في بدايتها كانت الحقوق كلية لا يدخلها سوي المتفوقين واصحاب الطموح الراغبين في مقاعد الوزراء وكبار الساسة ومنذ بداية الثمانينيات تراجعت كليات الحقوق وتحولت لمكان يتكدس فيه طلاب يشكلون ضغطا علي التعليم العالي وإذ ضمت كليات الحقوق عشرات الالاف حتي وصلت نسبة الاساتذة للطلاب واحدا لكل600 طالب وهي احصائية مخيفة بمقياس الجودة الشاملة. وبدأت عملية التطوير أخيرا لإعادة هيكلة13 كلية للحقوق دخلت خمس كليات منها فقط في طريق الجودة بين تقدير مرض وغير مرض. وكانت المفاجأة للجميع علي لسان الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي امام مؤتمر تطوير الدراسات القانونية بوقف انشاء كليات جديدة للحقوق حتي عام2022 وخفض اعداد المقبولين بالكليات القائمة ليكون نصيب كل منها500 طالب سنويا في اطار خطة شملت ايضا كليات التجارة والاداب ودار العلوم والتربية واشتد الجدل حول هذا التوجه بين خبراء الجامعات والقانون بين مؤيد ومعارض. قرار معقول ففي البداية وصف الدكتور عاطف البنا استاذ القانون الدستوري قرار الوزير بوقف انشاء كليات جديدة للحقوق بانه معقول جدا لأن الكليات القائمة كافية جدا خاصة أنها تعاني قلة أعداد أعضاء هيئات التدريس بالنسبة لأعداد الطلاب كما أنها تضم ثلاثة نظم تعليمية هي الإنتظام والإنتساب والتعليم المفتوح وهو وضع مخالف لأي نظام تدريسي في أي مجال آخر وبالتالي يجب تقليص اعدادها تمهيدا لتحقيق توزان حقيقي في المعادلة يعيد علاقة بين الأستاذ والطالب بحيث لا تكون مجرد علاقة بين ميكروفون وآلاف الطلاب معتبرا أن قرار هلال يعد احدي أهم الوسائل المطلوبة لتطوير وتحسين قطاع الدراسات القانونية. إلا أنه أكد أنه ليس المعيار الوحيد للتطوير بل من الضروري وضع خطة للتطوير خاصة أن أوضاع كليات الحقوق بشكل عام ومستوي خريجيها بشكل خاص أصبح أسوأ من ذي قبل ولابد ان يتم توفير الامكانات المادية والبشرية في تلك الكليات وإعادة النظر في أوضاع أعضاء هيئات التدريس الذين أصبحت مرتباتهم مزرية داعيا إلي المزيد من الإجراءات لتطوير هذا القطاع. كلية من لا كلية له ويقول د. عاطف النقلي عميد كلية الحقوق بجامعة الزقازيق أنه من أشد المؤيدين لقرار تخفيض أعداد طلاب الكليات كثيفة الأعداد من الطلاب ومنها كليات الحقوق لأن الحقوق في حد ذاتها أصبحت كلية من لا كلية له علي حد تعبيره وتحولت إلي ملجأ لمعظم طلاب القاع من حملة الشهادة الثانوية العامة رغم أن كل المهن القانونية مهن رفيعة وتحتاج إلي أفضل العقول لاستيعاب كل ما يدرس بها. وأشار النقلي إلي أن جميع دول العالم تضع ضوابط لملتحقي كليات الحقوق لتخريج طالب ذي قيمة, فمثلا كليات الحقوق في دولة كالولايات المتحدة علي سبيل المثال لا تقبل طلاب الثانوية العامة بل هي ضمن الكليات التي يلتحق بها الطلاب الذين أنهوا دراستهم الجامعية في حين ان كليات الحقوق لدينا تخرج سنويا25 ألف خريج. واعتبر أن مستوي خريجي كليات الحقوق الحاليين في انحدار مستمر ولابد أن تعود تلك الكليات لأعدادها الطبيعية فكلية الحقوق بجامعة القاهرة حاليا بها40 ألف طالب وطالبة وكلية حقوق الزقازيق بها22 ألف طالب معتبرا أن مستوي الكليات في ظل تلك الأعداد لابد وأن ينحدر. إلا أنه أكد أن تطوير كليات الحقوق لا يمكن أن يعتمد فقط علي مجرد تخفيض الأعداد ولا يعد بمفرده حلا, بل لابد من اختيار الطلاب ذي المجموع المرتفع بالثانوية العامة لأن القانون تعبير عن الحياة بل هو عصبها. وقال ان قرار تخفيض الأعداد وعدم إنشاء كليات جديدة لابد أن تواكبه زيادة في ميزانيات البحث العلمي وزيادة عدد البعثات للخارج لأعضاء هيئات التدريس وخاصة الهيئة المعاونة من المعيدين والمدرسين المساعدين وأن يتم تعيين الخريجين كأعضاء بهيئة التدريس علي اعتبار الجدارة والأولوية من حيث المجموع وترتيبه علي مستوي كليته رافضا إجراء مقابلة شخصية للقبول بالتعيين. قرار مندفع ويري د. ثروت بدوي أستاذ القانون بجامعة القاهرة أن هلال يندفع في كثير من قراراته والتي يتخدها دون دراسة معتبرا قراره الأخير نوعا من ذلك الاندفاع ويؤكد أن الجامعات مستقلة بحكم الدستور في مادته رقم18 واستقلالها يعني أن الوزير لا يمكن أن يتدخل في شئونها سواء بتحديد أعداد الطلاب أو في نوعية التعليم ذاتها من حيث إقرار الانتظام أو الانتساب أو العكس. ويضيف ان