سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك وبداية موسم الحج    مصرع أكثر من 29 شخصا وفقد 60 آخرين في فيضانات البرازيل (فيديو)    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلًا شمال رفح الفلسطينية إلى 6 شهداء    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    الخضري: البنك الأهلي لم يتعرض للظلم أمام الزمالك.. وإمام عاشور صنع الفارق مع الأهلي    جمال علام: "مفيش أي مشاكل بين حسام حسن وأي لاعب في المنتخب"    "منافسات أوروبية ودوري مصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    10 أيام في العناية.. وفاة عروس "حادث يوم الزفاف" بكفر الشيخ    كاتبة: تعامل المصريين مع الوباء خالف الواقع.. ورواية "أولاد الناس" تنبأت به    اليونسكو تمنح الصحفيين الفلسطينيين في غزة جائزة حرية الصحافة لعام 2024    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    أيمن سلامة ل«الشاهد»: القصف في يونيو 1967 دمر واجهات المستشفى القبطي    بركات ينتقد تصرفات لاعب الإسماعيلي والبنك الأهلي    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    مصطفى شوبير يتلقى عرضًا مغريًا من الدوري السعودي.. محمد عبدالمنصف يكشف التفاصيل    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    محمد هاني الناظر: «شُفت أبويا في المنام وقال لي أنا في مكان كويس»    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    رسميًّا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    ملف رياضة مصراوي.. هدف زيزو.. هزيمة الأهلي.. ومقاضاة مرتضى منصور    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    الغانم : البيان المصري الكويتي المشترك وضع أسسا للتعاون المستقبلي بين البلدين    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    خالد منتصر منتقدًا حسام موافي بسبب مشهد تقبيل الأيادي: الوسط الطبي في حالة صدمة    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوريث خمارويه الطولوني.. بين الترف والتلف..!!
نشر في شباب مصر يوم 31 - 05 - 2015


د . أحمد صبحي منصور
من الآثار السيئة للخليفة المتوكل العباسي
( 232 : 247 هجرية ) أنه استقدم الأتراك ليحلوا في الجيش العباسي محل العرب و الفرس ، وكانت النتيجة أن تحكم القواد الأتراك في الخلافة العباسية ، يقتلون خلفاءها ، وكان المتوكل أول ضحاياهم. لم يقتصر الأمر على ذلك بل استطاع قواد من الأتراك حكم بعض الولايات ، وكان منهم أحمد بن طولون ( 254 : 270 ) الذي قام بتكوين الدولة الطولونية في مصر
والشام ودخل فى حروب مع الخلافة العباسية ، ثم ورثه ابنه خمارويه الذي واصل الحرب ضد الدولة العباسية ، وانتهى الأمر بالصلح وتزوج الخليفة العباسي المعتضد قطر الندى ابنة خمارويه ، وكان زفافها أسطوريا ، ولا تزال ملامحه في الفلكلور الشعبي المصري الذي يتغنى بقطر الندى
ونتوقف مع أبى الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون .. ونلخص حياته في كلمتي (الترف والتلف )
أولا :
1 حكم أبو الجيش خمارويه مصر والشام بعد أبيه أحمد بن طولون. وقد ولد خمارويه سنة 250 وعاش حياة مليئة بالترف والنعيم تتخللها بعض المعارك إلى أن مات قتيلا سنة 282، في ريعان شبابه ، بعد أن حكم اثنتي عشرة سنة بالتمام والكمال
2 حين تولى خمارويه بعد والده ابن طولون كانت لديه ثروة هائلة من الذهب والجواهر والفضة بالإضافة إلى أربعة وعشرين ألفا من المماليك وسبعة آلاف من الموالي الذين أعتقهم أبوه، هذا سوى آلاف الخيل ومئات المراكب الحربية مع جيش قوي تمكن به والده ابن طولون من بسط نفوذه ما بين ليبيا إلى الفرات .
