قفزة جديدة لعيار 21 خلال أيام…أسعار الذهب ارتفعت بنسبة 50% خلال العام 2025    تحرير 11 مخالفة تموينية خلال حملة على الأسواق بمغاغة    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات النواب 2025 في القاهرة    الفراولة المجمدة تتصدر قائمة السلع الغذائية المصدّرة في 2025 بنمو قياسي 81%    كامل الوزير يصدر قرارا بتعيين 3 أعضاء بغرفة الصناعات المعدنية    بوتين: الخطة الأوروبية بشأن أوكرانيا غير مقبولة لروسيا    بوتين: إذا بدأت أوروبا حربا ضد روسيا فلن تجد موسكو قريبا "من تتفاوض معه"    كأس العرب| منتخب الكويت يسجل التقدم في مرمى مصر    الأكاديمية الوطنية للتدريب تختتم أول برنامج من نوعه لأعضاء الشيوخ    هزار قلب جريمة.. حقيقة الاعتداء على طالب باستخدام مفك فى الشرقية    المتحف المصري يستضيف رحلة فنية عالمية تربط التراث بالإبداع المعاصر    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    عبدالمعز: الإيمان يرفع القدر ويجلب النصر ويثبت العبد في الدنيا والآخرة    ريال مدريد يعلن تفاصيل إصابة فيرلاند ميندي.. وتقارير توضح موعد عودته    إبراهيم حسن: منتخب مصر يخوض تدريبه الأول غدًا بمشروع الهدف    مدير تعليم دمياط يتفقد «المنتزة» و«عمر بن الخطاب».. ويشدد على الانضباط    محافظ الغربية يعقد اجتماعًا مع شركة "تراست" لمتابعة تشغيل النقل الداخلي بمدينتي طنطا والمحلة    المبعوثة الأمريكية تجري محادثات في إسرائيل حول لبنان    التفاصيل الكاملة لألبوم رامي جمال الجديد "مطر ودموع"    3 عروض مصرية.. 16 عملا تأهلت للدورة 16 من مهرجان المسرح العربي بالقاهرة    مدير معرض القاهرة للكتاب يكشف تفاصيل الدورة ال57: قرعة علنية وشعار جديد لنجيب محفوظ    ماجد الكدواني يواصل التحضير لمسلسل «سنة أولى طلاق»    عاجل- رئيس الوزراء زراء يتابع تطور الأعمال في التجمع العمراني الجديد بجزيرة الوراق ويؤكد أهمية استكمال المشروع وتحقيق النقلة الحضارية بالمنطقة    موعد مباريات الجولة الأولى من بطولة كأس عاصمة مصر 2025-2026    متحدث الأوقاف يوضح ل«الشروق» الفارق بين «دولة التلاوة» والمسابقة العالمية ال32 للقرآن الكريم    الصحة تعلن انطلاق استراتيجية توطين صناعة اللقاحات وتحقيق الاكتفاء الذاتي قبل 2030    كأس العرب - شكوك حول مشاركة براهيمي أمام السودان    رسميًا.. بدء عملية اختيار وتعيين الأمين العام المقبل للأمم المتحدة    مصر ضد الكويت.. الأزرق يعلن تشكيل ضربة البداية في كأس العرب 2025    أستاذة جامعية إسرائيلية تُضرب عن الطعام بعد اعتقالها لوصف نتنياهو بالخائن    محافظ المنيا: إزالة 2171 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية ضمن الموجة 27    الأهلي يترقب موقف ييس تورب لدراسة عرض برشلونة لضم حمزة عبد الكريم    مادورو يرقص من جديد فى شوارع كاراكاس متحديا ترامب.. فيديو    رئيس جامعة الأزهر: العلاقات العلمية بين مصر وإندونيسيا وثيقة ولها جذور تاريخية    فى زيارته الأولى لمصر.. الأوبرا تستضيف العالمي ستيف بركات على المسرح الكبير    تركيا: خطوات لتفعيل وتوسيع اتفاقية التجارة التفضيلية لمجموعة الثماني    الطقس غدا.. انخفاضات درجات الحرارة مستمرة وظاهرة خطيرة بالطرق    حبس عامل مدرسة بالإسكندرية 15 يومًا بتهمة الاعتداء على 4 أطفال في رياض الأطفال    لأول مرة في الدراما التلفزيونية محمد سراج يشارك في مسلسل لا ترد ولا تستبدل بطولة أحمد السعدني ودينا الشربيني    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 6 ملايين جنيه    مدير الهيئة الوطنية للانتخابات: الاستحقاق الدستورى أمانة عظيمة وبالغة الحساسية    مكتب نتنياهو: إسرائيل تستعد لاستلام عيّنات من الصليب الأحمر تم نقلها من غزة    أمن المنافذ يضبط 47 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    6 نصائح تمنع زيادة دهون البطن بعد انقطاع الطمث    تحرير 141 مخالفة لمحال لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق لترشيد الكهرباء    