الوطن هو ما يحتوى المرء ككيان اجتماعى لينتمى اليه بمشاعره وأحاسيسه وعواطفه وأماله وألامه .. الوطن كيان معنوى يترجمه الفرد بداخله من خلال تمرازج بينه وغيره من الأفراد والمؤسسات وعوامل قيامه بالأساس من اقليم وشعب وسلطة حاكمة وقانون .. الوطن كما البيت .. كما الولد .. كما الأهل .. كما كل غال على المرء وعزيز.. الوطن كما الصحة تماما لا يشعر بقيمته الا من افتقده سواء كان جبرا بالنفى أو باسقاط الجنسية أو اختياراً لظروف العمل بخارجه .. الوطن يحيا فيك.. بداخلك .. حتى ولو رحلت عنه وتركته.. الوطن هو حلم الطفولة الذى رسمته على الطرقات وحيطان المنازل .. هو ابنة الجيران الحبيبة .. هو الزوجة ..هو طفلك الصغير ..هو كل أهاتك وابتساماتك .. بل هو شريط الذاكرة الغير قابل للمحو أوالطمس .. الوطن هو لوحة كبيرة بلا راسم أو فنّان انما رسمتها فرشاة تاريخك وأحداثه .. الوطن كما يرتسم فى الحقيقة كاقليم وسيادة وشعب تراه يرتسم بداخلك بحضن أهلك وذويك .. الوطن كل ما تراه من وراء عينيك وقد ارتسم بداخلك بما هو أروع ألف مرة مما قد تراه عيناك.. الوطن قيم ومثل تحرضك على الدفاع عنه وفدائه بكل غال ونفيس .. الوطن ان واجه هزيمة فأنت جد مهزوم وان لاقاه كسب فأنت الرابح الغانم .. تُبكيك الأغانى الوطنية لهزيمة واجهها وطنك كما يبكيك فقدان الولد .. الزوجة وذوى القربى .. كما انها تشعل لأجله وجدانك حباً وعشقاً وحنيناً .. الوطن بداخلك ممتد بلا نهاية مرتفع بلا أسقف .. الوطن لا يعنى الأشخاص انما يعنى الكيان المعنوى فى صدر كل منا .. انه الوطن يا سادة الذى تغنى باسمه كل الأحرار والثوّار بل وكل الشهداء الأنقياء .. انه الوطن يا سادة الذى لا يعرف حدوداً عند (جيفارا) اذا ما اتسع صدر الثائر وحدود الفكرة لديه ليكون العالم كله وطنه وعلى حد قوله : وطنى حيث كل فقير على أرض العالم وكل مضطهد فى أى مكان منه - وتلك هى فكرة فلسفية للوطن تتجرد فى صدر الثائر الرمز من حدود الأوطان الصغرى الى وطن بلا حدود هو العالم بأسره .. انه الوطن يا سادة الذى ضحّى لأجله (مانديلا) فظل فى معتقله ما يقرب من نصف عمره وكذا عُذّبت (جميلة بو حريد) لأجله .. انه الوطن ياسادة الذى فداه كل الأحرار كعمر المختار وحتى شهداء أكتوبر العظيم .. انه الوطن ياسادة الذى تُحاك الأن تجاهه أخبث المؤامرات تحت مسميات الحرية البرّاقة وحقوق الأقليات والمعاهدات المُبرمة .. كان هذا هو المُفتتح ومعاّ لنلج كبد البليّة والطامة الكبرى .. ان مصر منذ أول التاريخ حباها الله بموقع جغرافى فريد وتاريخ له جاذبية لكل القوى الاستعمارية على مر العصور فظلّت كل تلك القوى تتكالب على مصر الجغرافيا ومصر التاريخ ومصر الهوية الثقافية الا انها لم تتمكن بما حباها الله به من رباط يربط أهلها الى يوم القيامة فظلّت كريمة الوفادة منذ قدوم العائلة المقدسة من قبل قدوم عمرو بن العاص والفتح الاسلامى لها .. ظل المسلمون والمسيحيون فى كنف واحد لا انفصام بينهما تتمازج دماؤهما بالحد الذى صعب فيه على المحتل أن يُميز بين دم أبناء الوطن حسب عقيدتهما ..ولم تفرق دانة المدفع فى معاركنا المقدسة بين هلال على الصدر أو صليب فوق الساعد ..الكل مصرى والكل وطنى وكان هذا هو سر قوة مصر والمصريين .. لم يستطع أعداء الوطن عبر تاريخه اختراق لُحمتها الوطنية بالمُطلق فبات ضرورياً لديهم أن تُحاك ضدها مؤامرات من نوع جديد تحت مسميات العصر البراقة كالحرية والليبرالية والحداثة والديمقراطية.. قتلوا هويتنا والتى كانت تؤصل للتمازج والانصهار الوطنى بأن دعوا أبناءنا الى بلادهم وأكاديمياتهم ليُدرّسوا اليهم قيمهُم الغربية ومخططتاتهم الخبيثة بمعسول النوايا الظاهرية المُغلّفة بمعانى الحرية والعدالة الاجتماعية .. وباتت تؤسس للحرية فى ثوب جديد يطمح فى الانفلات وما يقارب الفوضى ويصفقون للديمقراطية فى مفهوم حديث يعنى طموح الأغلبية فى فرض رؤاهم على الأقلية وان خالف القيم الموروثة والعقائدية .. لم يكن