قرأت دراسة جميلة للباحث الأستاذ أحمد التاجي في كتابه (وحي السيرة) عن الحور العين، تختلف عن الصورة التي رسمت عنهن في أذهان الناس.. إنه اجتهاد من المؤلف يستحق أن نتوقف عنده.. فالقرآن الكريم يقول: » لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ « آل عمران 51 فنحس بأن عبارتها ترمز لصور الجنات وصور الحور العين، ثم يختم ذلك كله برضوان الله. ورضوان الله هو المقصود من الآية، وهو الذي يجمع كل هذه الصور الجميلة لعباده المتقين، ومن حظي برضوان الله فلا يبالي بما ينال أو يدع في الجنة. وقد جاءت أوصاف النبي [ (للحور العين) علي نسق ماجاء في كتاب الله، فجعلتها أحاديث الرسول [، رمزا للأنفس الطاهرة التي تصاحب من رضي الله عنهم من عباده في جنته، فتشع من حولهم البهجة والنور، وتفيض عليهم السعادة والإيناس علي قدر ما يتصور الإنسان السعيد الذي لاتزال تتحكم فيه غرائز الدنيا، فيري السعادة لاتتم إلا في حضرة النساء الحسان! ونسي هؤلاء أن الإنسان يفقد في الجنة تلك الغرائز الخسيسة التي تشده بالأرض، حيث لا أرض هناك في الجنة ولارجعة إليها بعد دخولها، ولايبقي هناك إلا وجه ربك ذي الجلال والإكرام، فلا تكون له حاجة إلي شهوة رخيصة من شهوات الدنيا، ولا لذة عارضة، وإنما ينعم بسعادة عارمة حين يحس برضوان الله عليه، وتلك النعمة الكبري لأهل الجنة.. يقول الله تعالي: »وَعَدَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ« التوبة 27. ويورد حديث الرسول.. قال أنس بن مالك: قال رسول الله [:» لو أن أمرأة من أهل الجنة أطّلعت علي أهل الأرض لأضاءت مابينهما«.. أي مابين الجنة والأرض.. ولملأته ريحا، ولفيفها علي رأسها خير من الدنيا ومافيها«. وبعد أن يورد الآيات والأحاديث حول الحور العين يري أن الحور العين، خلق جديد محبب للرجال وللنساء علي السواء، وتسعد أهل الجنة من المتقين والمتقيات والصالحين والصالحات، وتفيض عليهم من السرور ماشاء الله، فهي مسرات تفيض علي القلوب لا علي الأجساد ولا تخص الرجال وحدهم دون النساء، وإنما هن أشبه بالوصيفات تعشقها كل النفوس، ولا تكون هناك فواصل بين الذكور والإناث في متع الجنة فالكل عند الله سواء. والحور متعة لهم علي السواء.. ولا يظلم ربك أحدا.