انطلاق الاختبارات الأولية لتحديد المستوى للترشح للبرامج التدريبية بمركز سقارة    وكيل تعليم الإسماعيلية يشيد بصاحبة كتاب "أغاني الطفولة السعيدة"    "الشيوخ" يناقش إعادة هيكلة كليات التربية وخطة "التعليم" لمواجهة التحرش والتنمر والعنف بالمدارس    حسن عبد الله يتسلم جائزة محافظ العام 2025 من اتحاد المصارف العربية (صور)    وزير الطيران يبحث سبل تطوير المطارات المصرية مع عمالقة الصناعة العالمية بباريس    حصاد النواب في أسبوع، الموافقة على الموازنة العامة وتنظيم ملكية الدولة في الشركات    ماكرون: أمن إسرائيل مسألة استراتيجية بالنسبة لنا    الرئاسة في أسبوع.. السيسي يوجه بتعزيز التعاون مع شركات القطاع الخاص.. يصدق على إطلاق مبادرة "مصر معاكم" للأبناء القصر للشهداء.. ويبحث التصعيد الإسرائيلي في المنطقة مع قادة فرنسا وتركيا وقبرص    روسيا: الوضع في الشرق الأوسط خطير.. وقلقون من استمرار التصعيد    الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم ومخيميها لليوم 145 عل التوالي    الشباب السعودي يقترب من ضم نجم جالاتا سراي    إخلاء سكان العقارات المجاورة لعقارَي حدائق القبة المنهارين    موعد ظهور نتيجة الشهادة الإعداداية في القليوبية    القبض على متهمين بقتل شاب في إمبابة    وفاه رئيس احد لجان الثانوية العامة بسوهاج بعد إصابته فى حادث سير داخل المستشفى بأسيوط    مركز إبداع الغوري يستضيف حفلًا لفرقة "الفن الصادق"    وزارة الأوقاف تحيي ذكرى وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي    أسرار استجابة دعاء يوم الجمعة وساعة الإجابة.. هذه أفضل السنن    الرعاية الصحية: مستشفى القنطرة شرق بالإسماعيلية قدمت 7000 خدمة طبية وعلاجية(صور)    بتكلفة 450 جنيها فقط، زراعة قرنية لمسنة في مجمع الإسماعيلية الطبي (صور)    منتخب السعودية يخسر من الولايات المتحدة في كأس الكونكاكاف الذهبية    القومي للأشخاص ذوي الإعاقة يشارك في احتفالية مؤسسة "دليل الخير"    «السلامة وحب الوطن».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    ضبط 12 طن دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء    محمد صلاح ضمن قائمة المرشحين لجائزة لاعب العام في الدوري الإنجليزي    رئيس هيئة الرعاية الصحية: تشغيل مستشفى القنطرة شرق المركزى    حسن الخاتمة.. وفاة مسن أثناء صلاة الفجر بالمحلة    رئيس وزراء صربيا يزور المتحف الكبير والأهرامات: منبهرون بعظمة الحضارة المصرية    قافلة طبية للقومى للبحوث بمحافظة المنيا تقدم خدماتها ل 2980 مواطناً    هل تجاوز محمد رمضان الخط الأحمر في أغنيته الجديدة؟    بعد عرضه على نتفيلكس وقناة ART أفلام 1.. فيلم الدشاش يتصدر تريند جوجل    وكالة الطاقة الذرية تعلن تضرر مصنع إيراني للماء الثقيل في هجوم إسرائيلي    «الرصاصة الأخيرة».. ماذا لو أغلقت إيران مضيق هرمز؟ (السيناريوهات)    أسعار الخضروات اليوم الجمعة 20 يونيو 2025 في أسواق الأقصر    بنجاح وبدون معوقات.. ختام موسم الحج البري بميناء نويبع    الطقس اليوم.. ارتفاع بحرارة الجو وشبورة صباحا والعظمى بالقاهرة 36 درجة    أبوبكر الديب: من "هرمز" ل "وول ستريت".. شظايا الحرب تحرق الأسواق    برشلونة يسعى للتعاقد مع ويليامز.. وبلباو متمسك بالشرط الجزائي    ضمن برنامج الاتحاد الأوروبي.. تسليم الدفعة الأولى من معدات دعم الثروة الحيوانية في أسيوط    "من أجل بيئة عمل إنسانية".. ندوات توعوية للعاملين بالقطاع السياحي في جنوب سيناء    أوقاف شمال سيناء تطلق حملة موسعة لنظافة وصيانة المساجد    حالة الطقس في الإمارات اليوم الجمعة 20 يونيو 2025    وزارة البيئة تشارك في مؤتمر "الصحة الواحدة.. مستقبل واحد" بتونس    إنتر ميامى ضد بورتو.. ميسى أفضل هداف فى تاريخ بطولات الفيفا    شرطة بئر السبع: 7 مصابين باستهداف مبنى سكني وأضرار جسيمة نتيجة صاروخ إيراني    نشوب حريق هائل بعدد من أشجار النخيل بإسنا جنوب الأقصر    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 20-6-2025 بعد الارتفاع الجديد    إعلام إيراني: إطلاق 3 صواريخ باتجاه مفاعل ديمونة النووي في إسرائيل    التشكيل المتوقع لمباراة فلامنجو وتشيلسي في كأس العالم للأندية    شيرين رضا: جمالي سبب لي مشاكل.. بس الأهم إن أنا مبسوطة (فيديو)    "مش كل لاعب راح نادي كبير نعمله نجم".. تعليق مثير للجدل من ميدو بعد خسارة الأهلي    الاتحاد الأفريقي يعلن مواعيد دوري الأبطال والكونفدرالية    10 صور لاحتفال وزير الشباب والرياضة بعقد قران ابنته    بدأت ب«كيميا» واهتمام و«بوست مباركة» أثار حولها الجدل.. تطورات علاقة أحمد مالك وهدى المفتي    تعرف على ترتيب مجموعة الأهلي بعد خسارته وفوز ميامي على بورتو    قادة كنائس يستعرضون دروس مقاومة نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا    خبير يكشف كمية المياه المسربة من بحيرة سد النهضة خلال شهرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدستور والشرعية ... خالق ومخلوق

ان كلمة دستور فى مفهومها العام دونما تقعير أو تعقيد أو تنظير وحتى يفهمها العامة وغير المتخصصين انما هو العقد الاجتماعى الذى يُقترض ان الجمعية العمومية لاقليم ما وهم المقيمون عليه قد اتفقوا فيما بينهم على وضع اتفاق مكتوب مكون من مواد وبنود تحدد أُطُراً اجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية أو عقائدية او أيديولوجية معينة بموجبها يتنازلون عن جزء من حريّاتهم الى مصلحة المجتمع ككل ومن ثم الى حكامه أو القائمين على حكمه نظير قيام الحاكم بتوفير استلزاماته الأمنية والصحية والاجتماعية والتعليمية والاقتصادية وغيرها من مقتضيات النفع العام للمجتمع والنفع الخاص لكل مواطن .. ويصير لكل هذا الكيان وبموجب هذا العقد الاجتماعى المسمى دستورا شخصية معنوية وكياناً معنوياً هو الدولة والتى يتم التعامل معها من البلاد الخارجية والدول الأخرى نيابة عن أفراد المجتمع والسلطة التى تمثل الدولة كشخصية معنوية هى الحكومة وشخص رئيس الدولة والذى تختلف سلطاته حسب اختلاف النظام السياسى وهل هو نظام رئاسى فتتسع سلطاته او برلمانى فيكون هو رمزاً للدولة وحام للدستور بينما تسيير أمور الحكم فبيد رئيس الوزراء ممثلا لأغلبية المجلس البرلمانى ..
اذاً وحتى تكون هناك حكومة لابد من اجراء انتخابات برلمانية حتى نكون أمام نوّاب للمجتمع يمثلونه ويسنون من القوانين ماتحافظ على حقوق الفرد وحقوق المجتمع وترتب عقوبات على عدم الالتزام بها .. كما وتقوم بتشكيل الحكومة من الأغلبية البرلمانية ان كنا فى نظام برلمانى أو مراقبة الحكومة ان كنا بنظام رئاسى يُختار رئيس الحكومة والوزراء من قبل شخص الرئيس ..
