صوتان يحسمان مقعد نقيب أطباء الأسنان بالقليوبية (تفاصيل)    المقاولون العرب تنتهي من طريق وكوبري ساكا لإنقاذ السكان بأوغندا    عز عامل مفاجأة.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 27-4-2024    حقيقة وقف خطة تخفيف الأحمال منتصف مايو.. مصدر بالكهرباء يكشف    رئيس شئون الأسرى: الاحتلال يواصل جريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين    بيان مهم بشأن حالة الطقس ودرجات الحرارة اليوم السبت 27 أبريل 2024    إصابة ربة منزل إثر اشتعال النيران في شقة ب«مسجد الأنوار» بالإسكندرية (تفاصيل)    شاهد الفيديو الذي تسبب في شائعة طلاق مها الصغير وأحمد السقا    «الأسد يشعر بضيق تنفس».. 4 أبراج تكره فصل الصيف (تعرف عليها)    أزهري ينتقد تصريحات ميار الببلاوي عن طلاقها 11 مرة والأخيرة ترد في «بث مباشر» (القصة كاملة)    بيان عاجل من هيئة العلماء السعودية بشأن شروط الحج (تفاصيل)    أستاذ اقتصاديات الصحة: مصر خالية من الحصبة وشلل الأطفال ببرامج تطعيمات مستمرة    مسئول أمريكي كبير يزور لبنان.. تفاصيل    موعد مباراة بلدية المحلة وزد في الدوري المصري والقناة الناقلة    موقف محمد صلاح، تشكيل ليفربول المتوقع أمام وست هام في الدوري الإنجليزي    أسعار الذهب صباح اليوم السبت 27 أبريل 2024    بمشاركة 3 آلاف فرع ومنفذ، استمرار فعاليات مبادرة "كلنا واحد" لتوفير السلع بأسعار مخفضة    الإنترنت المظلم| كارثة اسمها "دارك ويب" بعد جريمة شبرا الخيمة البشعة.. ماذا حدث؟    سياسيون عن ورقة الدكتور محمد غنيم.. قلاش: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد.. النقاش: تحتاج حياة سياسية حقيقية.. وحزب العدل: نتمنى من الحكومة الجديدة تنفيذها في أقرب وقت    جيش الاحتلال الإسرائيلي يشن 25 غارة جوية على غزة خلال اليوم الماضي    10 معلومات عن أهمية الزيارة التاريخية المرتقبة للرئيس السيسي إلى تركيا    مواصلة الاحتجاجات في جامعة كولومبيا للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة|شاهد    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    هتنام بسرعة| 4 آيات حل رباني لمن لا يستطيع النوم ليلاً.. داوم عليها    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    اليوم .. الحكم في اتهام مرتضى منصور بسب عمرو أديب    انخفاض أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل    تشكيل ليفربول المتوقع أمام وست هام.. صلاح ونونيز يقودان الهجوم    بورصة الذهب تنهي تعاملاتها الأسبوعية بخسائر تتجاوز 50 دولارًا | تقرير    إسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت ومركبات مدرعة ودبابات "ليوبارد" إلى كييف    وزير الري: الاستفادة من الخبرات العالمية فى استثمار الأخوار الطبيعية لنهر النيل    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    اليوم.. الجنايات تنظر محاكمة متهمي "خليه المرج"    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    دينا فؤاد: مسلسل "الإختيار" الأقرب إلى قلبي.. وتكريم الرئيس السيسي "أجمل لحظات حياتي"    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    وليد عبدالعزيز يكتب: السيارات وتراجع الأسعار    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    حضور جماهيري كامل العدد فى أولي أيام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير .. صور    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    أرقام مميزة للأهلي بعد تأهله لنهائي دوري أبطال أفريقيا    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رد ومحو فتوي داعش جماع النساء ملك يمين دون زواج علاء أبوحقه
نشر في شباب مصر يوم 18 - 03 - 2015


التفريغ النصي للحلقة 99 في سلسلة حلقات أهل البيت
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد النبي المصطفي الأمين ، اللهم صلى علي سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت علي آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحلقة التاسعة والتسعون
في سلسلة حلقات أهل البيت ، وفيها نوالي بإذن الله تعالي رد ومحو فتوى وأراء السلفيين من داعش و بوكو حرام وأنصار بيت المقدس وغيرهم من الفرق التي أجازت تكفير المسلمين وأسرهم و قتلهم وبيع النساء المسلمات وتعريتهن وتحسسهن وجماعهن دون زواج باعتبارهُن ملك يمين .
في الحلقة السابقة تناولنا الجزئية الأولي وهي تكفير المسلمين من خلال فهم الخوارج لمعني الطاغوت فهما منحرف غير صحيح أثبتنا انحرافه وعدم صحته وأعدنا الأمور إلى نصابها بإظهار الصحيح كما جاءت النصوص الشارحة والمفصلة لكتاب الله في معنى الطاغوت .
وفي هذه الحلقة نتناول بإذن الله تعالى الجزئية الثانية ، وهي إباحة الخوارج جماع النساء المسلمات باعتبارهن ملك يمين ، استنادا على ما جاء في كتب التراث ومازال يتردد بالرغم من انتهاء ملك اليمين ، فلا يوجد في هذا العصر ملك يمين كما سيتبين في الحلقة القادمة .
لكن في هذه الحلقة سنسير مع ما جاء في أمهات الكتب أقر ذلك وعمل به الخوارج ، ونصحح بإذن الله تعالى ما فيها ونرد ونمحو هذه الفتوى والآراء المستندة إلي كتب التراث و نظهر الصحيح .
وقبل الرد نتناول معلومات أولية توضح لنا بإيجاز هذه المسألة وتعرفنا ملك اليمين .
من هم ملك اليمين ؟
ملك اليمين في الإسلام هم الأسري المملوكين نتيجة الحروب بين المسلمين وبين غير المسلمين فقط ، قولا واحدا .
هؤلاء الأسري غير المسلمين يُعتبروا رقيق يقسم ذكورا و إناث مع بقية الغنائم ، فيصبحوا رقيق مملوكين ، و لا يجوز للمسلم أن يتملك منهم فرد إلا بعد أن يقضي ولي الأمر بذلك.
