اليوم طلاب الدور الثانى بالأزهر يؤدون امتحانات الفرنساوى والجغرافيا والتاريخ    في التعاملات الصباحية .. استقرار حذر لأسعار الذهب وتوقعات بصعود عبار 21    بث مباشر| شاحنات المساعدات تتحرك من مصر باتجاه قطاع غزة    الأرصاد الجوية : الطقس اليوم شديد الحرارة بكل الأنحاء والعظمى بالقاهرة 40 درجة وأسوان 46    تنسيق الثانوية العامة 2025.. مؤشرات كلية الآثار 2024 المرحلة الأولي بالنسبة المئوية    ستارمر يعتزم إثارة وقف إطلاق النار في غزة والرسوم على الصلب مع ترامب    مواعيد مباريات المقاولون العرب في الدوري الممتاز موسم 2025-2026    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 28 يوليو    أخبار مصر: حقيقة وفاة الدكتور مجدي يعقوب، حريق يلتهم فيلا رجل أعمال شهير، عودة التيار الكهربائي للجيزة، حسين الشحات: لن أرحل عن الأهلي    أخبار متوقعة لليوم الإثنين 28 يوليو 2025    الإطار التنسيقي الشيعي يدين هجوم الحشد الشعبي على مبنى حكومي ببغداد    الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد 2025 - 2026 «أيام الدراسة والإجازات»    حادث قطار في ألمانيا: 3 قتلى و34 مصابا إثر خروج عربات عن المسار وسط عاصفة    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري الإثنين 28-7-2025 بعد ارتفاعه الأخير في 5 بنوك    تعرف على مواعيد مباريات المصري بالدوري خلال الموسم الكروي الجديد    تجاوزات في ودية المصري والترجي.. ومحمد موسى: البعثة بخير    الاتحاد الأوروبي يقر تيسيرات جديدة على صادرات البطاطس المصرية    «اقعد على الدكة احتياطي؟».. رد حاسم من حسين الشحات    محمد عبد الله يشكر "كبار" الأهلي.. ويشيد بمعسكر تونس    وزير خارجية أمريكا: سنسهل محادثات السلام بين كمبوديا وتايلاند    "حماة الوطن" يحشد لدعم مرشحيه في "الشيوخ" بسوهاج (فيديو وصور)    محافظ القليوبية يجري جولة مفاجئة بمدينة الخانكة ويوجّه بتطوير شارع الجمهورية    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    بالصور.. اصطدام قطار بجرار أثناء عبوره شريط السكة الحديد بالبحيرة    طعنة غدر.. حبس عاطلين بتهمة الاعتداء على صديقهما بالقليوبية    فرنسا: إسرائيل تسعى لاستعادة الأسرى لكن حماس تقتل مزيدًا من جنودها    بالصور.. إيهاب توفيق يتألق في حفل افتتاح المهرجان الصيفي للموسيقى والغناء بالإسكندرية    هدى المفتي تحسم الجدل وترد على أنباء ارتباطها ب أحمد مالك    الخارجية السودانية تدين إعلان قوات الدعم السريع «حكومة وهمية» وتطلب عدم الاعتراف بها    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 28 يوليو    4 انفجارات متتالية تهز العاصمة السورية دمشق    وائل جسار ل فضل شاكر: سلم نفسك للقضاء وهتاخد براءة    رسمياً تنسيق الجامعات 2025 القائمة الكاملة لكليات علمي علوم «الأماكن المتاحة من الطب للعلوم الصحية»    أسعار الذهب اليوم في المملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 28 يوليو 2025    تنسيق الثانوية العامة 2025 بالقاهرة.. درجة القبول والشروط لطلاب الانتظام والخدمات    منها «الاتجار في المخدرات».. ما هي اتهامات «أيمن صبري» بعد وفاته داخل محبسه ب بلقاس في الدقهلية؟    «مكنتش بتاعتها».. بسمة بوسيل تفجر مفاجأة بشأن أغنية «مشاعر» ل شيرين عبدالوهاب.. ما القصة؟    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    لا أماكن بكليات الهندسة للمرحلة الثانية.. ومنافسة شرسة على الحاسبات والذكاء الاصطناعي    كريم رمزي: جلسة مرتقبة بين محمد يوسف ونجم الأهلي لمناقشة تجديد عقده    السيطرة على حريق أعلى سطح منزل في البلينا دون إصابات    بعد 26 ساعة من العمل.. بدء اختبار الكابلات لإعادة التيار الكهربائي للجيزة    حسين الشحات: لن أرحل عن الأهلي إلا في هذه الحالة، والتتويج أمام الزمالك أسعد لحظاتي    تنسيق الكليات 2025، الحدود الدنيا لجميع الشعب بالدرجات والنسب المئوية لطلبة الثانوية بنظاميها    