قال علي إبن أبي طالب في معرض الردّ على من قارنوا أنفسهم به وبأهله : ليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة ، وليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كأبي طالب ولا المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللّصيق ولا المحقّ كالمبطل فبئس الخلف خلف يتّبع سلفا هوى في نار جهنّم... وقال نفيل بن عبد العزى جد عمر بن الخطاب لرجل خاصم أحدهم : أتنافر رجلا هو أطول منك قامة وأوسم وسامة وأعظم هامة وأقل منك ملامة وأكثر منك ولداً وأجزل منك صفداً وأطول منك مدداً... أقوال مرّ عليها زمن ومازلت تفعل فعلها ولسوف تبقى طالما بقي الجبناء والحُقراء والأنذال يتطاولون على الأخيار من أهل الدّار ، ويتبجّحون ببطولات وهمية وإنجازات لا أثر لها في حياة الناس بهذه الدّيار ... ومن مهازل الزمن أن تتكرّر هذه الصورة في محطّات تاريخية متعاقبة وقف فيها أهل الحقّ وأهل الباطل وجها لوجه وكان أهل الحقّ بوجوههم وأهل الباطل بدون وجوه لا يستحون من أنفسهم ... يقف من ناضل عمره كلّه ضدّ الفساد والإستبداد فيستحي من مجرّد الإشارة الى ماضيه ، ويقف من ولد وتربّي في حضن الفساد والإستبداد ليشيد بنفسه وما نفسُه إلاّ مزيجا من السوء والبهتان إختلط بدمه وراثة وأنتقل من السلف الى الخلف وراثة ... عملاء وقوّادون وأهل نخاسة إمتهنوا التجارة في أعراض وأرزاق الناس لا يخجلون ولا تحمرّ وجههم حينما يقارنون أنفسهم بمن نذر حياته من أجل الناس ... وتلك والله أمّ المصائب ومهزلة هذا الزّمن التّعيس الخائب ... يصطفّ الطليق واللّصيق والمُبطل على أبواب الحاكم في بلادنا ، والحاكْمُ في بلادنا هو أبو الطّلقاء واللصقاء والمُبطلون، لينال كلّ واحد عطاءه وجزاءه على قدر ولائه ووفائه ، فيكون منهم الوزير والسفير والمدير والمسؤول الكبير، ويكون منهم المُصفّق والمزغردُ وعازف العود والضارب على الدُفّ والبندير... كلهم أو جلّهم من الطّلقاء الذين عفت عنهم وأطلقت سراحهم ثورة الأغبياء ووفّرت لهم سبل النّجاة وإعادة التأقلم مع الحياة والعودة مجدّدا معزّزين مكرّمين الى مواقعهم التي طردوا منها ذات مساء حينما فرّ زعيمهم وتركهم خلفه كالأيتام بدون أب أو حتى أولياء ... هؤلاء وأمثالهم ... هم أنفسهم الذين يقفون اليوم مُزايدين على غيرهم من أهل الحقّ ، مدّعين لفضل لم يصنعوه وتاريخ ليس لهم فيه إلاّ الخزي والعار الذي وراءهم خلّفوه ، وحاضر كالجنّة قدّموه وللناس سوّقوه وما هو بالجنّة وإنما عذابٌ أليمٌ في الدّنيا عانى منه النّاس وتجرّعوه... حكّام وحاشية من الأزلام خلعوا جلباب الحياء والشرف وطردوا الحشمة فتوارى الأدب وغاب الخجل وحلّ على النّاس البلاء ... فكلّهم يرفعون الأيدي بالدعاء ضدّ الظلم والإستبداد والفساد ، والحقيقة أنهم كلّهم ظالمون مستبدّون فاسدون ، ولكنّ أغلبهم من أنفسهم لا يستحون ولا يخجلون ... يقول أهل الحقّ لأهل الباطل وقد طفح الكيل : نحن الخير ووالدنا الفضيلة وأمّنا الحشمة والغيرة وأبناؤنا الشهامة ووطننا الكرامة ... أما أنتم فوالدكم الشر وولدكم الظلم وأمكم الإساءة وأخوكم الغدر وأختكم المسكنة وعمّكم الضر وخالكم الذل وابنكم الفقر وابنتكم الحاجة وعشيرتكم الجهالة ووطنكم الخراب ، فبئس الحكّام أنتم وبئس النّسل المُستراب... كلام لو قيل للجبال لخرّت ساجدة خجلا من نفسها ، ولكنه حينما يقال لأهل الباطل يضحكون كعادتهم إذ عادَتهم أنهم لا يستحون... وصدق من قال : ويل للناس من حاكم لا حياء له ...