وفى اجمالى الصورة يتفتق العقد الاجتماعى وابرامه عن وجود مؤسسات شرعية منها التشريعية التى تسن القوانين وتراقب اعمال الحكومة والقضائية والتى تفصل فى خصومات المواطنين فيما بينهم أو بينهم وبين الدولة أو مراقبة دستورية القوانين بمدى تطابقها أو اختلافها مع العقد الاجتماعى وهو الدستور وسلطة تنفيذية لتنفيذ القانون لتحقيق أهداف اصداره وفرض الأمن وقواعده داخل البلاد ..وسلطات أخرى لزومية تسيير أحوال الوطن والمواطن من كفالة صحته وتعليمه وغيرها ..
هذه هى صورة عامة ومختصرة منذ مجرد التفكير فى خلق الدولة ككيان بابرام العقد الاجتماعى وحتى قيام الدولة باعبائها قبل المواطن وقيام الأخير قبلها كذلك بأعبائه ..
تعالى اذاً لنسلط الضوء على مسألة جوهرية ألا وهى الدستور أو ذلك العقد الاجتماعى بأُطُره الحاكمة .. من الذى يقوم بوضعه حتى يُفترض تعبيره عن كل أراء وموافقة أعضاء الجمعية العمومية للبلاد ألا وهو الشعب كله بكل فرد فيه ؟!
واجابة صادقة على هذا السؤال تفرض علينا أن نبين ان الديموقراطية فى أولى مراحلها ولدى نشأتها كانت تمارس بصفة مباشرة من الشعب ككل بمعنى أن كل مواطنى المجتمع يحضرون فى مكان واحد ويتناقشون حتى يُبلورون عقدهم الاجتماعى ويكون الاقتراع عليه مباشرة كالحادث فى أثينا القديمة ولكن باتساع رقعة المجتمعات وتنامى اعداد المواطنين فلم تعد الديموقراطية المباشرة ذات جدوى فكان لزاما ممارسة الديموقراطية الغير مباشرة عن طريق انتخاب الكل لبعض منهم يمثلونهم فى وضع هذا العقد الاجتماعى وصياغته نيابة عنهم ليعود اليهم من بعد الصياغة ثانية للاستفتاء عليه .. فيما يُسمّى اللجنة التأسيسية لاعداد الدستور .. وهذا العقد الاجتماعى بمواده التى تحدد الأطُر الحاكمة لهذا الكيان المجتمعى المسمى بالدولة يُطلق عليه عند مولده الدستور الوليد والذى لم يُصبه بعد تعديل أو الغاء .. ويضفى عليه المجتمع قدسية تُحصنه من هذين العاملين التعديل والالغاء بعامل خارجى عنه سوى بأليّات يتضمنها هو ولايقبل بعوامل من خارجه لتعديله أو الغائه مستقبلا .. اذ هذا الكيان المقدس والمسمى دستورا هو الذى يخلق الشرعية بوضعه أُطُراً لها وليست الشرعية أى هذه الأطر هى التى تخلقه وان كان هو مخلوق بالأساس بارادة المجتمع كله من قبل ..
ومتى تم اصدار الدستور بهذه الألية يتم انتخاب المجلس التشريعى وفقا للنظام السياسى الذى اعتمده ورسمه الدستور سواء كان رئاسيا أو برلمانيا او غيرهما .. وبمجرد انتخاب أعضاء المجلس التشريعى نكون قد انتهينا من الخطوة الثانية بايجاد نواب عن الشعب يحرسون الدستور كدور افتراضى كلفهم الشعب به وان كان رئيس الدولة يحرسه كذلك .. ويصدرون من القوانين ماتتطابق وأطره الواجبة والمحققة لأهدافه بما يحقق بالتبعية الأهداف التى أُنشىء الدستور من أساسه لأجلها .هذه صورة غير متعمقة وبسيطة للدستور خالق كيان الدولة كعقد اجتماعى لأقراد الشعب بلا تعقيد أو تنظير .. ولكن مالحاجة لكل هذا التوضيح والتبيين ؟!
