تطالع المشهد السياسي في مصر الآن فتنتابك الدهشة وتتساءل: أحقا قامت في تلك البلد في يوم ما ثورة أطاحت بنظام امتد لثلاثين عاما؟؟ وتطالع تلك الصورة التي يتداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي كنوع من الكوميديا السوداء التي تسخر من الوضع المعيب والمقلوب في مصر عقب ثورتها المجيدة كشكل من اشكال رفضه ومقاومته مقاومة يصح أن تسميها بالمقاومة الناعمة. عقب ثورة يناير 2011 ظن من قاموا بالثورة وحملوا رايتها أنهم قد نالوا مطلبهم وأعادوا ذلك الوطن المسلوب المنهوب إليهم مرة أخرى، غير أن الأمر سار بصورة عكسية فما هي إلا شهور قليلة حتى قفز كثيرون إلى مركب الثورة يتصارعون على حمل رايتها مؤكدين أنهم من حمل الثورة على عاتقه ووقف في الميدان مقدما كل التضحيات المحتملة وغير المحتملة. كان من أوائل القافزين في مركب الثورة المزدحم بالمدعين الإخوان المسلمين الذين اتخذوا من تاريخ اضطهادهم الطويل والتنكيل بهم بمبرر وبدون مبرر ذريعة وتذكرة ليصبحوا في صدارة المشهد السياسي المصري عقب تأكيدهم القاطع وشبه المقنع بعدم طرحهم مرشحا رئاسيا لخوض انتخابات الرئاسة عام 2012 ثم نكوصهم لذلك العهد ودخولهم تلك الانتخابات التي انتهت لصالحهم في النهاية بشبب نظرية "عاصري الليمون" الشهيرة والتي ملخصها اضطرار الكثيرين لاختيار مرشح الإخوان لئلا ينجح أحمد شفيق المحسوب على النظام السابق وأحد أبرز بقايا هذا النظام المخلوع، فكان لا مفر من انتخاب محمد مرسي حسب وجهة نظرهم. وعلى أية حال، جرى ما جرى وحدث ما حدث من أحداث وتطورات حتى وصلنا إلى المشهد الحالي وما يظهر في صورته الرئيسية المتصدرة من تراجع اقتصادي وأمني والأهم تراجع في الحريات وتلك الشفافية التي كانت مأمولة بعد ثورة يناير مع تضليل وتطبيل إعلامي مقزز وغير مجد بأي حال، ويحقق من الأضرار في مصلحة هذا الوطن أكثر بكثير مما قد يحققه من مكاسب في حال سلمنا جدلا بوجود مكاسب لخطاب إعلامي موحد وموجه ومضلل. !!! ثم جاءت الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي اتخذ المصريون منها موقفا حاسما بمقاطعتها بنسبة كبيرة وتجاهلها بشكل ملفت وموحي، بوجوه وأشخاص قد عادوا بنا إلى ما قبل ثورة يناير 2011 بل إن وجودهم في صدارة المشهد وحصولهم على مكاسب ومواقع أعطيت إليهم فيما يشبه المكافأة والثمن لقاء جهودهم الأمنية في الغالب فمعظمهم إن لم يكن جميعهم نائب بدرجة مخبر. !! أول من يلفت نظرك في تلك الصورة الملفتة في مجملها هو توفيق عكاشة الشهير لدى الشارع المصري "بالعكش" وهو من أول من تنكر لتلك الثورة التي جنى مكاسبها بقوة فكان أن صرح في وقت ما على شاشة قناته الهزلية "الفراعين" بأن من يجرؤ على القول بأن أحداث يناير 2011 ثورة فهو "حمااااار كبيييير" فهي لم تكن سوى مؤامرة.!! وللعلم توفيق عكاشة "مفجر ثورة 30 يونيو" و"زعيم الأمة" هو الآن نائب برلماني حضرتك.!!! يتصدر الصورة الساخرة المؤسفة في نفس الوقت مرتضى منصور مرشح الرئاسة السابق، والذي تفاجئ الجميع بتوليه رئاسة لجنة حقوق الإنسان بالمجلس