والرق قبل الإسلام كان له عدة مصادر منها الخطف ومنها المدين العاجز عن الوفاء بدينه فيتحول إلى عبد للدائن ، ومنها بيع الإنسان نفسه أو أولاده ، ومنها أسري الحروب . وأطلق علي هؤلاء الأسري مسمي العبيد أو الرقيق .
ولما جاء الإسلام الغي هذا المسمي وكل مصادر الرق وقصرها على مصدر واحد هو حروب غير المسلمين فقط ، وفتح الإسلام أبواب العتق ليخرج الإنسان من عبوديته إلى حريته كما خلق .
من أبواب العتق باب كفارة اليمين وباب كفارة القتل الخطأ و كفارة الظهار و كفارة الإفطار عمدا للجماع في صيام رمضان ، وباب ظلم وضرب العبد فذلك مدعاة لعتقه وحريته .
ومن الأبواب أيضا باب المكاتبة أي يكاتب السيد مملوكه على مبلغ فمتى أعطاه هذا المبلغ أصبح العبد حراً ، وكذلك باب عتق أم الولد أي إذا أنجبت المملوكة من سيدها ولد ، ومن الأبواب أيضا باب شراء العبيد وعتقهم لوجه الله كما فعُِِل مع بعض الصحابة من الرجال والنساء الذين كانوا عبيد .
والإسلام أجاز استخدام ملك اليمين رجالا ونساء وأطفال في خدمة أهل المنزل أو في أعمال أخري خاصة بالمالك ، شريطة حسن معاملتهم وعدم تحميلهم من الإعمال مالا يطيقوا . وغير الإسلام مسمي الرقيق العبيد إلى مسمي غلامي وجاريتي أو فتاي وفتاتي وحث على إطعامهم وكسوتهم من ذات طعام وكسوة أهل المنزل وأجاز زواجهم .
والزواج قبل الإسلام كان له عشرة أنواع تم قصرها على نوع واحد وهو الزواج المعروف الآن المعمول بأركانه وشروطه المتضمنة زواج ملك اليمين .
زواج ملك اليمين أجيز فيه للرجل المملوك الزواج من مملوكة مثله ، ولم يُجز للرجل المملوك نكاح المرأة الحرة ، أما المرأة المملوكة فأجيز لها الزواج من الحر الفقير أذا كانت غير متزوجة، أما إذا كانت المملوكة متزوجة وأسرت بزوجها فلا يجوز زواجها لا من حر ولا من مملوك فلا يجتمع رجلان في امرأة ، أما إذا أسرت بدون زوج فأسرها في الشرع يعتبر طلاقها ، فجاز لها الشرع كل من الرجل الحر أو المملوك بضوابط منظومة الزواج في كتاب الله .
و الإسلام أطلق للمسلمين من الرجال ومن النساء امتلاك أسري الحرب من الغنائم المقسمة أو من شراء ملك اليمين رجال أو عذارى أو متزوجات أو أطفال بلا عدد ، وقيد الإسلام الجماع بشروط ، فللسيد المالك أو السيدة المالكة أن يمتلكا عدد لانهائي من ملك اليمين إن استطاعا ذلك لكن ليس لهم ولا لملك اليمين الجماع إلا بشروط ستتضح بالأدلة بإذن الله تعالى .
فالإسلام لم يأتي بالسبي والعبودية ، الإسلام جاء والرق موجود ووضُع له ضوابط تنظمه ، واتجهت رسالة الإسلام بضوابطها إلى تحرير العبيد بمصارف عتق الرقاب في كتاب الله والنصوص الشريفة التي فصلت الآيات وسارت تجاه إنهاء الرق تدريجيا بما فيه النساء ملك اليمين ، تماما كما سارت رسالة الإسلام تجاه إنهاء الخمر تدريجيا حتى انتهي الرق كما انتهت الخمر.
وبالقطع الخوارج لم يقروا بثوابت الإسلام واعتبروا الأسيرات المسلمات ملك يمين وأجازوا وطئهُن دون زواج مستندين في ذلك على ما جاء في كتب التراث .
وسنتناول ما جاء في أمهات الكتب ونثبت خطأه ونصححه ونمحو الحرام الذي غلب في هذه المسألة ونظهر الحلال فيها ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله الشريف : ( ما اجتمع الحلال والحرام في شيء إلا غلب الحرام الحلال )
وقد غلب الحرام الحلال في مسألة ملك اليمين بأقوال وآراء أُدرجت في كتب التراث من فقه وتفسير وتاريخ وغيرها من التي ملئت بتأويلات بالية أباحت معاشرة عدد لانهائي من الأسيرات جنسيا دون رضا ودون شهود ودون إيجاب وقبول باعتبارهُن ملك يمين غنائم حرب يجامعن بشرط واحد وهو الاستبراء كما سنري في هذه المقاطع ( الاستبراء يعني حيضة واحدة )
ما سمعناه هو ترديد لتأويلات مُلئت بها الكتب من فقه وتفاسير وتاريخ وغيرها ، وهذه التأويلات نراها غير صحيحة و نختلف معها ، وإذا تنازعنا في أمر نرده لله وللرسول ، فكل يأخذ منه ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وبقول وفعل رسول الله نصحح الأمر ونعود به لأصلة كما كان وقت النبي وذلك بثمانية أدلة.
الدليل الأول : في رد الزعم بمعاشرة عدد لانهائي من الجواري دون شروط سوى الاستبراء هو وجود شروط في نكاح النساء ملك اليمين يتضمنها لفظ النساء في قوله تعالى ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ )
لفظ النساء لفظ عام شامل ، شامل النساء الحرائر وشامل النساء ملك اليمين ، وشامل غيرهُن من النساء غير المسلمات التي سمح الإسلام بالعقد عليهن كما بينت النصوص الشريفة المفصلة والشارحة لمنظومة الزواج في كتاب رب العالمين وهي منظومة واحدة تطبق على جميع النساء وعلى جميع الرجال.
نكاح النساء ملك اليمين في منظومة الزواج منه ما أطلق عليه لفظ التسري وهو نكاح الرجل الحر جاريته ملك يمينه .
ومنه ما أطلق عليه لفظ زواج وهو زواج الرجل الحر من الجارية المملوكة للغير ، وكلاهما له شروط وأركان اندرجت ضمن منظومة الزواج في كتاب الله .
