جون لوك وشيخ ورطة

كان شيخ ورطة إنسان غير معروف من حيث الهوية الخارجية والهوية الداخلية ، والهوية هي تماثل الإنسان مع ذاته ، وهذا ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات الإنسانية ، ولذلك كان شيخ ورطة دائما هو شيخ ورطة ولا يعني تغيير الاسم تغيير الهوية ، ولذلك أيضا كان شيخ ورطة لا يتوافق كليا مع التعريف الوارد في معجم الفلسفة الصادر عن مجمع اللغة العربية والذي يعرف الشخص على أنه الذات الواعية لكيانها ، والمستقلة في إرادتها الحرة في تصرفاتها ، لأنه ورغم أن شيخ ورطة كان واعيا لذاته إلى درجة التمركز حول هذه الذات ، والى درجة الشك في الآخرين ، إلا انه لم يكن يمتلك الإرادة الحرة في تفكيره وسلوكه ، وكانت شخصية شيخ ورطة أيضا لا تتطابق مع مفهوم الشخصية في اللغة العربية لأن مفهوم الشخصية في اللغة العربية هي الجسم الضخم ، ولكنها كانت تتطابق مع مفهوم الشخصية في اللغة الفرنسية لأن كلمة شخصية في اللغة الفرنسية تعني القناع الذي يرتديه الممثل ليتناسب مع دوره في المسرحية ، وقد كانت شخصية شيخ ورطة شخصية مسرحية تتقن فن اللعب في الصوت والحركة والنص والحوار ، ودراسة الجوانب النفسية والاجتماعية والأساليب التي يمارسها الممثل عبر شخصياته المختلفة ، والتعرف على الحياة الداخلية للشخصية التي تبدأ منذ لحظة ميلاد الشخصية المسرحية وحتى بداية العرض المسرحي ، والحياة الخارجية التي تبدأ من منذ اللحظة الأولى للعرض المسرحي وحتى نهاية المسرحية ، ولذلك كانت شخصية شيخ ورطة شخصية مسرحية وليست شخصية حقيقية ، ولكن ماذا يعنى هذا التناقض في شخصية شيخ ورطة ، هل يعني ان شيخ ورطة كان مريضا بمرض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب خاصة وان أعراض هذا المرض كانت تتطابق مع سلوك شيخ ورطة في ارتفاع المزاج والهوس ، وكثرة الحركة وقلة النوم ، وكثرة الكلام وتجاوز الحدود الاجتماعية في الكلام ، والانتقال من موضوع إلى موضوع وبدون ان تكون هناك أشياء مشتركة بين هذه المواضيع ، والتبذير في المال العام بشكل غير طبيعي ، وجنون العظمة المركب ، لأن جنون العظمة في شخصية شيخ ورطة جنون مركب ، لأنه جنون قد يكون ناتج عن مرض الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية ، وقد يكون جزء من شخصية شيخ ورطة وتطور إلى مرض البارانويا ( الميغالومانيا ) ، وهو مرض عقلي ينقسم إلى قسمين ، القسم الأول جنون الاضطهاد وهو شعور الإنسان بالاضطهاد ، والقسم الثاني جنون العظمة وهو تحقيق الذات في الخيال المرضي ، وهذا يفسر البارانويا اليهودية وهو مرض يهودي قديم يعود إلى زمن اعتقاد اليهود بأنهم شعب الله المختار ، وهذا ينفي ان البارانويا اليهودية قد بدأت مع النازية ، وأن دور النازية فقط كان إيقاظ البارانويا اليهودية المكبوتة والكامنة في نفوس اليهود والمقنعة بمظاهر الذل والخنوع ، وهي موجودة في أصول الديانة اليهودية كما يفهمها اليهود ولا غرابة في ذلك لأن احتقار غير اليهود من تعاليم التلمود ، وفي هذا يتفق شيخ ورطة مع اليهود لأن اليهود يدعون أنهم شعب المختار وشيخ ورطة يدعي انه السيد بعد الله ، وأن الله قد وهبه حالة الغياب عن الوعي الفائق للعقل ، وهي حالة تسمى ( ايكوسطاسي ) أي الوعي فوق مستوى الإدراك ، وفي حالة من هذه الحالات الايكوسطاسية