وزير العمل يسلّم 25 عقد توظيف في مجال النجارة والحدادة والبناء بالإمارات    سلوت: محمد صلاح سيظل لاعبًا محترفًا من الطراز الرفيع    سامح حسين: لم يتم تعيينى عضوًا بهيئة تدريس جامعة حلوان    فوائد تمارين المقاومة، تقوي العظام والعضلات وتعزز صحة القلب    فيتامينات طبيعية تقوى مناعة طفلك بدون أدوية ومكملات    أمين عمر حكما لمباراة الجزائر والسودان في كأس العرب    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    اليوم .. إعلان نتائج المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    وزير الري يشارك في مائدة وزارية بالمغرب لبحث تسريع تحقيق هدف المياه المستدامة    طقس اليوم: معتدل نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 23    ما حكم الصلاة في البيوت حال المطر؟ .. الإفتاء تجيب    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    المخرج أحمد فؤاد: افتتاحية مسرحية أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي.. والغناء كله كان لايف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرآن عن الجبال
نشر في الفجر يوم 08 - 08 - 2014


( رأى جديد في معنى الجدد والغرابيب )
قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أنَزَلَ مِنَ السماء ماء فَأَخْرَجْنَا به ثَمَرَاتٍ مّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ.وَمِنَ النّاسِ والدواب وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ " ( فاطر27-28).
موضوع الآيتين وسورتهما:
هاتان الآيتان الكريمتان في سورة فاطر, وهى سور موضوعهاالأساسي هو بيان آيات الرد على تكذيب الرسول " صلى الله عليه وسلم" .."وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ", "وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ" . وكانت طريقة هذه السورة في بيان أن ما جاء به النبي" صلى الله عليه وسلم" من الوحي هو الحق( " إِنّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقّ".. "وَالّذِيَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقّ " ) هي طريقة الآيات الكونية , فاستعرضت السورة آيات إرسال الريح والسحب, وأطوار خلق الإنسان, وأنواع البحار وما فيها من منافع للناس من مأكل وحليوفلك تمخر عبابها, ثم ينتقل إلى السماء وتسخير أجرامها وما يحدثه ذلك من تعاقب لليل والنهار مما يعود على الإنسان بالنفع العظيم. ثم كان التركيز على مسألة اختلاف الألوان في النبات والجبال والكائنات الحية وأكدت السورة أن هذه الفقرة تحديداًفيها من البينات ما لن يدركه إلا العلماء الذين ستتحقق لهم بذلك خشية الله, إن كانوا من العلماء الربانيين الذين يتلون كتاب الله ويقيمون الصلاة ويأتون الزكاة ويخشون ربهم بالغيب.
فالعلماء ثلاثة, كما قال سفيان الثوري, عالم بالله عالم بأمر الله (عنده العلم والخشية ), وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله ( الذي يخشى ولا يعلم ), وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله ( الذي يعلم ولا يخشى ).
رأى المفسرين :
المفسرون القدماء لم يختلفوا في أن المقصد الرئيسي من تلك الفقرة هو بيان اختلاف الألوان مثل قوله تعالى :"صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىَ بماء وَاحِدٍ"ولكن اختلفوا في كلمتي جدد و غرابيب, فابن كثير ذكر أن ابن عباس قال : " الجدد هي الطرائق " أي الطرق, جمع جدة.
بينما نقل الشوكانى في تفسيره عن الفراء أن الجدد تكون في الجبال كالعروق وهذا قريب مما نقله القرطبي في تفسيره عن الجوهري : " والجدة الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه " وهو ما ذهب إليه البيضاوي.
كما ذكر القرطبي أن الجدد هي القطع. وذكر كذلك أنها قد تكون طرائق تخالف لون الجبل. أما كلمة "غرابيب سود " فذكروا أن غرابيب جمع غربيب وهو شديد السواد. ولكن القرآن لا يكرر ألفاظا, هل يقول القرآن: شديد السواد أسود ؟ إن قيل للتوكيد فتوكيد الألوان لا يتقدم عليها, بل يقال عندئذ ( سود غرابيب ).
