من المعروف أن تنمية الساحل الشمالي هو أحد المشروعات القومية المصرية الثلاثة "تنمية سيناء – تنمية جنوب الوادي". وقد أنشأت لجنة قومية برئاسة وزيرة التعاون الدولي لإزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي. وقد وافقت كل من ايطاليا وألمانيا حسب ما صرحت به الهيئة العامة للاستعلامات على مساندة خطة مصر القومية لتطهير الساحل الشمالي انطلاقا من التزامها الأدبي "وكما هو معروف فإن منطقة الصحراء الغربية بها نحو 21% من حجم الألغام المزروعة على مستوى العالم وهى تمثل نحو 22% من مساحة مصر، ويأتي ترتيب مصر الثاني بعد أنجولا في حجم الألغام المزروعة في العالم "والحمد لله أنه يوجد لنا ترتيب عالمي في شيء يمكن أن يضاف إلى رصيد ميدالياتنا في أولمبياد بكين وهذا فخر لنا". ووفقا لتقديرات القوات المسلحة فإن تكلفة إزالة الألغام تحتاج إلى نحو 250 مليون دولار. وفى ظل توافر المياه الجوفية والأمطار على هذه المنطقة و وجود بحيرة الحمام التى يغذيها نهر النيل فإنه يمكن استزراع نحو 3 ملايين فدان علاوة على توافر المقومات السياحية والتعدينية وما يستتبع ذلك من عمران يمتثل في مناطق سكانية وأخرى صناعية وخدمية. ولما كانت تنمية الصحراء الغربية تتمتع بالربحية المؤسسية، والربحية القومية" اجتماعية- بيئية- مالية- أمنية " وهو ملاذ ضروري يجب أن نلجأ إليه شريطة أن لا يتم إدارته بنفس الفكر الذي تم في إدارة مشروع تنمية سيناء خاصة وأن تعداد مصر متوقع أن يصل إلى 100 مليون نسمة بحلول عام 2020. أما على مستوى الربحية المؤسسية فإن البنوك و المؤسسات التمويلية ينتظرها عوائد و أرباح مضمونة من جراء مساهمتها أو إقراضها لمشروعات التنمية المزمع إقامتها بعد الانتهاء من أعمال التطهير و المتمثلة في مشرعات استزراع الأراضي و الإنتاج الزراعي و الحيواني، ومشروعات توليد الطاقة صديقة البيئة، ومشرعات الثروة المعدنية و استخراج البترول والغاز الطبيعي فطبقاً لمصادر حكومية، فإن هذه المنطقة تزخر بالثروات الطبيعية حيث تحوي احتياطي نفط يقدر بنحو 4.8 مليار برميل واحتياطي غاز طبيعي يقدر بحوالي 13.4 تريليون قدم مكعب وأكثر من 600 مليون طن من الثروات المعدنية، وهى كلها مشروعات ذات جدوى اقتصادية من الدرجة الأولى وفى ظل هذه المقومات هل يمكن للبنوك أن تساهم بدور تنموي حقيقي، خاصة وأنها لا تساهم بسوي نحو 3% فقط في مساهمات الشركات من إجمالي مراكزها المالية والتي بلغت نحو 1.1 تريليون جنيه في 30/6/2008. والمقصود هنا بالمساهمة أن تقوم البنوك بإنشاء شركات مساهمة عملاقة تتولى عملية تنمية الساحل الشمالي من جذورها شاملة كافة أنواع الأنشطة المختلفة بحيث يتحقق مفهوم التنمية الشاملة، فتجند وتكثف لها الخبرات الفنية اللازمة في ظل توافر النقود والودائع التي بلغت نحو 750 مليار جنيه وبما يصل إلى نحو 70% من إجمالي المراكز المالية للبنوك العاملة في مصر، فيتم تسريع عجلة التنمية في هذه المنطقة وخفض الفترة الزمنية المخططة الآن على مراحل خمسة والتي بدأت منذ أغسطس 2007 المرحلة الأولى منها. الدور الحقيقي للبنوك يجب ألا يقوم على الربحية المؤسسية فقط، ويجب أن يكون هناك دور فعال للبنك المركزي في هذا الصدد، بحيث يتم اتخاذ الإجراءات الكفيلة لضرورة توجه المصارف العاملة في مصر لزيادة الأهمية النسبية في محافظها المالية نحو المساهمة في المشروعات الاستثمارية التنموية بعيداً عن قروض التجزئة التي توسعت فيها بشكل يهدد أنماط الاستهلاك داخل مصر وسوف يكون له أثره السلبي من جراء تحول بعض الاحتياجات الكمالية إلى احتياجات ضرورية وما يستتبع ذلك من عدم التوازن والمواءمة بين القدرات المالية والاحتياجات الاستهلاكية. ولما كانت قيمة إجمالي محفظة الأوراق المالية للقطاع المصرفي العامل في مصر تبلغ نحو 105 مليار جنيه، وتتمثل معظم الأهمية النسبية لمكوناتها في السندات الحكومية وأذون الخزانة بنسبة 74%، في حين لا تمثل المساهمات في الشركات سوى نحو 17% من إجمالي هذه المحفظة وبما لا يتعدى 1.5% من إجمالي المراكز المالية للمصارف مجمعة. ومن منطلق الربحية المؤسسية ولن نقول القومية ندعو جميع البنوك لإعادة هيكلة محافظها في ظل توفر فرص حقيقية للربح وزيادة العائدات وإعادة ترسيخ الدور المصرفي التنموي القومى كما نادي به طلعت حرب. هذا الدور إذا ما تم تعميقه وإعادة غرز مفاهيمه فإنه سيؤدى بالفعل لزيادة إيرادات الدولة من جراء رسوم الخدمة والضرائب المتحصلة بكافة أنواعها وتبعاً لذلك خفض عجز الموازنة الذي تقوم الدولة بتمويله بالاعتماد بالأساس على الاقتراض من البنوك. وبدلاً من الحملة الدولية لجمع 250 مليون دولار التي أطلقتها وزيرة التعاون الدولي لإزالة ألغام الساحل الشمالي في ابريل 2008، وهى بالقطع حملة يتوقف نجاحها على التزام الأطراف الدولية بمسئوليتها القانونية والأدبية، والتي نشك في عدم امتلاك هذه الدول لأي معايير للالتزام سوى معايير المصلحة، وبدلاً من دعوة المنظمات الدولية ومناشدتها باسم حقوق الإنسان وبدلاً من استجداء الدول للمساهمة في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وبدلاً من تشكيل اللجان والتي لا تنتهي مسمياتها، بدلاً من كل ذلك، نلجأ إلى لغة المصالح وهى الربحية والعائد، وليكن الطرح الجديد لهذه المشكلة المتأزمة من منطلق هذا المنظور. إن تعمير الساحل الشمالي يساعد كثيراً في الحد من هجرة العمالة غير الشرعية إلى دول الاتحاد الأوروبي، وتوطين مليون ونصف مليون مواطن بحلول عام 2020، وتوفير نحو 384 ألف فرصة عمل.فليكن هذا هو هدفنا ، ولتقوم الدولة بتسخير و تذليل كافة إمكانياتها، وليتكاتف ويلتف الجميع نحو هذا الهدف باعتباره مشروعاً قومياً خاصةً في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. [email protected]