مستشار/ أحمد عبده ماهر صار الوعي العربي أنه بمجرد ذكر تعبير [الحور العين] فإن الذهن يقفز إلى معانقة ومتع فراش بين رجل وما يسمى بالحور العين. لذا يجب العودة للجذر الجنسي المتسبب لتلك المخيلات الجنسية، ألا وهو تعبير [الحور العين] لنقف تحديدًا عما إذا كانت إناثا تحتاج لفحولة المسلمين عامة والعرب منهم خاصة، أم هي أمر آخر، لكن عموما علينا تدبر الآتي: يقول تعالى: {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ}الدخان54. ويقول تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} الطور20. ويقول تعالى: بسورة الواقعة: {وَحُورٌ عِينٌ{22} كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ{23}. ويقول تعالى: في سورة الرحمن: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ{68} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{69} فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ{70} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{71} حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ{72} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{73} لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ{74}. فمن الآيات السابقة لا يجد القارئ كلمة الجنس الآخر إلا حين يفسر كلمة [وَزَوَّجْنَاهُم] على انها زواج النكاح. ويا ترى لماذا كان السياق القرءاني بسورة الرحمن يستخدم كلمة [فِيهِمَا] للفاكهة بالآية 68، لأن الله كان يتكلم على أن لكل مؤمن خاف مقام ربه جنتان. لكنك تجد اختلافاً بالسياق بالآية التي تليها مباشرة حيث ترد كلمة [فِيهِنَّ] للخيرات الحسان، لأنه كان يتكلم عن ان الجنتان الأوليان تحتهما جنتان أخريان من دونهما، والأربعة جنات فيهن خيرات، فهل يُطلق على الإناث لفظة [خيرات]، أم [خيِّرات] بتشديد حرف الياء، أو [أخيار]، فتلكم هي أصول اللغة التي لا يتوه عنها القرءان. أم يا ترى هل الحور العين جنس غير الإنس والجن والملائكة، وإذا كانت جنسًا رابعًا ففيم الغيرة أن يكون للرجل حور عين وللمرأة أيضًا، أم لا زلنا نتربص بفرج المرأة ولا نتربص بفرج الرجل بذات القدر حتى في الآخرة. ونحن ندرك بأن الحور العين كأمثال اللؤلؤ المكنون، فإذا أكلها المؤمن أو المؤمنة أو ارتداها إن كانت لباسًا يتسربل به أهل الجنة فإن المؤمنين والمؤمنات يجدون أنفسهم وقد سعى نورهم بين أيديهم، وذلك من قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الحديد12. بل يستهدف أهل الجنة النور بالآخرة التي ستشرق بنور ربّها، حيث يقول تعالى: {... يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يقولونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} التحريم8. لذلك فالتلألؤ، والنور، وإتمام النور، أمر يصير إليه أتباع رضوان الله، ويسعون إليه ولا يسعون بحال لواقع جنسي ضحل، فإذا أضفنا لذلك قوله تعالى: {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} ق35. فإن تعبير [ ما يشاءون فيها ] ليس العملية الجنسية إنما إتمام النور، وتعبير [ولدينا مزيد] يعني أنه لا سقف للمتعة حتى نهبط بها لحيوانية الشهوة الدنيوية، كما أن كلمة [لهم] تعني الرجال والنساء. كما أن عملية تصوير قوله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} يس55؛ أنه فض للأبكار تحت الأشجار على شاطئ الأنهار، كما ورد ذلك بكثير من مراجع السلف، فهو إنما يُعَبّر عن انحطاط الهمم الدنيوية التي تتقافز بشهواتها لتجعلها سقفا لمتعة الآخرة، فإذا علمنا أن تلك العملية تتم بما سماه الله [السوأة]. وحيث أن جنة الآخرة ليس بها سوءات، لذلك فإن قوانين الالتذاذ غير تلك القواعد الهابطة الموجودة بالدنيا التي لا تساوي كلها عند الله جناح بعوضة، فكيف تكون صبابة وصبوة المؤمن بالآخرة كتلك البضعة التي كان يضعها بالدنيا ويغتسل منها، إنه الهبوط الفكري الذي لا ننفك عنه. إن