أقل من شهر.. جدول امتحانات الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظتي القاهرة والجيزة    حملة مقاطعة الأسماك: وصلنا ل25 محافظة.. والتاجر تعود على المكسب الكبير مش عايز ينزل عنه    رئيس برنامج دمج أبناء سيناء يكشف جهود الدولة لتحقيق التنمية المستدامة    الأسهم الأوروبية تنخفض عند الإغلاق مع استيعاب المستثمرين للأرباح الجديدة    حماس تكشف عن عرض قدمته لإسرائيل لوقف إطلاق النار: مجندة أمام 50 أسيرا وأسيرة    علي فرج يواصل رحلة الدفاع عن لقبه ويتأهل لنهائي بطولة الجونة للإسكواش    صدمة قاتلة لبرشلونة بشأن الصفقة الذهبية    موقف ثلاثي بايرن ميونخ من مواجهة ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    الأرصاد: تسجيل مزيد من الانخفاض في درجات الحرارة غدا الجمعة    تامر عاشور وأحمد سعد يجتمعان بحفل غنائي بالإمارات في يونيو المقبل    التغيرات المناخية ودور الذكاء الاصطناعي.. لقاء ثقافي في ملتقى أهل مصر بمطروح    هالة صدقي: «صلاح السعدني أنقى قلب تعاملت معه في الوسط الفني»    تخصيص غرف بالمستشفيات ل«الإجهاد الحراري» في سوهاج تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة    عضو بالشيوخ: ذكرى تحرير سيناء تمثل ملحمة الفداء والإصرار لاستعادة الأرض    بفستان أبيض في أسود.. منى زكي بإطلالة جذابة في أحدث ظهور لها    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    لماذا حذرت المديريات التعليمية والمدارس من حيازة المحمول أثناء الامتحانات؟    فيديو.. مسئول بالزراعة: نعمل حاليا على نطاق بحثي لزراعة البن    الجيش الأردني ينفذ 6 إنزالات لمساعدات على شمال غزة    الكرملين حول الإمداد السري للصواريخ الأمريكية لكييف: تأكيد على تورط واشنطن في الصراع    أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية بالاستفزازية    وزارة التموين تمنح علاوة 300 جنيها لمزارعى البنجر عن شهرى مارس وأبريل    المغرب يستنكر بشدة ويشجب اقتحام متطرفين باحات المسجد الأقصى    الأهلى يخسر أمام بترو الأنجولي فى نصف نهائى الكؤوس الأفريقية لسيدات اليد    عامل يتهم 3 أطفال باستدراج نجله والاعتداء عليه جنسيا في الدقهلية    تشكيل الزمالك المتوقع أمام دريمز الغاني بعد عودة زيزو وفتوح    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    في اليوم العالمي للملاريا.. أعراض تؤكد إصابتك بالمرض (تحرك فورًا)    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    تشيلي تستضيف الألعاب العالمية الصيفية 2027 السابعة عشر للأولمبياد الخاص بمشاركة 170 دولة من بينهم مصر    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    ضبط عامل بتهمة إطلاق أعيرة نارية لترويع المواطنين في الخصوص    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    الرئيس السيسي: نرفض تهجير الفلسطينيين حفاظا على القضية وحماية لأمن مصر    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    محافظ قنا: 88 مليون جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر خلال العام الحالي    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفصل الأول
نشر في اليوم السابع يوم 22 - 06 - 2008


القرآن يحرر المرأة
أراد الله للإسلام أن ينزل أول ما نزل على الأمة العربية لحكمة يعلمها ، لعلها أن العرب لم يكن لهم حضارة قديمة باذخة كالحضارة المصرية ، أو الأشورية أو الهندية أو الصينية ، تؤثر على مفاهيمهم وتتحكم رواسبها في قيمهم ، وأن شعبًا كاليونان ومن ورائه أوروبا بأسرها كان قد استبعد الدين السماوي وأخذ بالفلسفة والفنون .. الخ ، فكان العرب أحرارًا بالطبيعة لديهم فطرة قوية أبية .
موقف المجتمع الجاهلي من المرأة :
ولكن المجتمع العربي قبل الإسلام لم يخل من سوءات قادحة استحقت أن يطلق عليه القرآن لقب (الجاهلية) فلم يكن لسادة هذا المجتمع من عمل سوى شرب الخمر ، ولعب الميسر واستغلال عمل الفقراء أو الرقيق الذين يقومون بالرعي والخدمة ، فإذا شحت السماء وقحطت الأرض ، لم يعد من مورد سوى الغارة على غيرهم من القبائل ، وعندئذ يتزعم هؤلاء السادة القيادة ، وتتجلى في حروبهم ما لديهم من شجاعة ، ولم يكن ليمنعهم من الغارة أي زمام أو حفاظ ، فهم كما قال شاعرهم :
وأحيانًا نكر على أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا !
إن تأصل الغارة والغارة المضادة في التاريخ الجاهلي كان له آثار عميقة على الشخصية العربية وتركيز معاني الفردية على حساب قيم العدالة والموضوعية .
وكان من أبرز نقائص هذا المجتمع نظرته المتدنية إلى المرأة . فالمرأة لم تكن عنصرًا منتجًا أو محاربا فلا تتقلد رمحًا ، ولا تشهر سيفًا ، ولا تأتي بغنيمة فلم يكن لها محل في هذا المجتمع المقاتل ، والأهمية الوحيدة التي اختصت بها ، وهى إشباع غريزة هؤلاء المحاربين كان يمكن أن تشبع بالبغاء الذي كانت دوره تعلن عن صفتها بالرايات التي تغرسها والتي لم تكن محل ازدراء رغم كل ادعاءات الشرف والعرض .. الخ ، فلم يكن المجتمع الجاهلي ليرحب بالمرأة ، بل إنه رأى فيها عبئًا ، وظهرت فكرة التخلص منها بالوأد الشنيع فإذا قدر لها البقاء كانت عرضة لمختلف صور الاستغلال ، وغني عن القول أنها لم تكن لترث شيئًا ما دامت لا تحارب فتدافع عن القبيلة أو تغير معهم فتأتي بالغنيمة ، بل إنها هي نفسها كانت يمكن أن تورث ، وكان يمكن للابن أن يرث امرأة أبيه ، وأن يتزوجها أو يزوجها من يشاء .
وفي مجتمع الغارات المتبادلة كان احتمال سبي الابنة أو الزوجة يؤرق خيال العرب لأنه يدمغهم بالمهانة وجعلهم ذلك يرون القبر سترًا وملاذًا للمرأة ويتمنونه لبناتهم فقال شاعرهم :
إني وإن سيق إلىَّ المهر
ألف وعبدان وذود عشر
أحب أصهاري إلى القبر !
