الدكتور / رمضان حسين الشيخ إن التغيير الإيجابي يحتاج إلى دوافع ومحفزات تدفع الشخص نحوه وتحثه عليه وتعينه على الالتزام به، وهذه الدوافع والمحفزات متوفرة في شهر رمضان المبارك، ففيه يعيد المسلم تنظيم وقته، ويترك السيئ من سلوكه والذميم من أخلاقه، ويصبر عن شهواته، ويلزم نفسه بالخروج عن المألوف من عاداته، ويعينه على ذلك أن هذا التغيير لا يقوم به وحده، بل هو تغيير جماعي تلتزم به الأمة الإسلامية كلها، ضمن خطة محكمة موضوعة من الشارع الحكيم عزوجل، ويتكرر على مدار الشهر كله ، فتألفه النفس ويثبت فيها وترتقي به نحو الأفضل، عبادة وسلوكا وخلقاً.. لذا يحرص الكثير من الناس على تغيير العديد من أمورهم الحياتية النفسية والسلوكية والمادية والإجتماعية والعلمية والعملية والأسرية وغيرها من الجوانب المعيشية الأخرى، ويأتي شهر رمضان المبارك ليُشَكِّلَ فُرصةً عظيمةً يقف فيها الفرد مع نفسه وقفة صادقة يفتش فيها عن جوانب الخلل، وأوجه القصور ليعمل على تهذيبها ومعالجتها، بل وتغييرها إلى الأفضل، ويرتكز الشخص في ذلك على أساس أن هذا التغيير مطلب شرعي انطلاقا من قوله الله -عز وجل- «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ». ويتفق رجال الدين وعلماء النفس والإجتماع على أنَّ التغيير للأفضل أمرٌ محمودٌ، بل مطلوبٌ ما دام قائماً على الالتزام بالمبادئ والثوابت الاسلامية الصحيحة، فمن غير المعقول ونحن في زمن أصبح شعاره التغيير أن نقف في أماكننا جامدين دون حراك، ويبقى بعد ذلك الجانب الأهم في هذا التغيير، وهو أن تنقضي أوقات هذه المدرسة الإيمانية وقد استفاد منها كل واحد منا بتقوية إرادته في الوقوف عند حدود ربه، وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه وترك ما يضره في دينه ودنياه؛ ليحصل بذلك على تقوى الله في كل مكان وزمان. نجد أن هناك رباط أصيل وتلازم تام بين شهر رمضان المبارك والتغيير، فالقرآن الكريم الذي غير وجه الكون وأخرج خير أمة أخرجت للناس وكان بداية التغيير في العالم ؛ نزل في شهر رمضان، قال تعالى "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ..." ، ويوم الفرقان الذي كان "بدرا" ينير الدنيا ، كان في شهر رمضان ، واعظم الإنتصارات الإسلامية كانت في شهر رمضان ، بل من نعم الله علينا أن كثيراً من الأمور تتغير بقدوم شهر رمضان، فأبواب الجنان في السماء تفتح، وثواب الأعمال يتضاعف "الفريضة فيه بسبعين فريضة فيما سواه"، والعمرة في شهر رمضان ك الحجة التامة،... بل حتى الروائح تتغير، فيصبح خلوف فم الصائم أطيب من رائحة المسك ، ومردة الشياطين التي كانت تسعى "تُصفد" ؟.. فمن الخسارة والخذلان ، أن يتغير كل الكون من حولنا في رمضان ثم نقف ولا نتغير . إنَّ شهر رمضان المبارك يهز النفس والوجدان، ويُعَدُّ فرصةً سانحةً للتغيير، من خلال خروج الشخص عن المألوف سواءً في مواعيد طعامه أو صلاته أو نومه وغير ذلك، لأنَّ عملية التغيير من أهم أسباب التغلب على القلق وضغوط الحياة، وأنَّ هذا الشهر المبارك فيه تدريب للنفس البشرية على برمجة النفس وعلاج قصورها ومشاكلها، حيث يبدأ ذلك ببرمجة العقل الباطن على تخيل ترك بعض العادات السلبية التي كان يمارسها الشخص، ومن ثم يكرّر ذلك مرات عديدة إلى أن يصبح تركها في الخيال أمراً عادياً، وحتى الوصول إلى النجاح في تركها بشكلٍ نهائي. شهر رمضان المبارك يُربّي الإنسان المسلم من الداخل تربيةً إيمانيةً عظيمةً بمجرد تبييته