تخيل شيخ ورطة انه يرى جون لوك ويتحاور معه ، والتخيل كما يقول اينشتاين أهم من المعرفة ، لأن التخيل عبارة عن تدفق موجات من الأفكار التي يمكن رؤيتها أو سماعها أو لمسها أو تذوقها ، والإنسان يتفاعل مع كل شيء عبر الصورة ، والصورة قد تكون بصرية أو صوت أو ملمس أو مذاق ، وهي تعبير عن تجارب الإنسان وأوهامه ، والشخص العادي تعبر ذهنه أربعة ألاف فكرة في شكل صورة في اليوم ، ولا فرق بين الصورة الحقيقية والصورة المتخيلة أو بين الصورة الايجابية والصورة السلبية ، والتخيل هو احد الأساليب التي يقوم من خلالها مخ الإنسان بتشفير وتخزين المعلومات والتعبير عنها ، والأداة التي يتفاعل فيها عقل الإنسان مع جسده ، ولذلك تخيل شيخ ورطة انه يرى جون لوك ويتحاور معه ، ولذلك وقف شيخ ورطة وهو في حالة من الغياب عن الوعي الفائق للعقل وتوجه نحو الباب وقال
شيخ ورطة : أهلا جون لوك
جون لوك : أهلا شيخ ورطة
شيخ ورطة : تفضل
جون لوك : ( يدخل إلى الصالون ويجلس ويقول ) هل أنت بخير شيخ ورطة
شيخ ورطة : كيف أكون بخير وأنا لا أرى الكرامة إلا في من احتقرت من الرجال ولا أرى النذالة إلا في من صنعت من أشباه الرجال
جون لوك : هذا لأنك كنت تحس اللانهاية في ذاتك
شيخ ورطة : ولكني الان أحس النهاية في ذاتي
جون لوك : النهاية في ذاتك ام النهاية في ذوات من صنعت من الأنذال
شيخ ورطة : النهاية في ذاتي
جون لوك : ولماذا في ذاتك وليس في ذوات من صنعت من الأنذال
شيخ ورطة : لأن الأنذال أرقام
جون لوك : ولكنك وجدت في هذه الأرقام أدوات تعاونت أنت والعناية الخفية والمال والإعلام والعسكر على صياغتها وفق مقتضيات المرحلة ، وتمكنت من تكييف هذه الصياغة وفق أهدافك
شيخ ورطة : كانوا أرقام بلا كرامة
جون لوك : عظمة الإنسان في الفكر وكرامة الإنسان في الفكر ولا يمكن تحقيق الكرامة إلا في تنظيم فكري
شيخ ورطة : كانوا أرقام بلا أخلاق
جون لوك : الأخلاق في الفكر ولذلك يجب على الإنسان ان يفكر جيدا وهذا هو مبدأ الأخلاق
شيخ ورطة : لكن الفكر والكرامة والأخلاق تعني الثورة
جون لوك : هناك ثورات لا مفر منها ، إنها ثورات الأخلاق ، والثورات الوطنية ، وكما تثور البراكين تثور الأخلاق وتثور الأوطان ، فعندما تكتمل التفاعلات الكيميائية التي تسبب ثورات البراكين تنفجر البراكين ، وعندما تكتمل التفاعلات الأخلاقية التي تسبب الثورات الأخلاقية تنفجر الثورات الأخلاقية ، وعندما تكتمل التفاعلات الوطنية التي تسبب الثورات الوطنية تنفجر الثورات الوطنية
شيخ ورطة : وكيف يمكن تدارك هذه الثورات الأخلاقية والوطنية
جون لوك : لا يمكن
شيخ ورطة : ولماذا
جون لوك : لا يمكن إيقاف الشعوب متى انطلقت
شيخ ورطة : لا يمكن في الفكر ولكنه يمكن في السياسة
جون لوك : لا يمكن في الفكر ويمكن في السياسة ، كيف هذا
شيخ ورطة : عندما لا تكتمل التفاعلات الأخلاقية التي تسبب الثورات الأخلاقية لا تنفجر الثورات الأخلاقية ، وعندما لا تكتمل التفاعلات الوطنية التي تسبب الثورات الوطنية لا تنفجر الثورات الوطنية
جون لوك : وكيف لا تكتمل التفاعلات الأخلاقية والوطنية
شيخ ورطة : التفاعلات الأخلاقية لا تكتمل بالانحلال الأخلاقي والأخلاق نفسها ليست أخلاقية لأنها ولدت من رحم القوة ولأنها انعكاس لموازين القوة
جون لوك : والانحلال لا يقاوم الاحتلال القومي والاحتلال الوطني وإذا قاوم فلن ينتصر