وقال الآخر :
لكل أبي بنت يُرجى بقاؤها ثلاثة أصهار إذا ذكر الصهر
فبيت يغطيها ، وبعل يصونها وقبر يواريها ، وخيرهم القبر !
وليس في قواميس البلاغة ما هو أكثر دلالة من تقريع القرآن لهم "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ" (النحل 59) .
"وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ" (التكوير8 و 9) .
وبينت السيدة عائشة في أثر مشهور لها أنواع الزواج في الجاهلية فقالت : (إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء : فنكاح منها نكاح الناس اليوم ، يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها ، ونكاح آخر : كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها : أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه ، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب ، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع ، ونكاح آخر : يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها ، فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم ، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها ، تقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان ، تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها ، لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل ، والنكاح الرابع : يجتمع من الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها وهن البغايا ، كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون عَلمَا لمن أرادهن دخل عليهن ، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القَافَة ، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتَاطَتْه به ودُعي ابنه ، لا يمتنع من ذلك ، فلما بعث محمد  بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم (رواه البخاري) .
ومن الواضح أن ثلاثة أنماط من الأنماط الأربعة للنكاح هي مما لا يحمد ولا يحقق الغاية من الزواج التي عبر عنها القرآن بأحسن تعبير (السكينة) أو كان الهدف من الزواج إيجاد أسرة تكون خلية المجتمع ومحضنًا لبث القيم والخلق والعادات الحميدة في الجيل ، ولهذا هدم الإسلام هذه الأنماط الثلاثة كما قالت عائشة .
ولكن الحقيقة أن تغير نظرة المجتمع الجاهلي كان يتطلب ما هو أعظم من ذلك ، وكان في الحقيقة أحد التحديات الكبرى أمام الإسلام ، ولم يستطيع الإسلام التغلب عليها إلا عبر تلك النقلة النوعية الكبرى من المجتمع التقليدي القبلي في الجاهلية إلى آفاق الإيمان ، وفي صدارتها الإيمان بالله وما يستتبعه هذا من تغير في النظرة الكلية ، وما تبثه الأسماء الحسنى من قيم الحب ، والسلام والحرية والخير والعدل والعلم .. الخ ، فما كان يمكن تحقيق مساواة بين النساء والرجال إلا عندما اندرجت هذه المساواة في محيط المساواة الأعظم الذي جاء به الإسلام ما بين الفقير والغني ، الحاكم والمحكوم ، الأسود والأبيض .. الخ ، ولا كان ممكنا تحريم استغلال ضعف المرأة إلا بإرساء أسس العدل الإسلامي والتنديد بكل ظلم أو بغي .
منهج القرآن لتحرير المرأة :
وفي موضوع تحرير المرأة على وجه التعيين كان منهج القرآن لتحرير المرأة يقوم على إدراج قضية المرأة في النقلة النوعية الكبرى للمفاهيم وعلى رأسها كما أشرنا الإيمان بالله تعالي باعتباره مصدر القيم والمثل وأصل الأسماء الحسنى ثم لا يكتفي بهذا ، بل ينص صراحة ، وعلى وجه التعيين على مكانة المرأة ووضعها في آيات وهكذا جاءت الآيات :
•"وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ" (البقرة 288) .
•"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (التوبة 71) .
•"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"(الحجرات 13).
•"فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ" (آل عمران 195) .
فضلاً عن آية (اللعان) التي أوجدت حلاً (حضاريًا) كما يقولون لمشكلة الخيانة الزوجية .
فضلاً عن الآيات العديدة عن الزواج والطلاق وسنشير إليها فيما بعد .
ففي هذه الآيات وضع القرآن الأسس التي يمكن لأشد دعاة تحرير المرأة حماسًا الارتكاز عليها في دعوته ، وأي شيء أوضح ، وأصرح من "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ" ، فإنه لم يستثن من المساواة إلا درجة فسرتها آيات تالية بأنها القوامة المنزلية بحكم الإنفاق والحماية ، وأخضعتها كما تخضع كل الأعمال التي تمس الآخرين للشورى .
وهذه النقطة هي ما تبرز عاملاً آخر من عوامل تحرير المرأة في القرآن هو أن كل القيم القرآنية : من عدل وحب ومساواة وخير ومعروف وكل تنديد بالأنانية والظلم كلها تصب في النهاية في دعوة تحرير المرأة .
صحيح أن العرب لم يفهموا هذه الآيات كما نفهما نحن الآن ، أو كما يفهمها دعاة حرية المرأة ، وليس هذا ذنب القرآن ، ولكنه ينم عن أن التطور الفكري في العرب وقتئذ لم يسمح لهم باستيعاب الآيات رغم الصراحة والوضوح فيها . وكما ذكرنا في كتابات سابقة ، فإن الكلمة القرآنية مصاغة بطريقة تتسع لمفاهيم عديدة دون قسر أو تطويع ، وكأنها بويضة مخصبة تحمل مخلوقات فكرية لا تبدو للناظر أول وهلة ، ولا تظهر إلا عندما تتهيأ الظروف ، وعندئذ يكتشف الدعاة فيها الصفة الجديدة التي عجز الأولون عن استشرافها .
وقد نجح القرآن في انتشال المجتمع الجاهلي من وهدته ومن نظرته المتدنية إلى المرأة ، خاصة في الفترة التي تحتسب على الإسلام ، أعني فترة النبوة والخلافة الراشدة ، ولكن هذا النجاح تعرض لانتكاسات عديدة ، لأن جذور التقاليد كانت عميقة ، ولأن استغلال المرأة هو في الحقيقة (مجمع الاستغلال) ، ولهذا عني القرآن الكريم بوضع ضمانات عديدة صريحة لحماية المرأة كجزء من التشريع .
ومرة أخري فإن هذا لم ينجح تمامًا ، لأن المفسرين افتاتوا على القرآن وبسطوا مفاهيمهم عليه حتى انطوت صفحة العالم القديم وفتحت البشرية صفحة أخرى ، صفحة عصر يرفع أول ما يرفع شعار (الحرية) وعلى ضوء الحرية رأى المفكرون الإسلاميون المعاصرون المضامين الرائعة للآيات التي أشرنا إليها ولم يكونوا في حاجة إلى غيرها ليبنوا عليها دعوتهم إلى تحرير المرأة لأن فيها أفضل ما يمكن أن تقوم عليها دعوة لتحرير المرأة .