إدريس يشيد بالبداية المبهرة.. ثلاث ميداليات للبعثة المصرية فى أول أيام دورة الألعاب الإفريقية للمدارس    أحمد نبيل: تعليم الأطفال فن البانتومايم غيّر نظرتهم للتعبير عن المشاعر    وزير السياحة: ترخيص 56 وحدة فندقية جديدة و60 طلبًا قيد الدراسة    متخليش الصيف ينسيك.. فواكه ممنوعة لمرضى السكر    معاناة حارس وادي دجلة محمد بونجا.. أعراض وأسباب الإصابة ب الغيبوبة الكبدية    أم وابنها يهزمان الزمن ويصنعان معجزة فى الثانوية العامة.. الأم تحصل على 89% والابن 86%.. محمد: ليست فقط أمى بل زميلتي بالدراسة.. والأم: التعليم لا يعرف عمرا وحلمنا ندرس صيدلة.. ونائب محافظ سوهاج يكرمهما.. فيديو    الباذنجان مهم لمرضى السكر والكوليسترول ويحمي من الزهايمر    بعد توقف 11 عاما.. رئيس حقوق الإنسان بالنواب يُشارك في تشغيل مستشفي دار السلام    رغم ارتفاع درجات الحرارة.. قوافل "100 يوم صحة" تواصل عملها بالوادى الجديد    رفضت عرسانًا «أزهريين» وطلبت من زوجها التعدد.. 19 معلومة عن الدكتورة سعاد صالح    في الحر الشديد.. هل تجوز الصلاة ب"الفانلة الحمالات"؟.. أمين الفتوى يوضح    بتوجيهات شيخ الأزهر.. قافلة إغاثية عاجلة من «بيت الزكاة والصدقات» في طريقها إلى غزة    هل الحر الشديد غضبًا إلهيًا؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد صبحي منصور يكتب : كتاب المكي والمدني في التنزيل القرآني ( الجزء الثامن )
نشر في شباب مصر يوم 22 - 03 - 2016


د. أحمد صبحي منصور
ما زال الحديث موصول بعون الله تعالي حول كتاب (المكي والمدني في التنزيل القرآني) للدكتور أحمد صبحي منصور ونقول الأتي
ثانيا : الإصلاح الأخلاقي
بعد الدعوة إلى لا إله إلا الله جل وعلا تأتى الأوامر والنواهي الأخلاقية بأوامر مباشرة منه جل وعلا للبشر جميعا ، ويتخلل هذا الخطاب المباشر كالعادة أسلوب الالتفات :
1 بعد الدعوة إلى الإيمان بالله جل وعلا وحده يأمر الله جل وعلا البشر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهاهم عن الفحشاء والمنكر والبغي . لم يبدأ جل وعلا بأسلوب المتكلم اعدلوا وأحسنوا بل قال : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ) ثم بعدها الالتفات الى المخاطب وهم البشر :( يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) ثم إلتفات إلى المتكلم وهو رب العزة : ( وَلَنَجْزِيَنَّ ) ثم الغائب ( الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97))
2 ولأن الشيطان أساس الفساد ولأن القرآن أساس الهدى فقد قال جل وعلا بأسلوب المخاطب للنبى ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) ثم التفات إلى الغائب وهو الشيطان وسلطانه : ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100))
3 وعن ( آية ) أو معجزة القرآن الكريمة يقول جل وعلا بأسلوب المتكلم : ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ) ثم جملة اعتراضية عنه جل وعلا : ( وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ ) ثم الالتفات إلى الغائب وهم الكافرون : ( قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) ثم التفات إلى المخاطب وهو الرسول : ( قُلْ ) ثم إلتفات إلى الغائب وهو جبريل
( نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ )ثم المخاطب
( رَبِّكَ بِالْحَقِّ ) ثم التفات الى الغائب وهو القرآن الكريم :( لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102))
الالتفات في الآيات المدنية في سورة النحل
1 الطعام
يقول جل وعلا : ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) هنا المخاطب المؤمنون في : ( فَكُلُوا ) و( وَاشْكُرُوا ) مع إشارة الى رب العزة ، ثم نفس الحال فى المخاطب ( المؤمنون ) والإشارة إلى رب العزة فى الآية التالية : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ) ثم التفات الى الغائب : ( فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ ) ، ثم الحديث عن رب العزة جل وعلا : ( فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) ثم التفات إلى المخاطب : ( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ) ، ثم التفات إلى الغائب : ( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)
