وفد محلية النواب يتابع المشروعات القومية في جنوب سيناء    "فدان لكل شاب".. مبادرة جديدة لخلق فرص عمل ضمن خطة تنمية أراضي أسيوط    البنوك إجازة اليوم بمناسبة ذكرى 30 يونيو    ماذا يعني تعليق إيران التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟    السعودية تدشّن أول سرية من منظومة "ثاد"    إبراهيم فايق يعلن بشرى سارة للجماهير العربية    حملات مكثفة لغلق 79 محلاً ومقهى وكافيه غير مرخص بأسوان    بعد توقف 10 سنوات، الكويت تستأنف رحلاتها الجوية إلى سوريا    العثور على 29 ناجيا والبحث عن عشرات المفقودين بعد غرق عبارة في إندونيسيا    إسرائيل تعلن فرض السيادة على الضفة الغربية.. ومصر ترد    أسعار الذهب في مصر اليوم الخميس 3 يوليو 2025    الأهلي يعلن ضم محمد شريف لمدة 5 سنوات    لاعبو الهلال السعودي يحتفلون بمولود جديدة لرئيس النادي (صور)    المكسيك تعبر هندوراس.. وتواجه أمريكا في نهائي الكأس الذهبية    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الخميس 3 يوليو    محافظ أسيوط يشدد على تواجد سيارات الإسعاف بمحيط لجان الثانوية العامة    طقس حار في الكويت اليوم الخميس 3 يوليو 2025    اليوم، أصالة تطرح ألبومها الجديد "ضريبة البعد"    "أحيا فرحه".. إمام عاشور ينعى أحمد عامر بصورة    الأزهري يلتقي وزير الصحة الفلبيني لبحث التعاون في مجال التمريض والدواء    30 دقيقة تأخرًا في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 3 يوليو 2025    إسقاط أكثر من 5 مسيرات فوق مدن مقاطعة فورونيج الروسية    بكام الطن؟.. أسعار الأرز الشعير والأبيض اليوم الخميس 3 يوليو 2025 في أسواق الشرقية    جثث الأطفال تفحمت.. الاحتلال يقصف مدرسة تؤوي نازحين في حي الرمال ب غزة (فيديو)    جدل برلماني حول تعديل قانون التعليم.. النواب يطالبون بسحب المشروع (تفاصيل)    توزيع درجات امتحان الجغرافيا للصف الثالث الثانوي 2025    تغييرات جذرية في "وتر حساس 2".. غادة عادل بديلة لصبا مبارك وغياب أحمد جمال سعيد وجنا الأشقر    وجودك بيخلي اليوم مميز.. رسالة ليلى زاهر ل تامر حسني    سيراميكا يواصل مفاوضاته مع الأهلي لاستعارة رضا سليم    رؤساء النواب الأردني والبريطانى يؤكدون ضرورة وقف الحرب على غزة وإنفاذ المساعدات    40 حكما يجتازون اختبارات الانضمام لدورة الحصول على رخصة "VAR"    حريق هائل بعقار سكني مكون من 5 طوابق بحلمية الزيتون والدفع ب 3 سيارات إطفاء للسيطرة    ملف يلا كورة.. الرمادي يكسر الصمت.. السعودية تستهدف إمام.. وشريف يعود للأهلي    «الوطنية للانتخابات» تحدد قواعد اختيار رموز مرشحي «الشيوخ» على نظامي القوائم والفردي    تريلا تدهس 7 سيارات أعلى الطريق الدائري بالمعادي.. صور    عصام السباعي يكتب: مفاتيح المستقبل    محاضر الغش «بعبع المعلمين» في امتحانات الثانوية!    "القائمة الوطنية من أجل مصر" لانتخابات الشيوخ.. تضم 13 حزبًا وتجمعًا سياسيًا    البلشي: لست مسؤولًا عن تظاهرات أحمد دومة على سلم نقابة الصحفيين    طارق الشيخ يكشف كواليس صداقته مع أحمد عامر..ماذا قال؟    مي عمر أنيقة ونسرين طافش بفستان قصير على البحر.