3 وكان خمارويه مطالبا بالحفاظ على تلك الدولة التي ورثها عن أبيه ، ولم يكن الخليفة العباسي ليسمح له بذلك ، أي إن الملك الشاب خمارويه بن أحمد بن طولون ورث عن أبيه تركة هائلة ولكنها أيضا مثقلة بالمتاعب . وحاول بقدر الإمكان أن يجعل تلك التركة رائقة له ليتمتع بها خالصة من دون المتاعب ، وعندما نجح في مسعاه واشترى راحته بالمال والهدايا جاء أجله المحتوم من أعوان راحته ومتعته
ثانيا : ترف خمارويه
1 ورث خمارويه عن أبيه ثروة هائلة من عرق المصريين ، لم يتعب فى جمعها، فأتعب نفسه في تبديدها بسبب غرامه بالترف . حب خمارويه للترف أبرز ما يميز تاريخه وهو السبب في قتله مذبوحا على سريره الفاخر. ونعرض هنا أبرز مظاهر ترف خمارويه:
بستان خمارويه :
بدأ خمارويه حكمه بتوسيع قصر أبيه والزيادة فيه ، وحول الميدان الكبير المجاور للقصر إلى بستان رائع زرع فيه أنواع الرياحين والأزهار وأصناف الشجر ونقل إليه الأشجار النادرة من النخيل والورد والزعفران والشجر المطعم.
وتفنن في تزيين أشجار النخل فكساها نحاسا مذهبا جميل الصنعة وجعل بين النحاس وأجساد النخيل مواسير من الرصاص أجرى فيها الماء وأوصل تلك الأنابيب إلى البستان لتسقي أشجاره.
ثم أوكل للبستانية مهمة تشذيب الأشجار والريحان لتكون على شكل نقوش وكتابات ، وكان البستانية يتعهدونها بالمقراض حتى لا تزيد ورقة على ورقة وتظل بنفس الشكل المنسق والعبارات المنقوشة، واستورد للبستان نباتات ملونة من فارس وجنوة (ايطاليا ) وكان عنده خبراء في تطعيم شجر المشمش باللوز وغير ذلك.
وبني في داخل البستان برجا من خشب منقوش وأضاف له أصناف الزينة وجعله مبلطا من الداخل ، وأدخل فيه جداول من الماء متصلة بالسواقي التي تروي البستان . وجعل هذا البرج مسكنا لأنواع مختلفة من طيور الزينة ، لكل نوع منها قواديس مزينة تنام فيها وتتكاثر ، وجعل لها عيدانا على جوانب البرج لتنتقل عليها وتصدح بأجمل الألحان ، وأطلق في داخل البستان أنواعا أخرى من الطيور العجيبة كالطواويس ودجاج الحبش وغيرها.
قصر خمارويه :
وأقام له قصرا كان من أعجب مباني الدنيا ، كان فيه ما سماه برواق الذهب ، حيطانه كلها مطلية بالذهب واللازورد في أحسن نقش وأظرف تفصيل وازدانت تلك الحيطان بصورة خشبية بارزة لصور محظياته من المغنيات في أحسن تصوير وجعل على رؤوسهن أكاليل الذهب الخالص والجواهر، وتلونت أجسامهن في الحيطان بثياب وأصباغ عجيبة جعلتهن كأن الحياة تطل منهن.
وفي وسط قصره أنشأ فسقية عبارة عن بركة واسعة مساحتها خمسون ذراعا في خمسين ذراعا وملأها بالزئبق وجعل أركان البركة سككا من الفضة الخالصة، وجعل فيها مقاطع من حرير فيها حلق من فضة، وجعل له فرشا محشوا بالهواء المضغوط منتفخا محكم الشد والقفل ، ويلقي ذلك الفرش المنتفخ على مقاطع الحرير ويشد بحلق الفضة ، فوق سكك الفضة التي تعلو سطح الزئبق الرجراج ، وهكذا جعل له سريرا يرتج بارتجاج الزئبق لينام عليه كأنه يسبح في الهواء. وفي الليالي المقمرة كان نور القمر ينعكس علي سطح البركة الزئبقي فكان يرى لها منظر عجيب أخاذ ، فكانت تلك البركة من أعظم ما عرف .
وبني في قصره قبة عجيبة سماها الدكة ، كان لها ستر يقي الحر والبرد، على حسب درجة رفع الستر أو إنزاله ، وفرش أرضها بالفرش الفاخرة ، ولكل فصل من فصول السنة فرش مختلف ، وكان يجلس في تلك القبة فيشرف على كل القصر وملحقاته من البستان والبركة والصحراء والجبل والنيل .
