الصورة النمطية عن انسان دائما فيها شئ من الاجحاف و الظلم بحق هذا الانسان، لانه كائن حي و هو قادر على التغيير و التغيّر، و من الاجحاف ايضا ان نحاسب انسان على فعل فعله اسلافه و المبدأ بذلك اسلامي محض فكل امرئ بما كسب رهين، ولا تزر وازرة وزر اخرى، و هذا التغيير و التغيّر يظهر في الجانب الحزبي او الحزبي السياسي اكثر منه على الجانب الفردي، حتى ان كمان هذا التغيير في السياسة سيصطدم مع الاطار الفكري او الاطار المرجعي لا ان التغيير سيحصل لان السياسة تنطلق من منطلق حاجات الناس المتغيرة و ليس من الاطر الفكرية و المرجعية الجامدة او المتحجرة هذا ان وجدت هذه الاطر الفكري او المرجعية بالصورة الجامدة و المتحجرة فكيف سيكون الحال اذا لم تكن هذه الاطر موجودة اصلا ؟ او كانت موجودة و قد انتهت؟. لقد فاز الاخوان المسلمون في الانتخابات الرئاسية في مصر، و هو حدث جاء تلبي للتغيير الذي اراده العالم ان يحدث في مصر و الدول العربية ( التغيير الديموقراطي) و هذا لم يكن حلم حسن البنا المؤسس فاكثر ما كان يطمح اليه البنا هو البرلمان، او انتخابات النقابات، او التاسيس لقاعدة جماهيرية داعمة للاخوان تساعد في تطبيق سياسات الجماعة علة مدار سنوات تأسيسها منذ العام 1928 حتى ما قبل ثورة يناير المصرية، لكن الصورة التي رسمها نظام جمال عبد الناصر القومي للاخوان و أكد عليها السادات و سياسته و استمر عليها حسني مبارك و توجهاته المبنية على مصالح شخصية اكثر منها وطنية ، و انطلاق الاخوان من منطلق فكري اسلامي معتدل و سياسة العنف التي انتهجتها الجماعة في عهد عبد الناصر خاصة ادت الى خلق هذه الصورة النمطية التي استمرت منذ ذلك الحين و عمل نظام السادات و حسني مبارك بما يمتلكونه من قدرات دبلوماسية و اعلامية من تصدير هذه الصورة الى الخارج و خاصة الى الغرب الذي يتعامل معها على انها حركة ارهابية او داعمة للارهاب و هذا اتى بعد اعلان مبارك عن الحركة انها حركة محظورة في البلاد. اما وقد ذاب الثلج و انقشع الضباب و باد ان كل شئ واضح للشعب اولا حقيقة ما جرى عليه حكم البلاد في عهد النظام السابق من فساد اداري و سياسي و اهدار لخيرات البلاد و تحميلها ما لا يطاق من الديون، و قيام مصالح و تحالفات دولية او اقليمية على حساب مصلحة المواطن المصري ( لقمة عيشة و سريان حياته اليومية كأقل طموح) توجه الشعب المصر لميدان التحرير و خلع رئيسه لثلاثين عاما فان هذا الشعب يعكس رغبة حقيقية غي التغيير و السعي الديموقراطي ، و رغبة في العيش الكريم البعيد عن حياة الرفاهية ، فان توجه الشعب الفقير كان لانتخاب مرشح الاخوان رئيسا لمصر ، هذه الانتخابات كانت اقرب الى شكل من اشكال الاحتجاج البوليتاري منه الى انتخابات شعبية بمفهومها العام و هذا يعكس الرغبة الحقيقية في التغيير ، و يعكس مدى الظلم الذي يشعر به المصريون الذين باتوا يعلمون ان جماعة الاخوان المسلمين بما تملكه من مخزون اخلاقي نابع اساسا من الاسلام كدين للشعب يمكن ان يبعدها عن الفساد الاداري و اهدار المال العام، و التقرب الى العالم و الجيران على حساب المواطن المصري، فمصر و النظام المصري للمصريين و هم بأمس الحاجة لان يشعروا