ان الحاجة التى فرضت هذا التوضيح هو هذا اللغط الحادث بسجالات كثيرة وبكافة الأصعدة المجتمعية من بعد الثورة المصرية الرائدة حول سؤال مفروض على الساحة ألا وهو:
ماهو الأولى حدوثاً اعداد الدستور أم الانتخابات البرلمانية ؟
وهنا ينقسم المجتمع فى مشهد ضبابى دستورى على الأولولوية بينهما الى فريقين :
الفريق الأول يرى : بأولوية الانتخابات البرلمانية استعجالا لاستقرار البلاد لأنه فى رأيه أن هذا سيختصر الطريق لاستقدام حكومة راشدة ومستقرة غير حكومة تسيير الأعمال تطّلع بمهامها فى القيام بمشروعات قومية كبرى وعملاقة تُعظّم من الدخل القومى وتُخفض من الدين العام وتحقق رفاهية المواطن الذى ظل عقودا عديدة فى حرمان تام من العديد من حقوقه كما وأن استقرار البلاد سيؤدى الى تلاشى أخطار محدقة قد تأتى على مكاسب الثورة وتعيدنا ثانية الى ماقبلها .. ومن ثم ومن وجهة نظرهم يقوم المجلس التشريعى باعداد الدستور بحكم كونه نائباً منتخبا عن الأمة وأثقل مكانة من لجنة اعداد الدستور ذاتها . وسوف لا تكون هناك مشكلة فى تحقيق الشرعية اذ سيتم عرض الدستور بعد الاتفاق برلمانيا على صياغته على الشعب نفسه صاحب السلطة والقرار الأصيل فى استفتاء عام يرفضه ان شاء وان شاء أقره فيصير نافذاً.
وهناك فريق ثان يقول: لا اذ يجب أن يكون الدستور أولاً من خلال انتخاب لجنة تأسيسية لاعداد الدستور ثم طرحه على الشعب فى استفتاء عام ليتم اجراء الانتخابات البرلمانية من بعد صدوره حتى تتلاشى عدم الشرعية سواء لاجراء الانتخابات البرلمانية أو لاعداد الدستور اذ ستكون الأولى غير شرعية لكونها قد تم اجرائها بناء على دستور مُعدّل أو على اعلان دستورى وليس العقد الاجتماعى الأصيل وهو دستور البلاد الجديد ومن ثم سيتعرض المجلس التشريعى للطعن عليه بالابطال بعد ذلك فيتم حلّه ثانية حتى يتم انتخابات برلمانية فيما بعد صدور الدستور ووفقا له ونكون بذلك قد أضعنا الوقت والجهد ومصالح البلاد العليا فى نقلة نوعية من بعد الثورة سُدى وكذلك يكون الدستور نفسه والذى قد أعدّه المجلس التشريعى ذاته وأصدره بعد استفتاء الشعب عليه محلاً لعدم المشروعية . من تناول فلسفى قانونى من قبيل من الذى يُنشىء الأخر ومن الخالق لمن ومن المخلوق .. بمعنى هل المجلس التشريعى هو الذى يخلق الدستور أم الأخير هو الذى يجب أن يخلق المجلس التشريعى ؟
والاجابة المتفق عليها لديهم هى أن الدستور هو الذى يخلق المجلس التشريعى كمؤسسة تشريعية لأنه خالق كل الأطُر الشرعية لقيام الدولة بالأساس والمجلس التشريعى ذاته هو أحد هذه الأطُر الحاكمة والمرعيّة .. ومن ثم وفى نظرهم لابد من انشاء دستور أولا بألياته من خلال انتخاب لجنة اعداد له تكون مهمتها اعداده ليتم طرحه على الشعب فى استفتاء عام .. ذلك الدستور المُستقى من ارادة المواطنين أنفسهم كعقد اجتماعى يرتضونه ومن خلاله يتم انشاء كل المؤسسات الحاكمة سواء تشريعية أو غيرها ..
وفى نظرى ومع احترامى لكلا الفريقين فان رأى الفريق الثانى القائل بالدستور اولا وان كان ذو مرجعية فلسفية قانونية وذات أصولية من ديموقراطية لكونها هى الأساس الحاكم للكيان الديموقراطى للنظرية الديموقراطية الخالقة للدولة ذاتها ككيان فان هذا التمسك والتشدد بلزومية تطبيقه ليس له مايُبرره خاصة وانه كان لازما وحتميا حدوثه لو كنا أمام انشاء دولة ككيان بالأساس ولكنا الأن أمام دولة واقعية وفعلية وقائمة ومُتّفقُ حُكمياً على أُطُر التعايش والأيدلوجية وهى مخلوقة بالأساس من خلال تاريخ دستورى عريق يضرب بجزوره فى التاريخ .. ومن ثم لسنا اليوم أمام عقد اجتماعى مُذمع انشاؤه بالمعنى الحرفى للكلمة ذلك الذى يُنشىء مفهوم الدولة ككيان سياسى .. فالكيان فى الحقيقة موجود بل ومُستقر ومن ثم تكون فكرة أن الدستور هو الذى يخلق البرلمان أم البرلمان هو الذى يخلق الدستور هى محض فكرة فلسفية يمكن طرحها كسؤال دون الانتهاء من الاجابة عليها كفكرة عقيمة غير منتجة وهى تشبه التساؤل بأيهما يسبق الأخر الطائر أم جناحيه ؟!