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    هل الجنة والنار موجودتان الآن؟.. أمين الفتوى يجيب    بعد 12 عامًا.. الإخوان ترفض الاعتراف بسقوطها الشعبي والسياسي    "الصحة العالمية" تطلق مبادرة لزيادة ضرائب التبغ والكحول والمشروبات السكرية    الأعداد المقرر قبولها ب الجامعات الحكومية من حملة شهادات الدبلومات الفنية 2025    يكفر ذنوب عام كامل.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة    إسماعيل يوسف: الزمالك ليس حكرا على أحد.. ويجب دعم جون إدوارد    تعرَّف علي قيمة بدل المعلم والاعتماد ب مشروع تعديل قانون التعليم (الفئات المستحقة)    بكام طن الحديد اليوم؟.. سعر الأسمنت ب سوق مواد البناء الخميس 3 يوليو 2025    إعدام المواد الغذائية الغير صالحة بمطروح    أمين الفتوى: التدخين حرام شرعًا لثبوت ضرره بالقطع من الأطباء    مملكة الحرير" يحقق رقمًا قياسيًا على يانغو بلاي ويتصدر الترند لليوم الثالث على التوالي    3 أبراج لديها دائمًا حل لكل مشكلة    مستشفى الأطفال بجامعة أسيوط تنظم يوم علمي حول أمراض الكلى لدى الأطفال    فريق طبي ينجح في إنقاذ طفلة مولودة في عمر رحمي بمستشفى في الإسكندرية    ما هي الأنماط الغذائية الصحية لمصابين بالأمراض الجلدية؟.. "الصحة" تجيب    هل "الدروب شيبنج" جائز شرعًا؟ أمين الفتوى يجيب    «الإفتاء» توضح حكم صيام يوم عاشوراء منفردًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب المكي والمدني في التنزيل القرآني ( الجزء الثاني )
نشر في شباب مصر يوم 02 - 02 - 2016


د. أحمد صبحي منصور
ما زال الحديث موصول بعون الله تعالي حول موضوع كتاب ( المكي والمدني في التنزيل القرآني ) للدكتور أحمد صبحي منصور من علماء الأزهر سابقا ونقول الأتي ما نصه الفصل الثانى :
مواكبة التنزيل القرآنى للأحداث :
( لمحات عن مواكبة التنزيل القرآنى للمتغيرات : فى المصطلحات التذكير بوحى سابق . فى القصص المعاصر للنبى عليه السلام . على مستوى السور : سورة النور سورة الممتحنة . مواكبة التنزيل القرآنى فى العلاقات بين المؤمنين والكافرين . مواكبة التنزيل القرآنى لحركة المنافقين : البداية الوسط فى أواخر التنزيل المدنى )
نبدأ بعدة ملاحظات :
1 مواكبة التنزيل القرآنى المكى والمدنى للأحداث دليل هام على ( مُعاصرته ) لتاريخ النبى عليه السلام من مكة الى المدينة وتاريخ هذه الفترة الفريدة فى تاريخ الاسلام والمسلمين ، والتى بعدها بدأ تاريخ المسلمين فى عهد الخلفاء يتناقض مع عصر النبى عليه السلام ودولته الاسلامية الحقيقية ، ويظل ما أورده القرآن الكريم حُجة على ما كتبه محمد بن إسحاق فى
( السيرة النبوية ) وهو الذى رسم شخصية للنبى تماثل الصورة النمطية للخلفاء الفاسقين ، وتتابعت بعده كتب السيرة والأحاديث تنفخ فى هذه الصورة المغلوطة للنبى عليه السلام ، وتتناقض فيها بين التاليه والتحقير .
2 يظل المنهج القرآنى للقصص عموما مختلفا عن المنهج التاريخى. الحدث التاريخى له أضلاع ثلاثة : المكان والزمان والانسان ، مثلا الآن فى التفجيرات الارهابية التى حدثت مؤخرا فى باريس يذكر المؤرخ الزمان : ( 13 نوفمبر 2015 ) ، واماكن التفجيرات ( المسرح ، الاستاد ، المطعم ، وبقية الأماكن )، والانسان ، أى أبطال الحدث التاريخى ( الارهابيون ، الضحايا ، الرئيس الفرنسى وقادة فرنسا المعنيون بالأمر ) .
