الميدان هو منطقة واسعة رحبة تُعدُ مُلتقى عدة شوارع رئيسية يتطلب وجودها التصميم الحضارى أوالواقعى لمدينة ما وهويخضع فى الفقه إلى حكم الشوارع والطُرُقات والجلوس بهما ووجوب التحلي بأادابهما حسب قول نبى الرحمة (ص) بضرورة إعطاء الطريق حقه.. ان الميدان يُعد فى بعض مراحل الدولة مجالاً للتعبير عن الإرادة السياسية لشعب ما بدءاً من اليونانيين القدامى أصحاب فكرة الديمقراطية المباشرة وممارستها .. تطور الأمر للاستعاضة بالديمقراطية غير المباشرة بنُواب الشعب الذين يتولون أمر التشريع نيابة عنه فرأينا البرلمان فى صورته الحالية.. ظلّت الميادين العامة مجالاً خصباً لإعمال الشعب لثوراته وانتفاضاته تعبيرا عن غضبه من سياسة حُكم فاسد أو استبداد حاكم مُستبد بينما يرى أن البرلمان لم يقم بدور ناجع فى تصويبها أو تقويضها فيما يُعد أداةً مُباشرةً بيد الشعب لهدم النظم الاستبدادية الحاكمة الظالمة .. ولمّا كانت الضرورة تُقدر بقدرها فان من شأن استعمال الميادين على نحو مستمر للتعبير عن السُخط الشعبى وفى ظل وجود النواب الحقيقيين والبرلمان المُنتخب بنزاهة وديمقراطية والذى لم يثبُت بعد فشله فى الرقابة والتشريع والحفاظ على مكتسبات الثورة المُحققة والعمل على تحقيق بقيتها انما يُمثل فى حقيقته مُمارسةً للبلطجة السياسية بمفهومها الدقيق .. ان الميدان ياسادة هو ذلك المجال الرحب لممارسة ثورة الشعب على مُستبديه وفى ظل وجود برلمان غير فاعل أو مشكوك فى نيابته وفى صحة تمثيله للشعب .. لكن متى رحل المستبد ووُجد البرلمان المنتخب بنزاهة فقد فقد الميدان شرعيته .. حيث لو استمر الميدان بالمحافظة على شرعيته لفقدت المؤسسات الحاكمة الجديدة والبرلمان المنتخب ذاته شرعيتيهما ولمثّل هذا افتئاتاً على ما ارتأاه الشعب فى جمعيته العمومية والتى قامت بانتخاب أعضاء البرلمان فسلبت من ثم شرعية الميدان بمُجرد ظُهور شرعيته بانتخاب البرلمان وبدئه لممارسة دوره المنوط به ولا تناقضٌ فى ذلك مع وجوب الرقابة الشعبية على أعمال البرلمان حسب ما ينادى به المطالبون ببقاء شرعية الميدان.. اذ تلك الرقابة هى فعلاً محققة من قبل الجمعية العمومية للشعب المصرى ذاته وبكافة أطيافه ولا يمكن اختزالها فى بضعة ألاف يستمرون بالتظاهر هنا وهناك .. هذا من جانب .. ومن جانب أخر فان تمثيل نواب البرلمان للشعب هو تمثيل حقيقى وبوكالة وتفويض حقيقيان لا يمكن النيل منهما بممارسة التشكيك فيه من قبل الأقلية الساقطة اذ لا وكالةً حقيقية فى المقابل ؤلأولئك قاطنى الميدان ذوى الأصوات العالية ودعاة الصخب وعدم الاستقرار .. وان كان من شأنهم التأثير بالسلب على أعمال تلك المؤسسة المُنتخبة بما يُعرقل من نشاطها وأدائها لدورها المنوط بها بما يُحقق طموحهم فى افشالها والدعوة الى انتخابات برلمانية جديدة ينشدون المشاركة فيها بعد سقوطهم الزريع ورفض الشعب فى غالبيته لتوجهاتهم ... لم نسمع يا سادة بدولة ما وقد جعلت ميادينها فى حالة انعقاد مستمر من بعد رحيل المُستبد وانتخاب برلمان بصورة ديمقراطية ونزيهة لها .. فمثلاً لم نسمع عن استمرار رقابة ميدان الباستيل وخلق شرعية له فى مقابل شرعية البرلمان الفرنسى من بعد نجاح الثورة الفرنسية .. ان الميدان يا سادة ينتهى دوره بانشاء حياة دستورية جديدة من بعد رحيل المستبد تبدأ بوجود برلمان مُنتخب .. ويُمثل القول بغير هذا أحد أمرين .. أولهما تعجيز البرلمان عن ممارسة دوره وغل يده بل وفى الأدنى بجعلها مُرتعشة كما وأيدى كل أصحاب القرار أنفسهم خوفاً من رد فعل الميدان المباشر والتلقائى على ما يقومون به من تشريعات أوقرارات وبما يتناقض ومبدأ الحصانة المُفترضة لأعضائه وبما يجعلهم يُقدّمون مُتطلبات أمنهم الشخصى على متطلبات الأمن القومى وبما يمثل ارهاباً سياسياً لا يُنكره عاقل أو وطنى رشيد بل وبما من شأنه أن ينعكس سلباً على صالح الوطن وصالح مؤسساته .. الأمر الذى لا يُساهم فى استقرار البلاد وتوجه الرأى العام والقوى البشرية وجهودها نحو عجلة الانتاج بالأساس بل لا نُغالى لو قلنا أن من شأن هذا خلق انتكاسة ثورية بالقدر الذى يتمناه راغبوا الثورات المضادة أنفسهم.. ومن ناحية أخرى يمكننا القول بأن المُنادين بشرعية الميدان ودعواهم بأنهم يمثلون الشعب وهم الناطقون بلسانه قد افتقروا لصحيح الفهم واعمال العقل وباتوا هم الأبعد عن الجادة وصواب القول.. اذ كيف لهم تمثيل الشعب وقد قال الأخير قولته بأن وضع ثقته وبأغلبيته الكثيفة فى نواب البرلمان المنتخبين فى انتخابات نزيهة شهد لها العالم كله .. ولو كان الشعب يريدهم حقاً بمنطق الوكالة المُدّعين به لما سقط جُلّهم فى الانتخابات البرلمانية .. بينما البعض منهم قد عرف حجمه وأنه لا يملك سوى صوته المُجلجل به فأاثر السلامة بالانسحاب ليظل قابعاً واخوانه الصارخين بالميدان مُدّعين جميعاً كذباً وتدليساً بأنهم يُعبّرون عن الشعب الصامت الذى هو فى الحقيقة قد صرخ بأعلى صوته ليُنيب غيرهم عنه فى برلمانه الجديد ومن ثم يكون مثل هؤلاء اما ذوى مرض نفسى محض أو منفذين لمخططات خارجية وقد نالوا هم من أصحابها عار الانابة والوكالة .. ان النُقطة الأهم فى حق هؤلاء ياسادة أنهم يعلمون أن من شأن مايقومون به لايرضى عنه غالبية أطياف الشعب الأمر الذى يؤكده أن نواب الأغلبية ذاتهم يعارضونهم هذا التوجه بينما هم فيُصرون على المتاجرة بدماء الشهداء وحقوقهم تارة وكذا حقوق المُعتقلين والجرحى تارة أخرى ولاتستطيع أن تُوقف هذه المُتاجرة ولا المُزايدة منهم هذه الحزمة من الاجراءات التعويضية لهؤلاء وتوظيف الجرحى ومن قبل هذا وذاك تسجيلهم بأحرف من نور فى ذاكرة الوطن وليسوا هم بأعلى درجة من شهداء الوطن بكافة أحداثه وحروبه وهزائمه وانتصاراته .. فكل شهيد مصرى له ذات مكانة قرنائه من الشهداء فى ضمير الشعب والوطن .. لكن مايقوم به هؤلاء هو اللعب على أوتار الوجدان قصد ضرب الوطن وُمقدراته وبخبث ودهاء شديدين بما لايرضى عنه كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .. انهم ياسادة يُطالبون باستمرار الميدان رغم وجود البرلمان المُنتخب بحُجة ضرورة مراقبة أداء المجلس وقد نسوا أن لاأحد من الشعب قد أعطاهم شرعية الانابة عنه فى القيام بهذا الدور.. وأما اصرارهم على أنهم هم الثوارالمواصلين لثورتهم .. فهو محض هراء .. اذ الثوار الحقيقيين هم من افتدوا الوطن بدمائهم فاستُشهدوا وهم كذلك من جُرحوا وبُترت أعضاؤهم حال الثورة وكذا أولئك الذين ولّوا وجوههم شطر وطنهم لأجل البناء لأوصاله من جديد وليسوا هؤلاء الممتشقين لمعاول الهدم لكل شىء وأعملوا الفوضى بكل ركن من أركان الوطن وقد ذهبوا لهدم القيم وأداب الحوار والمخاطبة .. وما يقومون به فى حق الوطن