2 عن أهل الكتاب :
من الغائب فى ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا ) إلتفات إلى المتكلم ( حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا ) الى المخاطب وهو الرسول ( عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) ثم إلتفات مركب المتكلم بإشارة إلى الغائب وهم أهل الكتاب : ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)) ثم إلتفات الى الغائب ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) ثم إلتفات مركب الى المخاطب وهو النبي عليه السلام بإشارة الى الغائب : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) )
3 ملة إبراهيم
الغائب وهو إبراهيم عليه السلام مع إشارة إلى رب العزة جل وعلا فى : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) ثم العكس وهو : إلتفات مركب من المتكلم وهو رب العزة بإشارة للغائب وهو ابراهيم عليه السلام : ( وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (122) ثم إلتفات إلى المتكلم وهو رب العزة بإشارة الى المخاطب وهو النبى عليه السلام ( ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) ثم إلتفات الى الغائب : إبراهيم : ( وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (123))
4 عن الدعوة والقتال :
المخاطب وهو الرسول مع إشارة إلى رب العزة جل وعلا ، في : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) الى نفس المخاطب وهو النبي مع إشارة للغائب في ( وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) إلى المخاطب وهو النبى ( إِنَّ رَبَّكَ ) الى الحديث عن رب العزة فى إلتفات مركب يشير الى الغائب وهم الضالون والمهتدون: ( هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) ثم التفات إلى المخاطب وهم المؤمنون فى تشريع القتال :
( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) ثم التفات مركب إلى المخاطب وهو النبى مع إشارة الى أعدائه ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) ثم إلتفات مركب الى الحديث عن رب العزة جل وعلا بإشارة الى الغائب وهم المتقون المحسنون : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) ).
الالتفات فى سورة النور
جاءت بتشريعات جديدة لمجتمع المدينة ودولته المدنية الإسلامية ، مع إشارات تاريخية تدخل فى القصص القرآنى المعاصر لوقته . وفى هذا وذاك جاء أسلوب الالتفات
التشريع :
1 بداية السورة وعقوبة الزنى : يقول جل وعلا : ( سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) المتكلم وهو رب العزة الذى أنزل السورة وفرض تشريعها وأنزل آياتها البينات، وهى افتتاحية الاهية فريدة ووحيدة في القرآن الكريم كله تعطى إشارة ضمنية معجزة لنفى خرافة الرجم للزانى المحصن . ثم التفات من المتكلم رب العزة إلى المخاطب وهم المؤمنون فى دولتهم ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) ثم إلتفات مركب إلى الغائب وهو :( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي )هو إلتفات مركب لأنه فيه إشارة ضمنية الى الغائب وهو الدولة الإسلامية التي تثبت جريمة الزنا على رجل وإمراة، ثم تثبت رفضهما التوبة فيستحقان الوصف بالزانى والزانية ، ويتعين عقابهما بالجلد . ثم بعدها إلتفات مركب الى المخاطب وهو الدولة الاسلامية لأن فيه إشارة الى الزانى والزانية ( فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2))
2 فى الآداب الاجتماعية ، يقول جل وعلا : ( لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) هنا خطاب عن الغائب ، وهم أصحاب الأعذار ، ثم إلتفات للمخاطب : ( وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)).