بقصد الغرب ياسادة ساعتها العمل على افادة شعوبنا وتحقيق طموحاتنا اذ لا يهمه عشنا الحرية أم افتقدناها بل كل ما يهمه هو تحقيق أهدافه بهذه المسميات وبتلك الحُريّة .. عاد الشباب وقد ضحكوا عليهم فدعوناهم النخب ليضعوا أجنداتهم رافعين أصواتهم بمسميات الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية .. ولكبت الأنظمة المثار عليها لشعوبها انتفضت الشعوب وراء الدعوة تلك ولم تأبه أن فى الثعبان الأملس سمُُ قاتل .. نجحت الثورة لترحل الأنظمة لتقفزعلى المشهد هذه النخب المُعدّة سلفاً لتبدأ بهم مرحلة ما بعد الثورة .. لم يرهم الشعب الا فجأة ولم يسمع بأصواتهم الا من بعد قيامها وصار المشهد واضحاً بهم أنهم هم مجلس ادارة الثورة أو رجال الثورة أوالحركات الثورية أو ائتلاف الثورة أو غيرها من المُسميات ولم يفطن الجميع الى وصف أخر كى يتحققون منه ومصداقيته ووطنيته ألا وهو أصحاب الأجندات الطامحة من بعد الثورة .. لتلتقطهم الأدوات الاعلامية لتكسب بهم تعاطف فئات الشعب غير الواعية لتُعيد ثقتها فى الاعلام من بعد فقدانها فى فترة ما قبل وابّان الثورة .. فصارت الصورة باهتة وأصبح الاعلام منذ ذلك التاريخ هو الوقود الذى تستخدمه هذه النخب فى تنفيذ أجنداتها من بعد الثورة .. وبدأنا نسمع أسماء كثيرة ونرى وجوهاً عديدة .. وفجأة بدأ استخدام عصا المليونيات باظهار المقدرة على تجييش الملايين بذات ميدان الثورة الشهير بالتحرير كل جمعة بمسميات مختلفة كى يكون أداة قهر للمجلس العسكرى الحاكم الذى يدير شئون البلاد لترتعش أنامل مُصدر القرار وصانعه لتصير البلاد ومصيرها فى أيدى هؤلاء كما والاعلام الخائن بارادته أو من غير ارادته لتبدأ مرحلة تنفيذ بنود الأجندات المخفية والسريّة باللعب على أوتار الطائفية وضرب ثقة الشعب بجيشه –ذلك الأخير الذى حمى ثورة الشعب وقد خالف مقتضيات العمل الرسمى التاريخى بحماية الأنظمة الى مقتضيات العمل الوطنى بحماية الشعب والوطن .. وهنا تبدّل المشهد وهلّل العدو لتنفيذ ما يصبوا اليه .. وتراقص الخونة وتبادلوا كؤوس النشوة سعادة وابتهاجاً ...وما رأينا قد تحققت لمصطلحاتهم البرّاقة ثمة معنى غير اللفظ ودواعى الدم المُراق.. الجيش الذى حمى الشعب من عظيم البلايا المُحدقة بات محلاً للطعن فيه ووطنيته حتى ان الخونة المتشدقون بعبارات أجنداتهم باتوا يقذفونه فى شرفه العسكرى وقيادته بلا حياء أو وطنية أو ضمير بينما العدو فراح يُهلل فرحاً بما خطط ونفذ .. راحوا كذلك يُعمّقون خلافاً هم صانعوه بين شطرى الأمة الذين ما عرفت الفرقة يوماً طريقهاً اليهما .. ليصرخ الوطنى القبطى من الوطنى المسلم بينما الأخير فيجأر من الأول لاستغاثته باعداء الوطن عليه .. ليستقبل الأخيرون هذا المشهد وقد تحقق واقعاً ليُبدوا استعدادهم للتدخل بمسميات حماية الأقليات والكنائس والمعاهدات الدولية وتطبيق المسميات البرّاقة الخادعة والمُسطرة بأجندات العملاء من أبناء الوطن ليترقب الجميع نهاية المشهد وما ستُفسر عنه الأيام القادمة .. بينما الوطن فيترقب هو الأخر متسائلا : لم كل هذا العبث بمقدراته مهما بلغت المسميات بريقاً ؟ اننا لم نطمح ياسادة من وراء ازاحة نظام ظالم أن تدخل البلاد فى أتون حرب أهلية ... والا فبقاء النظام كان أولى .. اننا لم نطمح ياسادة من وراء الثورة تقسيم البلاد الى أشلاء وكانتونات صغيرة.. والا فبقاء النظام كان أولى .. اننا لم نطمح ياسادة من هتافات النُخب المصنوعة غربياً بمسميات الحرية والعدالة الاجتماعية أن نفقد الأمن والعدالة والحرية ونستدعى الغرب والأمريكان حُرّاساً جُدُد لبعضنا من البعض الأخر ...والا لكان بقاء النظام أولى.. اننا لم نطمح ياسادة من وراء انتصار الشعب هزيمة الجيش والا ما كنا بحاجة الى مثل تلك الثورة وكان بقاء النظام أولى.. اننا لم نطمح ياسادة أن نفقد الوطن بمكاسب الثورة اللفظية والا لكان بقاء النظام أولى .. اللهم ان لم يحموك بوطنيتهم هم ............. فقد قتلوك ياوطن ..