ومن ثم هى محض فكرة فلسفية يقضى على التخوف الذى أنشأها تحقق النتيجة المرجوّة ذاتها فى الحالتين .. وسأبين لك قارئى كيف ..؟
لو أنشأ البرلمان دستورا فلا يُعدُ خالقا له لأن الدستور لايُولد هنا من العدم بل من خلال تقاليد دستورية وأعراف دستورية توطّدت عبر عقود دستورية طويلة وكذا تاريخ دستورى عريق شكّل كيان الدولة ووضع قواعدها ولكن الحادث بوضع دستور جديد انما هو فقط محض استحداثات لمواد دستورية تطلّبت استصدارها دواعى مابعد ثورة يناير وكذا المُستجدّات الاقليمية والمُستحدثات فى التوجهات الاقتصادية والثورة المعلوماتية الحادثة وكذا مُكتسبات الثورة من حُريّات ومُحاربة فساد وقد تطلّب هذا وضعه فى اطار دستور جديد له مرجعيّاته التاريخية ولا يُمكن أن يستطيع تحملها فى صورة تعديلات دستور فائت .. وان كان الأخير فليس مذبوحا بالكليّة فعليه قامت الدولة عبر عقود طويلة بما استقرّت عليه من قيم اجتماعية وقواعد وثوابت سياسية .. وما أصاب الدولة من عوار الا بسبب اضافات وتعديلات مُستحدثة به لتخدم حُكما شموليا قد ابتغى التوريث .. أما وأنه قد رحل فكان يُمكن الغاء تلك المُستحدثات التى نالت من قدسيته ويتم اضافة تعديلات معينة بلزوميّات مرحلة مابعد الثورة ولكن الثورة قد تطلّبت ككل الثورات أن نكون امام دستور جديد بكر يطمح صوناً وقداسة ليكون له مهابةً ككيان لم يتم طعنه سلفا أو تجريحه . لكن لايعنى هذا أن الدستور الجديد سيتبرّأ بالكليّة من كل أُطُر الدستور السابق أو الثوايت الدستورية الموروثة بالدساتير السابقة عليه .. فهناك ثوابت لن تتزحزح مهما تلاحقت وتعددت الدساتير واٍلّا لقتلنا تاريخنا بأيدينا وباسم الثورة ..
ومادام ذلك كذلك فان النظرية الفلسفية القانونية التى يتمسك بها الفريق الثانى تصلح فى حالة انشاء دولة من الأساس ككيان سياسى ولكن مادام الكيان موجود وقائم ومادامت القيم مُستقرة ومادام العقد الاجتماعى ببنوده الرئيسية مُستقر بضمائر الأمّة وأعرافها حتى باتت معه نسيجا واحدا فلسنا بحاجة لقبول تلك النظريّة ومن ثم لا تثريب على القائل بالانتخابات البرلمانية أولا قبل الدستور اختصارا للوقت المُهدر فى الحالة الأولى وذلك لاعادة الأمن والاستقرار بداءةً خاصة وان البرلمان انما يعنى حكومة جديدة مُستقرّة لا تسيير أعمال تلتزم بخطط قومية ومشاريع وطنية عملاقة يلزم حدوثها فورا دون ابطاء تلافيا لاخطار مُحدقة بالوطن من داخله وخارج حدوده لا تتحمل كل هذا التأخير ..كما والعسكر قد تختلف رؤاهم المُستقبلية فنُعيد ذكرى رجال يوليو وان كنّا نُثمّن للمجلس العسكرى وقائده حفظه أمانة الثورة ونتائجها ..