نبدأ بإثبات هذه الشروط والأركان في زواج الجارية المملوكة للغير من الرجل الحر من خلال قوله تعالى :
( وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
خطاب رب العالمين سبحانه يبين لنا ما ينبغي فعلة حال زواج الجارية المملوكة للغير من الرجل الحر الفقير في قوله تعالى : ( وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا)
أي من كان منكم حرا و يده قصيرة ليس لديه مهر أو سعة أو قدرة مالية يستطيع بها العقد على الحرائر المحصنات المؤمنات ، فله أن يعقد على الجواري ملك اليمين المسلمات المملوكات للغير بعد استئذان مالكها القائم مقام أهلها ، فهي ملك يمين من أذن لها بعقد النكاح كما في الآية ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ )
ومع الإذن جاء شرط المهر أو الصداق في عقد الزواج
كما في قوله تعالى : ( وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) .
وبذلك تكون أول شروط الزواج من الجواري ملك اليمين هي الاستئذان ، والاستئذان يتضمن الرضا بقبول الإيجاب لعقد النكاح ، أي تحقق شرطي الإيجاب والقبول ، ثم المهر كشرط ، وبعد ذلك يأتي الوطء بعد اكتمال هذه الشروط وبذلك تكون له زوجه محصنة كما في قوله تعالى : ( مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ )
ويبرهن أيضا على وجود هذه الشروط نصوص وآثار كثيرة منها ما جاء في مصنف ابن أبي شيبة خاص بزواج الجواري ملك اليمين كما في باب الولي والشهود في المملوكين ، عن الثوري قال : ( سئل ابن عمر عن امرأة لها أمة ، أتزوجها ؟ قال : لا ، ولكن ليأمر وليها فليزوجها ).
الأثر بين أن الرجل الحر إذا أراد أن يتزوج جارية مملوكة للغير ، فليستأذن وليها مالكها الذي يأمر بذلك ، وذلك دال على أيجاب وقبول الطرفين حال الموافقة ، ثم يأتي بعد ذلك دور الشهود على عقد نكاح الجارية ملك اليمين كما جاء في ذات الباب باب الولي والشهود في المملوكين عن قتادة قال : ( لا نكاح إلا بأربعة : بولي ، وخاطب ، وشاهدين ، ذلك جاء في باب نكاح ملك اليمين ) .
فالدليل الأول أثبت وجود شروط في زواج الجواري ملك اليمين ، وأسقط القول الراسخ لا زواج بملك يمين ، وبهذا الدليل تم رد ومحو القول القائم مقام الصحيح بأن نكاح الجواري ملك اليمين دون شروط سوى الاستبراء.
الدليل الثاني : في رد الزعم بمعاشرة عدد لانهائي من الجواري جنسيا دون شروط سوى الاستبراء هو وجود خمسة شروط في زواج الجارية ملك اليمين المملوكة للغير من الرجل الحر .
فمن الآية السابقة نستنبط خمسة شروط لنكاح الرجل الحر من الفتيات المؤمنات ملك اليمين ، اثنان للرجل الحر وثلاثة للجارية المملوكة ، وشرط واحد مشترك بينهما وهو العقد في قوله تعالي : ( فَانْكِحُوهُنّ ) و النكاح عقد فيه ولي وإيجاب وقبول بين طرفيه وشاهدي عدل .
شرط الحر الأول هو الفقر في قوله تعالى : ( وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً ) وذلك حال الفقر لقول النبي في حال اليسر كما أخرج الترمزي : ( مَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا طَوْلٍ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلطَّرْفِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لا فَالصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ)
والشرط الثاني للحر هو الخوف من الزنا في قوله تعالى : ( لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) وفي مصنف ابن أبي شيبة في باب نكاح الحر الامة عن ابن جريج قال : ( سمعت عطاء يقول : إذا خشي أن يبغي بها ، فلا بأس أن ينكحها ).
أما شرطي الفتاه المملوكة المؤمنة فأولهما استئذان أهلها في قوله تعالى : ( بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) أي استئذان مالكها القائم مقام أهلها كما جاء في مصنف ابن أبي شيبة باب الولي والشهود في المملوكين عن الثوري قال : ( سئل ابن عمر عن امرأة لها أمة ، أتزوجها ؟ قال : لا ، ولكن ليأمر وليها فليزوجها ).
والشرط الثاني هو المهر في قوله تعالى : ( وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ).
هذه هي شروط زواج الجواري المملوكات للغير من الرجل الحر الفقير في منظومة الزواج في كتاب الله ، وهي شروط تتساوي مع شروط وأركان الزواج من المرأة الحرة من حيث وجود الزوج والزوجة و الولي والشهود والرضا والقبول الإيجاب ، وذلك بعد انتفاء موانع الزواج للمملوكة والحرة على السواء.
فإذا تركت هذه الشروط ولم تنتفي الموانع فيكون الأمر إما سفاح علنا كقوله تعالى : (مُسَافِحَاتٍ ) وإما أن يكون سفاح سرا كقوله تعالى : ( أخدان )
الدليل الثاني أثبت أيضا وجود شروط في زواج النساء ملك اليمين ، وأسقط القول الراسخ لا زواج بملك يمين ، وبه تم رد ومحو القول بأن نكاح الجواري ملك اليمين دون شروط سوى الاستبراء.
الدليل الأول والدليل الثاني تناولا شروط نكاح الجارية المملوكة للغير من الرجل الحر الفقير ، أما نكاح الرجل الحر القادر لجاريته ملك يمينه فقد استوفي شروط الزواج وتعداها ، ليكون نكاح ملك اليمين أقوي من زواج الرجل الحر من الجارية المملوكة للغير وأقوي من زواج الرجل الحر من المرأة الحرة ، كما سيتبين في الدليل الثالث القادم .
الدليل الثالث : وهو الضمنية ، وبها نثبت أن نكاح الرجل الحر من جاريته ملك يمينه استوفي شروط الزواج وتعداها .
فالزواج رباط إلهي مقدس قائم على النفع لا الضرر ، و نكاح الرجل الحر من المرأة الحرة قائم على النفع فإذا حدث ضرر جاز الطلاق وانتهت العلاقة ، أما نكاح الرجل الحر للجارية ملك اليمين قائم على النفع والمِلك معا ، فإذا حدث الضرر تبقي الملكية.