وبني في قصره بيتا للسباع قسمه إلى حجرات في كل حجرة أسد وأنثاه ، ولكل حجرة طاقة صغيرة يدخل منها الطعام ولها باب يفتح من أعلا، وفيها حوض من رخام بميزاب من نحاس يصب فيه الماء . وفي وسط الحجرات قاعة فسيحة مفروشة بالرمل فيها حوض رخامي كبير يصب فيه الماء من ميزاب نحاسي كبير . فإذا أراد سائس الحجرة تنظيفها رفع باب الحجرة من أعلى وصاح بالسبع فيخرج مع أنثاه إلى القاعة المذكورة ، ثم يفضل الباب ويدخل إلي الحجرة فينظفها ويبدل الرمل بغيره ويضع الطعام في المكان المعد له ويغسل الحوض ويملأه بالماء ثم يخرج ويعيد الأسد إلى مكانه. وبالتدريب أصبح الأسد يتعلم الدخول والخروج والأكل المنتظم ، وبعدها عرفت أنثاه الخروج في أوقات معينة تلعب وتتهارش إلى أن يحين موعد عودتها إلى حجرتها.
وكان من جملة تلك السباع أسد أزرق العينين سماه خمارويه زريق ، وقد استأنس خمارويه ذلك الأسد فأصبح مطلق السراح يسير في القصر لا يؤذي أحدا ويصاحب سيده في جولاته ، فإذا وضعت لخمارويه مائدته أقعد ذلك الأسد بين يديه فيرمي له بالدجاج واللحم فيأكل معه ، أما اللبؤة الخاصة بزريق فلم تأنف الاستئناس ، فلزمت حجرتها إلى حيث يعود لها زريق بالليل بعد أن ينتهي من مهمته في حراسة خمارويه.كان ذلك الأسد يحرس خمارويه في نومه يربض بين يديه في السرير ولا يغفل عن حمايته فلا يقدر أحد أن يدنو من خمارويه طالما قبع زريق أمام سريره . وحين ذبحوا خمارويه في سريره ، كان ذلك في دمشق بعيدا عن مصر.. وعن زريق
قصر الحريم
وبني أيضا دارا ضخمة للحريم ، جعلها لإقامة حريم أبيه ونسائه وأولادهن الصغار ، وجعل لكل واحدة منهن جناحا خاصا بها ، وأجرى عليهن وظائف اللحم والطعام الفاخر ، وكان الفائض منهن ومن باقي بيوت القصر يبيعه الخدم والطباخون في سلة ، وكان يطلق على تلك السلة اسم " الزلة " وتضم " الزلة " بواقي الطعام من الطيور واللحوم والضأن وأنواع الحلوى والعصائر والخبز، وكان ثمن "الزلة" الكبيرة يبلغ درهمين ، وكان أهل مصر يتفكهون بشراء تلك " الزلات " ، وإذا طرق ضيف دار أحدهم ولم يكن مستعدا ذهب إلى أحد الخدم في دور الحريم فاشترى " زلة " فاكتفى بها هو وبيته وضيوفه .
اصطبلات خمارويه
واصطبلات خمارويه كانت أعجوبة .. جعل لكل صنف من الحيوانات اصطبلا منفردا . للبغال وأنواع الخيول ، وما كان منها للنقل وما كان منها للركوب، بالإضافة إلى اصطبلات الفهود والنمور والأفيال والزرافات والقرود، وأقام اصطبلات أخرى في القرى القريبة في الجيزة و أوسيم وصفط وطهرمس وناهيا وغيرها من القرى القريبة من العاصمة .. ولم تكن القاهرة قد أنشئت بعد ..
ومع كثرة ما أقامه لنفسه في قصره وفي مدينة القطائع من متنزهات وأعاجيب فإن خمارويه كان يخرج عن قصره ومدينته ليتنزه عند الأهرام وفي الصحراء ويقوم ومعه فصيلة من جيشه يصيد السباع بالإضافة إلى غرامه باستعراض جيشه في مواكب مزينة باهرة وحفلات سباق كانت أعيادا لكثرة ما كان يغلفها بالزينة والمباهج.
