الروح الثورية لا تخمد بسهولة كما توقع البعض، فليست مجرد فرحة عارمة بسقوط النظام ومحاكمة رموزه، الأمر أن المصريين لم يعد لديهم القدرة علي الصمت لفترة طويلة تحت أي ضغط، لأنه كان الوقت قد طال كثيرا علي تكميم الأفواه حتي تّعود اللسان الخرس وفقدنا حاسة النطق، هو عمر تراكم بغيض لنظام فاسد، الذي فجرته ثورة يناير وما بعدها من تظاهرات ووقفات ضحت بدماء الأبطال من الشهداء، واللحظات التاريخية التالية أعظم وأهم ويجب أن يدرك أصحاب القرار أن الأمر أصبح مختلفا وهي حتمية تاريخية لا جدال فيها ولا داعي لأن نشكك في ذلك وفي قدرات هذا الشعب المجيد، لابد أن نعي أنه كما للديكتاتورية أنياب فللديمقراطية أنياب أقوي وأعمق، وأكثر شراسة، لأن مصر أغلي بكثير من كل المهاترات والأجندات الخاصة وكراسي مجلسي الشعب والشورى وحتي كرسي الرئاسة نفسه بكل زهوهم، فالمرحلة القادمة أقوي وأهم بكثير مما سبق بل وأشرس وأكثر حساسية ومن يسقطون في الرمل سيكون عليهم الرهان دائما علي البقاء تحت الأرض.فالمواجهات التي تواجه الحكومة الجديدة كثيرة وعليها أن تولي عنايتها وأولوياتها بالأتي. أولا : الشعب في حاجة لحكومة قوية وقادرة على إنجاز ملفات مُهمة في وقت قياسي وسريع وإدارة الفترة الانتقالية، بشكل مناسب لإخراج مصر من المأزق الراهن، لابد من حكومة لها قبول شعبي ذات صلاحيات واسعة تدير المرحلة الانتقالية، قادرة على المرور بالانتخابات البرلمانية والرئاسية إلى بر الأمان، فالضرورة أن تكون للحكومة القادمة صلاحيات كاملة تمكنها من ممارسة مهمتها الجديدة بالجدية والسرعة الملائمين لطبيعة هذه المرحلة الاستثنائية والفارقة في تاريخ مصر وألا تمارس عليها أية ضغوط أو املاءات كما حدث سابقا حتي تستطيع أداء دورها المنوط بها تحقيقه للعبور بالبلاد نحو بر الأمان في ظل أمواج متلاطمة في بحر من الآراء والتوجهات والمخاطر، وينتج هذا أثره في اختيار أعضاء الحكومة الذي يشترط فيهم تغليب مصلحة مصر علي سائر المصالح الشخصية. بنفس هذه الروح التي تحملها الثورة. وأن تشكل الوزارات من شخصيات مُستقلة مَعروفة للرأي العام لها سمعة طيبة وأمينة علي هذا البلد يتفق عليها الكثيرون، تعلن قدرتها علي الوفاء بمطالب الثورة والثوار ولا علاقة لها بالنظام السابق، ثانيا: الإسراع بمُحاكمة عاجلة لكل من ارتكبوا من قوات الأمن جرائم القتل وضرب المتظاهرين في ميدان التحرير. ومحاسبة قتلة الثوار والفاسدين ومهربي الأموال والإسراع في تعديل قانون إفساد الحياة السياسية. ومن بينها التعديل الحقيقي في وزارة الداخلية والعمل علي إزالة الاحتقان لدي رجل الشارع من تصرفات الشرطة غير المسئولة، ومواجهة الانفلات الأمني بجدية حقيقية والعمل علي تصحيح العلاقة بين الشرطة والشعب لإعادة الثقة بين الطرفين، مع تفعيل عدة قوانين اجتماعية للحد من التجاوزات الفردية مثل قانون منع الاحتكار والاستغلال ومواجهة غلاء الأسعار، وغيرها ثالثا: إن أهم مطلب وتحدي أمام الحكومة القادمة هو تهيئة الشعب للديمقراطية،وإنجاز التحول الديمقراطي ،فالتمهيد لحياة ديمقراطية حقيقية فاعلة يستحث معه رجل الشارع بالتغير الحقيقي في أسلوب وسلوك الإدارة بحيث يكون هناك تقبل للديمقراطية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية وتسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة حتي لا يكون هناك ارتداد علي هذا المنطق الجديد الذي أدت إليه ثورة يناير رابعا: تطهير القضاء والإعلام المصري من جميع القيادات المتعاطفة مع النظام السابق ليس فقط بل وتلك التي تسير البلبلة في توجيه الرأي العام، لكي يكون للأعلام دوره الحقيقي المنوط به ويقوم به كاملا وأن يكون إسناد وزارة الإعلام لمن يتمتع بالروح الثورية الحقيقية والكفاءة المهنية والرؤية السياسية الواضحة. لما لهذه المؤسسة من أهمية قصوى في الحياة السياسية وتوجيه الرأي فالمسألة ليست مجرد تغيير أشخاص، أو حكومات ، ولكنها فكرة ثورة تقضي علي الماضي لتمضي قدما نحو مُغايرة وحتمية تكون فيها السلطة للشعب الذي يبحث عن الحرية الحقيقية. خامسا : وقف كافة أشكال التشكيك والتخوين للأخر والعمل علي بث الروح الوطنية في الشارع المصري للعبور من عنق الزجاج الضيق خلال المرحلة القادمة الصعبة.و تهدئة الشارع و حقن دماء المصريين الغالية هو واجب على كل السياسيين، حمي الله مصر برجالها المخلصين. وأعني الحكومة الجديدة علي القيام بمهام عملها.