بمعني أن الزوجة الحرة إذا أنجبت وحدث الضرر جاز طلاقها وانتهت العلاقة بها ، أما المملوكة إذا أنجبت وحدث الضرر فلا تنتهي العلاقة بها لبقاء الملكية ، و لا يجوز بيعها لتظل ملك يمين تعتق بعد وفاة زوجها ، أو تعتق في حياة زوجها إذا أنجبت ولد كما جاءت النصوص .
فنكاح الجارية المملوكة تعدي نكاح الحرة بدرجة وهي درجة الملكية وبها يكون نكاح المملوكة تعدت قوته قوة زواج الحرة بشروطه وأركانه .
هذا من ناحية ومن ناحية ثانية نكاح الجواري ملك اليمين واقع تحت مظلة النكاح في النص الشريف الذي رواه عبد الرازق والبيهقي وفيه قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( تناكحوا تناسلوا تكثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة )
النكاح والتناسل واقع حال نكاح المرآة ملك اليمين وواقع حال نكاح المرأة الحرة ، وذلك يؤكد ثبوت دخول نكاح ملك اليمين في منظومة عقود الزواج في قوله تعالي :( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا ) .
العقد على الحرة في منظومة الزواج له متطلبات احتوتها الأركان والشروط ، عقد الحرة يتطلب وجود الزوج والزوجة و الإيجاب والقبول والولي والشهود ، وهي ذات متطلبات زواج الجارية المملوكة للغير من الرجل الحر الفقير ، ذلك مع انتفاء موانع عقد النكاح للحرة والمملوكة وهي كثيرة كالعته والسن والحج والجنون وغير ذلك .
أما زواج الرجل الحر من الجارية ملك يمينه في منظومة الزواج فتعدي بالملكية قوة زواج الحرة وقوة زواج المملوكة للغير ، وانتفي بهذه القوة مسمي الزواج لينتقل إلى المسمي الأعلى وهو نكاح ملك اليمين ، وطالما تعداه واعتلاه فقد أستوفي متطلبات الأدنى ضمنا ، أي استوفي شروط الزواج ضمنا ، فلو جاء تصريحا بالزواج لفقد ملك اليمين قوته ونزل إلى الدرجة الأدنى درجة الزواج وأستدعي عتق الجارية مع متطلبات الزواج من الولي والإيجاب والقبول والشهود.
الضمنية في ملك اليمين هي شكل غير مباشر لتحقيق زواج الحر من جاريته ملك يمينة دون تصريح ، فقوله تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا ) احتوي ضمنا إسلام المؤمنين دون تصريح ، فكل مؤمن هو مسلم ضمنا .
وكذلك الأمر في ملك اليمين ، فقد تضمن ملك اليمين شروط الزواج دون تصريح ، لأنها متحققة ضمنا كشروط متلازمة مرتبطة بعقد النكاح في منظومة الزواج .
لا بد أن تكون الجارية ملك سيدها ، لابد من الرضا سبيل المودة والرحمة في منظومة النكاح للتناسل والتكاثر ، فلابد من القبول والإيجاب وإلا تحول إلى إكراه واغتصاب النساء ، ولابد من الولي وهو مالكها القائم مقام أهلها المتولي المسكن و النفقة عليها من ذات المأكل والملبس كأحد أفراد الأسرة ، ولابد من شاهدين وهو متحقق ضمنا في عدم جواز وطئها لغير مالكها ، فإذا لم تتحقق هذه الشروط ضمنا وإذا لم تنتفي موانع النكاح ضمنا لا يجوز وطء ملك اليمين باستبرائها بحيضه.
فاستبراء المملوكة بحيضه والحرة ثلاث ، ذلك لم يشرع لنكاح المملوكة بهذا الشرط ، لا ، فالحكمة من ذلك هي تعظيم حق زوج الحرة حال وفاته ، وفي حال حياته لإطالة وقت الرجعة لتكون فترة أطول للتروي للم شمل الأسرة ، أما الجارية المملوكة فليس لزوجها السابق غير المسلم حق يعظم ولا رجعة ولا تروي ، لذلك يُكتفي ببراءتها من الحمل وهو حاصل بحيضه ، كشرط صريح تساوت فيه المملوكة مع الحرة ، كما تساوت في بقية الشروط والموانع ضمنا لتحقق فلسفة الزواج في التناسل وعمارة الكون ، والتي ترتقي بالإنسان في درجات الكمال البشري ليعبر بذلك عن دلالة النكاح ومراميه في كتاب الله.
فنكاح الجارية ملك اليمين أقوي من زواج الرجل الحر الفقير من الجارية المملوكة للغير بأركانه وشروطه ، وأقوي من زواج الحر من الحرة بأركانه و شروطه ، ليصبح بذلك نكاح ملك اليمين تضمن شروط عقد الزواج وتعداه بالملكية ليصبح أقوي عقد نكاح في منظومة عقود الزواج في كتاب الله .
فما جاء في أمهات الكتب أفهم الناس أن وطء الجواري ملك اليمين يكون بلا عدد وبلا رضا وبلا ولي وبلا شهود وبلا إيجاب وقبول فقد خالف منظومة النكاح في كتاب الله بشروطها وموانعها ، ما جاء أسقط كل ذلك بجعل الشرط هو الاستبراء فقط ، وذلك فتح على مدى قرون باب زنا بمسمي ملك اليمين أساء للإسلام والمسلمين بهذا الفهم الخاطئ .
الدليل الرابع : عدم جواز نكاح عدد لانهائي من الجواري ملك اليمين بدليل لفظ ( أو ) في قوله تعالى : ) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا ) النساء آية(3)
لفظ أو جاءت للتخير في نكاح النساء ، فأنت مخير أن تنكح من نساء الحرائر أربعة أو تنكح أربعة مما ملكت يمينك ، أو من كلاهما ولا تزيد عن أربعة من النساء فالأصل في النكاح لا يكون إلا بواحدة و حتى أربعة فقط ، سواء من النساء الحرائر أو سواء من النساء ملك اليمين أو من كلاهما ، ف ( أو ) جاءت للتخيير.
هذا من ناحية ومن ناحية ثانية لفظ ( أو ) أباح اختيار الزواج من الجواري ملك اليمين العذارى أو الزواج من الجواري ملك اليمين المتزوجات ، بشروط كتاب الله والنصوص المنظمة والضابطة لذلك.
