كنز تحت الأقدام.. اكتشاف آلاف الأطنان من الذهب في الصين والكمية لا تٌصدق    الطقس غدا.. حار على أغلب الأنحاء واضطراب بالملاحة والعظمى بالقاهرة 33 درجة    ضبط المتهمين بسرقة شخص في الواحات البحرية بالجيزة    أمير كرارة نجم شباك التذاكر.. تعرف على إجمالي إيرادات فيلم الشاطر    صحة دمياط تشكّل لجنة إشرافية مكبرة للمرور على مستشفى دمياط العام    جامعة قناة السويس تستعد لاستقبال 45 ألف طالب في العام الجديد (صور)    اعتماد القرار المصري حول تطبيق ضمانات وكالة الطاقة الذرية بالشرق الأوسط    إسرائيل: وزير الخارجية الياباني تعهد بعدم الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة    "نأمل أن نعود مرة أخرى".. ملك إسبانيا يكتب رسالة بخط يده في الأقصر (صور)    الأمم المتحدة: قوات الدعم السريع شنت عمليات قتل بحق المدنيين في الفاشر    نتنياهو: نوجه لحماس ضربات قوية ولن نتوقف    محمد يوسف يعلن عبر "مصراوي" قراره الأخيرة بشأن الرحيل عن الأهلي    الزمالك يحفز لاعبيه بصرف مكافآت الفوز المتاخرة    الليلة.. لحظة الحسم في نهائي بطولة CIB المفتوحة للإسكواش 2025    اليوم.. استئناف الجولة الخامسة بدوري المحترفين    منتخب الناشئات يواجه غينيا الاستوائية في تصفيات كأس العالم    كلية العلاج الطبيعي بجامعة القاهرة تحتفل بتخريج الدفعة 59    انخفاض أسعار النفط وسط مخاوف بشأن الطلب تطغى على أثر خفض الفائدة الأميركية    ضبط 98.6 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    أولى جلسات محاكمة 3 عاطلين بتهمة ترويج المواد المخدرة بحدائق القبة| غدا    تسليم 24360 ألف مقعد جديد لمدارس الغربية بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد    وزير النقل يعلن فتح الطريق الدائري الإقليمي جزئيًا    عمرو عبد الجليل في حفل افتتاح مهرجان بورسعيد السينمائي    صورة جديدة للزعيم عادل إمام تشعل السوشيال ميديا    وفاة شقيقة الفنان أحمد صيام    هل فكرت عائشة بن أحمد في اعتزال التمثيل؟.. الفنانة تجيب    خطيب المسجد الحرام يدعو للتحصّن بالقرآن والسنة: قول لا إله إلا الله مفتاح الجنة    بالصور - جامعة أسوان تُكرم 200 حافظًا للقرآن الكريم في احتفالية روحانية    عالم أزهري: تفقد الغائبين ومراعاة الآخرين من قواعد الإسلام    محافظ البحيرة تشهد إيقاد الشعلة إيذاناً ببدء إحتفالات العيد القومي    إجراء أكثر من 1000 عملية متنوعة بمستشفيات العريش العام والشيخ زويد    مديرية أمن الشرقية تنظم حملة للتبرع بالدم لصالح المرضى    «الصحة» تطلق خطة لتعزيز الصحة المدرسية بالتعاون مع «التعليم» والأزهر    رئيس جامعة القناة يُعلن جاهزية الجامعة لاستقبال 45 ألفًا و398 طالبًا وطالبة    الداخلية تكشف حقيقة مقطع فيديو عن خطف طفل بالقاهرة    الداخلية تضبط عنصرًا جنائيًا بالمنوفية غسل 12 مليون جنيه من نشاط الهجرة غير الشرعية    ارتفاع عالمي جديد.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-9-2025 وعيار 21 بالمصنعية الآن    مجدي عبدالغني: سأظل وفيًّا للأهلي مهما كانت حدة الانتقادات    وزير الزراعة يشارك في جلسة اعتماد الإعلان الوزاري للأمن الغذائي ضمن اجتماعات مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا    الأنبا مكسيموس يترأس مؤتمر خدام إيبارشية بنها    رسمياً.. إعلان نتائج تنسيق الشهادات المعادلة العربية والأجنبية    محافظ أسيوط يطلق مشروع مدرسة الوليدية الابتدائية الحديثة (صور)    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    صالون نفرتيتي يطلق فعالية ميراث النهر والبحر في دمياط ضمن مبادرة البشر حراس الأثر    مصادرة 1100 علبة سجائر أجنبية مجهولة المصدر في حملة ل «تموين العامرية» (صورة)    أسعار المستلزمات المدرسية في قنا 2025: الكراسات واللانش بوكس تتصدر قائمة احتياجات الطلاب    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    صحة غزة: 800 ألف مواطن في القطاع يواجهون ظروفا كارثية    ملك وملكة إسبانيا يفتتحان إضاءة معبد حتشبسوت فى الأقصر.. صور    دونجا: عبدالقادر مناسب للزمالك.. وإمام عاشور يمثل نصف قوة الأهلي    %56 منهم طالبات.. وزير التعليم العالي: المنظومة تضم حاليًا ما يقرب من 4 ملايين طالب    للمرأة العاملة، ممنوع وضع المعجنات يوميا فى لانش بوكس المدرسة بدلا من الساندويتشات    زلزال بقوة 7.8 درجة يهز منطقة كامتشاتكا الروسية    أسعار العملات الأجنبية والعربية أمام الجنيه المصري اليوم    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وطبق البيض بالأسواق اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    فلسطين.. قوات الاحتلال تداهم منزلًا في بلدة كفر قدوم شرق قلقيلية    حي علي الصلاة..موعد صلاة الجمعة اليوم 19-9-2025 في المنيا    رحيل أحمد سامى وخصم 10%من عقود اللاعبين وإيقاف المستحقات فى الاتحاد السكندري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شكراً.. لكًل من خذلنا !!
