فنان تشكيلي وناقد أكاديمي رصين فنا وكتابة، تخرج علي يديه العديد من الأجيال الفنية من قسم "الجرافيك" بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، هو الفنان الدكتور ياسر منجي، بمناسبة حصوله علي الجائزة الأولي لنقاد الفن التشكيلي العربي التي أقيمت مؤخرا ضمن فعاليات "جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي"، والتي حملت موضوع "الحداثة في الفنون التشكيلية العربية" كان لنا معه في "روزاليوسف" هذا الحوار: كيف تري الحركة التشكيلية حاليا؟ - نحن نمر بمرحلة تحولات اقتصادية واجتماعية من خلال الانفتاح المتسارع بعيدًا عن التقليدية، وعلي سبيل المثال نجد أن وزارة الثقافة، علي الرغم من الجهد الكبير الذي تبذله من خلال قطاعاتها وهيئاتها، لا يزال يغلب عليها نوع من الأداء التقليدي البيروقراطي، الذي يحمل نوعا من الاستعادة لآليات لم تتغير منذ زمن بعيد، في نفس الوقت الذي نجد أنه في الخارج هناك تعامل بفكر مرن واستغلال لفكرة الرأس المال الحر، وتبادل المعلومات بشكل أصبح مهددا للشكل التقليدي الذي نتعامل به. هل يمكن أن نوضح هذا الكلام بأمثلة؟ - هناك مثلا الموسوعات الخاصة بالفنانين المصريين لا نجد فيها اسم من النشطاء الفاعلين، ونجد أن هناك مؤسسات أخري أصبحت فاعلة وأصبحت تقدم للغرب الذي لا يجد بديلا عنها في هيئة كتاب أو موسوعة مترجمة، مع احترامي لموسوعات "صالون الشباب" التي تقدم بيانات مسمطة وغير مترجمة، فلا يمكن تقديمها للغرب للاستفادة منها، ولذلك نجد أن الفنان محكوم بنشاطه الفردي لتقديم نفسه حين يرغب أن يشارك في فعالية دولية. ما اقتراحاتك؟ - أدعو بشدة لنشاط ولو محدود، مع علمي بأن الهيئات والقطاعات الحكومية محكومة بميزانيات محدودة، ولكن علي الأقل لو تم عمل مطبوعات بشكل دوري يقدم فيها الفنانين الفاعلين باللغة الإنجليزية، خاصة أن تلك القطاعات تمتلك إدارات للترجمة، يمكن إسناد تلك الأمور إليها، لنكون موجودين بالحد الأدني علي الأقل، وهناك أيضا عدد من الفعاليات غير المعروفة ما يحكمها منها علي سبيل المثال: بينالي فينسيا نجد أننا لا نعرف ما هي معايير اختيار القوميسيير عدا أنه يتم اختياره من خلال الوزير، ومع احترامي له ولرؤيته الثاقبة علي اعتبار انه فنان، ولكنه علي الأقل وان كان يعرف مائة بالمائة من شريحة البارزين، فإنه لا يعرف مائة بالمائة من شريحة الناشطين، لذلك أتمني أن يتم في وقت من الأوقات أن يطرح بشفافية معايير الاختيار، خاصة أن القوميسيير يفوض بصلاحيات كاملة لاختيار الفنانين المشاركين، فما المانع أن يتم طرح ذلك الاختيار كمسابقة، ويتم اختيار الفنانين من خلال لجنة، ولا بد أن يكون هناك فلسفة جامعة ومشروع جامع للمشاركة. وماذا إذا عن رؤيتك للحركة النقدية التشكيلية في مصر؟ - أهم مشكلة تعاني منها الحركة النقدية المصرية إلي الآن هي عدم كفاية القنوات والمنافذ التي تضمن فيها الأقلام نشر ثابت ومضمون، خاصة أن هناك الكثير من الأقلام الشابة، لكنها لا تجد صفحات ثابتة تنشر من خلالها، أو توافر صفحات متخصصة أو أبواب ثابتة في الجرائد القومية أو الخاصة، علي الرغم من أن هناك مؤسسات تنبهت لذلك مثل مؤسسة "روزاليوسف"، ونجد أن حتي المساحات المتاحة نجدها مهددة بالتأجيل في حالة أن هناك أحداثًا كروية أو سياسية مثلا. ما الذي شجعك علي ممارسة النقد الفني بجانب الجرافيك؟ - انتشار مجال الجرافيك ليس بنفس قدر الفنون الأخري كالتصوير والنحت، وشريحة المتلقين له أقل وأكثر تخصصا، وحتي من تمكنوا من كسر هذه القاعدة مثل الفنان أحمد نوار والحسين فوزي، اعتمدوا علي أشياء أخري بجانب فنهم، فنوار مثلا مارس فنونا ومجالات آخري، بجانب حضوره القوي في الجانب الإداري، والحسين فوزي مارس الرسم الصحفي والتصوير، ففن الجرافيك ليس بنفس القدرة علي صناعة أسماء لامعة، إلا في نوادر قليلة جدا، علي الرغم من أن الجرافيك حظه أوفر في الخارج، مثلما حدث مع الفنان فتحي أحمد، لذا حرصت علي الكتابة النقدية بجانب العمل الفني، وكنت دائما استمتع بكتابات بيكار السهلة البسيطة، وبالوطنية الشديدة والحنو الموجودة في كتابات بدر الدين أبو غازي، وكنت انبهر بالجمع بين ثقافات وتخصصات مختلفة في كتابات نعيم عطية في جمعه بين المسرح والأدب والفن التشكيلي، وكذلك كتابات كل من مختار العطار والجباخنجي وأحمد فؤاد سليم، فكانت الكتابة بالنسبة لي مكملا للجانب العلمي الأكاديمي من بحوث نقدية ودراسات عليا. متي بدأت النقد الفني فعليا؟ - قد يستغرب الكثيرون عندما يعرفون أن بداياتي النقدية كانت من خلال النقد الأدبي، وكان ذلك في عام 2003 بشكل مستمر من خلال جريدة "القاهرة"، وكانت عبارة عن سلسلة من المقالات عن أدب باولو كويلو ورواياته بشكل خاص، وعن أدب أمريكا اللاتينية بشكل عام، فقبل تلك الفترة كانت كتاباتي عبارة عن محاولات متفرقة وفي أماكن غير مقروءة بشكل جيد، فطلب مني عدد من الزملاء والأصدقاء منهم الفنانين الدكتور حازم فتح الله وصلاح المليجي وأحمد رجب صقر وغيرهم، أن أكتب في الفن التشكيلي من باب أولي، وتزامن ذلك عندما بدأت أرسل مجموعة من المقالات التشكيلية إلي جريدة "القاهرة" ومجلة "السفير العربي"، وتزامن ذلك مع رغبة لدي الراحلين أحمد فؤاد سليم وفاطمة إسماعيل لإضافة فرع للنقد التشكيلي ضمن مسابقة صالون الشباب الثالث عشر والرابع عشر، وفزت في الدورتين بالجائزة الأولي، ثم بعد ذلك تولد لدي بعض الزملاء طموح لإنشاء جريدة متخصصة للفن التشكيلي، وقضيت عامين في الكتابة بها، ومن وقت لآخر كنت أراسل عددًا من المجلات العربية، وأصبحت أنشر كتاباتي في الخارج أكثر مما أنشر في مصر، لأسباب منطقية منها قلة الصفحات المتخصصة الموجودة في الجرائد والمجلات، وقلة المساحات المتاحة. ما أهم ما ميز فترة توليك مسئولية النشاط الثقافي بقاعة "ممر 35" التابعة لقطاع الفنون التشكيلية؟ - تلك الفترة كانت مصاحبة لانفتاح القطاع علي تجارب الشباب من خلال الإدارات، وكانت فرصة مهمة جدا لي لأعرف حدود قدراتي، وأن أخوض التجربة الإدارية بعيد عن النظام الأكاديمي الذي انتمي إليه في كلية الفنون الجميلة، خاصة أنه لا يكفي لها أن يكون الشخص ملما بما يحدث فقط، أو ملكة الكتابة، ولكن يبقي الأهم في العمل الإداري أن يكون هناك ملكة التنظيم والإدارة، وتلك مسألة مفقودة لدي، وكان الجانب الطموح لدي أعلي من الجانب الممكن نقله إلي حيز التطبيق، وذلك كان جانب القصور لدي، وكان ذلك يتعلق بالأشخاص أكثر من تعلقها بالنظام نفسه، وفي فترة تواجدي تلك في القطاع ربما كان لزملاء آخرين تصور آخر أو طبيعة تفكير آخري، مما ولّد نوعا من عدم التنسيق بيننا في العمل، ولا نستطيع أن نغفل عامل الطموح الشخصي لدي أو لديهم، وكل ذلك عند تفكيري بشكل محايد جعلني أفضل أن أنسحب لأتفرغ لشيء آخر أحبه. ما أهم محطاتك الفنية أثناء الدراسة بكلية الفنون الجميلة؟ - أهم المحطات الفنية هي مشاركتي في معارض صالون الشباب وقت أن كان في قمة توهجه، وكان ذلك حتي دورته الثالثة عشرة، وحصلت فيها علي أكثر من جائزة، فعمل ذلك علي تشجيعي، وكانت الدافع لي، إلي جانب إحساسي بتشجيع زملائي لي.