رأى علماء الإعجاز العلمي :
د . عبد الله عمر نصيف : ( أستاذ الجيولوجيا السعودي ) لفت الأنظار إلى مسألة جديرة بالتدبر وهى إشارة تلك الفقرة القرآنية إلى دور الماء في تلوين الصخور, وهى مسلمة علمية جيولوجية قال ذلك في ورقة له في المؤتمر الأول لجيولوجية العالم العربي بجامعة القاهرة.
وهو ما أشارت إليه بإعجاز بداية الفقرة القرآنية التي نحن بصددها. أما " الجدد" فقد إنحاز علماء الإعجاز المعاصرون إلى رأي الفراء الذي قال أن الجدد هي العروق في الجبال، أي ما يسمى الآن " القواطع " Dykes ثم ذكروا أن الإعجاز في فصل القرآن بين ألوان الصخور الفاتحة (بيض وحمر) من ناحية وبين الداكنة (سود) من ناحية أخرى وهو تصنيف الصخور المشهور في الجيولوجيا Felsicإلى Mafic.ولم يتعرضوا لقضية لماذا لم يذكر القرآن سود دون غرابيب أو العكس فقط د/ عبد الله عمر نصيف رأى أن الغرابيب هي التراكيب الجيولوجية البازلتية السوداء التي تكون على هيئة الوسادة أو ما يسمى PILLOW LAVAكذلك رأى د/ حسنى حمدان أن المقصود بالجدد القواطع (DYKES)العديدة التي على هيئة سرب SWARMليتحقق تعدد الألوان, وليس القواطع المنفردة.
نبذة عن نشأة الجبال:
أكثر أسباب نشوء الجبال خاصة سلاسل الجبال الكبيرة هي:
أ‌- التضاغط بين لوحين من الألواح المكونة للقشرة الأرضيةTectonic plates . سواء لوح قاري مع آخر محيطي. حيث تعلوا منطقة التلاصق قليلا ثم تعلوا أكثر نتيجة نشوء الحركات البركانية , مثال ذلك جبال الإنديز . أو التضاغط بين لوحين قاريين مثل أحزمة جبال الهيمالايا والألب)تسمى هذه العملية (Orogeny.
وهذا التضاغط يلغى أي خطوط أفقية .
ب‌-حركات الصخور الرأسية: أو ما يسمى الارتفاع الإبيروجينى EPIROGENIC UPLIFTنتيجة نشوء بقعة حارةHot spot أسفل القشرة الأرضية لتلك المنطقة.
مثال ذلك هضبة كلورادو في الولايات المتحدة المكونة حادا. ورسوبية ذات طبقات ملونة نتيجة اختلاف نوعية صخور كل طبقة. وهذا لا يلغى خطوط الصخور الأفقية(الجدد) لأنه ليس حادا .
ج- التجوية والتعرية WEATHERING AND EROSION حيث يؤدى تآكل سطح بشكل نسبى إلى نشوء قمم صغيرة ترتفع تبعا لنظرية الطفوISOSTASY. مثال ذلك جبل "ريودى جانيرو " الجرانيتى الشهير في البرازيل SUGAR LOAF.
د- الانفجارات البركانية البانية لجبالها حيث تتراكم الصخور بعد أن بردت من الحمم. وهى عملية كثيراً ما تكون مصاحبة للسبب الأول أو في حالة تباعد لوحين محيطيين من ألواح القشرة الأرضية أو انقسام لوح قاري إلى لوحين بعد أن نشأ تقبب ثم تشقق لمنطقة الفصل ثم تكون منخفض ثم خروج الحمم المكونة للجبال البركانية من هذه الشقوق (Rift valley). مثال ذلك هضبة " دراكنسبرج" بجنوب إفريقيا. وهذه الجبال بالطبع لا نجد فيها خطوط (جدد) صخور أفقية لأنها ستنصهر حتما.
وكذلك لاختلاف لزوجة كل نوع من الصخور البركانية مختلفة الألوان. قد يشكل البازلت الأسود طبقات فوق بعضها عقب إنفجارات متعددة إلا إنها ستكون طبقات (جددا) ذات لون واحد( مثل جبال هاواى ) .
