"كليات الفنون"، ليست مثل باقي الكليات، لا يحتاج الطالب سوي مجموع معين في الثانوية العامة للالتحاق بها، هي الكلية الوحيدة تقريبا التي تتطلب إمكانيات خاصة فيمن يتقدم لها، بالإضافة إلي حاجة هذا المتقدم لدراسة الفنون لإمكانيات خاصة في الكلية، وبين إمكانيات الطالب وإمكانيات الكلية ومدي تحققهما دار هذا التحقيق بين مجموعة من أساتذة هذه الكليات. قال الفنان الدكتور صلاح المليجي الأستاذ بقسم الجرافيك في كلية الفنون الجميلة: كليات الفنون لم تواكب ما يحدث علي مستوي العالم من تيار ما بعد الحداثة بكل ما يحمل من قيم فنية ورؤي وتجارب، فهي لم تواكب الجامعات الفنية في الخارج، ولا أي فعل فني يحدث علي مستوي العالم،وفقدت حتي أكاديميتها، ولم تعد الكلية كما كانت وأنا طالب. وأكمل المليجي كاشفا عن سبب هذا التراجع في المستوي من وجهة نظره قائلا: لن أتحدث عن حجة الأعداد الكبيرة للطلبة وخلافه، لكن هناك بعض الأساتذة في الكلية يعرفون أنفسهم جيدا لا يعملون، يأتون الكلية لشرب القهوة فقط لا غير، لا يدخلون المحاضرات للتدريس للطلبة ولا يتعاملون معهم، ولو ذهب إليهم الطالب يقول له الأستاذ "أنا مشغول"، وأعرف محاضرة واحدة تمت في إحدي المواد في الكلية علي السلم لمدة ربع ساعة في فصل دراسي بأكمله!!. وأغلب أساتذة الدراسات العليا في الكلية يطالبون الطلبة بعمل أبحاث في أسماء المادة الدراسية التي يدرسونها، فهذا ليس منطق للعمل في الكلية!، ولذلك فالتدريس في الكلية يحتاج إعادة رؤية كاملة. أضاف المليجي: بين ما حدث الفترة السابقة بعد عودتي للكلية وعودة الدكتور أحمد نوار، طلب تشكيل لجنة لتغيير لائحة القسم للمناهج، وأقمنا اجتماعات كتبنا خلالها لائحة محترمة لقسم الجرافيك، تضم كل المواد الدراسية لتخدم خريج القسم في السوق بشكل فعلي، ومر حوالي عامين علي ذلك ولم يحدث في القسم أي تغيير؛ ولذلك أري أن الثورة مرت علي كل مكان في مصر عدا كلية الفنون الجميلة، وباقي كليات مصر، وأعتقد أن هناك في الكلية قيادات متميزين جدا، وآخرين لم يأتوا من خلال معايير علمية أو ثقافية أو معرفية أو فنية، بل أتوا نتيجة شللية، هي من أفسدت الكلية؛ لأن الكلية تحتاج فنانا حقيقيا، ففاقد الشيء لا يعطيه!!. فكيف أدرس فنًا دون أن أمتلك تجربة، فسيف وانلي والحسين فوزي لم يحصلا علي دكتوراه وتعلمنا علي أيديهم جيدا، وأنا لست ضد العلم، ويجب أن يعيي كل طالب أن هذه الثورة قامت من أجل تغيير حقيقي، هو تغيير ضمائر قبل أن يكون تغيير عملي، وأنا أقول لهؤلاء الأساتذة "أصحو". تابع المليجي: الكلية تحتاج طفرة كبيرة من ورش العمل علي مستوي مستمر، وبرامج وأنشطة وفعاليات وصيانة الأدوات التي يستخدمها الطلبة، وتدريب للمعيدين الجدد في كيفية تعاملهم مع الطلاب، وأن يكون لهم مشاريع فنية، ولابد من تطبيق اللائحة التي قدمناها منذ عامين، فمطلوب وجود انتخابات ووعي في الاختيار ووجهة نظر. ومن جانبه أكد الفنان الدكتور رضا عبدالسلام الأستاذ بقسم التصوير في كلية الفنون الجميلة: التدريس مازال كما هو، علي الرغم من إجراء بعض المحاولات لتحديث المواد العلمية منذ شهور، ومع الأسف أيضا في ظل مفهوم وحدة ضمان الجودة، أي ضمان جودة تعليم في اعتماد نظام ساعات معتمدة طبقا للنظام العالمي المعمول به في الدول المتقدمة، وربما قليل من الأقسام تدرس بعض المواد التي أدخلت عليها بعض التعديلات، لكني أعتقد أنه مازال المقرارات تدرس كما هي، ورغم أنه أنشئت وحدات ضمان التعليم والجودة، يفترض أنها المنوطة بتطوير وتحديث العملية التعليمية داخل كل كلية علي مستوي جامعة حلوان. وانا مع زملائي وضعنا مناهج معدلة وللأسف لم يأخذ بها ولا نعلم لماذا؟