تفاءلنا خيرا بانخراطنا في مشروع ضمان الجودة في التعليم وصولا إلى الاعتماد، وهذا يجعلنا في مصاف الدول التي تحترم التعليم وتسعى من خلاله إلى التطوير والمنافسة العالمية. تحقيق هذا الهدف النبيل يحتاج إلى تدريب الكوادر العاملة في هذا المجال، ويحتاج إمكانات كبيرة وأموال كثيرة، كما يحتاج استعدادا نفسيا ورغبة في القيام بالعمل في إطار ضمان جودة التعليم. كلامي هنا سوف ينصب على الجامعة، فبناء على تصنيفات متعددة للجامعات في العالم خرجت جميع جامعات مصر من المنافسة ولم تحجز لنفسها مكانا بين أفضل مائتي جامعة في العالم، ولا حتى في أفضل خمسمائة جامعة في العالم. بالطبع من جهة المكان ومناسبته لعدد الطلاب سوف تخسر جميع الجامعات المصرية، وبالنسبة لدورات المياة ومدى صلاحيتها ومناسبة عدد دورات المياة لعدد الطلاب، سوف تخسر جميع الجامعات المصرية أيضا. المشكلة التي أريد التحدث عنها هنا ليست في التجهيزات ولا الأماكن ولا النظافة ولا الأداء الإداري، فكل هذا لا يمكن استيعابه في مقال واحد، لكنني هنا سأتكلم عن الأداء التدريسي ومدى ارتباطه بالخطة واللائحة، ومدى تنفيذه على أرض الواقع. حين نود أن نتقدم فلا بد أن نؤمن أولا بضرورة التقدم، ولا بد أن نُمهد الجو العام للقيام بعمليات تؤدي إلى التقدم، ولا بد أن نُوفر الأدوات التي تُسهم في عملية التطوير وصولا إلى التقدم الذي ننشده. بدأت كلياتنا في مصر المشاركة في مشروع الجودة والاعتماد من باب زيادة دخل أعضاء هيئة التدريس بشكل ما، وليس من باب الإرادة الحقيقية للتغيير، ومن هنا بدأت الكليات القيام بعمليات تزوير خطيرة جدا، هذه العمليات لا يمكن أن تثمر غير الخداع والتضليل. على سبيل المثال: يجب أن يُعد كل أستاذ خطة تدريسية للفصل الدراسي مرتبطا في ذلك بكتاب الكلية والجامعة، أو باللائحة، وعليه أن يحدد الموضوعات التي سيقوم بتدريسها في الفصل الدراسي المحدد، وعليه أن يحدد الكتب والمراجع التي سيرجع إليها الطلاب ويستعينون بها في دراسة هذا المقرر، وعليه أن يحدد الهدف من دراسة هذا المقرر، وعليه أن يذكر توقعه لمخرجات العملية التعليمية بعد اجتياز هذا المقرر، وعليه أن يحدد طرق التدريس المتوقع أن يسير على هدي منها في عملية التدريس، كما أن عليه أن يحدد الوسائل التعليمية المعينة، والساعات التي سيقضيها في قاعة الدرس والساعات التي سيقضيها في المكتبة والأماكن المساعدة الأخرى. وعليه أن يرفق خطة تفصيلية لعملية التدريس موزعة على أسابيع الفصل الدراسي، ماذا سيدرس في كل أسبوع. وبعد عمل الخطة تفصيلا يجب أن يتسلم كل طالب يدرس هذا المقرر نسخة من هذه الخطة. وهذا في ذاته شيء مهم جدا في نجاح التعليم وتحقيق الأهداف المنشودة؛ لكن الذي يحدث شيء عجيب، فكل هذه الأمور تتم في الملفات والأوراق، ولا شيء منها يتم على أرض الواقع، بمعنى أن كل أستاذ يقوم بعمل خطة أسبوعية لمفردات المقرر الدراسي ويحدد الساعات الدراسية والمكتبية وغيرها، لكن هذا كله يتم على الورق ... أكرر على الورق ولا علاقة له بالواقع التدريسي. الأدهى أن كل هذا ربما يتم بعد انتهاء الفصل الدراسي، والطالب لا علم له بما سيدرسه في الفصل الدراسي القادم، ربما يتذكر ما درسه في الفصل السابق، لكنه لا يعرف في بدء الفصل موضوعات المقررات التي سيقوم بدراستها في هذا الفصل... هل هذا معقول؟؟ المفروض أن كل طالب معه وثيقة تحدد العلاقة الدراسية بينه وبين أستاذه في هذا المقرر أو ذاك، ومن ثم يجب أن تكون هناك استمارة تقويم يحدد فيها الطالب مدى ارتباط الأستاذ في أثناء الدراسة بالوثيقة المقدمة للطالب قبل بدء الدراسة، واقتراحاته لتطوير دراسة المقرر، ونصائحه لزملائه الذين يُقبلون على دراسة هذا المقرر... هذا هو الحلم.... أما الواقع فشيء آخر..... الورق مرتب ومنظم والعمل خيال في خيال..... كيف نطلب نجاحا في تعليمنا ونحن نخدع أنفسنا، نُزور تزويرا واضحا ولا يمكن لأحد أن ينفيه.... هل بواقعنا هذا يمكننا أن نُطور جامعاتنا؟!!! لك الله يا مصر.... لك الله يا مصر أ.د. حسن محمد عبد المقصود كلية التربية- جامعة عين شمس