القصص القرآنى يركّز على العبرة من الحدث ، ولا يهتم كثيرا بالزمان والمكان وأسماء الأشخاص . أى يقطع الحدث مما يربطه بالزمان والمكان ليتحول الى عبرة وعظة للبشر فى كل زمان ومكان . ونأخذ قصة أصحاب الكهف مثالا ، فليس معروفا الزمان والمكان وأسماء الأشخاص ولا حتى عددهم . ونفس الحال فى القصص القرآنى المُعاصر لتاريخ النبى محمد عليه السلام فى مكة والمدينة ، قليل أن تأتى كلمتا ( مكة والمدينة ) ويأتى التعبير عن أبطال الأحداث بدون أسماء بل بالاسم الموصول والوصف ( الذين كفروا ، الذين آمنوا ، الظالمون ، الفاسقون ،الكافرون ، المشركون ، المنافقون ، مردوا على النفاق السابقون ، خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، الذين فى قلوبهم مرض ، المرجفون فى المدينة ..الخ ) . وحتى فيما يفعلون من أفعال وفيما يقولون من أقوال محددة لا يذكر رب العزة أسماءهم إكتفاءا بالوصف : ( يقُولُونَ لَئِن َّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) المنافقون 8 )( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ۚ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ ۖ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) التوبة 74 ). (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا )الاحزاب 23 ) . هذا يحوى إعجازا الاهيا ، لأن هذه الأوصاف تنطبق على من يفعلها بعد إنتهاء القرآن الكريم نزولا ونرى الآن المحمديين يكررون نفس الأقوال والأفعال للكفار ، كما أن البشر فيهم من يكرر أقوال وأفعال المؤمنين .
3 الأحداث التاريخية ليست كثيرة فى التنزيل المكى ، لأنه لم تكن هناك أحداث كثيرة فى مكة ، فالحدث الهام والرئيس هو الدعوة الى الاسلام وإضطهاد النبى والمستضعفين معه ، وانتهى هذا بالهجرة الى المدينة ، وفيها تتابعت الأحداث ، بل أصبحت ( يثرب / المدينة ) أول و ( آخر ) دولة اسلامية ، تلك الدولة التى إجتذبت إهتمام الإمبراطوريتين العُظميين وقتها
( الفُرس والروم ). هذا الزخم فى الأحداث قام التنزيل القرآنى المدنى بتأريخه وفق منهج القصص القرآنى المُشار اليه .
ونبدأ بلمحات عن مواكبة التنزيل القرآنى للمتغيرات :
فى المصطلحات :
1 فى مواكبة المستجدات جاء التنزيل المدنى بمصطلحات جديدة مثل ( المنافقون ) والقتال والأسرى والغنائم ، و( أزواج النبى / سورة الأحزاب ، التحريم ) و
( اليهود ، والنصارى والمجوس ، والأحبار والرهبان والربانيون والقسيسون ) ،
والمسجد الحرام والصد عنه : (7 مرات. البقرة ، المائدة ، الأنفال ، التوبة ، الحج ، الفتح ، ) الشهر الحرام والأشهر الحرم ( البقرة والمائدة ، التوبة ) .
2 وهناك ألفاظ جاءت فى التنزيل المكى ثم جاءت فى التنزيل المدنى بمعنى جديد مثل ( المدينة : جاءت 14 مرة ، ومنها اربع مرات فقط عن المدينة يثرب ، فى سور التوبة و الأحزاب و المنافقون ) وتكرر إسم فرعون كثيرا ، ولكن جاء فى موضعين فقط عن (دأب فرعون ) فى سورتين مدنيتين ( آل عمران ، الأنفال )، بما يعنى أن كفار قريش فى كفرهم السلوكى بالاعتداء والاكراه فى الدين يسيرون على ( داب فرعون ) أو سُنّة فرعون ). وتكررت كلمة ( يسألونك ) فى مكة والمدينة مع إختلاف فى نوعية الأسئلة فأغلبها فى المدينة عن تفصيلات تشريعية ، أما فى مكة فكانت أسئلة عن الساعة وما يتصل بها.