؛ حيث طلب ممن لديه برنامج تعليمي أو افكار ومشروعات لتطوير التعليم طرحها لتتبناها الجامعة، ومع هذا لم يعتد ببرامجنا ومشروعاتنا التي تقدمنا بها. وأوضح: معني هذا ان الاساتذة القائمين علي التدريس لايزالون كما هم يدرسون نفس المواد بنفس الطريقة، وإن اختلف الاداء من شخص لآخر وفق رؤاه وخبرته، عندنا أيضا مشكلة أن نسبة كبيرة جدا من الطلاب المتقدمين للكلية ليس علي درجة كبيرة من الأعداد والموهبة؛ ولذلك الكلية أصبحت مليئة بالطلاب والأماكن محدودة، لكن رغم أن الكلية لديها بعض المشاكل المهنية والإدارية وأيضا المالية فهناك العديد من الأساتذة تبذل قصاري جهدها وتعليمهم بالشكل الجيد، ومن يستفيد هم الطلبة الموهوبون وهم قلة، فصعب أن نقول أن الكلية لا تعطي، لكن من المستفيد؟!، وهل القدر الذي تعطية كاف؟، بالطبع لا، لابد أن كل مؤسسة في العالم تحدث من مقرراتها ومناهجها للارتقاء بالعملية التعليمية ودفعها لمستوي متقدم بعد خمس سنوات، لكننا هنا يحكمنا باستمرار روتين وبيروقراطية وعقول لابد أن تتغير، وكان هذا منتظر بعد الثورة، لكنها لم تتغير. يكمل عبد السلام: وصلنا خطابات من الجامعة لتعيين رئيس الجامعة ونوابه والعميد والوكلاء ورؤساء الأقسام بالانتخاب، وهذا ما كان واجب حدوثه من قبل، لكنه لابد أن يتم بناء علي معايير دقيقه لانتخاب الاكفء من خلال نشاطة وإبداعه وإنتاجه، ولا تكون بالأقدمية والسن. وأكمل: لابد من إعادة نظر في طرق ترقي الأساتذة من المساعد لأستاذ، واللجان القائمة علي الترقي؛ لأنه من الممكن وجود كفاءة وموهبة تستطيع إدارة مؤسسة ولكن لم نستطع تعيينها نظرا لأنها تحقق الأولويات بأقدمية الأستاذ وعدم النظر لقيمته الفنية، ويظل الموهوب منتظرًا الدور إلي أن يحظي بفرصته في الترقي؛ فالمنظومة تحتاج إعادة نظر من اختيار الطالب ثم المعيد والأستاذ المعلم، ثم الإمكانيات المالية والفنية، فالكلية إمكانياتها محدودة جدا، وفوق ذلك لابد من إعادة النظر في ساسية مجانية التعليم في الفنون الجميلة، بمعني أن هناك جامعات خاصة تدرس الفن يدفع فيها الطالب مصروفات باهظة جدا، وفي الوقت نفسه الطالب يدفع مصروفات في الكلية رمزية، في حين أن الأساتذة يحصلون علي رواتب متواضعة بالقياس بمن يدرسون في الفن في الجامعات الخاصة، وآن الأوان أنه لا يوجد تعليم خاص، ولابد تقنين مجانية التعليم لمن يستحقها، بمعني وضع شروط ونسبة معينة من الطلاب المتقدمين في الكلية يعفوا خلالها من المصروفات شريطة ان يكونوا موهوبين، حتي لو كانت ظروفهم الاجتماعية جيدة، فالطالب الموهوب لابد ان يحصل علي منحة المجانية حتي لو كان غنيا أو فقيرًا، اما الشريحة الأخري من القلة من البسطاء الموهوبين فالدولة لابد أن تتحمل مصروفاتهم، لكنني ضد سياسة مجانية التعليم في الفنون الجميلة بهذا الشكل لأنها في واقع الامر تحتاج إلي امكانيات ومساحات ومراسم ومعامل وأجهزة وامكانيات عديدة، وهذا ليس متوفرًا بشكل كاف. يواصل عبد السلام: لابد أيضا المراجعة بين سوق العمل والعملية التعليمية، وبين الكم والكيف، فما يتعلمه الطالب في جامعته لا يتناسب وسوق العمل علي أرض الواقع، فهي منظومة سياسية لابد من إعادة النظر في مستوي التعليم بشكل