شيخ ورطة : والتفاعلات الوطنية لا تكتمل بالانقسام الوطني
جون لوك : والانقسام الوطني لا يقاوم الاحتلال القومي والاحتلال الوطني وإذا قاوم فلن ينتصر
شيخ ورطة : ماذا تعني بالاحتلال القومي والاحتلال الوطني
جون لوك : الأعداء الأعداء والأشقاء الأعداء
شيخ ورطة : ماذا تعني بالأعداء الأعداء والأشقاء الأعداء
جون لوك : الأعداء الأعداء هم الأعداء الأجانب الذين يحتلون الوطن والأشقاء الأعداء هم مجموعة المصالح الذين يحتلون السلطة ويرتبطون بالأعداء الأجانب الذين يحتلون الوطن
شيخ ورطة : هذا كلام في الفكر
جون لوك : والفكر خائن إذا لم يكن أداة تغيير وسلاح ثورة
شيخ ورطة : ولكن الحكمة السياسية هي تنفيذ إرادة القدر والسير في الطريق الذي تقودنا إليه الأحداث وهذه هي الحقيقة السياسية
جون لوك : الحقيقة نسبية ومتغيرة وينتجها البشر لأنفسهم وفق شروط الزمان والمكان ونمو المعرفة وطبيعة العمل والانتماء السياسي والمركز الاجتماعي ، والوسيلة الحقيقية لكي يصدقك الناس هي ان تجعل الحقيقة لا تصدق
شيخ ورطة : مشكلة الحقيقة هي نفسها مشكلة الأخلاق وهي التطابق مع إرادة القوة وهذا يعني ان الإنسان شيء لا بد من تجاوزه
جون لوك : هذا يعني ان حرية الإنسان بالضرورة سوف تقوده إلى الشر
شيخ ورطة : لأن حرية الشر توجد في نفس الإنسان
جون لوك : لكن نفس الإنسان كما قال أفلاطون تنقسم إلى قسمين ، الجزء الأعلى وهو بسيط لا يقبل التجزئة ومركزة الرأس وهو الجزء العاقل في الإنسان ، والجزء الأدنى وهو الجزء غير العاقل وينقسم إلى قسمين ، القسم الشريف ومركزه القلب وهو قسم غريزي يتعلق بالشرف والشجاعة والعواطف النبيلة ، والقسم الوضيع ومركزه البطن وهو يتعلق بالشهوات ، وعلى هذا الأساس كان أفلاطون يرى ان خيرية النفس تقاس بمدى سيطرة العقل على القلب والبطن
شيخ ورطة : لكن أفلاطون كان يدعو إلى قتل الأطفال الضعفاء والمرضى والذين يولدون لآباء غير أسوياء ، وفصل الأطفال الأصحاء عن آبائهم وأمهاتهم منذ ولادتهم حتى تشرف الدولة على تربيتهم ويخرجوا للحياة لا يعرفون آبائهم وأمهاتهم ولا يكون لهم ولاء إلا إلى الدولة ، وذلك من اجل حصر الشر ومنع تسربه وامتداده ، وذلك بالإضافة إلى مصادرة حق الشخص في المنفعة الفردية لأنها تهدم منفعة المجموع ، والدعوة إلى شيوعية المال والنساء وتحريم الزواج بين طبقتي الجنود والحكام حتى يضيع النسب ولا يعرف احد والديه ويتفانى الجميع في خدمة الدولة ، و نحن نسير على هدى أفلاطون في الأخلاق وشيوعية المال والنساء من اجل بناء الدولة المثالية كما يريدها أفلاطون
جون لوك : لكن أرسطو قال ان أساس الحياة الاجتماعية هو غريزة التجمع عند الإنسان ، وان الملكية الخاصة تتفق مع الفطرة الإنسانية ، وان الآسرة جسم عضوي له هدف في نفسه وله حقوق خاصة ، وهي ضرورة للكل الاجتماعي وهو الدولة ، وقد أتيحت الفرصة إلى أفلاطون أكثر من مرة ولكنه فشل في تحقيق الدولة المثالية لأنها لا تتفق مع الفطرة الإنسانية ، ولذلك قال في أخر كتبه وهو كتاب القوانين ان الدولة المثالية شيء والحقيقة شيء آخر
شيخ ورطة : المشكلة ليست في الفكر ولكنها في الإنسان والتطبيق
جون لوك : الإنسان هو أفلاطون والتطبيق هو أفلاطون لأن التطبيق أسلوب والأسلوب هو الإنسان نفسه