النية على الصيام، والإمساك عن كل المُفطِّرات الحسيَّة والمعنويَّة، وبالتالي فإنَّه بذلك يمنحه الفرصة لتقوية إرادته، وتربية نفسه على الصبر وترك جميع السلوكيات السلبية التي قد تؤثر فيه أو في غيره ممن يعيشون حوله. شهر رمضان المبارك، فرصة للتغيير لكل مسئول قصّر في واجبه وحمل الأمانة ولم يؤدها كما اؤتمن عليها، فشهر رمضان فرصة لمحاسبة النفس وتصويب الأخطاء والحرص على خدمة الوطن بكل إخلاص وتفان. شهر رمضان المبارك، فرصة لكل إنسان ظُلم أو اُعتدي على حقه ولم يستطع استرجاع حقوقه كاملة، أقول له: إن الصوم يهذب النفس ويُعلّمها الصبر والتحمل والقوة، ولذلك فالصبرعلى الأذى من فضائل شهر رمضان. شهر رمضان المبارك، فرصة لأخواتي السيدات والزوجات والأمهات اللاتي حوّلن يوم الصوم إلى يوم لإعداد الأصناف والموائد من الحلويات والمقليات والأكلات المُشبّعة بالدهون والسعرات الحرارية المرتفعة، أقول لهن إن شهر رمضان ينبغي أن يكون شهراً للحمية والصحة والعبادة وقراءة القرآن وليس للتفنن في إعداد الموائد. شهر رمضان المبارك، فرصة لكل زوج وأب وأخ وابن حمّل أهله في المنزل ما لا يطيقون، من خلال صراخه المستمر وتهديده لهم بإعداد الوجبات وتنوعها على السفرة بما لذ وطاب، والمبالغة في العزائم في شهر رمضان مما يجهد نساء البيت ويصيبهم بالتعب والإرهاق والوهن، أقول لهم اتقوا الله في أهلكم ومن تعولون فخيركم خيركم لأهله، ونسأل الله لنا ولهم ولكل المسلمين القبول والمغفرة والعتق من النار. لذا فالتغيير الإيجابي الذي ينشده الإنسان المسلم في شهر رمضان المبارك يتحقق على عدة مستويات منها الضبط الذاتي، والتدعيم النفسي، وإيقاظ الأحاسيس الإنسانية الفطرية، وتفعيل المهارات الشخصية، علماً بأنّ الضبط الذاتي يتمثل في القدرة على ردع الشهوات والرغبات، والانتصار على النزعات العضوية غير الواعية، والتي قد يواجه الشخص صعوبةً كبيرةً في عدم إشباعها، كالإفراط في تناول الأطعمة، كما أنَّه يساعد كثيراً في عملية تغيير بعض العادات السلبية ك التدخين، وفي التخلص من بعض العادات السلوكية السيئة، ك الغيبة والنميمة، والمعاكسات في الأسواق وعبر المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي. إن الصيام يُفعّل لدى الإنسان العديد من المهارات الشخصية التي قد تكون مُعَطَّلةً في بعض الأحيان، حيث أنَّه يزيد من مهارة التخطيط فيُحدِّد ما يجب عليه احضاره من المستلزمات الرمضانية دون إفراط ولا تفريط، ويشتري بقدر الحاجة، ويُخطِّط للتصدُّق بالفائض على المحتاجين والمساكين، كما أنَّه يُفَعِّلُ مهارة التنظيم من خلال شراء الأشياء الضرورية فعلياً، إلى جانب تنمية مهارة اتخاذ القرار، بحيث لا يتردد الشخص في اتخاذ القرارات الصائبة، مثل اتخاذ المدّخن ترك عادته، إضافة إلى أن شهر رمضان المبارك يمنحنا إكتساب مهارة حل المشكلات ك التواصل مع الأقارب والأصدقاء والجيران، خاصة في ظل وجود بعض المشكلات لدى بعض الفئات. ولتكن أول خطوة لنا في التغيير في شهر رمضان المبارك هي الصفح والعفو والتسامح، وتنقية القلب من الحقد والغل والبغضاء والحسد، وهي مسألة غاية في الصعوبة وليس كما يظن بعضنا ، ولهذا كان من روائع التشريع أن تكون ليلة النصف من شعبان هي ليلة التقرير السنوي التي ترفع فيها أعمال المسلم لله تعالى، ولكن الله تعالى يغفر فيها للجميع إلا المشرك أو المتخاصمين ، فإن كنا نطلب من الله الصفح والعتق، فعلينا أن نصفح على الناس، ولهذا