مستشار/ أحمد عبده ماهر ولدت ببلدي مصر ووجدت بها مفهوما راسخا بأن لي الحق بأربع زوجات، وأن الأصل في الزواج هو التعدد، وقمت بواجب الخطابة في المساجد بهذا النهج الذي ورثته عن الأجداد من الفقهاء، ولم أجد من يعارض التعدد إلا من منظور اجتماعي. كما وجدت أن أهم ما يهتم به الرجال حين يعددون هو تحري تساوي عدد ليالي المبيت بين الزوجات والقدرة على الإنفاق، ويرون بهذا بأنهم قد قاموا بواجب العدل الذي نص عليه القرءان رغم قول الله تعالى [وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ ]، لكنهم اختزلوا ذلك أيضا في أن عدم الاستطاعة مرجعه ميل القلب لإحداهن وذلك أمر فيه عفو من الله، وذلك وفق ظنهم وفقههم المختزل. لكن بعد أن كبر سني ووهن عظمي وتدبرت الآيات بجدية ...وجدت الأمر على غير ما اعتقدت، ووجدتني أراجع نفسي، وأقوم بواجب التدبر الذي تركناه واستبدلناه بالنقل عن الفقهاء بلا عقل. فوجدت الله وقد نبه على التقوى مرتان في الآية الأولى من سورة النساء التي ورد بها التعدد، ونبه على الخوف مرتان بآية واحدة أيضا وهي آية الجمع بين الزوجات وهي الآية الثالثة. لكني وجدت ملمحا يسبق أمر التعدد، وهو ما يقوله الله تعالى بالآية الأولى من سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً{1} فهي التقوى التي ذكرها الله مرتان بآية واحدة تسبق الآية التي ستذكر التعدد. ثم كانت آية التعدد وهي الآية الثالثة من سورة النساء، ويتلاحظ أن بها كلمة [خفتم] مرتين وليست مرة واحدة كما يحب الفقهاء أن يقولوا لكنهم أكلوا كلمة [خفتم ] الأولى لغرض في نفس يعقوب.... ويتلاحظ أن الله ذكر اليتامى بأول الآية .... لكن فقهاء التفسير لم يعيروا الأمر التفاتا ولم يعلموا بأن حق اليتامى متعلق بذلك الزواج الثاني، كما لم يعلموا بأن الزواج الثاني محدد بأم الأيتام فقط وليس مفتوحا للرجل الزواج من أي امرأة أو فتاة....وهاكم قول الله في التعدد:. { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ{3}. إنها آية واحدة جمعت كل أحكام التعدد وشروطه...فلماذا فصل الفقهاء والمفسرون أمر الأيتام الوارد بأول الآية عن التعدد وهما بآية واحدة.....والأمر بآيات يجمعها التقوى والتعدد والأيتام. فالله يشترط لذلك التعدد خمسة شروط : 1- الأول أن تكون بيدك أيتام ترعاهم رعاية شرعية صحيحة ومتكاملة. 2- أن تكون الزوجة الثانية والثالثة والرابعة هي الأرملة أم هؤلاء الأطفال الأيتام الذين تكفلهم...فهو يتناول نكاح نساء ولا يتناول نكاح يتيمات ولا فتيات. 3- والثالث أن يتحقق الخوف من عدم الإقساط إلى اليتامى...أي عدم تمكنك من رعايتهم على الوجه الأكمل الذي تعنيه كلمة رعاية. 4- والرابع هو موافقة الزوجة الأولى. 5- والخامس أن حق الزوجة الأولى في الموافقة مُقدّم على حق الأيتام في الرعاية..... وذلك لأن الأيتام يمكن أن يجدوا أكثر من كفيل، أما الزوجة فلا كفيل لها إلا زوجها لذلك فحقها ألا يصيبها ضرر مُقدّم على حق الأيتام، فضلا عن أنه لا ضرر ولا ضرار لإنجاز أي ممارسة شرعية.... ومن الطبيعي أن يلغى السماح بالتعددية في حال عدم تحقق تلك الشروط. وليس الأمر كما قال الفقهاء بأنه يمكنك أن تتزوج أي فتاة بكر أو امرأة ثيب....بل لابد من توافر تلك الشروط الخمسة حتى يحق لك الزواج الثاني ....ومن أم الأيتام فقط....