3 وسيأتى تفصيل عن هذه السياقات القرآنية ، ولكنها لمحة عن أن التنزيل المدنى أتى بمصطلحات جديدة ، واضاف معانى وتفصيلات لمصطلحات سبق نزولها فى التنزيل المكى .
التذكير بوحى سابق :
1 فى حرصه عليه السلام على هداية الملأ الكافرين كان يتجاهل المؤمنين المستضعفين بدأ هذا فى قوله جل وعلا :( عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ )عبس 1 ). ومع هذه التذكرة فلم يتذكر ، فكان يضيق بتجمع المستضعفين المؤمنين حوله ويطيع الملأ الكافر فقال له ربه جل : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) الكهف ). ولم يطع قول الله جل وعلا بل كان يطرد المستضعفين فقال له ربه جل وعلا : (وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ (52) الانعام ). هذا الانذار مترتب على وحى سابق فى نفس الموضوع .
2 وحرصا منه على التقرب اليهم كان يحضر مجالسهم التى يخوضون فيها فى القرآن الكريم لهوا ولعبا ، وتكرر له النهى ، قال له جل وعلا : ( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) المعارج )( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) الزخرف ) ( ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) الأنعام ). ومع التكرار لم يُطع ، فقال له ربه جل وعلا : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) الانعام ) هنا تذكير بما سبق (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) . ( وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) الانعام ). بعد هذه اللهجة الحاسمة أطاع النبى بينما ظل بعض المؤمنين فى المدينة يحضرون مجالس الخوض هذه فقال جل وعلا لهم محذرا ومهددا ومذكرا بما سبق من نهى :( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) النساء ).
3 ونزلت سورة المسد تتوعد أبا لهب وزوجه بنار ذات لهب . وبهذا تبين للنبى أنه من أصحاب الجحيم ، ومع ذلك كان يستغفر له . ونزل النهى عن موالاة الكافرين المعتدين والأمر بالتبرؤ منهم ، وهذا فى أوائل إستقرار المهاجرين فى المدينة ومعاناتهم من الغُربة. قال جل وعلا لهم : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . ) ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) الممتحنة 4 ، 6 ) . ومع ذلك ظل النبى يستغفر لأبى لهب فقال جل وعلا يذكّره بموقف ابراهيم السابق بالتبرؤ من أبيه حين كفّ عن الاستغفار للأبيه حين تبين له أنه عدو لرب العزة جل وعلا: ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ
حَلِيمٌ )التوبة 113 ) .
4 ونزل معظم القصص القرآنى فى مكة ليستفيد منه خاتم النبيين فى جهاده ، يقول جل وعلا فى خطاب مباشر له عليه السلام (كُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ) هود 120 ). وفى أمر النبى خاتم النبيين بالتاسى بصبر أولى العزم من الرسل السابقين طبقا لما جاء عنهم فى القصص القرآنى يقول جل وعلا :
( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ) الأحقاف 35 ). وكان عليه السلام يحزن لأن كُفار قريش كانوا يطلبون منه آية حسية ، ولا سبيل لذلك إكتفاءا بالقرآن الكريم آية وإعجازا عقليا للبشر الى قيام الساعة . ردا على حُزن النبى خاطبه ربه جل وعلا إنهم فى حقيقة الأمر لا يكذبونه ولكنهم يجحدون الحق القرآنى ، وأن الرسل السابقين صبروا على الأذى حتى آتاهم نصر الله ، ولقد سبق إنزال أنبائهم ، يقول جل وعلا : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِالْمُرْسَلِينَ الانعام 33 : 34 ).
5 وفى التأسى بصبر المؤمنين السابقين فى القصص القرآنى ، يخاطب جل وعلا المؤمنين فيقول : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )
البقرة 214 )، وفى التذكير بوحى سابق جاء ايضا فى موضوع التقوى :( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ ) النساء 131 ).