نشر في شباب مصر يوم 08 - 04 - 2019


الدكتور / رمضان حسين الشيخ
نتعرض في حياتنا لكثير من المواقف المفجعة التي تولد في ذواتنا مشاعر مؤلمة، كما نمر بلحظات مريعة جدا تكاد توصلنا لدرجة الإحباط جراء قوة الصدمات التي تأتينا ممن يخذلوننا، لحظات يتعكر فيها العقل البشري فيصبح التفكير معتلاً لعدم قدرة ذهننا على استيعاب تلك المواقف المأساوية التي نمر بها، نظرا لصعوبة فهمها في تلك اللحظات التي تحتاج إلى استحضار الحكمة قبل أي شيء آخر، فبها يتحول ذلك كله إلى مصدر للبأس الشديد والإرادة الصلبة على تجاوز الأوقات الكارثية التي تتفجر فيها كوامن القوة، واستمرار الأوجاع التي يتجرعها الإنسان ليس مسوغا حقيقيا لوأد ما هو جميل وطيب في قلوبنا وأرواحنا، فمن المشاعر القاسية من تحيينا وتجعلنا متفطنين لأشياء كانت خفية علينا، أي أن بها نصبح أكثر نضجا ووعيا في التعامل مع ما نمر به.
إن الخذلان بصفة عامة هو تعبير عن صدمة ما بفعل حدث أو تصرف غير متوقع، وقد يكون نتيجة ثقتنا الزائدة أو رغبتنا التي تقابل بردة فعل مضادة لم تكن بالحسبان، ويزداد حدوثه بكثرة في هذا الزمن الذي استطاعت فيه الحياة المادية المسيطرة أن تفقد البشرية العواطف السامية، لهذا صارت القلوب أكثر قسوة بتعلقها الشديد بالكسب والربح المادي، الشيء الذي جعل الغالبية العظمى يتخلون عن الحس الإنساني النبيل بغية تحقيق مآربهم ومصالحهم الشخصية الزائلة.
ولعل السؤال الذي يراود الكثيرين الآن: لماذا نشكر كل الذين خذلونا؟ سؤال ينبغي طرحه بهدوء ومناقشته بإيجابية فعالة وبجرأة معقلنة، لكي نصل إلى جواب شافي مقنع لا يحتاج لتقديم مزيد من الإيضاح الدقيق والشرح المفصل. لقد أتى اليوم الذي ينبغي أن نشكر فيه كل الذين خذلونا في الأمس؛ فبفضلهم أصبحنا أكثر وعيا، لأننا استوعبنا أن الحياة لا تقف عند أي شخص مهما كان، إذ لا ضمان لاستمرار أي شيء في هذه الدنيا فما بالك بالأشخاص، فحتى قلوبنا التي نمتلكها ستخذلنا في يوم من الأيام لتقف عن النبض. وإن تعالت صيحة خذلانهم في مسامعنا، إلا أنها غير قادرة على إحداث الأضرار البليغة، لا لشيء إلا لأننا قريبون ممن يجبر كسورنا بلطفه ورحمته التي تجعل الخذلان غير قابل للتمدد في دواخلنا المحصنة، وما دام ذلك قائماً فلا خوف علينا من كل ما يترتب عنه من عواقب خطيرة وتبعات وخيمة.