بذلك بعد ان بات احدهم لا يدرك كينونته، او يستشعر مواطنته فنظام لا يقدر مواطنيه لا يستحق ا يبقى، غير ان العالم المؤيد للديموقراطية لا يريد ان تسود في مصر بهذا الشكل او ان يكون الاخوان المسلمين و الشعب الكادح هم من يحكم البلاد ، و هذه الارادة العالمية تجد من يؤيدها من الداخل المصري فهمم يشككون في الاخوان و قدراتهم على ادارة البلاد و هولاء افضل ما يمكن ان يطلق عليهم من القاب "القطط السمان" المتنفذين في النظام السابق او الداعين لتكري الطبقية في الشعب فهم السادة و يريدون ان يبقوا السادة، هذا التشكيك لا يرتقي للتجربة او المنطقية او الحقيقة في ميدان الحكم و السياسة فلاخوان لاول مرة يصلون الى الحكم سواء برلمانيا او رئاسيا و كل ما يمتلكه هولاء عن الاخوان هي الصورة النمطية للعنف الذي قادهم اليه جمال عبد الناصر و من بعده انور السادات كذلك الذي فرضه عليهم نظام حسني مبارك ، و كل النشاطات الاخوانية في مصر او غير مصر كانت محصورة في الخدمات الاجتماعية او مؤسسات العمل الخيري و هذه الاخيرة مشهود لها بامتياز في النجاح الذي حقته على الرغم من استمرار ملاحقة الانظمة السابقة و المجتمع الدولي لهذه المؤسسات و اعتبارها مؤسسات داعمة للارهاب. لا اساس في المقارنة بين الاخوان و غيرهم في القدرة على ادارة شؤون البلاد لانعدام التجربة التي يمكن ان تؤدى الى المقارنة و ان كانت المقارنة لا بد حاصلة فانه على العكس فان التجربة تبين فشل الانظمة السابقة _اذا استثنينا حكم جمال عبد الناصر_في ادارة البلاد و النهوض بالمواطن المصري و هذا يستدعي امرا واحدا و مفاده اعطاء الاخوان فرصة لادارة الشان المصري، و هنا لا اتكلم عن الاخوان كحركة متطرفة بل كحركة اسلامية اقرب ما تكون للحكم المدني و العلمانية منها الى الاسلام فهي لا تستطيع ان تغير دستور البلاد لاسلامي او حتى ان تحكم بالاسلام خلال سنوات حكمها الاربعة القادمة ، غير ان التزامها الاخلاقي تجاه الشعب و المواطن المصري هو التزام اسلامي و هي اكثر أخلاقية من الانظمة السابقة و هو امر لا تحتاجه مصر على وجه التحديد بل الدول العربية جميعها... هو ما تحتاجه الشعوب العربية ، فهي بحاجة الى حكام يشعروا بها و يقدموها على انفسهم او مصالحهم الحزبية ، و هو الامر الحاصل في الديموقراطيات الكبرى بما فيها الولاياتالمتحدة و اوروبا و اسرائيل، فوصول الاخوان المسلمين الى الحكم لا شل انه سيحقق _ ان لم يكن الازدهار الكامل_ فانه سيحقق نوعا من الازدهار بشكله الأكبر و الاكثر اذا ما اعطوا فرصة حقيقية لادارة البلاد دون ان يتم الالتفاف عليهم و على برنامجهم الانتخابي او شرعيتهم الانتخابية، فان وجد المصريون من الاخوان ما يسرهم انتخبوهم مرة اخرى بعد اربعة سنوات و الا فان كل الخيارات متاحة في اللعبة الديموقراطية التي بدأ المصريون باتقانها بعد ثورة الخامس و العشرين من يناير، و هنا يكون لزاما على الاخرين ان يجلسوا مدة الاربع سنوات هذه يستمعوا الى الاخوان و ينتبهوا ليراقبوا ادارتهم للبلاد فان اعجبهم ما يقدموه كان من مصلحة البلد و من مصلحة الشعب انتخابهم مرة اخرى و الا فانها حقبة من التاريخ المصري و تمر بسلام. 27/6/2012