المرأة كإنسان :
لعل أولى مآثر الإسلام في هذا الصدد أنه أبرز هذا الجانب الهام والأصلي في المرأة لأن القدامى جميعًا ركزوا على صفة المرأة كأنثي بحيث حافت هذه الصفة ، أو حتى محت صفتها كإنسان ، فجاء الإسلام وأكد أن المرأة أولاً ، وقبل كل شيء إنسان ، فهي في هذا كالرجل ، ومن هذا المنطلق كانت مساواة المرأة بالرجل في التكاليف وفي الثواب وفي العقاب ، وأي بيان أجمل أو أكثر دلالة على المساواة من الآية الكريمة :
•"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (التوبة 71) .
•أو "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل 97) .
•أو "وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً" (النساء 124) .
•أو "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ" (آل عمران 195) .
•أو "لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً" (النساء 7) .
•أو "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً" ( الأحزاب 35) .
•أو "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات 13) .
واستشف العلامة الشيخ محمود شلتوت من مبايعة النبي للنساء معنى أشار إليه عندما قال : (لعلك تأخذ من مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء مبايعة مستقلة عن الرجال أن الإسلام يعتبرهن مسئولات عن أنفسهن مسئولية خاصة مستقلة عن مسئولية الرجل(1) .
إن هذه الآيات غرست غرسًا عميقًا معني إنسانية المرأة بحيث أن السيدة أم سلمة أم المؤمنين لم تكد تسمع من حجرتها بالمسجد الرسول وهو ينادي على المنبر (أيها الناس) حتى قالت للماشطة التي كانت تمشط شعرها (لفي شعري) فقالت لها (يرحمك الله إنما يقول (أيها الناس) ، فردت أم سلمة (أو لسنا من الناس ؟) .
وقبل هذه التكاليف وهذه الحياة الدنيا أسكن الله تعالي آدم وحواء الجنة ، على سواء ، وخاطبهما معًا على سواء "يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ" (البقرة 35) .
وفي قضية الخطيئة المشهورة التي حمَّلت بعض الكتب المقدسة المرأة وزرها واعتبرتها المسئولة حتى سار ذلك مسرى الأمثال (حوا هي أصل السبب) في الإخراج من الجنة ، فإن القرآن يجعل المسئولية بينهما على سواء "فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا" (البقرة 36 ) .
"قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ" (الأعراف 23) .
مع تحميل آدم وليس حواء للمسئولية في بعض الآيات ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ) (طه 12)
"وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى" (طه 121) .
من هذا المنطلق منطلق إنسانية المرأة قرر الإسلام حق المرأة في التملك ، وفي ممارسة التصرفات المالية من بيع أو شراء أو هبة .. الخ ، دون أن يتدخل في هذا أب أو زوج ، وهو حق لم تنله المرأة الأوربية إلا منذ عقود من السنين أما قبل هذا فإن ذمتها المالية كانت تندمج في ذمة زوجها بحيث يصبح هو القيم على كل أموالها وتصرفاتها ، ولم يكن لها حق التصرف المستقل ، حتى في أجرها .
ونحن في غنى عن القول أن المرأة الأوربية حتى الآن تفقد اسمها عندما تتزوج ، وتصبح (مدام فلان) أو (مسز فلان) ، ولهذا يميزون في الصحف أو الكتب فيضيفون اسمها واسم أبيها بين قوسين أو تحت تعبير (Neé...) ‍‍!! ، ومن الغريب أن يتهم الأوربيون الإسلام بالحيف على المرأة وينسون أن الحضارة التي يفخرون بها تقضي على اسم المرأة ، وهو أخص مقومات شخصيتها ، فإذا كانت بعض المذاهب الإسلامية الغالية تحجب وجه المرأة ، فإن كل المذاهب الأوربية تمحو اسمها بمجرد الزواج . أما ما أورده الإسلام من عدم المساواة مع الرجل في حالة الميراث فيجب أولاً أن نعرف أن المرأة لم تكن ترث ، بل إنها هي نفسها كانت تورث وإن هذا كان مطبقًا في أربعة أركان العالم القديم تقريبًا ، ولا نعدم في صحف القرن الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين إشارات إلى رجل في إنجلترا باع امرأته ، أو رهنها في القمار .
ولكن سورة الأحزاب تضمنت آية أشركت نساء المؤمنين مع نساء النبي ، تلك هي الآية (59) "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً"(1) .
وليس في هذه الآية جديد فيما يتعلق بإدناء الجلابيب ، لأنه أمر سابق ، وأشرنا إليه ، والجديد هو ذكر المبرر ،وهو أن "لا يؤذين" أي أن يعرف أنهن من المحصنات العفيفات ، فلا يغازلهن أصحاب الهوى ، ولا يتقدمون إليهن بأي نوع من الأذى .
هذا أمر معروف ومشاهد في كل مجتمع ، فالسيدات المحصنات العفيفات يلتزمن الحشمة ويبتعدن عن الإثارة ، ويعرف هذا بملبسهن ، فلا يتحرش بهن أحد ، بينما تعمد الغانيات الباحثات عن المتعة ، والمغامرة إلى الأزياء المثيرة التي تستجلب لهن العابثين واللاهين .
ملاحظات ختامية :
(1)إن القرآن الكريم لم يأمر صراحة إلا بستر الجيوب أي فتحات الصدر وإدناء الأزياء أما الاختمار ، أي ستر الشعر بخمار فقد تقبله للنساء كما تقبل العمامة للرجال كزي لتغطية الرأس ووقايتها دون "البعد" العبادي .
(2)إن القرآن الكريم يأمر بغض البصر ، وحفظ الفروج ، والحشمة والعفة ، شأنه في هذا شأن كل كتاب إلهي .
وقد حدد في هذا السبيل محرمات كالزنا وسن له عقوبة قاسية ، ولكنه لم يسن عقوبة عما هو دون ذلك مما أطلق عليه "اللمم" على أساس أن الحسنات يذهبن السيئات .
وهذا الأسلوب يخالف مخالفة تامة أسلوب الفقهاء الذي اعتمد على "سد الذريعة" ووضع ما شاء من أحكام بناء عليها ، وعند التعارض فأسلوب القرآن أولى بلا جدال .
(3)إن قضية الزي بأسرها ليست من مسائل العقيدة التي لا مساس بها ولا تعديل فيها ، ولكنها من باب الآداب التي تخضع للأعراف والعادات والتطورات ومع أنها هامة ، فلا يجوز تضخيم أهميتها، لأن هذا سيخل بالأولويات وسيتم على حساب جوانب أخرى .
