سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أقوال جديدة فى مسألة «الحور العين» تتهم الرجل باحتكار «تأويل الآخرة» لصالح ملذاته.. تفسيرات تعتبر أن «الحور العين» هى العنب الأبيض فى الجنة ولا علاقة لها بالنساء
نقلا عن اليومى .. كانت إحدى الأغنيات الجهادية التى بثتها مواقع إنترنت محسوبة على داعش وتيارات إسلامية متشددة ترى فى الحور العين وسيلة لإقناع الشباب الصغير بالانضمام إليها، من أجل تنفيذ عمليات استشهادية ينعم بعدها بالنعيم الجنسى الأبدى مع عدد هائل من العذراوات فى الجنة. فى هذا الخطاب تتحول القضية الأساسية، التى هى الدعوة إلى الله ونشر كلمة التوحيد وبسط الأمن ونشر السلام وإقامة العدل والحكم بين الناس إلى قضية هامشية أمام قضية المتع الآخروية التى يحصل عليها «الشهيد»، وهى متع تفوق وتعلو لذتها على متع الدنيا التى ينبغى الإعراض عنها، الشهيد «المودرن» حوّل الجهاد فى سبيل الله إلى جهاد فى سبيل البحث عن اللذة القصوى والانتشاء، أى حالة «النيرفانا». الشريط الجهادى يصف لك الطريق الذى ينبغى أن تسلكه لنيل الشهادة التى بها تستحق الحور العين، وهكذا فى نهاية المطاف يختزل هدف الشهادة السامى فى هدف شهوانى ويتحول مفهومها الإنسانى إلى مجرد بحث أنانى عن المتعة الجنسية، بصرف النظر عما تحققه الشهادة على مستوى الصالح العام أو على مستوى إعلاء كلمة الله. وفى دعوتهم لنبذ الدنيا استعدادا للآخرة، وفى وصفهم للجزاء الذى يحصل عليه الشهيد يحاولون برمجة الذهن لتقبل فكرة الانتحار وتفجير النفس فى سبيل المبدأ أو القضية، فمن ينتظره هذا الجزاء لن يبخل بنفسه على الموت، بل إنه سوف يطلب الموت ولن يخاف منه، لذلك كان التركيز دوما على ملذات الآخرة التى ستعوض الإنسان ملذات الدنيا، وألذ شىء فى هذه الدنيا لشخص مراهق، خصوصا فى مجتمع محافظ مثل مجتمعنا، هو الجنس. ولا ننسى أن خطاب الأشرطة الدينية موجه أساسا للمراهقين من الشباب الذين هم فى أوج نشاطهم الجنسى، لذا كان المدخل إلى هؤلاء الشباب عن طريق الحور العين هو نفس الفكرة التى دفعت أحمد فؤاد نجم للسخرية منها قبل وفاته فكتب تغريدة على تويتر قال فيها: «إن الجهاد سينتهى فى عقول التكفيريين بعد أن يقتنعوا بأن النصف السفلى لجسد الحور العين عبارة عن سمكة فكيف تتمّ مراودتها والأخذ بعناقها والانبهار بشميم عطرها؟»، ولكن ماذا سيحدث إذا تبين لهؤلاء الشباب أن فكرة الحور العين أسطورية وأنها خضعت لتفسيرات ذكورية وضعها المفسرون الأوائل فى القرن الثالث الهجرى، دون الالتفات لنظريات انفتاح النص القرآنى على اللغة والتاريخ والثقافة العربية؟ دراسة: الحور العين هى العنب الأبيض فى الجنة فى مقدمة كتاب «القرآن فى محيطه التاريخى» الذى نشرته «دار الجمل» ويتضمن نقاشاً مستفيضاً لكتاب «القراءة السريانية – الآرامية للقرآن» للكاتب صاحب الاسم المستعار كريستوف لوكسنبرغ، وضع قراءة جديدة ومقترحة لآيات سورة الرحمن من 55: 72، جعل فيها تفسير الحور العين هى الأعناب البيضاء بدلا من العذارى الجميلات اللواتى، بحسب القراءة التقليدية التراثية للفظة «حور»، ينتظرن المؤمنين فى الجنة. فقد حاجج لوكسنبرغ بأن اللفظ القرآنى «حور» يجب أن يُرى لا على أنه إشارة إلى عذراوات الجنّة، بل فى ضوء لفظ «حور» الآرامى بمعنى «بيض»، صفة الأعناب، الثمر الأوّل غير المنازع فى الجنة السماوية. هذه نقطة مهمة، لا لأنها تمثل ببساطة عودة مواضيع الجدالات التقليدية المعادية للإسلام، بل لأنها تعكس تبصرا فى أن ظاهرة التفجير الانتحارى الإسلامية الحديثة تضرب جذورها فى قراءة واحدة وقاصرة للقرآن، وأن طريقة التعامل مع الأزمة الجارية فى العلاقات مع المسلمين هى أن يتم تكذيب قراءة كهذه. يورد صاحب الكتاب أن وسائل الإعلام الغربى ركزت على مسألة الحور، ووجد فيها بعض الإعلاميين أداة لإفراغ التعليم الإسلامى عن الجهاد والثواب الجنسى فى الجنة فى قالب مسرحى. الحور العين أقرب إلى ألف ليلة وليلة ويواصل كتاب «القرآن فى محيطه التاريخى»، ويؤكد أنه بمنأى عن جحيم العمليات الانتحارية، تبدو قصة «الحور العين» أقرب إلى ألف ليلة وليلة أدبية أو ألف رغبة ورغبة، وألف لذة ولذة، مكتوبة بخيال جامح يتخطى «الواقعية السحرية» بكثير، هو خيال يعكس قبل كل شىء عطش الصحراء وانغماس الرجال فى الشهوانية، وخروجهم من شرنقة الكبت، كأن كل ما يحتاجونه ويتعطشون إليه فى الصحراء، كانوا يدلقونه كتابة وتخييلاً وينتظرون «الحصول» عليه فى الفردوس الموعود. «الحور العين» خضعت لتفسيرات ذكورية للقرآن أما الباحثة منى طلبة فى دراستها «الحور العين بين الدين والأسطورة» فتخطو خطوة أكبر، فهى وإن كانت لا تنكر المعنى الشّائع للعبارة وهو متعة نكاح الحور العين، فإنّها تقدم بتحليلاتها المعمقة لبعض تفسيرات الأئمة الذكور دليلا على أن هذه التأويلات أبعدت نص الحور العين من الدّين إلى الأسطورة، حيث قام هؤلاء الأئمة بنسج حكاية خيالية حول الحور العين وأفاضوا فى تفصيلات لا يقرّها النص الدينى، وذلك اعتمادا على مفردات كان للباحثة الجهد الكبير فى إعادة قراءتها، حيث بينت كيف مارس المفسرون الانتقائية فى اختيار المعانى التى تدعم حكايتهم المفترضة، وهذه الحكاية مستمدة برأيها من الوعى الأسطورى عند العرب والأمم الأخرى، وأيضا تعتبر امتدادا لصورة المرأة فى الوعى الشعرى ما قبل الإسلامى، أى الوعى الجاهلى إن جاز التعبير. وأضافت الباحثة منى طلبة للتفسير التقليدى تفسيرها التأويلى الجديد، وهو أن الزواج فى المعجم لا يعنى النّكاح فقط، بل يعنى أيضا «التوحّد بالآخر» وبالتالى يصير «علاقة وجودية حميمة ترتفع بالفرد إلى مستوى الإنسان» وترى طلبة أن «الزواج بالحور العين تعظيم للمبدأ الأنثوى للوجود» و«هكذا حلت الحور العين كمبدع أخروى يقترن بذواتنا من أجل الكشف عن المبدع الجديد». نخلص من ذلك إلى أنّ الأئمّة الذّكور يتناسون أن النبى- صلى الله عليه وسلم- أمر المسلمين