لكن فات النظام السوري، بسبب عمى السلطة، أن هذه الطريقة لم تنفع من سبقوه في استخدامها من طواغيت العرب. فالقتل والتنكيل يزيد الشعب تصميما على إزاحة النظام، وليس العكس. وكلما زاد النظام من تنكيله بالشعب كانت نهاية النظام دموية. فمبارك التي تهاوى سريعا وبعد محاولات قليلة يكفيه محاكمة عادلة هو وأسرته، أما القذافي وبشار الأسد وعلى صالح الذين يدخلون شعوبهم في أتون حروب أهلية ويستخدمون العنف الفج ضد شعوبهم، فلن يكون أمامهم إلا المعاملة بالمثل. والشعب السوري "لن يخاف بعينه" كما يود النظام ويأمل. وإنما سيزداد تصميما على إزاحة الطغمة الظالمة والاقتصاص منها.