وهذا هو ما يحدث بين بعض الهيئات الإسلامية خاصة في الدول الأوربية التي يبدو أنها دفعت للذهاب من النقيض إلى النقيض ، أي من تحلل المرأة الأوربية إلى تقييد المرأة المسلمة بالحجاب ، وربما بالنقاب !
وإذا كانت المرأة الجاهلية تضع الخمار لأنه لابد من حماية الشعر من أن يحترق بأشعة الشمس ، وإذا كانت بعض النساء في صدر الإسلام يتنقبن ، فإن هذا كله لا يعد ملزمًا لنا في شيء فإنما حكمه عليهن ولسن هن بالمشرعات .
إن مراجعة آيات القرآن الكريم توضح تمامًا مدى البساطة والصراحة والمنطقية في معالجة هذه القضية بعيدًا كل البعد عن التزمت الذي تمليه التقاليد القديمة التي كانت ترى المرأة "تابو" وتجعلها منبع الفتنة والنجس ، ومن ثم فيفترض أن تحبس أو أن تغطى .. الخ ، والقرآن لم يمنع صراحة إلا ما تمنعه حتى أشد الأزياء الحديثة خلاعة الثديين بالإضافة إلى أنه ككل دين يأمر بالحشمة ، ويدعو إلى العفة .
ويمكن القول بدون مخالفة للوقائع إن المجتمع النسوي في عهد الرسول كان مجتمعًا محتشمًا ، ولكنه لم يكن منقبًا ، وإن لم يخل من منقبات اعتبرن شذوذا عن الوضع العام (1) .
أما ما يأتون به من أقوال هي لحمة هذه القضية وسداها لمفسرين مثل ابن عباس ومجاهد وقتادة والطبري .. الخ ، فلا تلزمنا في شيء ، فإذا كانت أحاديث يروونها عن الرسول ، فالرأي فيها هو ما ذكرناه في كتابات سابقة لنا ، أن السُنة لا تعارض القرآن الكريم ولا تفتات عليه بما يودي بروحه ، فإذا حدث هذا فهو حديث موضوع ، أو دون بطريقة غير دقيقة ، أو أنه أريد به التأثير السيكولوجي في وقت كان فيه هذا التأثير نافعًا ، ولم يكن هناك غيره ، أو أن المخاوف والتحذيرات التي تشدد عليها هذه الأحاديث لا تعدو ما تقوله أم لابنها عن مخاوف السير في الطريق من تعرض للحوادث أو النشل أو الزحام .. الخ ، فإن لها أصلاً ولكنها لا تمنع أحدًا من السير ، وفي جميع الحالات فلا يكون لأي حديث فيه مخالفة للقرآن ، صفة التأبيد على ما حررنا في الجزء الثاني من كتاب "نحو فقه جديد" .
وكمثال لهذا نعرض هنا للحديث الذي يقول "المرأة عورة" لأنه ، وإن كان هاجس الفتنة هو من أعظم ما يشغل الأديان جميعًا ، فإن الرسول  كان عظيم التقدير للمرأة بحيث يصعب أن يطلق عليها "عورة" ولأن القرآن الكريم لم يستخدم هذه اللفظة كوصف للمرأة ، وإنما استخدمها بمعنى "السواة" أي الأعضاء التناسلية ، أو تلك المنطقة من "الصرة" إلى أصل الفخذين ، وهذا هو ما يفهم من الآية "أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ" ؛ لأن الطفل عادة لا يرى أمه عارية وقصاراه أن يرضع من صدرها ، وتوحي بنفس المعنى أيضًا تعبير "ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن"(1) ، في آية الاستئذان ومعروف أن تلك الأوقات التي أشار إليها القرآن "ثلاث عورات" هي أوقات خلع الملابس ، ولم يكن كثير من العرب يلبس السراويل .
ومن هنا فإن القرآن لم يستخدم كلمة عورة لوصف المرأة ، وأعتقد أن الرسول  ، الذي كان خلقه القرآن ، وكان نصيرًا للمرأة ومقدرًا لها لا يصف المرأة بأنها "عورة" ويغلب أن الحديث من وضع بعض الذين "احتسبوا" وضع الأحاديث لأن الكثير من الأحكام الخاصة بالمرأة اعتمدت على أنها "عورة" حتى أصبحت هذه الكلمة البذيئة من أكثر التعبيرات الفقهية استعمالاً .
والذي يثير الذهول أن هذا الحديث الذي سيطر على الفقه الإسلامي فيما يخص المرأة ، تفرد به الترمذي عن سائر أصحاب السنن ولم يصفه بالصحة بل اكتفي بوصفه بالحسن والغرابة وذلك لأن بعض رواته ليسوا في الدرجة العليا من القبول والتوثيق ، بل لا يخلو من كلام في حفظهم مثل عمرو بن عاصم وهمام بن يحيى (1) .
فهل يجوز لحديث بمثل هذا السند أن يحكم "فقه النساء" ؟؟ .
ولنا بعد عودة عند مناقشة أراء الفقهاء المعاصرين .
الزواج :
هو الوسيلة التنظيمية المشروعة لما يكون عليه التواصل بما في ذلك التواصل الجنسي بين الرجل والمرأة وتكليل ما يشعر به الرجل نحو المرأة والمرأة نحو الرجل من حب يراد منحه الاستقرار والمشروعية فضلاً عن فكرة الأولاد التي تمنح الزوجة الأمومة والزوج الأبوة (1) .
ولكن هذه الصورة المثلى للزواج قد لا تتأتى لكثير من الأقوام في كثير من العصور ، لأن التطور لم يكن يسمح بها ، وكان يمكن للزواج أن ينحدر إلى تلك الصور التي حدثتنا عنها السيدة عائشة وأشرنا إليها آنفًا ، كما كان من الممكن أن يأخذ محورًا لا يدور على الحب والتفاهم المبدئي ، ولكن على أساس أن الزواج نفسه شرعة تلزم الزوجين بأن يكيفا نفسيهما للعيش رغم التفاوت ما بين الزوجين ، فقد تكون الزوجة صغيرة والزوج شيخا ، وقد تكون جاهلة وهو متعلم .. الخ ، ومع هذا يعيشان ، خاصة عندما تنقذ الأمومة المرأة فتنقلها من وضع الأنثى/الزوجة إلى وضع الأنثى/الأم ولعل هو ما أشار إليه عمر بن الخطاب من أن أوهى البيوت هو ما بني على الحب وإنما تقام البيوت على الحفاظ والتذمم .