6 المنافقون بالذات كانوا يرتعبون من نزول القرآن الكريم يفضحهم ، ولذا تكررت آيات القرآن تُذكّر بمواقفهم وتتابع ردود أفعالهم بل وأحيانا ملامح وجوههم وحركاتهم ونقرأ قوله جل وعلا : ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ) التوبة 64 )( وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ ) التوبة 86 ) ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ( التوبة 124 ) ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا ۚ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ) ( التوبة 127 ) (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ۖ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ۙ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ ) ( محمد 20 ).
7 وكل الايات السابقة تستلزم تدبرا ، ننتظره من أبنائنا الباحثين القُرآنيين .
مواكبة التنزيل القرآنى فى القصص المعاصر للنبى عليه السلام على مستوى السور
بالتدبر القرآنى يتضح أن أوائل سور التنزيل المكى هو قصار السور ( العلق )
( الضحى ) ( القلم ) ( المدثر )
( المزمل ) ( القيامة ) . وأن أوائل مانزل فى المدينة سور ( النور )
( الممتحنة ) ( الحج ) والأنفال ، ثم البقرة وآل عمران ، ثم الأحزاب ، وأن آخر التنزيل هى ( المائدة ) ( التوبة ) ( النصر ) . كما يتضح من وجهة نظرنا خطأ التراثيين فى جعل هذه السور مدنية ، وهى (الرعد ، الانسان ، الرحمن ،
الزلزلة ) . ويتضح بالتدبر القرآنى أن هناك آيات مدنية فى بعض السور المكية ، أى نزلت فى المدينة ثم فى الجمع الأخير للقرآن الكريم بيد الرسول عليه السلام وتوجيه من رب العزة تم إلحاق هذه الآيات بسور مكية ، ومثلا : هناك آيات مدنية فى سورة العنكبوت : 1 : 11 ، ، 46 : 49 ، 56 : 59 ، وآيات مدنية فى سورة الانعام : 91 : 92 ، 118 : 121 ، 136 : 147 ، وآية مدنية فى سورة الزمر : 10 .
ونعرض لسورتى النور والممتحنة تأكيدا على كونهما من أوائل السور المدنية :
سورة النور
1 فى سورة النور نرى ملامح تشكل مجتمع جديد فى المدينة قوامه المهاجرون والأنصار وما نجم عن هذا التشكل من مشاكل ، نزل بشأنها تشريعات . إستقرار المهاجرين والمهاجرات وحاجتهم الى عون أوجد موقفين متعارضين : أنصار غاية فى النبل والعطاء كانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان فيهم خصاصة ، ومنافقون كارهون للوضع الجديد ومن مزاحمة المهاجرين لهم فى بلدهم . المنافقون إستغلوا عطف المؤمنين الأنصار ( رجالا ونساءا ) على المهاجرين والمهاجرات فى قذف المحصنات العفيفات من المهاجرات والأنصاريات ، وإشاعات بالزنا عن رغبة فى أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا. نزل التشريع فى سورة (النور) بعقوبات الزنا وقذف المحصنات ، والملاعنة ، وبالتحذير من ( حديث الإفك ) ، ثم وضع قواعد للإستئذان وتشريعات أخلاقية فى غض البصر و فى زى المرأة وزينتها ، وفى تشجيع زواج ( الأيامى ) أى الارامل والمطلقات ، والفقراء والفقيرات ، والمآدب والتزاور :
( النور : 1 : 33 ، 58 : 61 ) .
2 ونرى فى نفس السورة ( النور ) أول إشارة للمنافقين دون إطلاق لفب المنافقين عليهم ، بل مجرد وصفهم بالعصيان وعدم الاحتكام الى السُّلطة الجديدة إلا إذا كان معهم الحق ويريدون العدل ، أما إذا كانوا ظالمين فيرفضون الاحتكام للقضاء الاسلامى الذى يقوده النبى محمد عليه السلام ، هذا مع انهم يقسمون بالله جل وعلا جهد أيمانهم بالطاعة حتى لو قيل لهم أُخرجوا من المدينة ليخرجُنّ. ( االنور 47 : 54 ). وفيما بعد أصبح من أهم ملامح النفاق أنهم إتخذوا ( أيمانهم ) جُنّة ووقاية ، كما جاء فى سورتى ( المنافقون ) و( التوبة ).
