لقد أزعجني أن يبدي مثقفون مستنيرون قلقهم من فوز الإخوان بعشرات المقاعد من البرلمان ! و طالبوا الإخوان بضرورة تحديد موقفهم من "الدولة المدنية" و من "الأقلية" القبطية .. ! و ما ثار اندهاشي أن الكلام في هذا الموضوع يصدر عن "مسلمة" بأن الإخوان قد باتوا قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على البرلمان أو تشكيل الحكومة الجديدة أو استلام زمام الحكم من الرئيس المبارك ! و الحال فإن الإخوان لن يفوزوا و بحسب تقديراتهم بأكثر من 120 مقعدا في البرلمان .. و هي نسبة لا تؤهلهم بحال للإنفراد بسن التشريعات و القوانين و صناعة القرار .. بل سيظل الوطني هو الذي له الأغلبية "المريحة" على حد تعبير السيد صفوت الشريف ، خاصة في ظل الوجود الهزيل جدا للقوى و التيارات السياسية العلمانية من جهة ، و توقع عودة المستقلين إلى مظلة الوطني من جديد من جهة أخرى . فضلا عن أن النظام أحكم مجموعة القوانين و التشريعات التي تكفل فقط لمن تجري في عروقه "الدماء الرئاسية" و يحمل الجينات الوراثية للعائلة الحاكمة تولى منصب الرئاسة .. فليستريح إذن الجميع .. فلا الإسلامييون و لا الناصريون و لا الماركسيون و لا الليبراليون و لا الوفديون و لا الجن الأزرق يستطيع أن يخترق كل هذه الحواجز التشريعية و الدستورية ليكون منافسا يوما ما للرئيس أو لنجله .. يعني حكاية الخوف من أن يتولى الإخوان الحكم فيه مبالغة كبيرة و سفسطة تشغل الرأي العام بقضية افتراضية و كأنها واقع حقيقي .. و هي من حيث لا يشعرون أو يشعرون تفرق الجماعة الوطنية أكثر مما تجمعهم . ثم إن الكلام عن الخوف على "الديمقراطية" من الإخوان .. هو أيضا كلام فارغ .. أين هذه "الديمقراطية" التي يخاف عليها هؤلاء المسفسطون ؟! اللهم إلا إذا كانت حكومة الوطني من وجهة نظرهم "حكومة ديمقراطية" يخشى عليها من الصعود المتنامي و المتصاعد للإخوان !! و نفس الكلام يقال أيضا على حكاية "الدولة المدنية" !.. و هل النظام المصري نظام مدني ؟! حتى يُخشى عليه من الفكر الديني للإخوان؟! .. إنه نظام من الصعب علينا حتى أن ندرجه في فصيلة "سمك لبن تمر هندي" .. إنه نظام بوليسي لا مدني .. انتهازي .. يستغل الدين و يوظفه عندما يحتاجه ل "الضحك على الناس" .. ثم يهاجمه و يطلق عليه كلابه لينهشون في طهره و نقائه .. إذا استشعر الخطر من "الدين" الذي يؤثم الفساد و التعذيب و الاستبداد و التزوير و التوريث . و هل نسى من يتكلمون عن مدنية النظام المهددة بالإخوان .. كيف سلط النظام شيوخه الكبار بالأزهر و الأوقاف و الإفتاء .. ليهددوا الناس ب"دخول النار" و بئس المصير ..إذا لم يشاركوا في الادلاء بأصواتهم في "استفتاء التوريث" على المادة 76 من الدستور .. و اعتبروا المقاطعة من "الكبائر" التي تقتضي الكفارة ! .. فيما كانت أجهزة أمنه تغلق المساجد و تعتقل الدعاة و الشباب الإسلامي النشط ، خشية التصدي لانحرفاته السياسية و المالية و الادارية ؟! ثم إن النظام السياسي في الإسلام "نظام مدني " لا ديني .. يُختار فيه الحاكم بمعايير التراضي لا القهر .. و اعتقد ان الكثير يعلمون هذه الحقيقة و لكنهم يلبسون الحق بالباطل و يصدون عن الحق ابتغاء مكاسب سياسية أو حزبية أو طائفية رخيصة . [email protected]