وفرضت الضرورات نفسها ، كما أن التطور جعل لكل عصر صورته الخاصة ، ومن الظلم أن نقيس ما هو واجب أو ما وصل إليه العصر الحديث بما كان في العصر القديم ، كما أن من الغفلة والجهالة أن نفرض نظم العصر القديم على العصر الحديث ، كما يحدث في المجتمعات العربية والإسلامية التي تتحكم فيها رواسب التراث والتقاليد القديمة والمفاهيم المغلوطة ، ومن هنا فيغلب أن يحدث الزواج ناقصًا أحد مقوماته . فقد لا يقوم على حب ولكن على تعارف سريع ، وقد لا يستهدف الاستقرار والبقاء والأولاد .. الخ ، وقد يتم دون تعارف لأن الأوضاع القبلية البدوية كانت تحول دون اختلاط الجنسين وكانت ويا للعجب تحرم أن يتم الزواج إذا ظهر حب رجل لامرأة أو عبر عن هذا الحب بشعر رقيق أو عاطفة جميلة وما جعل قيس بن الملوح "مجنونًا" إلا هذا التقليد الأرعن ، وكان يمكن لقيس الآخر(1) أن يجن لو لم يتوسط له الحسين في زواجه .
وكان العرب في الجاهلية لا يقرون الاختلاط ، لأن فكرتهم المتدنية عن المرأة لا يجعلها ندًا للرجل ، ولأن مجالسهم كان معظمها مجالس سكر وميسر ، فلم يظهر الاختلاط وما كان الإسلام في سنواته الأولى يستطيع أن يفرض الاختلاط فرضًا على مجتمع لا تسمح به قابلياته ، وتقاليده ، وما تشربه حتى الأعماق رغم أن اتجاه القرآن نحو المرأة وتصوير بعض الآيات لمجتمع المؤمنين "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ".. الخ ، وفي آيات أخرى "بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ" ، كانت توحي بمجتمع مختلط ، فلم يوجب القرآن صراحة ولم يحرم صراحة اختلاطًا في إطار القيم الإسلامية ، ثم جاء الرسول فأباح أو أمر بصور من الاختلاط المحدود كحضور الصلوات والأعياد أو الحج .. الخ .
ومن الواضح أن المجتمع العربي وقت البعثة لم يكن يسمح بالدرجة المطلوبة من الاختلاط التي تثمر حبا يكلل بالزواج ، ولما كانت هذه الأوضاع لا يغيرها التشريع ، ولكن التطور ، فقد فتح الإسلام الباب أمام هذا التطور ليأخذ دوره في الوقت والمكان المناسبين .
ولم يتحدث القرآن كثيرًا عن شكليات الزواج ، ولكنه عبر أبلغ تعبير عن حقيقة الزواج وأنه "السكينة" "والمودة" ، عندما قال "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم 21) ، وذلك أن السكينة هي ما تنتهي إليه الممارسات العاطفية والحب المشتعل بعد الفترة الأولى للزواج وما تستمر وتتلاءم حرارتها الهادئة ، المعتدلة لمناخ التعاون المشترك والتفاهم المتبادل والمودة والرحمة .
ووصف القرآن العلاقة بين الزوج والزوجة "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" ، وهو تعبير قلما فهم على حقيقته ، فهو من ناحية يصور وثاقه وحميمية وخصوصية العلاقة بين الزوج والزوجة ، وكيف يتطابقا تطابق المرء ولباسه ، كما أن التعبير يعطي معنى "الستر" وأن كل واحد من الزوجين وهو يعلم من الآخر ما لا يعلمه سواه يكون بفضل هذه العلاقة سترًا له كما يستر الثوب الإنسان ، خاصة ما قد لا يكون محمودًا أو حسنًا .
فالزوج والزوجة كل منها "ستر وغطى" للآخر كما يقولون .
وقوام العشرة الزوجية في القرآن هو "المعروف" الذي يتخلل معظم آيات القرآن عن الزواج كما يتضح من الآيات الآتية :
•"هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" البقرة 187 .
•"وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" البقرة 228 .
•"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" الروم 21 .
•"وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً" النساء 19 .
ولم يحدد القرآن الكريم تفاصيل الزواج باستثناء بعض النقاط كالمهر وأباح الزواج من الكتابيات ، ولكنه حرم زواج المسلمات من المشركين .
واشترط الرسول  عددًا من الضمانات عند الزواج ، كاشتراط موافقة المرأة بكرًا أو ثيبًا وأي محاولة لإجبارها على زوج اختاره لها أبوها أو عمها أو .. الخ ، يعد مخالفًا لمبادئ القرآن وروح القيم التي يدعو لها ، والممارسات العديدة للرسول وتضمنتها كتب السنة ، ومنها أن امرأة جاءته وقالت له : إن أباها يريد أن يزوجها رجلاً "ليرفع خسيسته" فجعل أمرها إليها ، ومنها أنه عندما تشفع لدى بريرة لتعود إلى زوجها التي طلقت منه وكان يحبها حبا جما قالت" أتأمرني" قال "لا إنما أنا شافع" فرفضت ، ومنها ما قاله لأبي فتاة "ألحقها بهواها" ويبدو أن استئذان المرأة والحصول على موافقتها على الزواج كان أقصى ما تسمح به الظروف القديمة بدليل أن ممارسته كانت في كثير من الحالات شكلية ورضوخا فحسب لما فرضته الشريعة .
ولم يجعل الإسلام للزواج طقوسًا تلزم الزوجين عنتًا ، لأنه يكاد يكون عقدًا مدنيًا ، وقد جاء رجل وامرأة إلى الرسول  ليزوجهما فقال للرجل أترضى أن أزوجك فلانة قال نعم وقال للمرأة أترضين أن أزوجك فلانًا قالت نعم فتزوجا ولم يفرض لها صداقا أو يعطيها شيئًا (1) .
وهذا الحديث يضرب عرض الحائط بكل المقدسات التي يوردها الفقهاء من ولى ، وشهود ومهر .. الخ ، ويصور مدى بساطة ونصوع الأمر ، وأنه يتوقف أساسًا على إرادة ورغبة الزوجين .
وقد تحدثت كتب الفقه حديثًا طويلاً عن ضرورة وجود "ولى" ، ولكن القرآن لم يشر إلى ذلك وإن كان قد أشار بالنسبة للإماء إلى استئذان أهلهن فقال "وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ" النساء 25 .
ويمكن القول إن اشتراط الإذن هنا يفهم منه عدم اشتراطه بالنسبة للحرائر .