فالإسلام جاء بأربعة من النساء سواء من النساء ملك اليمين أو من النساء الحرائر ، ويبرهن على ذلك كثير من النصوص نذكر خمسة منها :
النص الأول جاء عن ابن سيرين قال ، سألت عبيدة عن قول الله تعالى : " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " ، قال : أربع
والنص الثاني جاء عن سعيد بن جبير في قوله : " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " ، قال : الأربع ، فما بعدهنّ حرام .
والنص الثالث جاء عن السدي : " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ " ، قال : الخامسةُ حرام كَحُرمة الأمهات والأخوات.
والرابع جاء عن محمد بن سيرين قال : قلت لعبيدة : " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " ، وأشار ابن عون بأصابعه الأربع
و الخامس جاء أيضا عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن قوله : " كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " ، قال : أربع.
فالإسلام جاء بأربعة من النساء سواء من النساء ملك اليمين أو من النساء الحرائر أو من كلاهما وما زاد عن ذلك حرام كَحُرمة الأمهات والأخوات .
الدليل الخامس : بالرغم من التصريح بأربعة من النساء ، إلا أننا نري أن الأصل في الآية واحدة فقط ، لأن التعدد بمثني وثلاث ورباع مشروط بشرط العدل الذي وضعه رب العالمين في قوله تعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا )
بمعني : إن خفت عدم العدل بين النساء ، فواحدة من النساء الحرائر أو واحدة من النساء ملك اليمين ، لأن الكثرة تتناقض مع العدل ، والإعالة تتناقض مع الكثرة والعدل حال الفقر .
فالعدل هو شرط وضعة رب العالمين للمثني والثلاث والرباع ويعجز الإنسان عن تحقيقه بين النساء الأربع ، لقوله تعالى : ( وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ )
و العدل عدلان ، عدل مادي وعدل معنوي ، العدل المادي مثل النفقة من مأكل وملبس ، و مثل الجماع والوقت بين الأزواج والتنزه والسياحة والسكن والعلاج الطبي إلى آخر ذلك .
فمهما حرص الزوج على العدل بين نساءه الأربع فلن يستطيع تحقيقه كما قال رب العالمين .
أما العدل المعنوي هو ميل القلب لزوجة عن أخري وأيضا يعجز الإنسان عن تحقيق العدل فيه .
فشرط العدل هو شرط يَعجز الإنسان عن تحقيقه ، فكيف يقبل الإنسان شرط لن يفي به ، كيف ينكح الرجل أربعة من النساء ويضيف إليهُن نكاح عدد لانهائي من النساء ملك اليمين ، فذلك يخالف شرط العدل بين جميع نساءه في قوله تعالى : ( وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ )
الدليل السادس : هو لفظ النكاح في قوله تعالى : ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ )
لفظ النكاح في منظومة الزواج في القرآن الكريم يعني عقد الزواج الشرعي المبني عليه الجماع ، فالنكاح لا يعني المعاشرة الجنسية بلا عقد .
ألفاظ كتاب الله لها معاني ، لفظ النكاح ولفظ الزواج ولفظ الوطء كل منها يدل على معني لا يدل عليه الآخر.
لفظ النكاح يعنى عقد زواج ، أما لفظ الزواج فيعني اقتران زوجين ، لفظ الزواج دال على الاقتران لا على الجماع ، فكل شيئين اقترن أحدهما بالآخر فهما زوجان ، زوجان من الإنس أو من الجماد أو من النبات أو من الحيوان ، ولفظ الجماع يعني المعاشرة الجنسية ، أما لفظ الوطء فيعني اعتلاء الرجل المرأة حال الجماع ، ولا يتم الجماع أو الوطء إلا بعقد نكاح كما في قوله تعالى : ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ ).
فلفظ النكاح في كتاب الله يعني عقد الزواج الشرعي وما يترتب عليه من أحكام ، ويبرهن على ذلك قوله تعالى : ( إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ) صدق الله العظيم .
فكيف تجامع المرآة دون أن يمسها رجل إن كان النكاح كما قالوا يعني المعاشرة الجنسية ، فقوله تعالى يثبت أن لفظ النكاح يعني عقد مبني عليه الوطء أو المعاشرة الجنسية ، والمعاشرة لا تتأتي إلا من عقد زواج ذكر وأنثي على كتاب الله وسنة رسوله ، عقد بإذن ورضا وإيجاب وقبول وشهود للحرة والمملوكة على السواء ، وأي معاشرة خارج هذا الإطار فهي زنا صريح ، فإما نكاح حلال وإما سفاح حرام ، لا يوجد في النكاح وسط .
وقد فصل النبي منظومة الزواج في كتاب رب العالمين بنصوص كثيرة وضحت أن النكاح عقد له أركان وشروط ، منها نص جاء في رواية للبيهقي قال فيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( لانكاح إلا بولى وشاهدي عدل ) وبين صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضرورة الإعلان بقوله الشريف في رواية الإمام أحمد : ( أعلنوا النكاح ) ، وبينه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكثر في رواية للترمزي قال فيها : ( أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ ).
وملك اليمين اندرجوا ضمن منظومة الزواج في كتاب الله بشروطه وأركانه القائمة على زوج وزوجة وولي وشاهدي عدل .
فلفظ النكاح غير مختص بنساء دون نساء هو لفظ عام لفظ النساء في الآية يرد الزعم بمعاشرة النساء ملك اليمين دون عقد وبلا شروط سوى شرط الاستبراء .
الدليل السابع : وهو لفظ ( طاب ) في قوله تعالى : ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ ).
لفظ طاب يرد الزعم بمعاشرة عدد لانهائي من الجواري جنسيا دون رضا ودون شهود ودون إيجاب وقبول باعتبارهُن ملك يمين يجامعن بشرط واحد وهو الاستبراء.
لفظ طاب هو لفظ يخاطب النفس البشرية ويوجهها إلي كل طيب في النكاح دون إكراه كما أمر رب العالمين في قوله تعالى : ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ) صدق الله العظيم
وإن كانت الآية تنهي عن إكراه الجواري العمل في مجال البغاء كمصدر دخل لها ولمالكها ، إلا أنها تتضمن نفس معني إكراه النفس .