وبغير ذلك يكون تعديا واعتداءا وتطاولا على الشريعة وعلى حقوق الزوجة الأولى. والناظر بعين فاحصة يجد أن الزواج الثاني مُرتّب لمصلحة اليتيم وليس لمصلحة الرجل الذي يصبو لنكاح امرأة، ويكفيك أن السورة في آياتها الثلاث الأولى ومنها آية التعدد إنما تتناول أمر اليتيم ومصلحته وتقوى الله فيه. فأين العلاقة بين التقوى وكفالة الأيتام من رجل يتزوج من امرأة أو فتاة تصغر زوجته أو لأن زوجته لا تنجب فهو يتزوج كي ينجب، أو لأن زوجته مريضة فهو يتزوج امرأة غير مريضة......أرأيت لو كنت أنت المريض أكان من الإنسانية وقواعد الأخلاق أن تتزوج هي بغيرك بعد أن تطالبك بالطلاق؟.....إنه لا يفعل ذلك إلا عديمي المروءة ومن خالفوا أسس النخوة والأخلاق.....وهو ما يتصور الفقهاء أنه فقه إسلامي بينما الإسلام بريء منه..... وأين اليتيم من الإعراب في زواج الرجل من امرأتين وثلاث وأربع....لابد أن نكون على تمحيص أكبر للآيات لنصل لمراد الله في هذا التعدد، فسنجد أنها مصلحة اليتيم في كفاءة رعايته وليس للأمر أي علاقة بأن الله يراعي شهوة الرجل، أو يهبه ميزة....فالأمر أرقى من الشهوات والمميزات.. أما عن الزواج من ملك اليمين فقد كان بغرض منحهن الحرية، وبذات شروط موافقة الزوجة الأولى....مما يعني أيضا أنها علاج قرءاني لمشكلات المجتمع. ولأن ملك اليمين هن بنات ولدن لأب وأم من الرقيق فيصبحن ملك يمين... ولحرص الإسلام على اكتسابهن الحرية ولصون كرامة والد ووالدة ملك اليمين وهما من العبيد... فإن الإسلام حرّض المسلمين على نكاح ملك اليمين بعد إذن أهلهن حتى يندمج الجميع بحياة أسرية بها تجانس من صنع وأفضال دين الإسلام.... لهذا لم يكن التعدد لأجل صبوة الرجل إنما لأجل إصلاح مجتمع انتشر به الرقيق وظهرت أجيال لا ذنب لها إلا أنهن ولدن لأبوين من الرقيق.... فهو زواج لإصلاح مجتمعي وليس لغرض إطفاء شهوة وبعد إذن الزوجة الأولى التي تحظى بالأسبقية في الرأي في أمر التعدد فهذا من تقوى الله لأنه لا تقوى لله مع إضرار الغير.....وممارسة المباح لا يجب أن ينشأ عنه أذى وإلا صار حراما... هذا فضلا عن أن الله تعالى أمرنا [وعاشروهن بمعروف]......[فإمساك بمعروف].....[ أَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ]..... .( ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).....[وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ]...وغير ذلك.... فالمعروف بين الزوجين هو تنامي حالة المودة وليس قهر الزوجة بأن تتزوج عليها وتزعم بأن هذا حقك.....فهذا ليس حق الرجل لكنه حق اليتيم في إحسان رعايته .....وحق ملك اليمين في الحرية والذين قالوا أن الأصل في الزواج هو التعدد إنما قاموا بترديد أقوال الجهلاء من أهل العصور القديمة الذين لم يكن لهم حظ من علم ولا إدراك قويم... بل ولا حتى منهجية بحثية ولا أسس أخلاقية يرعون بها دينهم الإسلام فقاموا بالتشهير بالدين بكل حدب وصوب وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .....وحتى نبينا لم يسلم من مجونهم....فكان كل همهم في العدوان على الدول ووطء نساء الدول المفتوحة وسبيهن وأسر الأطفال والعبث بهم وبيعهم....وهذا مخالف لدلالات ونصوص آيات كتاب الله في شأن التعدد. مستشار/أحمد عبده ماهر محام بالنقض ومحكم دولي وكاتب إسلامي