وأباح الإسلام للمرأة أن تشترط ما تشاء من شروط باعتبار أن الزواج "عقد بين طرفين وأن العقد شريعة المتعاقدين" حتى لو وصل إلى حق الفسخ بعد مدة .
تعدد الزوجات :
عندما ظهر الإسلام كان تعدد الزوجات فاشيًا في العرب ، كما كان فاشيا في غيرهم وأراد القرآن أن يضع الضوابط لهذه العادة وسلك إلى هذا مسلكًا توضحه الآيات الأولى من سورة النساء وهي كالآتي :
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً" (النساء 1) .
وكما هو واضح فالآية الأولى تذكر وحدة الجنس البشري من رجال ونساء وتوصى بتقوى الله والأرحام وتنهي الآية الثانية عن أكل أموال اليتامى .
وتأتي الآية الثانية "وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً" (النساء 2) .
ثم تأتي الآية الثالثة : "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا" (النساء 3) .
من الواضح تمامًا أن السياق كله سياق تواصل ورحمة وتحذير من أكل أموال اليتامى عند الزواج بهن وحتى لا يقع هذا أبيح للرجال أن يتزوجوا مثنى وثلاث ورباع ، فإذا خيف عدم العدل فواحدة ، فالآية يحكمها شرط سابق ويختمها شرط لاحق ، وقد فتح بابها الخوف من عدم القسط وأغلقها الخوف من عدم العدل .
وقد فسرت هذه الآية وهي الثالثة من سورة النساء بالآية 127 من السورة نفسها ونصها "وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً" ، وهذه الآية ، والآية رقم 3 تعطيان المعنى المطلوب الذي ذكرته السيدة عائشة في رواية مشهورة لها .
ووضع القرآن التعدد في هذا السياق يوضح لنا محاولته النزول بعادة متأصلة عند العرب إلى حد أدنى ومن مدخل معين وفي الوقت نفسه كفالة الضمانة الرئيسية للمرأة وهي العدل ولو كانت فكرة التعدد مبدئية مطلقة لما جاءت في هذا السياق العسير والمخاض الصعب .
ومع هذا ... فمما لا يكاد يصدق أن لا يفهم المسلمون من الآية إلا كلمات (مثنى وثلاث ورباع) وأن من حقهم الشرعي الزواج بهذا العدد .
أين اليتامى اللاتي يخاف الحيف عليهن عند الزواج بهن والذي كان مبرر الزواج مثنى وثلاث ورباع ؟؟
أين الخوف من عدم العدل الذي يوجب الاقتصار على واحدة ، هذا العدل الذي قال عنه القرآن في آية أخرى "وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ"(1) ؟
إن مقارنة نصوص الآيات الثلاث الأولى من سورة النساء ، بالممارسة الشائعة دون أي اعتبار لمبررها الأصلي ومع عدم الاعتداد بشرط العدل يوضح أن المجتمع العربي فرض وضعه وسوء فهمه على النصوص وجعل منها تعلة للتعدد الذي كان قائمًا ، وجعلت الآيات حده الأقصى أربعة .
الذي أفهمه أن الله تعالى صاغ الرخصة بهذا السياق العجيب ليحل التعدد في هذه الظروف فإذا انتهت هذه الظروف ، فلا يعود هناك مبرر للتعدد ويصبح الزواج بواحدة هو الأصل .
أما فكرة أن التعدد أصل دون أي ارتفاق فيحول دونه صيغة الآية وسياقها ، فقد أحلت الآية التعدد في الملابسات التي أحاطتها وبالشروط التي أوردتها ولكنها لم تجعل هذا التعدد مطلقًا ، ولا واجبًا ، كالصلاة والزكاة ، وإلا لوجب أن يأخذ به الجميع فرضًا ، ولكن الآية جعلته مباحًا .
وفكرة أن التعدد لا يخلو من مزايا ، وقد تكون له ضرورة ، أمر غير منكور ولم ينكر القرآن أن في الخمر والميسر منافع ، ولكن إثمهما أكبر من نفعهما ، ولذلك حرمهما ، وفي تعدد الزوجات منافع ، كما أن فيه أضرارًا وعندما تزيد أضراره على منافعه فإن الحكم بالسوابق القرآنية والقياس القرآني يوجب تحريمه ولا يعد تدخل المشرع افتياتاً على حق لأن التعدد كما ذكرنا مباح وليس واجبًا أو فرضًا والمباح يخضع للملابسات ولا يعد التدخل فيه افتياتاً على حق على أنه حتى لو كان حقًا ، فمن المقرر أن إساءة استخدام الحق توجب التدخل .
وقد رفض الرسول أن يتزوج على بن أبي طالب على فاطمة دون أن يرى في هذا ما يحل حرامًا أو يحرم حلالاً (لأن التعدد كما ذكرنا مباح) ، فأوضح مشروعية مثل هذا الشرط الذي يلجم الشهوات ، ولابد من إلجامها ما دام لصاحبها سبيل مشروع (1).
إن الناس تعمد إلى التعدد لا لهذه الضرورات أو المزايا ولكن بناء على التحليل وأن من حقه أن يتزوج أربعًا خاصة إذا كان موسرًا ، وفي هذا ما فيه من إساءة استخدام الحق بما يؤذي زوجته وما يوجد ضررًا لها دون مبرر موضوعي .. وما يؤدي إليه هذا من انعكاسات خطيرة على الأبناء الأبرياء .
الحقيقة التي لا مراء فيها أن السبب الأكبر في التعدد هو الضعف البشري ، ودليل ذلك أن أوربا عندما حرمت التعدد ، وأخذت بمبدأ الزوجة الواحدة فإنها قننت بطريقة ما شرعة وجود عشيقة ، أو أكثر ، جنبا إلى جنب الزوجة ، ويمكن القول دون مبالغة أن هذا كان دأب المجتمع الأوربي من عهد الإحياء حتى الآن ، ومعروفة هي موبقات البابا الكسندر آل بورجيا ثم ازدهار عهد العشيقات في الملكية الفرنسية ، ولم يكن الأمر مقصورًا على الملوك والنبلاء والأمراء ، فإن الفنانين والكتاب كانوا أكثر انغماسًا .
