الأبيض والأسود لونين متضادين أشد التضاد .. وبينهما تبدأ الحياة وتمر رحلتها بينهما وألوان شتى تتدرج بين قمة البياض بنقائه وصفاءه ووضوحه وبين قاع السواد بقتامته وإعتامه وغموضه .. وتنتي الحياة في يوم يجد الإنسان نفسه قد عاد إلى أحد اللونين: ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) .. رغم أن الألوان تأتى من مستودع واحد مصدره اللون الأبيض بضوئه الجامع كل ألوان الطيف ومنبع النقاء والصفاء والحب والخير والجمال .. إلا أن الإنسان يختار من الألوان ما يناسب مزاجه ويلائم فكره ويساير هواه .. لنرى تأثير الألوان في النفس البشرية والسلوك الإنساني .. فلم تخلق الألوان عبثا .. ولم يكن وجودها في الطبيعة هباء منثورا .. إنما لحكمة .. ولأسباب مؤثرة في النفس الإنسانية بموجات من ألوان ثابته لاتتغير أمام تغير الإنسان واختلاف نظرته للألوان اختلافا لا يصبح فيه اللون الواحد ذات أثر واحد .. فما تراه نفس في اللون الأصفر من جمال غازي يريح الصدور وجوده .. تراه أخرى اصفرار الفقد والجدب والحطام ( فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ) .. حطام في فترة لم يعد فيها الأصفر الغازي جميلا .. ولا الأبيض نقيا ولا الأسود قبيحا .. فأسف على أبيض برقت فيها العيون شوقا وعشقا فحزن وأسى ملأ عينان ببياض معتم في فقد يوسف عليه السلام ( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) .. ويا فرحة بسواد كعبة بليل سمائه باتت مصابيح تناغمت معها كل ألوان المساء .. قد تكون ألوان المساء ساحرة .. وقد تكون ألوان النهار مبهرة .. وقد يسقط في قلب هذا السحر أو ذاك الإبهار فرع شجرة الورد .. ويذبل ويموت الورد مع الفرع .. وتتدرج ألوانهما حتى اللون الدال على موتهما .. ليبرهن اللون على بقائه مع الحي ومع الميت .. تموت الأشياء وتبقى الألوان .. وبعيدا عن الحكمة من ذلك .. فالألوان تبقى مسخرة في تعبيرها عن الأشياء من أصغرها إلى أكبرها بجبال شامخة تميزها ألوان تتدرج من الأبيض إلى ضروب الحمرة حتى السواد: ( وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ( .. ألوان هي جزء أصيل من مكونات الجبال في صورها .. وفي حركتها التي ثبت بها جبل أحد بقول النبي اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان .. وفي حركة حجر هبط من خشية الله .. و حجر تفجر منه الأنهار وحجر تشقق لتخرج منه عين ماء : ( وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ ) .. وكذلك بصوت أوب مع أيوب عليه السلام ( يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ ) .. ربما نعجز عن وصف اللون الأصفر للأعمى .. لكن لا نعجز عن تحريك أحاسيسه تجاه وصف لغة اللون الأصفر في الفقد والجدب والحطام .. فالألوان لها لغة هي لغة الطبيعة التي تعبر به عن نفسها في ظاهر مرئي ومسموع .. وفي باطن جاء من عدم يكشف عن جانب من التجليات إلالهية بلغة الألوان في كلمات كتاب الله بالصورة والصوت والحركة لتعبر عن دراما الألوان في القرآن .. باحث إسلامي .. علاء أبوحقه