بأن يأخذوا نصف دينهم عن زوجته عائشة، التى لا يمكن أن تكون كائناً هلامياً، كما نرى صورة الحور العين التى تشكلت فى ذهنيّة الذكر، بل إن نساء الآخرة لا يمكن أن يختلفن عن نساء الدنيا من حيث ملامحهن الواضحة وكينونتهن الخاصة التى تؤهل المرأة لأن تكون على قدر من المساواة مع الرّجل فى العالم الآخر، كما كانت معه فى العالم الدّنيا حسب الشّرع والمنطق، وليست مجرّد أداة متعة أو جسدا ماديا خاليا من العقل والإرادة. صفات الحور العين وفقاً لتفسيرات الأئمة فى كتابه «الجنس فى القرآن» يخلص إبراهيم محمود فى حديثه عن الجنس فى الآخرة والجنّة وعن الحور العين تحديداً- اللاتى تحتفى بهنّ أغلب كتب الأئمّة الذّكور أصحاب التّأويل الذّكورى للدّين- إلى الملاحظات التّالية، ألا تبدو نساء الجنّة فى منتهى السّلبيّة من خلال خضوعهنّ المطلق لرغبات من ينالهنّ أو يوهبن له، حيث يتحوّلن إلى هبات أعطيت للرّجل دون تحديد لملامحهنّ الداخليّة، وأن النّساء هؤلاء مجرّدات من كلّ تفكير مصوغات ومكوّنات وفق رغبات الرّجل شبقات كما يريدهنّ الرّجل، مثيرات كما يبتغيهنّ الرّجل كذلك جاهزات له مستجيبات لمطالبه فى أى لحظة. كذلك فإن النّساء هؤلاء هلاميات موصوفات بالجمال الأخّاذ والاستعداد التام لتلبية رغبات الرّجل، ولعل صفتين فيهن تلفتان النّظر: سحر الجسد المثير والبكورة الدّائمة مع صغر السنّ، وهما كافيتان دائماً لإنهاض الرّجل وفق المقاسات المطلوبة والمنشودة من قلبه، بكورة متجدّدة مقابل ذكورة فحوليّة متجدّدة كذلك، بالإضافة إلى أنّ الأوصاف الجنسيّة تلهم الرّجل وتدفعه لأن يفكّر بالمتعة الجسديّة فقط، وهذا يعنى وكأن ما يهم الرّجل هو ما يمتعه جسدياً كأن علامته الفارقة هى الجنس فقط، وصورة الجسد الأنثوى مرسومة ومزخرفة بطريقة ذكوريّة تماماً، ووفقا للباحث فإن صورة النّساء امتداد لصورتهن فى الدّنيا بل أكثر سلبيّة وفظاعة، والمخاطب فى الجنّة والمعنى بها هو الرجل، والمرأة هى جسد فقط وحضورها ملحق بشهوات الرجل، كما تذكرنا الأوصاف المذكورة للجنة ومكوناتها من حيث الغنى ببيئة قاحلة ورجال خشنين للجنس حضور كبير فى أذهانهم «الجزيرة تذكر هنا مباشرة بمحيطها المادى والبشرى»، ويضيف الباحث: ثمّة فزع ينتابنا ونحن نقرأ هذه الأوصاف بخصوص التفاوت الفظيع بين الرّجل والمرأة فالجنّة نفسها محكومة بسلطة الرّجل ولغته ورغباته الشهويّة، وهذا يذكّرنا بما انطلقنا به من البداية عندما ارتبط الجنس بالممارسة الجنسيّة، وبنقصان الأنثى وتبعيتها للرّجل المطرود خارج دائرة الفرج الملعون، وكأنّ حواء التى قدر لها أن يتفخذها آدم وتتلاشى بين يديه، وفى محيط رغبته الذكورية، أصبح هنا أكثر من حواء يخضعهن الرجل لسلطته الجسدية، يقتحم «فراغهن» الميتافيزيقى، يلاحق الشيطان فيه وهو فى الجنة. أوصاف الحور العين فى القرآن جاءت أوصاف القرآن لحوريات الجنّة فى غاية الإثارة والنقاء والصفاء، وفاق وصف حسنهن كل ما يحلم به الشعراء