ومع شيوع فكرة الحرية ، والإيمان "بحرية الجسد" وأن جسد المرأة ملكها الخاص الذي تتصرف فيه كما تشاء ، وهي الشرعة التي تروج لها اليوم المؤتمرات النسائية الدولية ، فإن فكرة الممارسة الجنسية خارج إطار الزواج قبله وبعده أصبحت أمرًا لا مناص عنه ، وربما لابد منه ، وفي غيبة الضوابط الدينية ، فإن تقدم فكرة الحرية لابد وأن تنتهي إلى هذه النهاية بحيث تكون الممارسة الجنسية أمرًا كالشراب والطعام بل قد تشط إلى الدرجة التي تدافع فيها الكنيسة الأوربية عن الشذوذ الجنسي وعن حرية أي فردين "رجل مع رجل أو امرأة مع امرأة أن يعيشا زوجين" (1) .
ويلجأ الزوجان الأوربيان إلى هذا المسلك رغم أنهما يكونا قد تزوجا عن حب ، ولكن هذا نفسه قد يكون المدخل لهذا المسلك ما دام الحب وليس الالتزام المقدس هو ما يربط الاثنين ، وقد أدي تزاوج فكرة الحرية الطليقة بفكرة الاستمتاع ، وهما من القيم الأصلية في الحضارة الأوربية إلى اتباع وسائل للاستماع تثير العواطف وتجعلها جامحة إلى درجة يصعب ترويضها أو التحكم فيها ، وحسبك أزياء السهرة العارية ووسائل التجميل البارعة والروائح المثيرة والشراب المهيج والموسيقى التي تدغدغ الحواس .. إن هذه كلها مما لا يمكن أن يقاوم وتتملك نزوة اللحظة الشريكين فيغيبا فيها حتى الثمالة ، ولا تؤثر هذه النزوة على علاقة الزوجين لأنها ليست إلا نزوة عابرة كما يرون وقد تهيؤهم لتماسك جديد فيعود كل منهما للآخر "وبراءة الأطفال في عينيه" وقد زادت شعبية الأميرة ديانا عندما اعترفت في التليفزيون بطريقة مؤثرة أنها خانت زوجها وأنها كانت تحب عشيقها بجنون ؛ لأن الجمهور الذي تعاطف معها إنما كان يتعاطف مع نفسه ويتذكر أنه مر بهذه المواقف فهو يجد فيها تعزية وتبرئة له .
ومع أن الحضارة الأوربية لم تقض حتى الآن تمامًا على فكرة الخطيئة التي غرستها المسيحية أو الإحساس بالذنب كما قدمه فرويد فإن تغلغل الحياة الحديثة وتقدم فنون الترفيه ونشوات الاستمتاع تسير في طريق القضاء على البقية الوهنانة من المسيحية بحيث تكون الصلات الجنسية أمرًا مألوفًا ، كالطعام والشراب ، بلا عتاب أو حساب ويكون بيت الزوجية هو "المقر الرسمي" للزوجين ، وبهذا تتخلص الحضارة الأوربية من آثار المسيحية الوافدة عليها وتعود خالصة إلى أصلها الوثني اليوناني / الروماني .
وأعتبر أن من أسوأ صور النفاق ما نقرأه عن تنديد بغراميات "كلينتون" فإن كل رؤساء الولايات المتحدة ربما باستثناء كارتر كان لهم عشيقات وشأن هؤلاء الرؤساء هو شأن الفرد الأمريكي العادي الذي تتعدد علاقاته الجنسية خارج إطار الزوجية .
ويبدو أن هذا الوضع أفضل لدى الزوجة الأوربية من تعدد الزوجات ، وهو ما لم يتوصل إلى فهمه الكتاب المسلمون لاستغراقهم في فكرهم وبعدهم عن الفكر الأوربي ، فقد تقبل الزوجة الأوربية أن تكون لزوجها عشيقة ولكنها لا تقبل زوجة أخرى ، بالإضافة إلى أنها هي نفسها شريك في الموضوع ، فمن الواضح بالطبع أن عشيقات الأزواج هم زوجات الآخرين ومن غير الطبيعي أن تنتقد على زوجها أمرًا تمارسه وتقع نفسها فيه ، فكل منهما يتقبله باعتباره جزءًا من الحرية الشخصية والخاصة لكل منهما لا يطالب بإعلانه أو تبريره ولأن هذه الحرية تحقق للزوجة نوعا من العدل فإذا كان للزوج زوجتان (زوجة وعشيقة) فإن للزوجة زوجان (زوج وعشيق) على حين أن تعدد الزوجات لا يكفل للزوجة إلا بعض زوج !
وهذا الوضع بقدر ما يتفق مع روح الحرية والفردية المطلقة ، وهي القيمة الحاكمة في الحضارة الأوربية فإنه يختلف عن الإسلام الذي يقوم على الشريعة ، وإن انتهيا معا إلى تعددية . والإسلام يتفهم الضعف البشري الذي يؤدي إلى تعدد الممارسات الجنسية ولكنه يضعه في إطار الشرعية عن طريق تعدد الزوجات ، وفي الوقت نفسه يضبطه حتى لا يصبح هذا الضعف البشري ظلمًا وحيفا على الزوجة .
كما أنه في إحدى لحظات الحرج أباح الزواج المؤقت لظروف خاصة وإن حرمته مذاهب السنة ، فإن الشيعة تحتفظ به ، وهو يمثل لنا مدي قوة الاتجاه الإسلامي نحو الشرعية ، وكيف أنه يمكن أن يلاحق الضرورات والظروف الطارئة دون أن يخل بالطبيعة الأساسية طبيعة "الشرعية" .
وأخيرًا ، فلما كانت القسمة الرئيسية التي تميز الزواج الإسلامي عن غيره من الزيجات أنه "عقد" يقوم على إيجاب وقبول فيمكن للزوجة أن تثبت في العقد ما تراه من الضمانات أو الشروط كأن لا يتزوج الزوج من أخرى إلا إذا جد ما يبرر ذلك بصورة جدية . وعن طريق المحكمة ، أو محكمين من الزوج والزوجة ، وبهذا تجمع ما بين تأمين نفسها ، وعدم حرمان الزوج من استخدام الحق عندما يتطلب الأمر ذلك بصورة جدية لا لمجرد المزاج أو التذوق والتنقل من واحدة لأخرى .
درجة القوامة :
درجة القوامة من النقط ذات الأهمية الكبرى عند تحديد العلاقة ما بين الزوجين وقد رأينا أن القرآن سوى ما بين النساء والرجال فيما يتعلق بالكيان الإنساني لكل منها ، والحق أن هذا ما هو إلا امتداد لروح المساواة التي يمدها الإسلام فيشمل جوانب المجتمع الإسلامي .