إكراه النفس يخالف طيب النفس ، وطيب النفس ناتج عن رضا بالإحصان ، فماذا لو رفضت الجارية معاشره مالكها ؟ هل يجبرها أم يغتصبها ؟ .
لذلك كان من أسباب طيب نفس الرجل هو رضا المرآة الحرة أو المملوكة إيجابه وقبولها برضا المعاشرة الزوجية ، فإن لم يكن الأمر كذلك زال بينهما السكن والمودة والرحمة وتصادم ذلك مع أسس منظومة الزواج القرآنية في قوله تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ًإِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (سورة الروم آية21)
المودة والرحمة في منظومة الزواج لم تخصص في نساء دون نساء ، فهي للنساء للحرائر وللنساء ملك اليمين على السواء ، والمودة والرحمة لا يأتيان من الجبر والقهر والاغتصاب ، المودة والرحمة جاءا من طيب النفس سبيل الرضا وقبول إيجاب الرجل ، سواء كانت المرأة حرة أو كانت مملوكة .
فما قيل بعدم وجود شروط سوي الاستبراء فقد فتح باب الجبر والاغتصاب و تصادم مع المودة والرحمة و خالف طيب النفس النابع منها القبول للإيجاب في منظومة الزواج في كتاب الله.
الدليل الثامن : وهو أهم الأدلة على الإطلاق ، ففيه رد ومحو الادعاء بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجامع النساء ملك يمينه دون شروط سوي الاستبراء أي بالتسري كما فهموا .
فالتسري بفهمهم هو اتخاذ الجواري ملك اليمين للجماع دون شروط سوى الاستبراء ، كما نري في هذا المقطع .
، هذا التأويل السيئ جاء عن فهم أسوأ نتج عنه إدعاء نراه ادعاء سافل حقير أساء لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكثر مما أساءت الصور المسيئة بمراحل .
فنكاح ملك اليمين كما بينا أحتوي ضمنا شروط الزواج وتعداها بالملكية ، ليصبح أقوي عقد نكاح في منظومة الزواج .
هذا من جانب ومن جانب آخر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تزوج من النساء الحرائر وتزوج من النساء ملك يمينه قولا واحدا .
فالنبي تزوج النساء الحرائر كأمهات المؤمنين السيدة أم سلمة والسيدة عائشة والسيدة حفصة ، وتزوج صلى الله عليه وعلى آله وسلم أيضا النساء الأربعة ملك يمينه وهم السيدة صفية ، والسيدة جويرية ، والسيدة ريحانة ، والسيدة مارية والتي فاقت بالملكية شروط الزواج .
زواج النبي من ملك يمينه فيه حالتين :
الأولى : عتق فيها النبي النساء ملك اليمين وتزوجهُن كالسيدة صفية والسيدة جويرية والسيدة ريحانة .
والحالة الثانية هي تسري النبي بملك يمينه السيدة مارية أم سيدنا إبراهيم ، وهذه الحالة فيها إفصاح عن تحقق الشروط الضمنية للزواج واعتلائه مثلما ذكرنا في الدليل الثالث و كما سيتبين .
فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تزوج الحرائر من النساء وتزوج من ملك اليمين ، وكلهن أزواجه رضي الله عنهن في قول رب العزة سبحانه وتعالي لحبيبه المصطفي : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عليك )
فالنبي تزوج الحرائر من النساء وتزوج من ملك اليمين ، وكلهن أزواجه رضي الله عنهن كما في الآية ، وهذه الآية العظيمة فصلتها وشرحتها نصوص شريفة أثبتت زواج النبي من نساءه ملك اليمين.
ونبدأ إثبات ذلك بزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ملك يمينه السيدة صفية بنت حيي رضي الله عنها :
السيدة صفية أسرت في غزوة خيبر وصارت لرسول الله من ملك اليمين وأعتقها النبي وتزوجها وجعل عتقها مهرها كما ذكر البخاري فقال: ( أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها بعد غزوة خيبر ) وبنص البخاري نرد أولا الزعم المنحرف الذي أساء للنبي غاية الإساءة بأنه كان يطأ النساء ملك يمينه دون زواج وبلا شروط سوي الاستبراء .
الزوجة الثانية : من ملك يمينه صلى الله عليه وعلى آله وسلم هي السيدة جويرية بنت الحارث رضي الله عنها كما روى ابن إسحاق بإسناد حسن ، في سيرة ابن هشام قال : ( السيدة جويرية بنت الحارث وقعت أسيرة في أيدي المسلمين في غزوة بني المصطلق ، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقها صداقها ) .
الزوجة الثالثة من ملك يمين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هي السيدة ريحانة رضي الله عنها ، فهي أسرت في غزوة بني قريظة واصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه فأعتقها وتزوجها .
وبشأن السيدة ريحانة جاءت روايات كاملة تقول أنها كانت زوجة للنبي ، وجاءت روايات ناقصة تقول أنها كانت ملك يمين يطأها صلى الله عليه وعلى آله وسلم بملك اليمين وهو على حد فهمهم وعلى قدر عقولهم أن النبي كان يجامعها دون زواج وبلا شروط سوي الاستبراء .
نعرض روايتين لكل منهما تنفي زعمهم المتدني وتثبت وتظهر حقيقة زواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من السيدة ريحانة رضي الله عنها.
الرواية الأولي الناقصة أو غير المكتملة : قالت أن السيدة ريحانه كانت ملك يمين يطأها النبي بملك اليمين وكانت بذلك سرية ، كما في طبقات ابن سعد عن الواقدي قال .( كَانَتْ أَمَتَهُ وَكَانَ يَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى تُوُفِّيَ عَنْهَا، فَهِيَ مَعْدُودَةٌ فِي السَّرَارِيِّ لَا فِي الزَّوْجَاتِ ) ما قاله الواقدي هو رأي وجزء من نص غير كامل خالف نصوص شريفة .
هذا من جانب ، ومن جانب آخر إن كان الأمر كذلك فليس كما فهم خفاف العقول فنكاح ملك اليمين أحتوي ضمنا شروط الزواج ليصبح أقوي من نكاح الحرائر بدرجة الملكية كما أثبتنا سابقا .
