المجد للشيطان معبود الرياح..من قال "لا" فى وجه من قالوا" نعم "..من علّم الإنسان تمزيق العدم.هذه ابيات شاعرنا الرائع أمل دنقل فى قصيدته الخالدة "كلمات سبارتاكوس الأخيرة"والتى أميل فى لحظتنا الراهنة إلى تحريفها بما يتناسب مع الصورة التى رأيتها اليوم وأنا أدلى بصوتى فى استفتاء الحرية فأقول:المجد للإنسان عاشق الحرية ..من قال" نعم "أو" لا" فى وجه حراس لسانه السابقين . هكذا ترتع" نعم" و"لا" فى مساحة الحرية دون أن يتعاركا ,ودون أن تطرد إحداهما الأخرى .سارت اليوم" نعم "بجوار "لا" تحثان الخطى نحو صناديق الاستفتاء دون أن تعطّل حركتهما أحجار الطريق .مرحتان سارا,تشدّ إحداهما يد الأخرى دافعتين خلفهما ضغينة الأحقاد ,متضامتان تحت مظلة الحرية التى جعلت أنفسيهما يتنفّسان الهواء نفسه .ضبطّهما متلبستين بالفرحة فى وجه الأختين "ميرفت "و"حنان "اللتين حملتا وجهتى نظر زوجيهما العاملين فى الشرطة والجيش .حملت إحداهما "نعم "وحملت الأخرى "لا "بينما الطريق ممهد لتحمّل وجهتى نظر متضاربتين فى المعنى لكنهما متفقتان فى المحبة .محبة تلك التى فى الأعالى .مصر. فرحة عيد الاستفتاء التى قابلانى بها لأصطحبهما إلى مراكز الاستفتاء ذكرتنى بالمتنبى"عيد بأية حال عدت يا عيد..بما مضى أم بأمر فيك تجديد"؛فأدركت أنها اللحظة الفارقة فى شهادة عيد مغاير وزّع بهجته على طوابير امتدت لخارج حدود المدرسة (لجنة استفتاء)دون تلاحم أو عراك فاطمأننت على صورة طوابير الخبز القادمة لحين الانفراجة المؤكدة لمرأى هذا المشهد العظيم. خرجت الكتلة الصامتة _المعّول عليها فى بناء مصر الجديدة_لتجد مكانا تتنفس فيه حرية تاركة القبر الذى بنته الأنظمة السابقة وسوّرته بحراس ,يحمل كل واحد فى يده مقص" نعم" إذا أرادت "لا" ومقص" لا" إذا ارادت" نعم ".خرجت لترسم لوحة جديدة من الفاعلية والإحساس بالفخر لأثر اختياراتها. مشهد أخير خرجت الأختان منتشيتين بتلك اللحظة وشعورهما بأداء الواجب الوطنى والزوجى ,ولم يزعجاننى بسؤالهما المتكرر طوال رحلة الذهاب عن اختياراتى .فقط ودّعتهما وهما تتفقان على موعد التسوّق اليومى فى الغد ودون أن يلتفتا إلى ما تسمّرت عليه عيناى من أربع "ذقون"تقف على باب المدرسة من الخارج!