ثالثا: خمارويه المترف والحرب:
كان لقبه ( أبو الجيش ) أي حمل لقبا حربيا ، فهل كان مستحقا لهذا اللقب ؟
الواقع أنه كانت لتلك الحياة المترفة بصماتها على مجهود خمارويه الحربي وسياسته :-
1- فالدولة العباسية كانت تعمل على استرجاع ما أخذه منها والده أحمد بن طولون وكان على خمارويه أن يحافظ على دولة أبيه لذلك اضطر خمارويه – المترف – إلى دخول معارك كان أشهرها معركة الطواحين في فلسطين حيث كان يقود جيشا ضخما في صفر سنة 271 حارب به ابن الموفق العباسي ، وكان عدد جيش العباسيين أربعة آلاف فقط أما جيش خمارويه فقد بلغ سبعين ألفا ، وانهزم خمارويه وهرب بجيشه ، وترك أثقاله ونفائسه غنيمة باردة لابن الموفق ، وكاد أن يتم النصر لابن الموفق لولا أن كمينا لخمارويه يقوده سعد الأعسر استطاع هزيمة الموفق وطرده من معسكر خمارويه ، هذا بينما كان خمارويه قد واصل الهرب حتى وصل إلى الفسطاط ..!!
2- وواصل خمارويه حملاته الحربية في الشام ثم آثر السلامة والدعة ليتمتع بقصوره وحياته فطلب الصلح من الموفق العباسي وعمل على إرضائه بالأموال حتى اعترفت به الدولة العباسية واليا على مصر والشام ثلاثين عاما فانطلق خمارويه في حياة الترف ..
ومات الموفق والمعتمد العباسي وتولى المعتضد المعروف بقوة شكيمته فخشي خمارويه أن ينغص عليه حياته المترفة ، فأرسل إليه بالهدايا والأموال فجدد المعتضد لخمارويه عقده بالولاية ثلاثين عاما من الفرات إلى برقة في مقابل أن يؤدي مائتي ألف دينار عن كل عام مضى وثلاثمائة ألف عن كل عام سيأتي .
وأراد خمارويه أن يطمئن على مستقبله أكثر حتى يستريح بالا ويقبل على ملذاته بنفس لا تعرف الهموم فطلب أن يتزوج ابن المعتضد وولى عهده من ابنته قطر الندى ، ورفض المعتضد أن يتزوج ابنه المكتفي قطر الندي حتى لا يسيطر خمارويه وابنته على ولي عهده ومستقبل الخلافة العباسية ، وطلب أن يتزوج هو نفسه قطر الندى وجعل صداقها " مليون " درهم ، وأشار من طرف خفي لخمارويه أن يبالغ في تجهيزها لكي يستنزف موارد خمارويه المشهور بكرمه وإسرافه. وفعلا كان جهاز قطر الندى من نوادر التاريخ ، وأضيفت جواهره ونفائسه إلى خزانة الخلافة العباسية . ووصلت قطر الندى إلى الخليفة المعتضد في شهر محرم سنة 282. وطابت نفس خمارويه بتلك المصاهرة وأعلن لنفسه وهو في دمشق أنه آن له الأوان لكي يتفرغ للهو واللعب بدون حملات حربية .
ولكنه ما كان يستريح لهذا الوهم حتى قتله خدمه في نفس العام ، أي أنه أوتى من حيث أراد المتعة واللهو ،جاءه التلف من الترف ،وانقرضت بعده الدولة الطولونية سنة 292 . وسبحان من يرث الأرض ومن عليها ..
رابعا : الشذوذ الجنسي هو السبب فى مقتله :
كان خمارويه كثير اللواط بالخدم ، فدخل الحمام وأراد الفاحشة بشاب من الخدم فامتنع الخادم ، فأمر خمارويه بإدخال عمود حديد في دبر الخادم ، وظلوا يعذبونه به حتى مزقوا أحشاءه ومات أمام أعين رفاقه من الخدم. قصد خمارويه بذلك أن يجعله عبرة لهم حتى لا يعارضونه في إتيان الفاحشة بهم . ولكن صمم الخدم على قتل سيدهم خمارويه ، وأعوزتهم الفتوى التي تبرر لهم قتله ، فاستفتوا العلماء في
( حد اللوطي ) فقيل لهم ( القتل ) . لم يستطيعوا الاختلاء به في قصره بمصر حيث يحرسه الأسد زريق ، فصبروا إلى أن سافروا معه إلى دمشق ، فاختلوا به في قصره في دير مرّان خارج دمشق وذبحوه في شهر ذي الحجة عام 282 ، وكان في الثانية والثلاثين من عمره.