شيخ ورطة : خطأ أفلاطون الأول أنه كان يريد بناء مجتمع جديد داخل قشره القديم
جون لوك : ولذلك فشل وغضب عليه ملك صقلية وكاد ان يباع في سوق النخاسة لولا ان افتداه احد الفلاسفة الأثرياء في سرقوسا
شيخ ورطة : وخطأ أفلاطون الثاني أنه ترك جزء الحياة الخاص بالإنسان للإنسان وجزء الحياة الخاص بالمجتمع للمجتمع
جون لوك : وشيخ ورطة سوف يترك جزء الحياة الخاص بالإنسان للمجتمع وجزء الحياة الخاص بالمجتمع للمجتمع
شيخ ورطة : شيخ ورطة سوف يترك جزء الحياة الخاص بالإنسان لشيخ ورطة وجزء الحياة الخاص بالمجتمع لشيخ ورطة
جون لوك : هذا بالنسبة إلى جزء الحياة الخاص بالإنسان والمجتمع ولكن ماذا بالنسبة إلى بناء مجتمع جديد داخل قشره الجديد ، ماذا يعني هذا
شيخ ورطة : هذا يعني مجتمع جديد داخل قشر شيخ ورطة
جون لوك : هذا يعني ان دولة شيخ ورطة تختلف عن دولة أفلاطون
شيخ ورطة : دولة شيخ ورطة دولة نسيج وحدها وبين الدول لا تحسب
جون لوك : وشيخ ورطة نسيج وحده وبين شيوخ الورطات لا يحسب
شيخ ورطة : لأن هوية شيخ ورطة الخارجية والداخلية تتحدد بناء على تنظيمه الوظيفي وشكل الحياة المرتبطة بشيخ ورطة
جون لوك : الإنسان حيوان ذو هيئة خاصة وهوية خاصة مثلما لكل حيوان هيئته وهويته
شيخ ورطة : لكن ما يميز الإنسان هو امتلاكه للروح
جون لوك : الحيوان له روح
شيخ ورطة : لكن الحيوان ليس له هيئة الإنسان
جون لوك : القرد له هيئة الإنسان
شيخ ورطة : القرد لا يتكلم لغة عقلانية
جون لوك : الببغاء يتكلم لغة عقلانية
شيخ ورطة : الببغاء ليس له هيئة الإنسان
جون لوك : الهيئة ليس الشرط الضروري ولا الشرط الكافي الذي يجعل من الكائن الحي إنسان والروح ليس الشرط الضروري ولا الشرط الكافي الذي يجعل من الكائن الحي إنسان واللغة العقلانية ليس الشرط الضروري ولا الشرط الكافي الذي يجعل من الكائن الحي إنسان ،
شيخ ورطة : هذا يعني ان الشروط الضرورية والشروط الكافية التي تجعل من الكائن الحي أنسانا هي الهيئة والروح واللغة العقلانية
جون لوك : وهذه شروط ليست كافية
شيخ ورطة : كيف ليست كافية وهل هناك شروط أخرى
جون لوك : هناك شرط القدرة على إنتاج خطاب عقلاني والكائن الذي لا يمتلك القدرة على إنتاج خطاب عقلاني هو إنسان بحكم الهيئة
شيخ ورطة : وهل يعني هذا إمكانية انتقال روح حيوان في جسد إنسان بحكم الهيئة
جون لوك : هذه نظرية تناسخ الأرواح ، وهي نظرية تطرح الإشكالية التالية ، إذا تجسدت روح إنسان بحكم الهيئة في جسد كلب هل ننظر إلى هذا الكلب بوصفه كلب ام بوصفه إنسان بحكم الهيئة ، وإذا تجسدت روح كلب في جسد إنسان بحكم الهيئة هل ننظر إلى هذا الإنسان بحكم الهيئة بوصفه إنسان بحكم الهيئة ام بوصفه كلب
شيخ ورطة : هذا موضوع بالنسبة لي لا يشكل إشكالية لأن كل الأرقام كلاب
جون لوك : كلاب لأنك كنت تريدهم كلاب
شيخ ورطة : كان لديهم الاستعداد
جون لوك : بحكم الحاجة وبحكم الرفاهية
شيخ ورطة : وبحكم التكوين والاستعداد النفسي وشكل الحياة الحسية
جون لوك : شيخ ورطة إنسان بحكم الهيئة ورقم اكبر من كل الأرقام ، ولكنه كان يبدو في صورة الزعيم ، ولذلك كان الأرقام يسيرون ورائه دون وعي وكأنه يمتلك سلطة سماوية مقدسة وهي حالة ليس لها منطق في التاريخ . وهنا غادر جون لوك وهو يقول لا استطيع تصور كائن يمكن ان يطور فنون الكذب إلى هذه الدرجة .