رواية الواقدي الناقصة المخالفة للنصوص الشريفة أكملتها وصححتها رواية ثانية جاء فيها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عرض علي السيدة ريحانة الزواج وتزوجها كما قالت السيدة ريحانة بنفسها في حديث جاء عن عمر بن الحكم ومنه هذا الجزء من كتاب البداية والنهاية لابن كثير قالت فيه رضي الله عنها وبنفسها: ( دخل علي رسول الله فتحييت منه حياء فدعاني فأجلسني بين يديه فقال: إن اخترت الله ورسوله اختارك رسول الله لنفسه. فقلت: إني أختار الله ورسوله، فلما أسلمت أعتقني رسول الله وتزوجني وأصدقني اثنتي عشرة أوقية ونشا كما كان يصدق نساءه، وأعرس بي في بيت أم المنذر، وكان يُقسم لي كما كان يُقسم لنسائه، وضرب علي الحجاب )
هذه الرواية الكاملة نفت أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يطأها بفهمهم العاجز لملك اليمين ، وأثبت الرواية وأظهرت حقيقة زواج النبي ص من السيدة ريحانة رضي الله عنها.
أما الرواية الثالثة القائلة أن السيدة ريحانة كانت ملك يمين جاءت في سيرة ابن هشام عن ابن اسحق قال : ( فَكَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ عَلَيْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ تَتْرُكُنِي فِي مِلْكِكَ، فَهُوَ أَخَفُّ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ، فَتَرَكَهَا ).
هذه الرواية أيضا هي رواية ناقصة غير مكتملة ، أكملتها وصححتها الرواية الرابعة والأخيرة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث مرفوع جاء في تاريخ الطبري ومنه هذا الجزء : ( كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عرض عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب ، فقالت : يا رسول الله ، بل تتركني في مِلكك ، فهو أخف علي وعليك ، فتركها وقد كانت حين سباها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قد تعصت بالإسلام وأبت إلا اليهودية ، فعزلها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ووجد في نفسه لذلك من أمرها . فبينا هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه ، فقال : إن هذا لثعلبة بن سعية يبشرني بإسلام ريحانة ، فجاءه فقال : يا رسول الله ، قد أسلمت ريحانة . فسره ذلك . الخ الحديث )
فالسيدة ريحانة رضي الله عنها أسلمت كما قال النبي ، وتزوجها صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قالت السيدة ريحانة بنفسها وكما جاء في روايات كثيرة تبرهن وتدل على ذلك ، نذكر منها روايتين لابن سعد .
الأولي عن ثعلبة بن أبي مالك قال: ( كانت ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة من بني النضير متزوجة رجلا منهم يقال له الحكم، فلما وقع السبي على بني قريظة سباها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأعتقها وتزوجها وماتت عنده )
والرواية الثانية التي تؤكد وتبرهن على زواج النبي من ملك يمينه السيدة ريحانة جاءت عن محمد بن كعب قال: ( كانت ريحانة مما أفاء الله عليه فكانت امرأة جميلة وسيمة، فلما قتل زوجها وقعت في السبي فكانت صفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة، فخيرها رسول الله بين الإسلام وبين دينها فاختارت الإسلام، فأعتقها رسول الله وتزوجها وضرب عليها الحجاب، فغارت عليه غيرة شديدة فطلقها تطليقة وهي في موضعها لم تبرح ، فشق عليها وأكثرت البكاء، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي على تلك الحال فراجعها، فكانت عنده حتى ماتت عنده قبل أن توفي صلى الله عليه وسلم )
كل النصوص السابقة نفت ومحت الزعم البالي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يطأ نساءه ملك اليمين بلا شروط سوي الاستبراء ، فأثبت النصوص وأظهرت حقيقة زواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ملك يمينه السيدة صفية والسيدة جويرية والسيدة ريحانة بعد العتق .
نموذج السيدة ريحانة أثبت الزواج من ملك اليمين ، فكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الولي القائم مقام أهل ملك يمينه السيدة ريحانة ، وكان الإيجاب في عرض النبي الزواج من ملك يمينه ، وكان القبول من ملك يمينه السيدة ريحانة بقولها إني أختار الله ورسوله ، وتحقق ركن الشهود بمن شهدوا بذلك على ملك يمينه كما في النصوص ، ثم تحقق بعد ذلك شرط الصداق بعتقها و بعشر أوقيات فضة ، وتحقق الإعلان أو العرس في بيت أم المنذر وشهد الجميع أنها زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما جاءت النصوص.
أما السيدة الرابعة في ملك يمين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هي بنت الملوك السيدة مارية رضي الله عنها .
السيدة مارية هدية وليست سبيه ، أهداها المقوقص عظيم مصر للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في البداية والنهاية عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : ( أهدى ملك بطارقة الروم يقال له المقوقس جارية من بنات الملوك يقال لها مارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم )
فالسيدة مارية ليست من سبايا الحروب إنما هي من بنات الملوك أهديت للنبي فتسري بها أو استسر بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في نص مستدرك الحاكم كتاب معرفة الصحابة ففيه : ( واستسر رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية القبطية فولدت له إبراهيم ) 0
وفي نص آخر للحاكم ذكر فيه زواج النبي من السيدة مارية كما في كتاب معرفة الصحابة وفيه : ( ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية بنت شمعون وهي التي أهداها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المقوقس صاحب الإسكندرية وأهدى معها أختها سيرين ... الحديث )
النص الأول ذكر لفظ التسري ، فأفاد تحقق نكاح ملك اليمين السيدة مارية وذلك دون عتق ، والنص الثاني ذكر لفظ الزواج فأفاد تحقق شروط الزواج ضمنا من السيدة مارية دون عتق ، وفي ذلك إعلام عن استيفاء شروط عقد الزواج ضمنا واعتلائه بالملكية في التسري ، ليكون التسري وهو نكاح ملك اليمين دون عتق أقوي عقود الزواج في كتاب الله وهو الذي بدأ به أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام وسار على هديه خير خلق الله ص .
وسبحان الله العظيم تسري النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالسيدة مارية تطابق تماما مع تسري أبيه سيدنا إبراهيم بالسيدة هاجر ، السيدة هاجر زوجة سيدنا إبراهيم من بورسعيد بمصر ، والسيدة ماريه زوجة النبي من المنيا بمصر ، وملك مصر وقت سيدنا إبراهيم أهدي إلي السيدة سارة بنت من بنات الملوك وهي السيدة هاجر كما في رواية البخاري عن أبي هريرة‏ رضي الله عنه وفي أخرها قال ملك مصر ( ارْجِعُوهَا إِلَى ِبْرَاهِيمَ وَأَعْطُوهَا هاجَرَ فَرَجَعَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ - عليه السلام( .
