بعد وفاة أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية بايع الجند ابنه »خمارويه« في وقت كان الخلاف محتدما بين مصر ودار الخلافة في بغداد وكان علي »خمارويه« أن يدافع عن الدولة التي أقامها والده في مصر وأن يحتفظ بالشام بإحدي طريقتين إما بالحرب والتصدي لقوات الخلافة وإما بالسعي الي السلام وطلب الصلح، وقد شعر »خمارويه« أن من الأفضل له ولدولته مسالمة الخلافة بعد أن أدرك عدم قدرته علي مواجهتها فبدأ بطلب الصلح. واستجابت الخلافة لهذا الطلب، وتحسنت العلاقة بينهما لدرجة أن أرسل الخليفة كتابا الي »خمارويه« أعطي له حكم البلاد التي تحت يديه مدة ثلاثين سنة، وفي عهد الخليفة »المعتضد« تدعمت العلاقات بين الطولونيين ودار الخلافة حيث تمت مصاهرة بين البيتين، فقد تزوج الخليفة أسماء بنت خمارويه الشهيرة باسم »قطر الندي« والتي كانت تتمتع بالعقل والجمال والأدب، وجهزها أبوها جهازا بهر العالم إذ ذاك ببذخه وكان موضوع قصص وتأليف وأغان، وحملت العروس الي بغداد وكان زفافها وجهازها عبارة عن مظاهرة عظيمة الأثر لإعلاء كلمة الطولونيين، واطلاع الناس علي ما ينعمون به من ترف ورخاء، فقد أظهرت الأموال التي أنفقت تفوق مصر علي عاصمة الخلافة ببغداد تفوقا واضحا في الثراء، وفي الذوق الجميل خاصة أن جهاز العروس شمل العديد من التحف الثمينة التي أثارت العجب والدهشة. لقد أراد خمارويه بما أنفق من أموال أن يدعم بيته بهذه المصاهرة، ويرسي أساسه علي أركان وطيدة، وأن يرتفع اسمه بين المعاصرين صهرا للخليفة وأن تظهر مدينة »القطائع« عاصمة ملكه بين العواصم الإسلامية مزدهرة بعد أن أخذت صفتها الشرعية وضمن لبنيه حقا طبيعيا في الوراثة، وصاهر الخليفة، علي أن »خمارويه« لما لبث أن توفي، وبموته اضطربت أحوال الدولة الطولونية بسبب تدخل الجند، وتنافس الأمراء الطولونيون فيما بينهم واشتعلت الفتن والثورات، مما أدي الي قيام الدولة العباسية بإرسال جيش بقيادة »محمد بن سليمان الكاتب« لاسترجاع مصر، ولم تقو القوات الطولونية علي الصمود أمامه، وبذلك زالت الدولة الطولونية بعد أن حكمت مصر ثماني وثلاثين سنة، وعادت البلاد الي حكم الخلافة مباشرة حتي قامت الدولة الاخشيدية. وهكذا كان عهد »خمارويه« يمثل القمة التي وصلت اليها الدولة الطولونية في سعة الملك ووفرة الثروة والرخاء، ثم أدي مصرعه الي انتكاسة البيت الطولوني وتهاوي ملك ابن طولون وانتهاء تجربة الاستقلال وانتكاسة البلاد وعودتها الي حظيرة الخلافة، ومع كل ذلك فقد ظلت »قطر الندي« ابنة خمارويه وفية لزوجها الخليفة »المعتضد« كما كان »المعتضد« وفيا لها الي أبعد الحدود، حريصا علي إرضائها حتي وفاتها فحزن عليها حزنا شديدا، وتم دفنها في قصر الرصافة ببغداد.