العرب فى قصائدهم. فقد ذُكرت نساء الجنة فى القرآن أولاً فى سورة «البقرة 25:2»: «ولهم فيها أزواجٌ مطهرَةٌ». وأورد ابن كثير فى تفسيره أقوال ابن عباس ومجاهد وقتادة فى تفسير كلمة مطهرة، فيقول: «مطهرة من القذر والأذى، ومن الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمنى والولد، ومطهرة من الأذى والمأثم، فلا حيض ولا كلف». تمتاز هؤلاء الزوجات أيضاً بأنهن «قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ» (الصافات 48:37و49. أنظر أيضاً ص 52:38 والرحمن 56:55) أى قصرن طرفهن على أزواجهن، فلا ينظرن إلى غيرهم من الرجال، فهنّ حسان الأعين عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن. أما الباحثة غادة كرمى ففى دراسة متميزة لها بعنوان «الحور العين» فتبدأ أولا باستقصاء المعنى اللغوى الذى اختلف فيه المفسرون، فالحور عند البعض معنى البياض وبالتّالى الحوراء هى المرأة نقية بياض العين شديدة سوادها، أما البعض الآخر فيرى أن الحور من الحيرة بمعنى يحار الطرف حين النظر إليهن، ثم تسرد الباحثة اختلاف معانى «قاصرات الطرف» فهن عند ابن كثير العفيفات فلا يرين غير أزواجهن، أما الطبرى فيرى أنهن متراضيات لا يتحاسدن، فى حين يرى «القمى» أن الطرف يقصر عنها من ضوء نورها، وتذكّر كرمى أوصافهن الأخرى- التى اختلف المفسرون حولها أيضا- حيث إنّهن «مقصورات فى الخيام» و«خيرات حسان» و«كواعب أترابا».. إلخ. كما تشير الباحثة إلى اختلاف الفقهاء فى قضيّة خلقهن، فذهب فريق منهم إلى أن الحور العين هن نساء هذا العالم اللواتى أجيز لهن دخول الجنة لإيمانهن وصلاح أعمالهن، بينما ادعى فريق آخر من الفقهاء أن الحور العين لسن النساء الآدميات، هذا إضافة للخلاف حول وجود حور عين إنسيات وجنيات، وقد عرضت عدة آراء حول المادّة التى خلقنا منها فيقول الطبرى: إنّهن خلقن من الزّعفران بينما يعتقد القمى أنهنّ خلقن من تربة الجنة النّورانيّة، أمّا التّرمذى فيقول: إن سحابة أمطرت من العرش فخلقت الحور من قطرات الرحمة، فى حين أن ابن عباس يورد أن الله خلق الحوراء من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر ومن عنقها إلى رأسها من الكافور. أما عن عددهن فثمة خلاف شديد، فالعدد غير ثابت والحد الأدنى هو حوريتان، وكذلك هناك خلاف حول الأفضلية: هل للحور العين أم للنساء الآدميات؟ فثمّة من يرى من الفقهاء أن الحور أفضل والآخرون يرون العكس، وتخلص كرمى من دراستها إلى تعقيب تؤكد فيه على بعض نقاط أهمها، أنّ أوصاف حور العين تعطينا لمحة عن النظرة للمرأة فهى مخلوقة للمتعة الحسيّة لتغذية نرجسيّة الرّجل، وكون الحوراء تظل بكرا يدل على أفضلية وطء البكر وحلاوته على وطء الثيب، حيث يزيد تعلق البكر بمن وطأها أوّلا وتتبعه، وبالتّالى فإن فكرة عذريّة المرأة فى الجنّة ليست إلا رمزاً لتبعيتها وتعلقها بالرّجل، وما رجوع عذريتها إلا تأكيد على هذا الرّباط الذى لا يعفو عليه الزّمن.