لتاريخ طويل ممتد من أيام الحكم الأسود لجمال عبد الناصر ورث أبناء هذا الجيل جيل ما يسمى بجيل الثورة الخوف والخنوع ... ورثو الخوف وورثوه للجيل التالي .. لجيلنا نحن .... فكنا نتربى على الخوف من النظام وليس احترام القانون ... وكنا نتعلم السكوت والتراجع بدلا من تعليمنا المطالبة بحقوقنا ... قالوا لنا بأننا عبيد عند النظام وأن الحكومة هي المارد القوي صاحب الملك والسلطة واننا نستمع منه فقط ولا نرفع حتى عيوننا إليه ... علمونا أن نخاف من الشرطي وان نحترمه حتى لو كان فاسدا وظالما ... حتى لو كان يتقاضى راتبا أقل من راتب القهوجي والفران وماسح الأحذية ... صوروه لنا على أنه الآمر الناهي رغم انه لا يعيش بغير الرشاوى والإتاوات تماما مثل قطاع الطرق ... قالوا لنا بأننا همج وغوغاء وغير متحضرين حتى فوجيء العالم بأروع مشهد وأعظم مثال في التكافل والتعاون والنظافة والنظام في وقت عصيب هربت فيه الشرطة بشكل مدبر ومرتب لتقوم بمهامها الأخرى في الترويع والسلب والنهب والبلطجة فقام الشعب المصري العظيم بتشكيل لوحة من اعظم ما يكون وأدى دورا من أنبل الأدوار وأعظمها عندما تولى مسؤلية الدفاع عن أمن وسلامة البلاد والتنظيم الشعبي الرائع الذي قامت به اللجان الشعبية في كل حي وشارع في مصر في وقت واحد وبتلقائية شديدة ودون ترتيب مع توقف الاتصالات والمواصلات تقريبا عن العمل وروعته ليس في مجرد حدوثه وانما الروعة في تشكيله في هذا الظرف الطاريء العصيب .... بدون توجيه لقيادة من قياداتنا المظفرة التي كانت مشغولة في توجيه رجال الشرطة لاستكمال دورهم الدنيء في ترويع الآمنين وقتلهم وسرقتهم ... وهنا أقول ... أن الشرطة المصرية وصمت زيها ووجهها وتاريخها بوصمة عار لن تمسح ولن ينساها المصريون على مدار تاريخهم ... ان انسحابهم وهروبهم بهذا الشكل والالتفاف على الوطن والشعب وطعنهما من الخلف لهو كارثة وعار وذل تتحمله الشرطة من أكبر رأس فيها إلى اصغر ذيل لها ... لم يكن الشعب المصري يعرف أنه يستطيع أن يثور على الخوف والظلم وهتك الحرمات والقتل والفساد والإفساد ... لم يكن الشعب المصري يصدق ذلك ... ولما دعي الناس للتوحد والخروج في وجه الظلم والثورة عليه وعلى رموزه سخر الناس منهم وكنت أنا من هؤلاء .... لكن هكذا الثورات تشتعل كجذوة من النار في قلب الحطب ... تبدأ صغيرة محتقرة وتنتهي عظيمة تتفاخر بها الأجيال وتكتب في سجل الشعب بحروف من نور .... قلت بان الحلم مستحيل وان الخارجون للثورة سيعودون خائبون هذا إن عادوا أصلا ... قلت بأن هؤلاء الشباب سيرضخون عند أول مواجهة مع الشرطة ... لكنهم خرجوا عزلا بصرخة واحدة "الشعب يريد إسقاط النظام" لم تسكتهم الرصاصات ولا القنابل التي سقطت عليهم كالمطر في مشهد لم نكن نراه إلا في الحروب التي تشنها أمريكا على أفغانستان والعراق لم نكن نعهده إلا في المجازر التي يرتكبها الصهاينة في فلسطين ... وبرح الفداء والتضحية وبنية الخروج على الظالم والأخذ على يديه ... خرج الشباب الظافر وانتفض معه المصريون ليقدموا للعالم أروع وأعظم ثورة في تاريخه الحديث والقديم أيضا ... ولتثبت الشرطة أيضا أنها آخر من يخاف على مصر وآخر من يحمي المصريين فالشرطة التي قتلت شبابا وأطفالا وتساءا في عدد تقديري غير مؤكد يوازي ربع ضحايا المجزرة الصهيونية على قطاع غزة مستخدمة في ذلك كل حقير ودنيء من قنابل مسيلة للدموع صناعة أمريكية مرورا بترويع الناس في بيوتهم وانتهاءا بضرب الشباب ببنادق القناصة ... عار وذل وسقوط للشرطة لن يضيع ولن يمحى ولن ينسى . أيها الشباب المقدام العظيم ... لقد تشرفت أن أرى بعيني منكم من يرفع الصوت ضد الخوف وضد الذل قبل أن أموت ... لقد تشرفت بمعرفة شيء جديد وطريقة مختلفة يمكن أن اربي بها أبنائي غير الخوف من النظام وتأليهه والركض وراء الحزب الوثني الفاسد الذي حرق مصر وملأها بوارا وخرابا وجورا وظلما وفسادا . لقد تشرفت بأنني مصري وبأنني من نبت هذه الأرض الطيبة الطاهرة المباركة واستطيع الآن أن أقول وبكل فخر وعزة إنني مصري أشكر لكم هذا الدرس وأقبل الأرض من تحت أقدامكم جميعا نصركم الله واعزكم وأعز بكم البلاد والعباد وكسر كل ظالم وفاسد والله المنتقم من كل متكبر في الأرض و قتل نفسا لأنها وقفت في وجه الظلم والظالمين . محيي الدين جاويش [email protected] [email protected]