أقول "إن أردت أن يصفح الله عنك فاصفح عن الناس ، وإن أردت أن تُعتق فاعتق". عزيزي القارئ.. إن في هذا الشهر المبارك العديد من النواحي الايجابية المُعينة لكل شخص منا على التغيير وبدء صفحة جديدة من صفحات حياته، ومن ذلك توفر بيئة إيجابية مُحَفِّزة للتغير بين جنباتها، من خلال العيش مع صائمين يمارسون ذات الشعائر، ك صلاة التراويح والصدقة والبر، في أجواء إيمانية مميزة، لا ينقصها سوى تحرر البعض من أجل أن يتغيروا إيجابياً. فأجواء شهر رمضان المبارك أجواء رائعة، وهي فرصة يسوقها الله إلينا كل عام؛ لنعيد برمجة أنفسنا ايجابياً، وسط هذه الأجواء الإيمانية المفعمة بالنقاء والصفاء الروحي. وأخيراً ، يمكن لكل منا وضع خارطة طريق مختصرة لكيفية التغيير في هذا الشهر المبارك.. حاول أن تجلس مع أسرتك وتضع خطة لهذا الشهر، ولكن لا تضع أهدافا كبيرة لا يمكن تحقيقها، ولا تزحم نفسك بكثرة الأهداف ، واعلم أن من يفشل في التخطيط ، فكأنما خطط للفشل.. ويجب علينا جميعاً إدراك أن التغيير يعتمد على أركان ثلاثة وهي: الرغبة، والمعرفة، والتنفيذ (فمن لا يرغب في التغيير، لن يتغير.. ومن لا يعرف التغيير، سيتغير ولكن ربما للأسوأ.. لأن التغيير علم ومعرفة.. ومن لا ينفذ التغيير، سيبقى مجرد إنسان واهم حالم عابث). عزيزي القارئ الكريم سوف أجيب على التساؤل الذي قد تكون منذ بداية المقال تبحث عنه وهو كيف يمكنك أن تغير أسلوب حياتك للأفضل في شهر رمضان المبارك، وذلك في نقاط خمسة: • ضع خطة وبرنامج واضح خلال شهر رمضان، بحيث تقسم يومك في رمضان ما بين العبادات والطاعات (صوم، صلاة، قيام، دعاء، استغفار، تلاوة قرآن) من جانب، وصلة الأرحام وزيارة المرضي والأطفال الأيتام وعمل الخيرات من جانب أخر، وكذلك بيتك وأسرتك حتى يجتمع شمل الأسرة في رمضان. • ضع شعاراً لك في شهر رمضان لتغيير أسلوب حياتك، مثلاً اكتب على ورقة ( في شهر رمضان أنا سأتغير) وعلقها على حائط في البيت ستذكرك دوماً بهدفك في التغيير للأفضل في شهر رمضان. • حدد سلوكياتك السيئة والعادات التي تريد التخلص منها بحيث تركز عليها خلال شهر رمضان للتخلص منها. • كون مجموعة مع أصدقاؤك وحددوا مجموعة أهداف لتحقيقها خلال شهر رمضان فالصحبة الطيبة تساعد على التغيير الايجابي بشكل كبير. • الدعاء فهو أساس العبادة فاحرص على الدعاء بأن يوفقك الله في شهر رمضان وتتغير فيه للأفضل وأن يكون شهر رمضان بمثابة نقطة انطلاقة لك في الحياة نحو الخير والطاعات. عزيزي القارئ.. فلنستقبل شهر رمضان المبارك ونحن نعلم أن بين أيدينا فرصة حقيقية وكبيرة للتغيير الإيجابي.. فلنشحذ عزائمنا.. ولننطلق نحو مناهل الخيرات في أيام شهر رمضان التي لا تقدر بثمن ولا يمكن أبداً أن تعوض إذا فاتت وإنتهت، راجين من الله تعالى أن يمنحنا في الدنيا القوة والإرادة والصبر والتقوى، ولأخرانا الفوز برضوانه في جنات النعيم. كل عام والجميع بخير أعاده الله علينا وعليكم وعلى الأمة الاسلامية بالخير واليمن والبركات والأمن والامان والسلام والاطمئنان، واعاننا الله على الصيام والقيام وتلاوة القرآن، وجعلنا الله من عتقائه من النار، وبلغنا الله ليلة القدر ورزقنا الله قيامها وفضلها. الدكتور / رمضان حسين الشيخ باحث وكاتب في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة خبير تطوير المؤسسات العربية، واستشاري التخطيط الاستراتيجي مصمم منهج فرسان التميز لتغيير فكر قادة المؤسسات [email protected]