3 في الاجتماعات السياسية العامة للشورى أو الديمقراطية المباشرة فى الدولة الإسلامية ، تبدأ القاعدة الإيمانية فى تشريع الشورى جزءا من الإيمان ،بأسلوب القصر :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ) والخطاب هنا عن الغائب، ثم الالتفات المركب بعده ، فالمخاطب وهو النبى ، وفيه إشارة للغائب وهم الذين يستأذنون النبى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) ثم إلتفات مركب الى المخاطب وهو النبى فى إشارة الى أولئك المستأذنين : ( فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) ثم مخاطب آخر وهم المؤمنون : ( لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً )ثم الحديث عن رب العزة جل وعلا مع إشارة الى المتسللين : ( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) ثم إلتفات مركب بالحديث عن رب العزة جل وعلا وفيه إشارة للمخاطب وهم جماعة المؤمنين : ( أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)).
التاريخ : حديث الإفك :
قلنا فى كتاب ( القرآن وكفى ) إن السيدة عائشة لا شأن لها بحديث الإفك المذكور فى سورة النور لأنه عن علاقات استجدت مع بداية استقرار المهاجرين والمهاجرات فى المدينة ومنهم فقراء والمؤاخاة بينهم وبين الأنصار ، وما نتج عن ذلك من عون من الأنصار والأنصاريات للمهاجرين والمهاجرات وهذا أحنق المنافقين فاخترعوا أكاذيب عن علاقات فاحشة هى حديث الإفك الذى يتوجه فيه الخطاب للمؤمنين وعن المؤمنين ، ويأتي أسلوب الالتفات موضحا هذا .
يقول جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) هنا المُخاطب وهم جماعة المؤمنين والاتهام من رب العزة الذى يخاطبهم هو لعصبة من المؤمنين ، بعده إلتفات من المخاطب الى الغائب ، وهم أفراد تلك العصبة وقائدهم : ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) ثم إلتفات بالمخاطب وهم جماعة المؤمنين الذين تناقلوا الاشاعات السّامة ، والخطاب لهم بالتأنيب والوعظ والتهديد من رب العزة ( أى إلتفات مركب ) فى : ( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)، ثم إلتفات من المخاطب الى الغائب وهم الذين يحبون بقلوبهم أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) ثم إلتفات إلى المخاطب وهم جماعة المؤمنين : ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)).