ان هو الا جريمة فى حقه تستأهل أغلظ العقوبات الجنائية . انهم ياسادة يتلقون التمويلات الخارجية ويقطنون مناطق القاهرة الراقية ويمتطون السيارات الفارهة من بعد عوزهم القريب . وقد راحوا يُحرّضون الشعب على عداء مؤسستهم العسكرية الوطنية رغم ماقدمت من حماية الوطن والثورة فى أصعب مرحلة مرّت بها البلاد .. وباتوا يُهددون الكافة بالانتقام والتنكيل والتطاول تارة وبالمقاضاة والمساءلة الجنائية تارة أخرى بقصد ارعاش يد مُصدر القرار فتضيع الدولة وتتفكك أوصالها ليتحقق أغراض من هُم من وراءهم .. انهم يقولون ياسادة بأن الجيش شىء بينما المجلس العسكرى فشيئاً أخر ليعطوا العامة مبرراً بمشاتمته والتطاول عليه وهم لايعلمون أنهم يتطاولون على الشرفاء من أبناء الوطن ذوى التاريخ الوطنى المرصود بل ومن قبله المؤسسة العسكرية برمتها بزبح مهابتها وقيمتها فى قلوب المصريين .. تلك القيمة التى لاتُدانيها قيمة لدى كل شعوب العالم ومؤسساتهم العسكرية .. الأمر الذى أراد لنا الأعداء خسرانه ليغنموا أشلاءنا وضعفنا من بعد قوة شهد بها العالم أجمع .. ان الجيش ياسادة ليس كما يقول هؤلاء جسدٌ بلا رأس .. انما هو كيانٌ واحد لاينفصمان .. فليس للقاعدة من حُريّة تصرف دون تنفيذ لأوامر القادة العسكريين.. وتلك هى أبجديات الحياة العسكرية التى يجهلها كل هؤلاء ممن لم يخدموا الوطن بالالتحاق بالجيش المصرى جرّاء خيانة مبارك للبلاد باعفائه للعديد من أجيال الشباب من أداء الخدمة العسكرية فمات فيهم الانتماء والعلم بأبجديات الحياة العسكرية .. ان هزيمة يونيو1967ياسادة ماهى الا هزيمة قيادة .. وكذا نصر أكتوبر هو بالأساس نصر قيادة كما وأن نجاح ثورة يناير هو كذلك بالأساس نجاح لقادة الجيش وصدقهم فى حماية الثورة.. ولو كان قد حدث وأعطى القادة أوامرهم بالقضاء على الثورة لما استطاعت القاعدة من سائر الجند والمرؤوسين مخالفة أوامرهم طبقا لقواعد الضبط والربط العسكرية ولكانت شوارع الكنانة كما وشوارع حلب وحمص وعدن وطرابلس.. الأمر الذى يجعلنا نقول وبقوة أن مايدّعيه هؤلاء المنفذين لأجندات غيرهم ماهو الا طعناً فى الجيش بجحد فضائله ..بحُجة استعجال الانتخابات الرئاسية والتى لم يتبق عليها سوى أشهر قليلة ينتهى بموجبها دور العسكر كما يتشدقون ومن ثم تكمن الغاية من الاستعجال بذلك فى قصدهم الاساءة بالجيش واتهامه بالخيانة بهدف هدم قيمته فى وجدان الشعب وهو المؤسسة الوحيدة التى لازالت صامدة فى ميدان الذود عن داخل الوطن وحدوده فى أن واحد والتى ان هى كانت قد تنحت جانباً لضاع الوطن وتدخل الغرب بعسكره وجنده تحت مُسميات يتشدق بها الأن هؤلاء .. كحماية الأقليات وصون الحريّات .. وهى ذات المُبررات التى سبق وتشدق نُظراؤهم بها فى بلدان أخرى عربية كالعراق .. فلاهُم قد صانوا بها حُريّات ولا حموا بها أقليّات ! انهم بفعلهم هذا ياسادة يُحرّضون الشعب على كسر قُوّته بيديه بل ويحطمون ماتبقى من قيم الدولة ومؤسساتها تحت مسمى أمال الثورة والثوّار.. ان ثورة الميدان ياسادة ليست مستمرة بل أناب الشعب عنه أعضاء البرلمان المنتخب فى المحافظة على مكتسباتها .. صحيحٌ أن يكون هذا باستمرار الثورة لكن من داخل أروقة البرلمان وليس بالميدان كما يُطالبون. انه ذلك البرلمان الذى جاء جُلّ أعضائه من رحم الثورة .. بل ومنهم من هو من أولياء الدم