3 ونرى في سورة ( النور ) ها وعدا للمؤمنين الذين كانوا وقتها فى مرحلة خوف وضعف أن التمكين آت لهم إذا صدقوا فى إيمانهم ( النور 55 ) .
4 وكانت الشورى أو الديمقراطية المباشرة مأمورا بها فى مكة فى توصيف للمجتمع المسلم في سورة الشورى ، حيث تم فرض الشورى فريضة تالية للصلاة
( 36 : 40 ) تفعيل الشورى أو الديمقراطية المباشرة بدأ مع إستقرار المهاجرين فى المدينة وبدأية تأسيس الدولة الاسلامية . وهذا بآلية تجمع المواطنين كلهم فيما يشبه الجمعية العمومية ، أو بالتعبير القرآنى ( امر جامع ) . وحدث أن كان يتخلف بعضهم دون إذن أو يتسلل من الاجتماع فنزل الأمر بالحضور والنهى عن التخلف والتسلل والتحذير فى أواخر سورة النور
( 62 : 64 ).
5 ونلاحظ فى سورة ( النور ) إستمرار للخطاب الدّعوى الى ( لا إله إلا الله ) والحديث الى آلاء الله جل وعلا ونوره ، وإحباط أعمال الكافرين ، وإقامة بيوت يرتفع فيها إسم الله جل وعلا ، يتخلل الموضوعات السابقة ويأتى فاصل بين الموضوعات بآيتين بنفس المعنى : ( وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ) ( السور 34 )، ( لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) النور 46 )
سورة الممتحنة :
1 واضح أنها نزلت تأنيبا للمهاجرين فى أول إستقرارهم فى المدينة ، كانوا مع يعانون من الحنين الى مكة ، الى درجة نسيانهم أن قريش أخرجتهم من ديارهم وأموالهم ظلما وعدوانا . لذا فإن الله جل وعلا وجّه لهم خطابا مباشرا للمؤمنين المهاجرين ينهى عن مناصرة وموالاة أقاربهم الكافرين ، واصفا أولئك الكافرين بأنهم أعداء الله وأعداء المؤمنين، وإذن لا يصح أن يعاملوهم بالمودة، فأولئك الكافرون جمعوا بين الكفر العقيدى وهو الكفر بالقرآن الكريم والكفر السلوكى وهو الاعتداء على المؤمنين والنبى محمد واخراجهم من بيوتهم بسبب أنهم آمنوا بالله تعالى وحده. وعليه فاذا كان المؤمنون قد فارقوا أوطانهم جهادا فى سبيل الله وابتغاء مرضاة الله تعالى فلا يصح أن يحتفظوا سرا بعلاقات المودة مع أولئك الظالمين. والله تعالى يعلم السرائر ويعلم الظواهر، ومن يوالى أؤلئك الظالمين فقد أصبح من الضالين عن الطريق المستقيم.وأنّ واقع الأمرأن أولئك الظالمين الكافرين سيظهرون أكثر على حقيقتهم العدوانية اذا اشتبكوا مع المؤمنين فى قتال، ولن يقتصروا على المواجهة الحربية بل ستنطلق أيديهم وألسنتهم بالسوء للمؤمنين. هذا فى الدنيا.أما فى الآخرة فإن قرابتهم لأولئك المشركين الكافرين لن تنفع المؤمنين يوم القيامة، وأن عليهم الإقتداء والتأسى بالنبى ابراهيم والمؤمنين معه حين تبرءوا من أهلهم ومن الآلهة التى يعبدها قومهم . ثم يبشر الله تعالى المؤمنين مقدما بأنه عسى أن يأتى اليوم الذى تنتهى فيه العداوة ويحل فيه الوئام .
وللحديث بقية .... فيتبع
----------
بقلم/ أحمد صبحي منصور
من علماء الأزهر سابقا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.