السيدة سارة رجعت إلى زوجها سيدنا إبراهيم و أهدته السيدة هاجر فتسري بها عليه السلام ، ومَلِك مصر وقت النبي أهدي من بنت من بنات الملوك إلى النبي وهي السيدة مارية القبطية فتسري بها صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
السيدة هاجر أنجبت من التسري سيدنا إسماعيل نبيا ، والسيدة ماريه أنجبت من التسري سيدنا إبراهيم لو عاش لكان صديقا نبيا كما قال النبي في صحيح البخاري ( لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا )
فمن نكاح ملك اليمين جاء سيدنا إسماعيل وجاء سيدنا إبراهيم ، ليزيد ذلك من إثبات أن نكاح الجارية ملك اليمين أقوي من زواج الحر الفقير من المملوكة للغير بأركانه وشروطه ، وأقوي من زواج الحر من الحرة بأركانه و شروطه ، ليبرهن على أن نكاح ملك اليمين تعدي لفظ الزواج واعتلاه بالملكية ليصبح أقوي عقد نكاح في منظومة عقود الزواج في كتاب الله .
فإذا قلنا تسري النبي كما تسري سيدنا إبراهيم أصبح معني قولنا أن النبي وسيدنا إبراهيم فاقا شروط الزواج ، ولا يصح أن يقال بعد ذلك أن النبي وسيدنا إبراهيم كان يجامعا الجواري بلا شروط سوي الاستبراء ، فهو قول سيء متدني لا يليق ولا يتلاءم مع قيمة ومكانة وعظمة الأنبياء .
وقد سئل ناصر الدين الألباني رحمة الله عليه سؤال من شقين الأول عن سبب زواج النبي ص من السيدة ماريَّة القبطيَّة ، مع توفُّر زوجات عنده في ذلك الوقت؟
والشق الثاني هل هناك سبب شرعي أو تفسير لعدم إعتاق الرسول صلى الله عليه وسلم لها وتزوِّجها ؟
في الشطر الأول والثاني من السؤال قال الألباني لا أدري .
ونجيب بإذن الله تعالى على ذلك السؤال ، فالإجابة كائنة مكنونة في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عليك )
الآية فيها ثلاث نماذج من زواج النبي شرحتها وبينتها النصوص التي ذكرناها سابقا.
النموذج الأول : أزواجه اللاتي مهرهن ص مما كسبت يده الشريفة كالسيدة أم سلمة والسيدة عائشة والسيدة حفصة رضي الله عنهن ، وبه أصبحن من أمهات المؤمنين أزواج النبي الحرائر .
والنموذج الثاني : زواج النبي مما ملكت يمينه من سبايا الحرب كالسيدة صفية و السيدة جويرية والسيدة ريحانة، فجعل مهرهُن عتقهُن ،وهن من أزواج النبي من ملك يمينه .
النموذج الثالث : هو تسري النبي بالهدية دون أسر السيدة مارية رضي الله عنها ، فقد قُبل النبي الهدية لتظل ملك يمين مهداه حتى يهديها العتق خير العاتقين بأمه ابنها سيدنا إبراهيم عليه السلام لتبقي بهديته معروفة بأم الولد الذي أعتقها ، كما في كنز العمال قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( أعتق أم إبراهيم ولدها ) .
و بهذا النص الشريف نقف على معني أم الولد من خلال المثل النبوي ، ونعرف لماذا تزوجها النبي بالرغم من توفر الزوجات ، ذلك لأنها هدية أرسلها عظيم مصر ردا على دعوة النبي له للإسلام ، ورضي النبي بالرد بقبوله الهدية السيدة مارية ، ورد ص الهدية بأعظم منها للمصريين فردا فردا ، فنال جميع أهل مصر الشرف العظيم باعتبارهم أخوال ابنه إبراهيم و باعتبارهم أهل الذمة والرحم و باستثنائهم بمسمي قبط دون نصارى العالم ليكونوا عدة وأعوانا في سبيل الله دون نصارى العالم و ورد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الهدية بأمره بالإحسان إلى أخوال إبراهيم جميع أهل مصر فردا فردا حال فتح مصر بقوله الشريف في صحيح مسلم : ( انكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمي فيها القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما... الحديث ) .
ولو قدر لإبراهيم عليه السلام أن يعيش لأعتق النبي أخواله من قبط مصر، وما استرق قبطي ، ووضعت الجزية عن كل قبطي ، كما في النصوص التي قال فيها النبي ذلك ، ذلك كله من أجل الهدية السيدة ماريه إكراما لأبنها سيدنا إبراهيم .
وهذه هي إجابة السؤال الذي قال فيه الألباني لا أدري.
هذه النماذج الثلاث في أزواج النبي هي أمثلة للعامة وأمثلة للفقهاء والمفسرين ، ليفرقوا بها بين نكاح الحرائر ، وبين نكاح ملك اليمين بعد عتقهن ، وبين نكاح ملك اليمين دون عتق ، فالحرة والعتيقة وأم الولد كلهن أزواجه في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عليك )
فما قاله جانب من السلف الأول أجازوا فيه معاشرة عدد لانهائي من النساء ملك اليمين دون الإيجاب ودون القبول ودون صداق ودون ولي ودون شهود ودون موانع الزواج ، دون أي شروط سوى الاستبراء ، جعل رجال التفسير والفقه والتاريخ ينقلوا ذلك ويجيزوه في مؤلفاتهم ضمن مختلف الأقوال ، ليردد خلفهم من السلفيين ما سمعناه نقلا عنهم ، فأثبتنا بالنصوص الشريفة الشارحة والمفصلة لكتاب الله خطأ تأويلاتهم ورددناها ومحوناها وأظهرنا الصحيح بفضل الله تعالى .
وهذا ما نرى فيه الحق والله أعلى وأعلم .
وفي الحلقة القادمة المائة ننهي بإذن الله تعالي رد ومحو الجزئية الثالثة والأخيرة من فتوى داعش جواز أسر وبيع النساء المسلمات وتعريتهُن وتحسسهُن باعتبارهُن ملك يمين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.