( الإلتفات ) في خطاب التنزيل المدني في سورة الأنفال :
مقدمة
1 أخرجت قريش المؤمنين من ديارهم وصادرت أموالهم . الإيلاف القرشي فى رحلة الشتاء والصيف كان يعنى داخل قريش تكوين رأس المال للقافلة من أفراد القرشيين طبق نظام الأسهم ، ثم توزيع الأرباح لكل سهم . بإخراج النبي والمؤمنين من مكة ومصادرة ديارهم وأموالهم ورثت قريش هذه الأموال والعقارات ومنها أسهم المؤمنين في القوافل . واستخدمت هذه الأموال والعقارات ليس فقط فى تنمية أرباح الملأ القرشى فى رحلتي الشتاء والصيف بل أيضا في تمويل حروب خاطفة كانت تُغير على المؤمنين في بداية استقرارهم فى المدينة ، حيث كانوا ممنوعين بسبب ضعفهم من رد العدوان ، ومأمورين بكف اليد إلى أن يتموا إستعلام عدادهم للمواجهة ، وحيث كانوا في خوف قائم من أن يتخطفهم الناس . بعد استكمال جزئي للقتال الدفاعي نزل الإذن بالقتال الدفاعي : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) (40)الحج ). وكانت مهاجمة قافلة قرشية يقودها زعيم قريش أبوسفيان . هذه القافلة هى حقُّ للمؤمنين المهاجرين فهى تجارة بأموالهم المسروقة . ونزل لهم الوعد بالفوز إما بالقافلة وإما بالانتصار وأفلت أبو سفيان بالقافلة وجاء جيش قريش يتيه عجبا وخيلاء بثلاثة أضعاف جيش النبى لابادة جيش النبى ، أى كانت معركة كانت غير متكافئة فى حروب يكون فيها سيف مقابل سيف ورمح مقابل رمح ، أى الأكثر عددا هو الذى يضمن النصر ، إلا إذا كان الأقل عددا هو الأكثر شجاعة واستماتة فى القتال ، فكيف يتأتى هذا من جيش المؤمنين المرعوبين أصلا من السطوة القرشية . لذا كان لا بد من تثبيت قلوب المؤمنين فى هذه المعركة الفاصلة الحاسمة ، لأن هزيمة المؤمنين تعنى نهايتهم وألا تقوم لهم قائمة ، أما لو إنتصروا فهو الانتصار على الهيبة القرشية داخل القلوب وداخل الجزيرة العربية، وإعلاء شأن الدولة الإسلامية الوليدة.
2 وانتصر المؤمنون ، وجاء الانتصار على قريش بمستجدات هي الأنفال ( الغنائم )
والأسرى ، ووفود مؤمنين جدد هاجروا إلى المدينة ، ودخول مؤمنين جدد الى الإسلام مع بقائهم فى أماكنهم دون هجرة الى المدينة وحتمية الاستعداد العسكري لجولات قادمة لردع و(إرهاب) العدو المعتدى حتى لا يعتدى، وردع و ( إرهاب ) عدو آخر محتمل
( من شر الدواب ) لا يعلمه المؤمنون ، وأن يصاحب هذا الاستعداد العسكري
( اللوجيستى ) تحريض على القتال والصبر لرفع ( الروح المعنوية )، وعقد معاهدات وهناك من ينكث العهد . كل هذه المستجدات تستدعى تشريعات جديدا ، جاءت بها سورة الأنفال التي احتوت بجانب التشريع على قصص تاريخى معاصر للنبى والمؤمنين فى هذا الوقت المبكر فى تاريخ الدولة الإسلامية المدنية . وفى داخل التشريع والقصص كان أسلوب الالتفات ، وهو الذى يعطى حيوية فى السرد القصصى وفى الأسلوب التشريعى أيضا .
أولا : التشريع :
فى الغنائم ( الأنفال )
1 بدأت السورة بالإجابة على أسئلة تتعلق بالأنفال أو الغنائم ، من الأحق بها ؟ هل الذين سلبت قريش أموالهم وموّلت بها القافلة ؟ أم المقاتلون فى المعركة . ثار جدل تطور الى خصومة . سألوا النبى ، وهو ليس له أن يجيب لأنه ليس صاحب الشرع ، الله جل وعلا هو صاحب الشرع ، وليس للنبى أن يتكلم فى دين الله أو أن يجتهد أو أن يُفتى أو يتقوّل على الله جل وعلا ، لأنه رسول مُبلّغ عن ربه جل وعلا . لذا عندما سئل عن الأنفال انتظر النبى حتى نزل الوحى القرآنى يقول للنبى فى خطاب مباشر : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ) هنا النبى هو المُخاطب ، وهو يحوى إلتفاتا مركبا بالاشارة الى الغائب وهم الذين يسألون ، ثم الالتفات من المخاطب وهو النبى الى مُخاطب آخر ، وهو المؤمنون الذين جاءهم الخطاب الالهى المباشر يأمرهم بالتقوى وإصلاح ما نشب بينهم من نزاع ، وأن يطيعوا الله ورسوله إن كانوا فعلا مؤمنين : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) ثم إلتفات الى الغائب فى صفات المؤمنين الحقيقيين : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) ثم إلتفات الى المتكلم رب العزة مع إشارة للمؤمنين حقا ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)).