تحليل كلمة "غرابيب" لغوياً :
(1) يقول ابن منظور في كتابه " لسان العرب " في باب "غرب" ، أسود غربيب وغرابي : شديد السواد . أي أن الغربيب هو الغرابي . فهل من معاني الغرابي شيء سوى السواد ؟ نعم ، من معاني كلمة غراب الآتي ( كما قال صاحب " لسان العرب " وصاحب "الصحاح" ) : غراب الفأس : حدها . وغرابا الفرس والبعير حدّ الوركين وهو حرفاهما . وللعين غرابان : مقدمهما ومؤخرهما . وغارب البعير هو مقدمة السنام( أي النتوء الذي يتقدم السنام وليس ذروته ). (فأصل كل هذه الاشتقاقات كلمة "غرب" وهي البعد ومنها غربت الشمس ") . ولم تقل العرب للأسود غربيبا إلا لبعده في السواد بل قد تقال لغيره منه الألوان. فالمُغرب الذي كل شيء منه أبيض.
إذن الغربيب هو الذي له شكل الغراب وهو البروز أو النتوء ، وهو الذي نرى أنه شكل ذلك النوع من الجبال التي لها قمة أو أكثر تبدو كل منها كالنتوء التي إن تعددت يبدو لهذا الجبل شكل التجاعيد التي تبدو كمجاري السيول. والعجيب أن من معاني كلمة "غروب" مجاري الدمع. والغرب هو الماء الذي يسيل من الدلو.
ما أذهب إليه تبعا لما تقدم:
1-لا أرى أن الجدد هي العروق في الجبال أو ما يسمى Dykesأو القواطع لسببين:
أ- لم يقل القرآن " وفي الجبال " إنما قال " ومن الجبال " أي أن الجدد مكونة للجبل وليست مجرد علامات فيه. وهذا ما نبهني إليه العلامة د.أحمد حشاد .
ب- الجدد جمع جدة وهي الطريق،والطريق الذي يمشي فيه الناس لابد أن يكون أفقياً لا رأسياً أو حتى قاطعاً. وقد أصاب صاحب " معجم الجيولوجيا " حين ترجم عروق الجبال التي تتقاطع معه Dykes بالقواطع. وترجم العروق الموازية لطبقات الجبل الأفقية أو المستعرضة Sillsبالجدد(2).
2- كذلك لا أرى أن الغربي ألفاظاً.شديد السواد ، لسببين :
أ‌-القرآن لا يكرر ألفاظاً . فقد أتبع كلمة غرابيب بكلمة سود ، فغرابيب وحدها قد تعني شديد السواد . فلا يعقل أن يقول القرآن :" شديد السواد أسود" ؟ كما إنه إن أراد توكيد السواد لقال: "سود غرابيب" لأن توكيد الألوان لا يتقدم. وهذا ما لفت نظرنا إليه د. حسني حمدان .
ب‌- يستشعر قارئ تلك الفقرة القرآنية مقابلة بين كلمتي(3)" جدد بيض " و" غرابيبسود " فطالما أن " الجدد " تعبر عن شكل و "البيض" لون، فكذلك الأسود لون ولابد إذن أن تكون "الغرابيب" شكلاً لا لونا .. فأي شكل؟
3- ما هي الغرابيب ؟ : تبعا لما ذكرناه في "نبذة عن نشأة الجبال" و "تحليل كلمة غرابيب لغويا" .
الغرابيب هي الجبال المكونة من صخور نارية, إما بلوتونية جوفية PLUTONIC مثل المكونة من صخور "الجابرو" كسلسلة جبال شمال غرب كندا, وبالطبع لا تجد فيها طبقات مختلفة الألوان, وإماالجبال البركانية المكونة من صخور البازلت المعروف بسواده وبكثافته الأقل من بقية الصخور البركانية البيضاء والحمراء مثل "الريولايت" و " الأنديزايت" . فتشكل قمته نتوءً أو أكثر لا قمماً سامقة.
وفي نفس الوقت لا تتداخل طبقات البازلت الأسود مع بقية الصخور البركانية ذات الألوان البيضاء والحمراء لاختلاف لزوجته كما أسلفنا.
وقد تجد جبالاً بركانية بازلته ذات طبقات سوداء بعضها فوق البعض، وهي الجدد (مثل جبال هاواي) لكنك لن تجدها جدداً مختلفة الألوان.
تعدد طبقات صخور جبال هاواى لتعدد مجارى حمم البازلت مما جعلها تبدو كمجارى السيول. (مجارى الدمع هي الغروب كما ذكرنا ).
كذلك هناك جبل بركاني مشهور من جبال المدينة المنورة اسمه جبل غراب. الأهم من كل ذلك أن ابن كثير نقل عن عكرمة رأيه أن الغرابيب هي الجبال الطوال السود !.