وبمجرد انتهاء الانتخابات البرلمانية سنكون أمام برلمان شرعى ذو مرجعيّة وطنية حقيقية لاصورية كسالفه يطّلع ياعداد دستور جديد بالتوازى مع قيام الحكومة بعملها ومهمتها الوطنية .. ومن ثم لايمكن وكما ذكرنا سلفا الطعن بعدم شرعيّة الدستور أو التخوف من كون الذى يُعد الدستور هم أغلبية لهم أيدلوجيتهم الخاصة وبالتالى ستفرض رؤاها على الجميع من خلال هذا الدستور وتكون الطامة حسب رأى وتخوف البعض من وصول الأصوليين للأغلبية البرلمانية ومن ثم وحسب المعتقد هذا سنكون أمام كارثة لايمكن تداركها الا بثورة أخرى ..
وردا منّا على هذا التخوف نقول انه تخوف مقبول لكنه يتحقق كذلك فى حالة اللجنة المُنتخبة لاعداد الدستور من قبل الانتخابات البرلمانية نفسها فقد يكونون كذلك لهم أيدلوجياتهم الخاصة فيصير ذات التخوف قائما ..
وللرد على المخاوف تلك وقتلها بالكليّة نتساءل ولماذا قد غاب عنكم أن الأمر فى نهايته سيتم عرضه فى استفتاء عام على الشعب صاحب الاختصاص الأصيل ومؤسسات المجتمع المدنى تطّله بمهامها فى التوعية الشعبية والمراقبة للاعداد للدستور ذاته فان انحرف المعدون عن الأُطُر المتفق عليها باحترام ثوابت اللُحمة الوطنية وحقوق المواطنة والدولة المدنيّة عليهم تبصرة الشعب ليقول كلمته فى الاستفتاء على الدستور وان التزم المعدون بهذه الأطُر فالكلمة الأخيرة هى للشعب فيّقر الدستور ويوافق عليه ونكون بذلك قد اختصرنا الطريق للتفرغ للتنمية ومتطلباتها بدلا من ضياع الوقت والجهد فى ردود بيزنطية لامكسب من ورائها الا تحقيق نتائج فلسفة صرفة لاتتحملها البلد وظرفها الاّنى ..
ومادام أن صاحب الاختصاص الاًصيل هو الشعب الذى سيطّلع بدوره فى الاستفتاء فى الحالتين حالة اللجنة التأسيسية واضعة الدستور من قبل الانتخابات وحالة البرلمان من قبل الدستور ففى الحالتين يكون اصدار الدستور شرعيّا بلا تنظير فلسفى ..
من هذا المنطلق فان مخاوف الفريق الثانى ليس لها مايُبررها ولكن فقط هى محض تأصيلات لمرجعيّات فلسفية قانونية يهدمها الواقع بزوال مخاوفها وتحقق مبتغياتها ذاتها ومن ثم فاننى أرى وبكل بساطة وبلغة سهلة بلا تعقيدات او فلسفات قانونية أو تنظير أن ضرورية الانتخابات البرلمانية هى ضرورة مُلحة ولها مبرراتها.. بل أكاد أجزم ان ارجائها لما بعد اعداد الدستور بلجنة تأسيسية فيه ضياع حتمى وتهديد كذلك لمكتسبات ثورة يناير العظيم ..
نخلص اذاً الى أن الدستور تخلقه الشرعية وهى ارادة الشعب وكذلك فان البرلمان تخلقه ذات الشرعية وهى الشعب كذلك ومن ثم فكلاهما وُلدا من رحم الشرعية وبالتالى فان شرعية وجود البرلمان ليست فلسفيا انبثاقاً من الدستور ولكنها من ارادة الجماهير ذاتها الخالقة للدستور نفسه الأمر الذى لايُمكن معه نعت البرلمان بعدم الشرعية اذا ما جاء مولده قبل الدستور ولايُعتبر ميلاد الدستور ذاته على أيدى البرلمان انتقاصا من قدسية الدستور الشرعية مادام الأمر مردّه ومرجعيته بالأساس لارادة الجماهير مكمن الشرعية ومصدرها .. ومن ثم فلاغرو أن أسبقية الانتخابات البرلمانية للدستور وقيام البرلمان المُنتخب باعداد الأخير لايُمثّلُ انتهاكا ًللشرعيّة بل تأصيلا واحتراماً لها بالأساس سواء بأُطُرٍِِِ فلسفية أو بمضامينٍ واقعية ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.