2 ثم نزل تشريع توزيع الغنائم فى خطاب الاهى مباشر للمؤمنين وقتها، يقول جل وعلا لهم:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ) هنا المخاطب وهم المؤمنون ، ثم التوزيع بالإلتفات الى المستحقين : ( فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ )أى أن خُمس الغنام يكون فى الانفاق فى سبيل الله جل وعلا ورسالته ، وفى الصدقات لأقارب المقاتلين واليتامى والمساكين ، وبقية الغنائم للمقاتلين . واستمرار الخطاب للمخاطبين : ( إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ) ثم إلتفات الى المتكلم وهو رب العزة مع إشارة الى الغائب وهو الرسول وما أُنزل عليه يوم الفرقان يوم معركة بدر، يوم إلتقى الجمعان ،: ( وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) ثم إلتفات الى الحديث عن رب العزة : ( وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41). وفى الآية التالية نفس المُخاطب وهم المؤمنون ومكانهم مع إشارة الى العدو ومكانه:
( إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)).
الأسرى :
1 وهى قضية مُلحقةُّ بالغنائم ، وهما من النتائج الإيجابية لانتصار موقعة بدر، ولم يكن للمؤمنين معرفة بهما من قبل . وقد تصرف النبى فأخذ من الأسرى فداءا ماليا .ونزل التأنيب للنبى لأنه ممنوع إفتداء الأسرى بالأموال ، ولكن بالتبادل أو بالمنّ وإطلاق السراح بلا مقابل كما جاء فى قوله جل وعلا : (حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا )(4) محمد ) وكما جاء لاحقا فى سورة التوبة عمّن يستجير وقت الحرب من المشركين المعتدين ويستأسر برغبته : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) ) فى معركة بدر لم يكن هناك تبادل للأسرى ، فأخذ النبي أموالا لإطلاق سراحهم ، فنزل مبكرا في سورة الأنفال تأنيب للنبى ، يقول جل وعلا : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ) الخطاب هنا للغائب ، ومقصود به النبي محمد ، والمعنى أن النبى لا يمكن أن يكون له أسرى إلا إذا أثخن فى الأرض حربا . ومفهوم أنها حرب دفاعية وليست عدوانية . ثم جاء الالتفات من الغائب الى المُخاطب وهم المؤمنون بما يشير الى أنهم أصحاب الاقتراح بأخذ الفدية من الأسرى مقابل إطلاق سراحهم ، وربما كان ذلك لتغطية متطلبات ومطالبات من الطامعين فى الغنائم ، قال تعالى لهم : ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا ) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا بأن الله جل وعلا يريد لهم الفوز فى الآخرة : ( وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ ) ثم التفات إلى المُخاطب بالتهديد : ( لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) ) ثم استمرار فى المخاطب بتشريع يبيح الأكل من الغنائم حلالا طيبا مع الأمر بتقوى الله جل وعلا : ( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69). ووضع أكل الغنائم حلالا طيبا وسط الحديث اللائم عن أخذ فدية مالية من الأسرى يشير إلى المقارنة بين الغنائم الحلال و الفدية الحرام من الأسرى ،ثم تأتى الآية التالية بإلتفات الى مُخاطب آخر وهو النبى أن يقول رسالة للأسرى الذين دفعوا الفدية ، وهى إن الله جل وعلا سيعوضهم خيرا عمّا أُخذ منهم إن كان فى قلوبهم خير ، وأن يغفر لهم ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وخطاب آخر للنبى إنهم إن أرادوا خيانته فسينتقم الله جل وعلا منهم : ( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)). معلوم أن السيرة المصنوعة للنبى تتناقض مع هذا جملة وتفصيلا . ولو آمنت بها فقد كفرت بالقرآن الكريم .!
وللكتاب بقية ...............فيتبع
----------------
بقلم الدكتور/ أحمد صبحي منصور
من علماء الأزهر سابقا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.