لأحد الشهداء وقد رأينا ذلك فى الجلسة الافتتاحية للبرلمان وقد أبكى كل أعضاء المجلس ورئيسه ذاته.. ومن ثم ستظل الثورة وتستمرولكن فى صورة شرعية قد ابتغاها الشعب من وراء اختياره لمن يمثلونه وليس من خلال أولئك القابعين بالميدان المُصرّين على صراخهم وتحريضهم للعامة بالاتيان على كل مُقدّرات الوطن وعرقلة عجلة الانتاج .. تُساعدهم فى ذلك الأبواق الاعلامية الخائنة والتى تفتح لهم شاشات التلفاز على مصراعيها ليتطاولوا على الأكاديميين والعلماء وذوى الخبرات بتطاول وبسوء خُلق وغرور ملحوظ قد نال منّا ومن أخلاقنا العريقة أمام العالم أجمع من بعد احترام ملحوظ .. .. ان الاصرار ياسادة على شرعية الميدان مُوازياً مع شرعية البرلمان انما من شأنه اضعاف مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة العسكرية .. واشاعة الروح الانتقامية غير المُتسامحة حتى أمد بعيد لتتقهقر بلادنا عن الركب الحضارى بما تكون الثورة معه هادمة غير بنّاءة .. ان الثورة ياسادة قد نجحت برحيل المُستبد ووجود برلمان مُنتخب نزيه بينما فطريق تحقيق أهدافها يبدأ من أعتاب مجلس الشعب وليس من أعتاب لاظوغلى ومحمد محمود وكوبرى قصر النيل .. انها كانت ميادين ثورة هى اليوم يجب أن تكون رموزاً حضارية نفتخر بها ويحُج اليها أحرار العالم أجمع.. فلا تجعلوها مرتعاً للسوقة ومخالفى القانون .. ان الاعلام يمارس الأن دوراً يُقارب مشهد الخيانة والعمالة وعداء الوطن بتشجيع كل هؤلاء على ممارستهم هواية الخروج على الأُطُر الشرعية والهادمة لكل قيم الدولة ومؤسساتها تحت مسمى الثورة المستمرة .. ان معنى الثورة مستمرة فى الميدان ياسادة وليس على أعتاب البرلمان أن تظل البلطجة مستمرة والخروج على القانون مستمراً كما وغياب الأمن مُستمراً بل والاعتداء على المنشئات العامة يصير مستمراً كذلك .. كفانا يا أصحاب الأبواق المنادية باستمرار الثورة من بعد ممارسة البرلمان لدوره ما أصاب تاريخنا ومؤسساتنا تحت صهيل أصواتكم التحريضية وأبواق العملاء من الاعلاميين المحرضين لقد حُرق المجمع العلمى ياسادة بينما الثورة مُستمرة .. لقد شُرع فى حرق المتحف المصرى ياسادة بينما الثورة مُستمرة لقد واصل الدم المصرى نزيفه وتضاعف أعداد الشهداء ياسادة بينما الثورة مُستمرة لقد تم الطعن فى سمعة الجيش وشرفه والتطاول على قادته والطعن بشرف كل المواطنين ياسادة بينما الثورة مُستمرة لقد أصبحنا غير أمنين فى بيوتنا ياسادة بينما الثورة مُستمرة لقد أغتُصب الأطفال والنساء فى الميادين العامة ياسادة بينما الثورة مُستمرة لقد هُدّمت أقسام الشرطة وتم الاستيلاء على أسلحتها وزخيرتها ياسادة بينما الثورة مُستمرة لقد تم تهريب السجناء الجنائيين ياسادة بينما الثورة مستمرة لقد ذاد العُنف وتنامت أعمال البلطجة ياسادة بينما الثورة مستمرة لقد دُمّر الاقتصادُ وأقفلت المدارس والجامعات ياسادة بينما الثورة مستمرة لقد ذاد نحيبُ الفقراء وذادت فاقتهم بينما الثورة مستمرة ان قيمنا يا سادة باتت هى الأقربُ الى الاهدار التام بينما الثورة فمُستمرة ان شرعية الميدان ياسادة وحسب هتاف هؤلاء انما هى فى حقيقتها ما ارتأاه الحمقى ممن أغمضوا عيونهم وصمُّوا أذانهم عن الحقيقة فاتفقوا اتفاق فاقدى السمع والبصرعلى خراب الوطن وتدمير البلاد.. بينما فالثورة قد أرادوها أن تكون مستمرة..