عام، أي لابد أن نعرف ماذا نريد من كل هذه الأعداد الغفيرة من الخريجين، وما المطلوب من سوق العمل؛ لأن مشكلة مصر أنها لا تستثمر رأس المال الحقيقي وهو الإنسان المصري، وهذه سياسة لم ترجع لثلاثين عاما فقط، بل 58 عامًا منذ فترة عبد الناصر. كما أن هناك قطيعة بين الطالب في كلية الفنون الجميلة والأستاذ فهم لا يعرفون سوي من يدرسون لهم، وهذا يدل علي أن العملية التعليمية منقوصة وتحتاج إلي إعادة نظر. والثورة إلي وقتنا هذا لا تصل بأهدافها واصدائها للجامعات، وعندما تصل لها ستصبح جامعات مصر واحدة من الجامعات المهمة والمرموقة في العالم، ونحن نحاول ونجتهد. وأشارت الفنانة الدكتورة زينب سالم الأستاذة بقسم الخزف في كلية الفنون التطبيقية: بعد الثورة كان الضغط كبيرا من الطلبة عن طريق وقفاتهم الاحتجاجية، وخصوصا في قسم الخزف، وهم يطالبون بأشياء مشروعة وأخري غير مشروعة، ومن المشروع ضرورة وجود عمال نظافة في المكان، وعمال فنيين لعجن الطينة، كما طالبوا بتطوير المباني لأنها قديمة، وبدأت أجزاء من الأسقف في السقوط، وصعدوا الموضوع وذهبوا لرئيس الجامعة، كما كان الطلبة يتحملون مصروفات كثيرة لمن لديه القدرة ومن لا يقدر، لكنهم اليوم يعلمون أنهم أولي أن يصرف عليهم، وأن هذا حقهم. وواصلت: أكد لهم نائب رئيس الجامعة أنه سيتم صرف 300 ألف جنية علي الإنشاءات، أعتقد أن هذا لم يأت إلا من ضغط الطلبة، ومن مشاكل الطلبة أيضا عدم العدل في توزيع الميزانيات بين الأقسام. وفي السنوات الخمس الأخيرة يتم التواصل بين الأساتذة والطلبة علي الفيس بوك، وأتمني أن يكون التواصل أقوي بين الطلاب وهيئة التدريس. ورأي الفنان الدكتور ضياء داود الأستاذ بقسم الخزف في كلية الفنون الجميلة: ضرورة انتخاب عمداء الكليات، لكن رئيس الجامعة لابد أن يعين من قبل وزير التعليم العالي، فلو تمت كل الأفعال بالانتخاب ستحدث فوضي. وقال: الثورة غيرت فقط السلوك مع الطالب، وأعادت اتحاد الطلبة الحقيقي، أما بالنسبة للمناهج في كليات الفنون فيها مشاكل كثيرة، وهناك مشكلة من الناحية التعليمية في الفصل بين الاحتياجات الفعلية الحقيقية في سوق العمل والتدريس في الكلية، فالسوق يحتاج أشياء أكثر مما ندرسه في كلية الفنون التطبيقية، لابد من اتمام خطوات كثيرة جدا لتتحقق. كما أن امتحان القدرات في الكلية ليس علي معيار قوي؛ حيث يقبل بأغلبية المتقدمين الذين يتخرجون لا يستطيعون الرسم، وهذه كارثة لأن الطالب لابد أن يكون موهوبا، ولذلك لابد من وضع امتحان قدرات ذات معيار قوي، ولابد أيضا من إلغاء الفصل الدراسي من كليات الفنون، وهو النظام الذي اتبع في الجامعات بدواعي "أمن دولة" أكثر منها تعليمية، حتي لا يتمكن الطالب من ممارسة أي نشاط سواء ثقافي أو سياسي. ونوه الفنان الدكتور أيمن السمري الأستاذ بقسم التصوير في كلية التربية الفنية: اتمني أن يحدث شيء بين المدرسين في كليات الفنون أنفسهم، بحيث كل منهم يدرس في المادة التي يجيد فيها، كما يجب إعادة نظام وصياغة التدريس، كما ضروري معالجة الكليات الفنية لعيوب مكتب التنسيق؛ لأننا عندنا عدد كبير جدا من الطلبة غير موهوبين، ولم يتخرج في الكلية فنانين سوي الفنانين الحقيقيين الموهوبين؛ ولذلك فالطالب غير الموهوب ليس لديه استيعاب جيد، وهناك فروق فردية لابد أن يتعامل معها المدرس بما يتناسب مع قدرة كل منهم، ومحاولة تنميته فيما يجيده ويهواه، فحق الطالب والمدرس ان كل منهم يعطي فيما يفهمه.