4 - ما هي الجدد ؟ الجدد هي الطبقات الأفقية المكونة لطائفة كبيرة من الجبال المسماة بالرسوبية.
يكون أغلبها أبيض وهو الحجر الجيري(واسع الانتشار ولذا ذكر أولا ) تتداخل معه في كثير من الأحيان طبقات من خام الحديد الأحمر وقد نجد الصخور الطينية السوداء Shale. وكثيرا ما نجد صخور الحجر الرملي الصفراء (وهو لون بين الأبيض والأحمر المذكورين في الآيتين). مثال ذلك صخور جبال وادي كلورادو في الولايات المتحدة وصخور بعض جبال "سنكيانج"فى طريق الحرير بالصين .
5- مسألة الألوان المذكورة هنا لم تأخذ حقها عند المفسرين. وهي مسألة شديدة الأهمية لدرجة أنها تستخدم في علاج العديد من الأمراض.
الأبيض لعلاج صفراء حديثي الولادة، الأزرق الألوان. الدم، البرتقالي لعلاج الاكتئاب (كما ذكر في قصة البقرة)، الأخضر لإدخال السرور والبهجة فأصبح اللون المفضل لثياب الجراحين(4)( ألم يذكر القرآن أن الحدائق ذات بهجة ؟ ) .
كما أن هناك أمر آخر شديد الأهمية في مسألة الألوان. فقد ذكرت الألوان في القرآن الكريم سبعمرات ولمتذكر مرة واحدة غير مقرونة بمصطلح الاختلاف، " مختلف ألوانه "، " مختلفاُ ألوانه " }وهكذا فالمطلوب من المسلم حين يرى ألواناً متعددة أن يتدبراختلافها{.
ثم إن جملة " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء " وردت في القرآن الكريم ثلاث مرات وفي كل مرة يذكر فيها الألوان (مخضرة – مختلفاً ألوانها – مختلفاً ألوانه ) وفي ذلك إشارة إلى دور الماء في التلوين. هذا يؤكد ما ذهب إليه د.عبد الله عمر نصيف وأشرنا إليه سابقاً من إعجاز إشارة القرآن إلى دور الماء في تلوين الصخور.
كذلك كلمة " ألم تر " إن لم تأتي بمعنى ألم تعلم، أي تقصد الرؤية الفعلية وذكر بعدها
كلمة " ألوان " لابد أن يتبعها (الاختلاف)، " مختلفا ألوانه ".
أي أن رؤية الألوان تقتضي الاختلاف(5) وهذا ما علمناه أخيراً من أن رؤية الألوان ليست خاصية للضوء أو للأجسام التي تعكس الضوء.
إنما رؤية الألوان إحساس ينشأ في الدماغ. فالطيور والسلاحف والسحالي والعديد من الأسماك لديها قدرة على رؤية الألوان فوق البنفسجية . وهو ما تفتقده الثدييات والإنسان. الطيور خاصة عندها قطيرات زيت في خلايا المخاريط في الشبكية أكثر بألوان مختلفة تعمل كمرشحات تزيل الضوء ذا الأطوال الموجية القصيرة .
كذلك رؤية الطيور للألوان رباعية الأوجه tetrahedronبينما رؤية الإنسان للألوان ثلاثية الألوان trichronic. كما أن للإنسان طرازين من خلايا المخاريط في الشبكية بينما للطيور أربعة
مما يمكنها من رؤية الضوء فوق البنفسجي المنعكس من السطح الشمعي للفواكه والثمار والمنعكس كذلك من بول وبراز القوارض . فيتسنى لتلك الطيور التعرف عليها.
· فأن لمحمد صلى الله عليه وسلم معرفة أن رؤية الألوان نسبية إن لم يكن القرآن وحي إلهي ؟ إذ يفهم من الفقرة القرآنية التي نحن بصددها أن : هذه الألوان في النبات والجبال والحيوان هي ما تراه أنت أيها الإنسان.أي الم تر أنت أيها الإنسان لا غيرك .
6- الإعجاز الأكبر في مسألة " اختلاف الألوان " وتقديمها:
يتضح تماماً أن تركيز هاتين الآيتين على مسألة " اختلاف الألوان "، إذ ذكرت في القرآن كله سبع مرات وفي تلك الفقرة القصيرة ذكرت ثلاث مرات. إذن في الكلام عن الجبال هنا التركيز على مسألة اختلاف ألوانها . فيكون معنى الآيتين إما (أ) : من الجبال ما يكون مكونا من جدد (طبقات)وسيكون لون هذا الجبل في الغالب الأبيض ثم الأحمر أو ما بينهما ( كالأصفر ) }وهى على التوالي جبال الحجر الجيري وخام الحديد والحجر الرملي, وهى المتواجدة على هيئة طبقات مترسبة{, ومنها ما لا يكون على هيئة طبقات (جدد) بل يكون له قمة.