خلقتنا بالآخرة لن تكون بمثل خلقتنا الدنيوية، ولا صبوتنا أيضا، وذلك لقوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} العنكبوت 20 . وقوله تعالى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} ق15. فالنشأة الأخرى والخلق الجديد لهما مكونات وهمم ومآرب غير تلك التي كانت بالدنيا، فلا يجوز المقاربة بينهما، كما لا يجوز أن يتصور المسلم ان الاتكاء في قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} الطور20. يكون على الكوع أو الساعد، أما التزويج فلا يعني النكاح، لكن التزويج يعني الملازمة بما يجعل من ينظر إلينا تقر عينه حين يرانا، فهكذا يكون التزويج. وموضوع الزواج نقول فيه، بأنه ليس كل زواج أو زوج يعتبر نكاحا، وآيتنا في ذلك قوله تعالى: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ} يس56. فتعبير [هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ] لا يعني بحال أزواج الدنيا لكن يعني أشباهنا من أهل الإيمان بالدنيا، وإلا دخل فرعون الجنة مع زوجته، أو دخلت هي النار معه، لقوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} الصافات22. وهكذا لا يجب أن نصرف الزواج على انه النكاح حتما وإلا فسد فهمنا لكتاب الله. وكلمة [أبكارًا] ليست هي غشاء البكارة، وآيتنا في ذلك قوله تعالى في سورة الواقعة: { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ{32} لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ{33} وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ{34} إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء{35} فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً{36} عُرُباً أَتْرَاباً{37} لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ{38}؛ فالله جعل الفاكهة أبكارا وليس بالأمر فروج لفتيات أو نساء أو حور. وحتى كلمة [كواعب] إنما تُطلق مجازاً في الدنيا على بعض الرقيقات من الإناث، لكنها في أصلها تُطلق على كل ناعم، وهي في السياق القرءاني أطلقت على نعيم الجنة ولم يذكر الله بأنها حور عين، فهل نستنتج انها بنات في عمر واحد لهن أثداء شكلها وحجمها متساو، كما تقول بذلك تفاسيرنا. وتدبر قوله - تعالى - بسورة النبأ: { حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً{32} وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً{33} وَكَأْساً دِهَاقاً{34} فأين الحور العين هنا، ولماذا لا تكون الخيرات الحسان السابق التنويه عنها والتي قال عنها رسول الله r : [فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر] فهل نكاح البنات الصغيرات الأبكار مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؟!. أما تعبير قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ}الرحمن74؛ فلا يعني عملية الجماع بين الجنسين، ولا يعني دم الطمث الفاسد عند الأنثى، فالطمث عادة الإناث سواء كن بنات أم سيدات، فتعبير {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} لا يعني بحال أمر النكاح إلا عند أصحاب الشبق، وقد يعني الطمث معنى المس، وهذا لا يعني النكاح أيضًا، فيمكنك أن تمس الثمرات، وتمس الثوب،... وهكذا. وعمومًا وعلى أي تقدير كان، ووفقا لمنهج احترام الرأي المخالف، فإن الأمر إن انصرف إلى حور عين بمعنى الجنس، وزواج بمعنى النكاح، فإن للذكر مثل حظ الأنثى تماما بتمام، وليس في الأمر غيرة من أحد على أحد، وذلك لسببين: الأول: لأن الحور جنس رابع كما أسلفنا. الثاني: لأن الله ينزع الغل من صدور أهل الجنة، لقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} الحجر47؛ لكن لن يكون شغل أهل الجنة فض أغشية الأبكار تحت الأشجار على شواطئ الأنهار وسماع الأوتار في ضيافة العزيز الغفار، كما تذكر كتب التفاسير المولعة بالجنس. --------- مستشار/أحمد عبده ماهر محام بالنقض وباحث إسلامي