بعد مشاركته بورشة لفن الجرافيك في الصين مع الفنان ممدوح القصيفي، استمرت شهرا كاملا، عاد الفنان الدكتور صلاح المليجي ليحكي لنا عن التجربة الجديدة التي خاضها، وأنتج خلالها مجموعة من الأعمال الجرافيكية، قرر عرضها بمجرد الانتهاء منها خلال العام القادم، في مصر، وحول هذه التجربة كان لنا في "روزاليوسف" معه هذا الحوار: كيف تم ترشيحك في ورشة الصين وما هي نتائجها؟ - هذه الورشة حضرها العام الماضي الفنان ممدوح القصيفي؛ ووجد أنه يمكن مشاركة فنانين جرافيكيين من كل دول العالم؛ وعندما علمت، تقدمت بأعمالي وتمت دعوتي؛ لأن المشاركة لابد أن تكون من خلال دعوة للفنان بعد قبول أعماله من لجنة الاختيار، قمنا باختيار الميعاد والفترة التي تناسبنا، وأقمنا هناك شهرا كاملا حسب الفترة التي حددناها بأنفسنا كي تتناسب مع مواعيد عملنا، وضمت في الفترة التي كنا بها هناك نحو 12 فنانا من أمريكا، إسبانيا، النمسا، ألمانيا، بلغاريا، الصين واليابان. انجزت هناك عملين من الطباعة الغائرة، وآخرين طباعة من الخشب؛حصلت منها علي 25 نسخة من كل عمل، والورشة حصلت علي خمس نسخ. الورشة أقيمت في قرية "جوانلن"، وهي عبارة عن مبان قديمة جدا بنيت منذ 300 عام، أخذتها الحكومة كنظام التأميم الذي كان في مصر سابقا، وبدءوا يرممونها ويحولونها إلي منازل ومراسم وجاليريهات للطباعة الفنية فقط. كيف أثر المكان علي إبداعك؟ - فكرة رؤية ثقافات مختلفة والتغيير بشكل عام يكون له تأثير علي الفنان دون أن يشعر، فكأنه يغير جلده، بمعني أنه يريد أن يثبت وجوده في مكان جديد، بل ويجدد "دم" أعماله؛ ليبعث فيه الحياة برؤية مختلفة، لكن فكرة أن يمارس الفنان العمل في مكان واحد حتي ولو كان أفضل الأماكن بالعالم، فبذلك سيغلق علي نفسه رؤي كثيرة جدا، متمثلة في عمارة وثقافة ورؤية جديدة، والخروج عن مألوف الحياة اليومي وضغوطها، فحينما يعود الفنان إلي بيئته يري الناس بشكل مختلف. والتغيير الذي حدث بداخلي أكثر منه كشكل من الممكن أن يظهر في أعمالي فيما بعد؛ حيث أصبحت المرئيات والمخزون عندي أكبر، والفكرة أوسع من حيث تناول أشياء معينة لا أتعامل معها من قبل، أو تكنيك معين، أو خامة ما لم أكن أتعامل معها؛ وذلك اعتقد أن هذا سوف يضيف لأعمالي في الفترة القادمة. وعن الفنان ممدوح القصيفي، فهو عنده تجربة بها نوع من الاستلهام من روح المكان. ما تقييمك للحركة التشكيلية الصينية؟ - عندهم خطان، أحدهم تقليدي جدا ينقل الأعمال القديمة الصينية بالضبط، وهي أعمال الطبيعة والورود وغيرها، ويمتازون هناك بالقدرة علي نقلها بسرعة كبيرة، كما عندهم تجارب أخري كطريقة اللصوق الصينية، وهذا النوع من الأداء رأيته للمرة الأولي، والذي كنت أقوم بتدريسه هذا العام في الكلية، ويوجد بالطبع أعمال حديثة لفنانين من اليابان وكل العالم. هل ستعرض أعمال الورشة في معرض خاص بمصر؟ - بالتأكيد سأقيم معرضا في أوائل العام الجديد، ولكن عدد الأعمال التي نفذتها قليل، لكنني سأكمل التجربة في مرسمي، واعتقد أن الأعمال التي سأنتجها في مرسي ستكون الأفضل؛ لأنه عندما الفنان يكون في مكانه الخاص يكون في حالة مختلفة عما يكون وسط الناس، فالإحساس يكون أكثر خصوصية، وسجيته تخرج بتدفق عال، والتركيز أيضا يكون أكبر. في رأيك ما مشكلات قسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة؟ - أكثر من 75% من أساتذة كلية الفنون موظفون، لا ينتجون فنا، وهذه حالة من حالات الموت، فإن لم يكن الأستاذ فنانا عنده القدرة علي العطاء في الفن فسيكون مدربا فاشلا؛ لأنه لا يوجد مدرب ناجح إلا وكان وراءه فنان جيد، بدليل أن أساتذتنا كانوا فنانين جيدين جدا، كالفنانين حسين الجبالي، حازم فتح الله، أحمد نوار، لكن أين الأجيال الجديدة؟! سنجد اثنين أو ثلاثة!، أين باقي المدرسين والمعيدين؟!، ماذا يفعلون؟!، ولماذا يأتون إلي الكلية؟! كما أنه لا يوجد تجهيزات جيدة لقسم الجرافيك، فأنا أعلم أن الكلية إمكانياتها محدودة، لكن بإيدنا كأفراد أن نفعل الكثير، فما المانع أن يشارك الأساتذة في ذلك، ففكرة أن يحاول طالب طبع مشروع تخرجه ولا يجد ماكينة طباعة شيء محزن، فأين سيطبع مشروعه؟! أعلم أن الكلية لا يوجد عندها الاستعداد الكامل للصرف علي المكان، نتيجة ضغوط الميزانية والدولة والاقتصاد إلي آخره، إذا يجب علينا أن نحول الكلية إلي وحدة إنتاجية تستطيع أن تحول هذا الفن إلي حالة من حالات الإبداع والتسويق في نفس الوقت. هل إلغاء ترينالي الجرافيك أحبط فنانيه وأضعف إقبالهم علي المعارض؟ - الفنانون الذين شاركوا بالترينالي وحصلوا علي الجوائز كانوا من أساتذة كليات الفنون، بالإضافة إلي الفنانين الأحرار، أو الفنانين الذين يعملون في وظائف، لكن حينما ينجح عمل لمدة خمسة عشر عاما، ويصل إلي الدورة الخامسة، ثم ينقطع، فأنا اعتقد أن هذا ضد الجرافيك بشكل عام، لكن إلغاءه لا أعتبره حجة للفنان كي لا ينتج أعمالا، فجميعنا ننتج أعمالا ونشارك بها خارج مصر، لكن الترينالي كان مرآة جميلة لمصر وللدول الأخري التي كانت تعرض فيه، وبالطبع أنا كنت أعمل في قطاع الفنون التشكيلية حينما تم إلغاء الترينالي، وقال رئيس القطاع وقتها أنه لا توجد ميزانية لإقامته، وأنا لا ليس عندي أي فكرة عن أمور القطاع المادية، أو حجم تكلفة الترينالي. ما تقييمك للجرافيك في الساحة التشكيلية حاليا؟ - معارض الجرافيك قليلة جدا، ولا يوجد تركيز علي جرافيكيين جادين، سوي معرض في جاليري الزمالك اختار قليلا من الجرافيكيين وعرض وسوق أعمالهم. حتي هروبي أنا شخصيا إلي التصوير لأن الوقت الذي يستغرقه أقل بكثير من الجرافيك، فالفكرة أنه لا يوجد وقت لممارسة الجرافيك عند الفنانين بشكل عام؛ لأنه يستنزف الطاقة والوقت بشكل واضح وقوي جدا، لكن الشباب الذي يمتلك الوقت يجب أن يحاول التركيز فيه. ما رأيك في الحركة التشكيلية بشكل عام حاليا، وهل هي موازية للحركة العالمية؟ - أنا لا أدعي أنني أعرف الحركة العالمية جميعها، لكن من خلال بعض الموسوعات التي تأتيني أري أن الفن اتخذ مناحي جديدة بها حداثة عالية جدا، قد لا تتلاءم أحيانا مع أذواقنا، ومع ذلك نستوعبها، فبعض الفنانين لديهم القدرة علي الخوض في الفيديو آرت وقاموا بعمل أعمال جيدة، وقدموا أعمالا مركبة وتجهيز في الفراغ، وغير ذلك، لكن الاتجاه في العالم كله هو أن الصورة هي الصورة، والعمل الفني هو عمل ذو إطار مازال حتي الآن، بغض النظر عن أي فنون أخري، فبالرغم من ذلك فالباقي هو الصورة التي نعرفها جميعنا، والتي تحكم بإطار يمكن أن نقتنيه في منزل أو متحف. والفنانون المصريون موجودون بشكل جيد؛ بدليل أننا حينما نشارك في معارض خارجية يكون لنا وجود بشكل قوي، وحصولنا علي الجوائز العالمية، وأن تقتني أعمال فنانين مصريين في الخارج فهذا دليل نجاح إلي حد ما، ويؤكد وجود الحركة الفنية بشكل قوي، لكن التناول فهو مجموعة من المحاور مع بعضها، يمكن أن تكون مشكلة فنان، ناقد، إعلام، لا يجب أن أحاسب أيهم فقط، فجميعهم يمثلون كيانا مرتبطا بالتعليم والثقافة والوعي والاقتصاد وغير ذلك، فالمسألة تحتاج إعادة رؤية.