المجلس الاعلي للجامعات ما هو إلا سلطة مركزية لا تملك ولا يحق لها أن تعطي توجيهات أو تصدر قرارات لها قوة ملزمة بشأن التعليم الجامعي أو بشأن خفض الأعداد من الطلاب المقبولين ويقتصر دور المجلس علي مجرد التنسيق واصدار مجرد توصيات غير ملزمة فالجامعة لها شخصيتها القانونية المستقلة. واعتبر أن قرار هلال يفتقر إلي مقومات القرار الملزم فوزارة التعليم العالي تختلف عن وزارة التربية والتعليم التي هي مسئولة بدورها عن مجموعة من الأجهزة الإدارية التابعة لها إلا أن الجامعات لا تتبع وزارة التعليم العالي وأشار إلي أنه من الأمور التي تغيب دائما عن بال المسئولين الربط بين الواقع الفعلي والأفكار النظرية وبالتالي قبل أن يتم التفكير في تحديد أعداد المقبولين بكليات الحقوق لابد وأن يكون الوزير علي دراية بأن تلك الكليات تغذي قطاعات واسعة بالدولة من خريجيها سنويا كالنيابة الإدارية ومجلس الدولة ومهنة المحاماة ولايمكن أن يتم تجميد الأعداد في تلك الأجهزة الحيوية ويؤكد بدوي: ان تطوير كليات الحقوق يجب ان يبدأ بتحسين اوضاع اعضاء هيئات التدريس المادية والمعنوية لان الجامعة تعتمد في الاساس علي الاستاذ وبصدد حديثه عن تكدس اعداد الطلاب قال بدوي بالنسبة لي شخصيا فإنه كلما زاد عدد الطلاب في المدرج زادت قدرتي علي العطاء نفسيا ومعنويا فأنا لا أطيق عزوف الطلاب عن حضور محاضرتي وإقبال الطلاب علي المحاضرة هو الذي يعطيني القوة والقدرة علي العطاء والتواصل معهم. أما علي صعيد الجهات القانونية في مصر والتي تستقبل سنويا خريجي كليات الحقوق مع الوضع في الاعتبار شروط كل منها فيرفض حمدي خليفة نقيب المحامين فكرة الامتناع عن إنشاء كليات جديدة للحقوق ولكن من الممكن وضع عدد من الضوابط التي تكفل قبول طالب لديه المهارات الشخصية والفكرية التي تؤهله لأن يصبح رجل قانون في المستقبل. واقترح خليفة أن يتم التنسيق بين وزارة التعليم العالي, والمجلس الأعلي للجامعات من جانب وممثلي الهيئات القضائية والقانونية من جانب آخر لوضع تلك الضوابط بما يكفل وجود طالب كفء تستفيد منه تلك المؤسسات بعد تخرجه مؤكدا أنه لايمكن حرمان طالب من دخول كليات الحقوق. قرار سليم في حين يؤيد المستشار معتز كامل أمين عام مجلس الدولة قرار تخفيض الأعداد والكليات واصفا إياه بأنه قرار سليم مائة بالمائة معتبرا أن زيادة أعداد الطلاب بكليات الحقوق بالشكل الحالي يؤثر علي الكفاءة سواء بالنسبةالطالب أو عضو هيئة التدريس مؤكدا أن مستوي الخريجين خلال الاعوام الخمسة عشر الماضية منخفض جدا رغم أن الجامعات بأعضاء هيئات تدريسها تقوم بدورها علي أكمل وجه. ويضيف أنه بالنسبة لمجلس الدولة فيتقدم للالتحاق به في المتوسط ثلاثة آلاف خريج سنويا ويقبل المجلس مائة فقط ويتم استبعاد الباقين ليس لسوء مستواهم وإنما لعدم توافر الشروط الي جانب أنه لايمكن قبول كل هذا العدد سنويا كما أن الأمر مهم بالنسبة للقضاء الواقف قاصدا مهنة المحاماة مؤكدا أن العديد من طلبات تأجيل القضايا أمام المحاكم يكون سببها الأساسي عدم إلمام المحامي الذي هو في الأساس خريج إحدي كليات الحقوق بالقدر الكافي من المعلومات القانونية والقدرات الأساسية. وعن الانتقادات التي وجهت للقرار قال كامل: اللي مش هيلاقي فرصة يدخل حقوق هيلاقيها في حتة تانية مؤكدا أن القرار سيعيد الموازين الطبيعية للالتحاق بالكليات قائلا: الشهادة الحرفية والتي توفر فرصة عمل أحسن من ليسانس حقوق وبدون عمل في إشارة منه الي التعليم الفني قرار يخص الوزير وحده ويؤكد الدكتور أحمد جمال الدين موسي رئيس قطاع الدراسات القانونية بالمجلس الاعلي للجامعات أن القرار يخص الوزير وحده وأن القطاع ليس طرفا فيه وأن رؤية القطاع لحال كليات الحقوق قد بلورها في عدد من التوصيات التي خرج بها مؤتمره حول تطوير قطاع الدراسات القانونية. ودارت أبرز التوصيات حول دراسة جعل النظام الدراسي بكليات الحقوق متدرجا فمنح شهادات بعد عامين أو ثلاثة أو أربعة وفق الغرض الذي يؤهل اليه الطالب بعد التخرج وتوفير البعثات والمنح الدراسية الكافية للمعيدين والمدرسين المساعدين لتعويض النقص الملحوظ في أعداد أعضاء هيئات التدريس و تطوير طرق التدريس والتقويم وتقليل الاعتماد علي الطرق التقليدية القائمة علي المحاضرات العامة والسعي لإدخال الوسائل التقنية الحديثة في عملية التعلم