الموقر. !! وحين علمت بالخبر العجيب تذكرت على الفور موقفه من اللاعب عمر جابر لاعب نادي الزمالك الذي رفض اللعب في المباراة الشهيرة بين الزمالك وإنبي التي قتل فيها بعض من شباب الوايت نايتس "رابطة مشجعي نادي الزمالك" فخرج على شاشات الفضائيات يصفه "بابن البواب"، وتذكرت حين قال له الكابتن عبد العزيز عبد الشافي: أنت مدين بالاعتذار لكل أمهات مصر. !!! وكذا تذكرت موقفه في الأيام الأولى للثورة المخطوفة منها ومن أبطالها المغبونين حين كان يصفهم بالعمالة وبألفاظ غاية قاسية وسوقية وقبيحة. أصغر من تحمل الصورة وجوههم هو سيادة النائب محمود بدر الشهير "بحمود بانجو" هو أصغرهم سنا لكنه يقف قامته بقامتهم في درب الوصولية والانتهازية، منسق حركة تمرد وصاحب فكرتها في معظم الروايات المتداولة، تلك الحركة التي تقف علامات الاستفهام بارزة بخصوص تمويلها ومن يقف ورائها ويحميها هل هو حسين سالم أم المخابرات ام كثيرون منهم أحمد أبو هشيمة؟؟ مع ملاحظة أن استفادة محمود بدر من الاحداث التي أعقبت الثورة لم تقتصر على مكاسبه السياسية والإعلامية بل إن الرجل قد أثرى بشكل مريب ومفاجئ. !! ثم كانت مقولته الشهيرة عقب فوزه بمقعد في البرلمان عن دائرته بالقليوبية: "اسمي سيادة النائب يا بغل"!! محمود بدر الذي يسرني أن أرفع ضغط دمي ودمك حين أذكرك أنه أدرج في مقررات وزارة التربية والتعليم بمصر كأحد القادة والزعماء عقب ثورة يناير وما تبعها من حراك شعبي متباين. وأخيرا تجد أن رابع الأربعة في صورتنا الهزلية تلك والمنتشرة في كل مواقع التواصل الاجتماعي هو مصطفى بكري رجل كل العصور وكل الأنظمة وأول النازلين في ميدان التحرير يوم 11 فبراير 2011 عقب تنحي مبارك، وكان أبرز المحمولين ساعتها عن الأعناق مع حمدين صباحي. أتذكر كيف كان موقف مصطفى بكري من ثورة يناير غامضا في مجمله فكان يظهر على شاشة قناة العربية ليؤكد انه على اتصال بمبارك وبرجال الحكومة وان مبارك لن يترشح مرة أخرى. منذ أيام ظهر بكري مع أحمد موسى في برنامجه ليذكر تفاصيل من كواليس الموقف قبل تنحي مبارك وبعده واتفاقاته مع المجلس العسكري فيما يشبه المساومات والمؤامرات. وتشعر وأنت تسمع وتشاهد حوارا لمصطفى بكري أن مصر تلك فتاة يتيمة وأن مصطفى بكري زوج أمها يقحم أنفه في كل ما يختص بها من مسائل وقرارات ويفرض وصايته عليها. !! حين تتعمق في تلك الصورة ربما تخطر على بالك مثلي أن الوضع في مصر أشبه بعبارة "شالو ألدو .. حطوا شاهين" في الأغنية الشهيرة لثلاثي أضواء المسرح، فما من اختلاف بين هؤلاء ووجوه سابقة ككمال الشاذلي وعبد الرحيم الغول وأحمد عز وغيرهم من رموز النظام السابق. وتتأكد أيضا أن الوضع قد عاد بشكل أسوأ مما قبل يناير 2011، مع كل هذا تأكدت عملية خطف وسرقة ثورة يناير المبتورة، وهنا لا أجد حلا لديّ أقترحه عليك الآن لتغيير ذلك الواقع الغريب الذي صارت إليه الأمور، ولكن ربما يمكنك أن تفعل كما اقترح الرائع الراحل خالد صالح في فيلمه الشهير "فبراير الأسود" قف وأربط وسطك وأرقص مهموما وحاول إخراج الوطن من داخلك.