"شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أُخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون".. صدق الله العظيم. شهر رمضان المعظم، هو رسالة الروح ومدرسة الضمير وفلسفة الفكر، لأنه فرصة لبدء حملة تطهير شاملة للنفس لتصفية الرواسب خلال أحد عشر شهرًا.. "لو تعلم أمتي ما في رمضان من الخير، لتمنت أن يكون رمضان العام كله". "رمضان" يشكل رسالة مهمة للتكامل والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، الذين يكونون خلاله أكثر تواصلًا وتراحمًا فيما بينهم، فهو شهر الصبر والرحمة والمغفرة والعتق من النار.. "خاب وخسر من أدركه رمضان ولم يُغفر له". إذا كان من فوائد الصوم خلال رمضان الإحساس بجوع الفقراء، فإن المغزى يدخل في التقرب من شعور الطبقة الفقيرة في المجتمع، ليتحول فيما بعد إلى عُرف إيجابي يتواصل به الناس فيما بينهم. الشهر الكريم؛ فرصة استثنائية تنقذ الإنسان من استغراقه بتفاصيل الأمور الحياتية اليومية، التي تكون سبباً لانشغاله عن ربه ودينه وأهله، ولذلك فإن هذا الشهر يختلف تمامًا عن بقية الشهور، على صعيد العادات والعلاقات الإنسانية والاجتماعية. شهر رمضان له دور مهم في وضع برنامج جديد لحياة مختلفة وسلوكيات وعادات متجددة، فينكسر الروتين التقليدي، ويندفع الإنسان باتجاه سامٍ يكفل السلوك الإنساني السوي. إن "رمضان" يعد بمثابة "دورة"، يتدرب الناس فيه على الصبر والمثابرة والمواساة.. يتواضع فيه الغني على مستوى الفقير، ويترفع فيه الفقير إلى مستوى الغني.. هو شهر المحبة والصفاء والنقاء والتقوى، وقد فُرض الصيام في الشهر الفضيل، لعلم المولى سبحانه بما ستجنيه النفس الأمَّارة بالسوء من الموبقات والذنوب والخبائث، فهيأ لها شتى الوسائل لتتوب إلى ربها وتكفِّر عن سيئاتها وتحظى بغفرانه وعظيم رحمته. شهر الصيام هو نِعم المربِّي، لأنه شهر الإنابة والاستغفار وكف النفس عن مشتهياتها، كي تكمل بالصبر والعزم على اقتحام الأذى.. فالنفوس تُقاس بدرجة تحملها النوائب وصبرها على المكاره. إن "رمضان" ليس شهرًا للصيام فحسب، بل هو شهر البناء والتربية على أكثر من صعيد، وهو ليس للتعبد والاعتكاف وتلاوة القرآن فقط، بل يمتد ليشمل صلة الأرحام، والعطاء الكريم بالصدقات، والانفتاح الاجتماعي على الفقراء والمساكين، وتحسين الأخلاق، والتوبة من الذنوب، والالتجاء إلى المولى سبحانه بالدعاء، والابتعاد عن كل ما حرم الله. ما أجمل أن يكون هذا الشهر المبارك، فرصة للتسامح والعمل والبناء والتفاعل الروحي والالتزام المتكامل، بكل ما تعنيه هذه الفريضة من واجبات وآداب وسلوك.. إنها دعوة إلى التغيير نحو الأفضل، لبدء صفحة جديدة مع الله والوطن والمجتمع.