شكرا لمن خذلونا بعد أن منحنا لهم ثقتنا، فبصنيعهم تضاعف شعورنا بأن الله هو الأمان الوحيد بعد أن أعطونا درساً قاسياً جعلنا نحتاط كثيراً قبل أن نضع ثقتنا في البشر كيفما كانوا، شكرا لهم لأنهم لم يستمروا في تمثيلهم وبادروا في فضح حقيقة نواياهم الخبيثة ولو بعد مدة من الزمن، ورحيل من كنا نعتقد أنهم كانوا قريبين إلينا إلى الأبد أهون بكثير من أن نعيش معهم في ظل تصنعهم ونفاقهم وغياب أي مؤشر على وجود الصدق والمصداقية في تعاملهم.
وهنا بالذات أتذكر همس أمي المتكرر في أذناي: إياك يا صغيري أن تعوّل على البشر، ثق بربك وحده، وأعقد كل آمالك عليه، ذلك الصوت المهموس في مسامعي لا يفارقني في كل محنة وموقف مؤلم، تلك الشحنة الدافعة لتخطي كل ما يمكن أن يعكر صفو النفس من الرواسب السلبية الناجمة عن مخلفات الشعور بالخذلان. ليس للمخذولين سوى الصبر والمجازفة على تجاوز وقع ذلك الإحساس على النفس والمضي قدما ورمي بقاياه وأثاره وراء الظهر، وإن كان الجرح المحدث غائرا يحتاج إلى الكثير من الوقت لكي يلتأم في القلب، حتى نعود من جديد ونحن أكثر دقة في اختياراتنا وأكثر تحفظا في علاقاتنا.
لولا خذلانهم لنا لما استوعبنا أمور كثيرة في هذه الحياة، فبذلك استطعنا أن نكتشف امتلاكنا لقدرات كانت مضمرة في نفوسنا إلا أنها أصبحت بارزة بعد تجرع مرارة الخذلان من أولئك الذين كنا نظن أن الحياة معهم ستكون أفضل، لكنهم فجأة وعلى غفلة من أمرنا وجدناهم من الذين يصطفون ضدنا محاولين مباغتتنا من ورائنا بنفث سمومهم بخناجر غدرهم المسمومة، وحين ظهرت حقيقتهم اعتقدوا أننا سنكون من أهل الثأر، لكن صدموا بتجاهلنا لهم بحيث تركنا ظلنا لهم ورحلنا، لأننا لا نحمل رغبة الانتقام من أي أحد فعدالة السماء كفيلة بذلك.
شكراً لكل من جعلنا نحس بالخذلان الذي مكننا من انتشال الأفكار الساذجة التي كنا نحملها، فتعلمنا ألا ننتظر الخير من الخلق، وألا نبحث عن كل ما لا يستحقنا، وألا نفكر في الأمور الزائلة، وألا نسعى لقرب أحد سوى الرحمان الذي يزيدنا ثباتاً وقوة واعتزازاً، وإن قست علينا الدنيا وما تأتينا به إلا أنها غير قادرة على سلب رحمة الرحيم. وما يصبرنا على تحمل الأفعال اللاإنسانية للذين خذلونا رغم ما قدمناه لهم هو ما نراه من جزاء يطال كل واحد حسب جنس عمله وذلك حاصل ولو بعد حين، فلا مهرب ولا منجى من دفع ثمن ذلك، فالذين قابلوا عطاءنا الإنساني النبيل بالنكران والعداء وغيره من الأمور السلبية سينالون نصيبهم من الجزاء في الحياة الدنيا قبل الحساب الأخروي.
وإن كانت الصدمات التي يحدثها الخذلان موجعة جداً إلا أن ذلك ليس دافعاً للإحجام عن العطاء وعدم الرغبة فيه، فالذين وعوا حقيقة الدنيا لن يتجرؤوا على منع عطائهم الإنساني عن أي أحد، فضلاً عن أن يستجيزوا فعل السوء وإيقاع الأذى بالآخرين، بالسير على سلالم الخذلان أو تسويغه والرضى به. لا تدع الخذلان يقطع أواصر تعاملكم الإنساني، فهناك من يستحق نبل أخلاقكم، وصدق محبتكم، وطيبة قلوبكم، وعفوية تصرفاتكم، وجمال ابتسامتكم، وتأكدوا أنه كلما حافظتم على هذه الكنوز الثمينة التي تكاد تصبح من النوادر في هذا العالم العليل إلا وتيقنا بأن الخيرية لازالت لم تنقطع بعد.