نهاية القتلة:
هرب الخدم ، فظفر بهم الأمير طغج بن جف فأمر بتشهيرهم وضرب أعناقهم .
يقول المسعودي عن نهايتهم : ( وأتى بهم على أميال فقتلوا وصلبوا ، ومنهم من رمى بالنشاب ، ومنهم من شرّح لحمه من أفخاذه وعجيزته وأكله السودان من مماليك أبى الجيش خمارويه )
ونهاية القتيل :
كان أبو بشر الدولابى قارئا للطولونيين في بيوتهم ومقابرهم ، وبحكم هذه الوظيفة حضر دفن خمارويه ، ويقول المسعودي عن دفن خمارويه نقلا عن ذلك الشيخ الدولابى : ( قدم أبو الجيش ليدلى في القبر ، ونحن نقرأ جماعة من القرّاء سبعة سورة الدخان ، فأحدر من السرير ، ودلى في القبر ، وانتهينا من السورة في هذا الوقت إلى قوله عزّ وجل : خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ، ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم . ذق إنك أنت العزيز الكريم ) قال : فخفضنا أصواتنا وأدغمنا حياء ممن حضر )...!!
وفى النهاية
1 الشريعة السنية تبيح للحاكم أن يستبد كيف شاء ، وأن يقترف الجرائم متى أراد، ولا يجرؤ أحد على انتقاده ، فما بالك بإقامة ( الحدود ) أو العقوبات السنية التي لا يمكن تطبيقها إلا على الضعفاء ؟؟!.
وبسبب تقديس الحاكم المستبد في الشريعة السنية واعتباره ( لا يسأل عما يفعل ) فقد تلون تطبيق الشريعة السنية بنزوات كل خليفة وحاكم مستبد ،أو على حد قول الفقهاء السنيين ( حاكم متغلب ) مثل آل طولون .
ولم يكن خمارويه وحده هو المصاب بالشذوذ الجنسي فقد سبقه في ذلك مشاهير الخلفاء العباسيين بدءا بالخليفة محمد الأمين ابن الخليفة هارون الرشيد ، ثم أصبح الشذوذ عادة لا تستوجب دهشة أو إنكارا ..وصار بعض الخلفاء يتغزل في عشاقه من المماليك الخدم .
ولكن خمارويه تميز ليس فقط بالشذوذ بل باغتصاب الرجال من الخدم ، أي إنه كان يزهد في النساء ، ولديه قطيع منهن ، وكان يزهد أيضا في الغلمان المخصصين للشذوذ .كان يهوى اغتصاب الرجال لمجرد أنهم خدم له .
ولم نجد أي انتقاد له من الفقهاء و القضاء ليس لمجرد أنهم انشغلوا عن ذلك بما هو أهم ، وهو الاختلاف حول حكم فقهي تافه من هنا أو هناك ، ولكن لأن الشريعة السنية تبيح لكل حاكم أن يفعل ما يشاء بالرعية من قتل ونهب واغتصاب ..
أما عن شريعة الترف لخمارويه فهي شيء عادى في ماضي وحاضر شعبنا المسكين فالفلاح المصري المسكين ظل ولا يزال يكدّ في إنتاج الخير للغير ، ويتم ترجمة عرقه إلى ذهب
وجواهر وتحف وأموال سائلة يكتنزها أو يبعثرها الحرامية الكبار، لا فارق في الإسراف بين خمارويه أو الخديوي إسماعيل ولا فارق في الاكتناز بين عمرو بن العاص وحسنى مبارك ..
2 مات خمارويه ، ولكن تجد ملامحه في التاريخ المعاصر لبعض الحكام العرب..
أنظر حولك فقط .. وتفكر..
تفكر في هذا الصنف المترف الذي يتحكم في الشعوب العربية والذي يمتلئ قصره بقطعان النساء من مختلف الأحجام والألوان ، ومع ذلك يلجأ بعضهم إلى اغتصاب خدمه ،أو أن يغتصبه خدمه ..هذه النوعية المريضة من البشر لا مكان لها سوى السجن والتشهير و الاحتقار لو كانت في بلد حر متحضر. ولكنهم في بلادنا يكونون حكاما أو ورثة للحكم.
والمصيبة الأعظم أنهم يجدون من يهتف لهم ويدعو لهم في المنابر والمساجد ..
آخر السطر
حاجة تقرف ..!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.