كأنما الفقرة تدعوك إلى النظر في ناحية إلى مجموعة من الجبال المكونة من طبقات. واحد منها أبيض اللون والآخر أحمر وهكذا . وإلى النظر في ناحية أخرى إلى جبل بلا طبقات, مصمت وله قمة وأسود اللون.
وإما أن يكون المعنى (ب) : أن هناك من الجبال ما يكون مكونا من جدد متعددة الألوان, (وهذا الاحتمال هو الأرجح في رأيي )، ومنها ما يكون مكونا من لون واحد بلا جدد وهو الأسود، ( إن عد لونا لأنه يمتص جميع الألوان) كما نبهني إلى ذلك د.أنيس الراوي(6) دون شوائب من أي لون آخر. كأنما تدعوك تلك الفقرة إلى النظر إلى جبل مكون من جدد (طبقات) متعددة الألوان في ناحية. وإلى النظر إلى جبل آخر بلا طبقات أسود اللون في ناحية أخرى . يؤكد ذلك إعجاز القرآن المتكرر في تقديم بعض الكلمات لحصر وصف ما في فئة محددة . ففي سورة الكهف حين ذكر الله اختلاف أهل الكتاب في عدة أهل الكهف قال: " سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ". قوله "رجماً بالغيب " فصل بين الاحتمالين الأولين من ناحية فنقضهما ثم أثبت الاحتمال الأخير وهو سبعة وثامنهم كلبهم.
** في حالتنا هذه تقديم كلمة " مختلف ألوانها " فصل بين الجبال التي على هيئة جدد مختلفة الألوان. سواء اختلاف في درجة كل لون على حدى أو اختلاف تداخل الألوان ولا يكون لها قمم واضحة وبين الجبال المكونة من لون واحد لا يكون فيها أي تداخل من ألوان أخرى ، أو حتى درجات من هذا اللون وهو الأسود وهى ذات قمم أو نتوءات. إذ لم نقرأ الفقرة هكذا : " ومن الجبال جدد بيض وحمر وغرابيب سود مختلف ألوانها " مثلا. إعجاز تقديم " مختلف ألوانها " إذن لأنه أفاد الفصل بين نقيضين في عدة أمور ( وهو ما يسمى في اللغة بالمقابلة ):
أ-الجبال مختلفة الألوان والجبال المكونة من لون واحد وهو الأسود الذي قد لا يعد لونا لامتصاصه جميع الألوان.
ب-الصخور المكونة من معادن فاتحة FELSICوأخرى داكنة MAFIC.
ج-الفصل بين الجبال المكونة من طبقات أفقية (جدد) وأخرى ذات قمم أو نتوؤات والتي قد يكون لها خطوط رأسية نتيجة التضاغط.
د- الصخور الرسوبية (التي تكون الجدد أو الطبقات) والصخور النارية (المكونة للجبال الغرابية ). أي أن }الإعجاز الأكبر هنا في الفصل بين هذين النوعين من الجبال, الغرابى والجددى.
هذا ما قرأناهتماماً في آيتي سورة فاطر التي نحن بصددها كأنما تقول الآيتان: هناك نوع من الجبال مكون من طبقات ملونة(تراها أنت أيها الإنسان على غير ما يراها غيرك من كثير من الكائنات.) وذلك نتيجة اختلاف صخورها ( صخور رسوبية ) أغلبها الأبيض ( الحجر الجيري ) ثم الأحمر ( خام الحديد) وهى لا تكون أبدا قمما سامقة (غرابيب) لأن عوامل تحولها لقمم ستلغى خطوطها العرضية .
وهناك كذلك جبال ذات لون واحد هو الأسود مكونة من صخور نارية لا يمكن أن تشكل طبقات مختلفة الألوان لاختلاف لزوجتها قد تكون جددا (كالبازلت في هاواي ) لكن ليست مختلفة الألوان كالنوع الأول من الجبال .
فأنى لمحمد صلى الله عليه وسلم بعلم ألوان وأشكال تكوين الجبال والصخور والمعادن واختلاف لزوجتها ؟
" إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.