شكراً لكل أولئك الذي صقلوا أنفسنا بقساوة خذلانهم، وإن لم نستسلم للقوة التدميرية التي تحملها سلوكاتهم اللاإنسانية، فبتصرفاتهم المتخمة بالخذلان أدركنا أن حفظ الله بمثابة الدرع الواق لكل ما يمكنه أن يتسلل لقلوبنا ليحاول تحطيمها، كما أننا بذلك لامسنا عظمة لطف الديان بنا بعد كل ما يحدث لنا في مشوارنا بهذه الحياة الدنيا. ليس هنالك شعور غير متجاوز مهما كانت حدته بشرط أن يكون القلب متعلقا بالباري؛ مما يعني اكتساب مناعة ذاتية ضد أي هجوم خارجي يمكنه أن يصيب الأمن الداخلي للنفس البشرية، فبه يحافظ على ما يبعث السكينة والطمأنينة لأرواحنا، وإن تهدم وضاع كل ما كنا نعتقد يقينا أنه ثابت غير قابل للزوال.
شكرا لمن لم يبذلوا ولو مثقال ذرة من جهدهم في سبيل نصرتنا بالرغم من أننا أغدقناهم بعطائنا ومنحناهم أكثر مما احتجوه في ضرائهم، ونحن بشكرنا لكل من خذلنا لا نبتغي عتابهم أو طلب استرحامهم وعطفهم أو استجداء شفقتهم، ولا ننتظرهم على عتبات أبوابهم ليلقوا علينا بفتات حبهم المصطنع، لأننا أقلعنا من عالمهم للأبد كما أنهم لن يستطيعوا اللحاق بنا مهما حاولوا.
ستغلق في وجوهكم أبواب تستحقون ولوجها، وستتعرضون لشتى أنواع الظلم والتفشيل والتحطيم، لذا احرصوا بكل ما أوتيتم من إمكانيات على عدم ترك بطش الخذلان ينهب سعادتكم، فتجدوا أنفسكم محاطين بالمآسي التي تلقي بكم في دوامة الحزن والوجع والقهر، كونوا أكثر جرأة على رفض كل ما لا ترضاه أنفسكم وانتصروا لقيمكم ومبادئكم لا لأطماعكم وشهواتكم، وامضوا بكل ثقة في الطريق الذي يوافق ما يرضي ربكم.
قلوبنا لا تغفر الخذلان أبداً، ولا تخلق أعذاراً له ولكل ما لا ارتباط له بالإنسانية، وبالرغم من أن البشر مجبولون على الخطأ إلا أننا غير مكرهين على التصرف بغير ما هو أخلاقي، لذا فكرامة الإنسان السوي لا يلقى بها في الأرض، كما أن كبريائه لصيق به يستحيل التخلي عنه. عندما تخذلون إياكم أن تقفوا في منتصف الطريق بل واصلوا المسير ولا تنتظروا أحداً ليأتي إليكم فيطبطب على قلوبكم وينسيكم ما يوجعكم، فالحياة تستمر ولا تنتهي وإن وقعتم في حالة العجز على تغيير واقعكم الذي تكثر فيه الآلام والخيبات وتزداد شدتها وحملها الثقيل على قلوبكم وأرواحكم.
سنظل دائماً نقول لمن خذلنا شكراً لكم على إظهار وقوفكم معنا في العلن رغم أنكم في الخفاء على نقيض ذلك بمحاولاتكم المتكررة في الدفع بنا للهاوية، فعندما ينعدم الصدق وتغيب الشفافية تتحول العلاقات الإنسانية إلى روابط هشة جداً لا يطول استمرارها ولا تصلح لأن يعول عليها. ومهما خذلتمونا سنظل غير متهاونين عن فعل الخير، ولن نسكت عن قول الحقيقة التي تقض مضاجعكم، لذا دعونا وشأننا، فلسنا بحاجة لسؤالكم عنا، ولا دخل لكم في مصيرنا أأطعمنا من جوع أو آمنا من خوف، فمن يتولانا كفيل بنا ولن يتركنا حسبنا إياه ونعم الوكيل.
وتذكروا دائماً أن أقسى أنواع الخذلان يحصل حين تتمكن الآلام من أجسادكم بالسيطرة عليها وتقييد حركاتها ووظائفها العادية، بالرغم من كثرة المسكنات والمقويات التي تبتلعونها، عندها ستحسون بصدق أنكم مخذولون حتى من صحتكم التي كنتم مغرورين بها وواثقين فيها ثقة عمياء.
الدكتور / رمضان حسين الشيخ
باحث وكاتب في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة
الخبير الدولي في التطوير الاداري والتنظيمي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.