لم اشعر بذهول او تعجب او حتي اضرب كفا علي كف وانا استمع الي ما يرويه صديقي العائد في اجازة من احدي الدول الاوروبية لقريتنا الريفية الصغيرة عما حدث معه فور خروجه من احد محال الفاكهة، حيث تهافت عليه الاطفال الصغار بينهم من يستجديه ان يعطيه شيئا يأكله ومن لم ينتظر الإذن ليأخذ مايأخذه بنفس راضية دون ان يثير حنق احد بل قام مباشرة باخذ مايريد عنوة بطريقة "انتش واجري" والتي اصبحت معروفة في الشارع المصري، اقدام اطفال صغار في عمر الزهور علي مثل هذه الافعال لم يأت نتيجة عجز صديقي علي ان يردعهم او ان يمنعهم من اخذ ما معه، انما نتج عن سببين اولهما هو احتياج هؤلاء الاطفال وفقرهم اللذان دفعا بهم إلي مثل هذه الافعال المشينة التي وان دلت علي شئ فإنما تدل علي اليأس من مجتمع اصبحت فيه صور الفساد والظلم صورا عادية وروتينية تعودنا عليها كل يوم في كل مكان علي ارض مصر التي يعيش معظم سكانها تحت خط الفقر، والسبب الثاني هو عنصر المفاجأة التي جعلت من صديقي ينظر مستسلما لما يدور حوله وما يقوم به اطفال صغار من المفترض ان تتوافر لهم مقومات الحياة من مأكل وملبس ومسكن بطريقة تحافظ علي انسانيتهم وآدميتهم بدلا من تركهم جوعي عرايا يفترشون ارصفة الطرق، فكيف اتعجب او ينتابني ذهول من تصرف الجوعي ونحن الذين اصبحنا في مجتمع لا يؤمن لأفراده قوت يومهم، فالاختلاف الوحيد اننا نشأنا علي التسامح والرضا، اما هؤلاء الصغار فلم يجدوا ما يشعرهم يوما بالرضا كي يتسامحوا مع هذا المجتمع ويصبروا علي حوجتهم. هذا الشعور باليأس سيوصل هذه البلاد في يوم ليس ببعيد الي درجة من الفوضي العارمة علي يد جيل مازال في سن التحصيل والتعلم واكتساب المهارات والخبرات اللازمة لمواجهة المستقبل الذي يكتنفه الغموض، فإذا كانت هذه هي المهارات والخبرات التي يكتسبها هذا الجيل الان فالي اي مدي يمكن ان تتطور هذه البلاد؟ واذا كان انتهاج مسالك الشحاذين او اللصوص هو الحل المتوفر امام هذا الجيل المهمَل، واذا كان الجوع هو مايحركهم الان ويشحذ قوتهم وهم مازالوا في عمر البراءة، فما الذي سيمنعهم من تدمير انفسهم وتدمير المجتمع الذي يعيشون فيه عندما تشتد اعوادهم في المستقبل؟ اذا انبأت هذه التصرفات الان علي شئ، فهي تنبئ بحدوث ثورة دامية جنودها وعتادها من الجياع، وهذا النوع من الجنود لا يمكن مواجهته او التصدي له بسهولة. ان كان ذلك ما ينتظر مصر في السنوات القريبة القادمة، وان كانت البراءة التي حرموا منها قد تركت بعض اثارها علي تصرفاتهم التي اصبحت غير بريئة، فغدا هذة الاثار البريئة ستمحي وتتبدل بالعنف الذي سيقتلع كل شئ من جذوره ليلقي بالمجتمع المصري الي هاوية لا نجاة منها، فعندما نصل الي هذا الحد من الفوضي، اي نظام هذا الذي يستطيع ان يحتوي هؤلاء الجوعي الثائرون الذين يحركهم الجوع والفقر واليأس والاحباط مهما بلغت قوته وبأسه و هل يستطيع هذا النظام ان وجد ان يعيد تأهيل هؤلاء الثائرون مرة اخري كي ينبذوا سياسة العنف والفوضي بعد ان تصبح جزءا لا يتجزا من شخصيتهم وحياتهم،،،، درب من المحال. Reply to: [email protected]