على أن الإسلام ما كان يمكن أن يتجاهل الحقيقة الواضحة كالشمس ، وهي أن الناس تتفاوت قدراتهم وملكاتهم وأن هذا يوجد تفاوتًا كبيرا بحيث لا يمكن أن نساوى ما بين الكريم والبخيل ، الذكي والغبي ، والصادق والكاذب ، الجاد والهازل .. الخ .
والإسلام يعترف بهذا ويعطي بعضهم درجة فوق الآخرين :
•"لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً" (95 النساء) .
•"يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (11 المجادلة) .
•وأبرز القرآن أنه حتى الرسل يمكن أن يتفاضلوا :
•"تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ" (253 البقرة) .
وبالنسبة للنساء ، فقد جاء في القرآن إشارتان :
الأولى : "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (228 البقرة) .
الثانية : " وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً" (34،32 النساء) .
ومراجعة هذه الآيات توضح :
( أ ) أن صدر الآيات تضمن إشارة إلى المساواة بين الرجال والنساء (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) ، "لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ" ، فضلاً عن النهي عن تمني (ما فضل الله بعضكم على بعض) ، فلا يتمني الرجال مثلا الجمال أو الرقة ، ولا تتمنى النساء القوة والبأس ، لأن لكل واحد حظه من الأفضلية .
بعد هذا النص على المساواة في صدر الآيات ، تأتي الإشارة إلى أفضلية الرجال في عجز الآيات ، وتصور الآية الأولى ذلك بتعبير "وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ" ، وكما أشرنا فإن القرآن يستخدم تعبير الأفضلية درجة حتى بالنسبة للرسل ، بينما استخدمت آية النساء "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ" والتعبير بكلمة (قوّام) التي من معانيها (القيام) لا يعطي معنى رئاسة أو أفضلية مطلقة أو مجردة من الالتزام والمسئولية ولكنه يربط بينها وبين مسئوليات والتزامات فسرتها بقية الآية بأنها الإنفاق والحماية المتأتية من القوة ، مما يحصر القوامة في إطار المعيشة المنزلية كما يمكن أن تكون الدرجة عائدة إلى حق الزوج في إعادة زوجته في الطلاق الرجعي لأن كلمة (درجة) جاءت بصدد الحديث عن الطلاق ونصها "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ" ، وهذا هو ما يقضي به السياق .
ومع أن آية سورة النساء تضمنت وسيلة بغيضة هي (الضرب) ، فالواجب يقتضينا دراسة هذه النقطة بعمق ، فهي لم تأت إلا بعد فشل وسيلتين هما :
( أ ) المحايلة والمحادثة والتفاهم .
(ب) الهجر في المضجع .
فإذا فشلت هاتان المحاولتان دون بديل ثالث ، فلا يكون مناص من الطلاق وهو أمر مصيري للمرأة .
وقد فضل القرآن وسيلة بغيضة ، ولكنها أفضل وأقل من الطلاق وإذا كانت المرأة ترفضها تمامًا وتفضل الطلاق فلها أن تختار لنفسها ما تشاء .
وقد يمكن القول إن القرآن عندما أجاز ضرب الزوج لزوجته بعد فشل التفاهم ، والهجر في المضاجع عند النشوز وحرمه في غير ذلك ، فإنه حد من استخدام وسيلة يلوذ بها الرجال فيما هو أقل من هذا ، وما نعلم يقينا أنه يحدث قديما وحديثا وأن مئات الألوف أو قل الملايين من النساء في أوربا وأمريكا يشتكين من ضرب أزواجهن(1) ، وهناك أضعاف هؤلاء ممن آثرن السكوت ورفضن الشكوى ، ومجابهة الإسلام لهذه القضية هي نفسها مجابهته لقضايا أخرى تمثل ضرورات بغيضة كالأسر في الحروب ، الذي يفضل القتل وكالقطع في السرقة الذي يفضل السجن ، وكالطلاق كحل أخير عند استحالة الحياة الزوجية ، في كل هذه الحالات كان على الإسلام أن يجابه الضرورة السيئة ، لا أن يتجاهلها أو يهرب منها ، وفي الوقت نفسه ينزل بأسوأ جوانب هذه الضرورة ما أمكن ذلك .
وليس هذا دفاعًا عن ضرب المرأة ، أو تبريرًا له ، فلا يضرب المرأة إلا رجل كريه(1) ، ولم تذكر الآثار أن الرسول عليه الصلاة والسلام ضرب خادمًا خلال حياته الطويلة فضلا عن زوجة ، بل تضمنت الآثار أنه أمر زوجًا ضرب زوجته بأن يفارقها(1) ، وإنما هو عرض مأساوي لجانب من جوانب المجتمع الإنساني لا يكون التعامل معه هو التجاهل ، ولكن الاعتراف والمجابهة .
وعندما نقرأ الآيات العديدة التي تبني الحياة الزوجية على المعروف فإننا لا بد وأن ننتهي إلى أن السماح بالضرب بعد استنفاد كل جهود الصلح إنما هو استثناء محدود ، ولا يجوز أن يعامل كمبدأ عام لأن المبدأ العام هو المعروف الذي ينافي الضرب ، ولعل القرآن لم ينص عليه إلا لنوعية محدودة من النساء لا تتجاوب لخلل في نفسيتها إلا مع هذه الطريقة أو لنوعية محدودة من الرجال لا يملكون أمر أنفسهم .
باستثناء نقطة النشوز هذه التي هي شذوذ ينحرف عن الجادة التي يفترض أن تنتظم الحياة الزوجية ، فإن وصف القرآن الكريم لتلك الدرجة التي يتميز بها الرجل بأنها القوامة وصف لا يمس المرأة بصفة مباشرة ، وإنما هي تفرض على الرجل نوعًا من الالتزام على المرأة ، فهي لحساب المرأة ، وليست على حساب المرأة ، ولا يمكن أن تكون إلا هذا حتى يتم اتساق كل الآيات التي تقرر المساواة .
وكما أنه لا تنتظم أمور البيت إلا بتعين من يقوم بالمسئولية فيه ، كما هو الشأن في كل مؤسسة ، فإن هذا لا يعني ضرورة استئثار هذا المسئول لأن من أسس العمل المشترك في الإسلام (الشورى) التي يفترض أن تتم لا مع الزوجة فحسب ، بل ومع الأبناء أيضًا .
ولهذا فنحن لا نأخذ مأخذ الوجوب تلك الأحاديث التي يروونها التي توجب على المرأة طاعة عمياء لزوجها واستجابة تامة لكل نزواته ، وتنذرها بعذاب مستطير لو عصته ، لأن القرآن لا يقرر هذا للزواج بل هو يؤكد المعايشة بالمعروف ، وأن يرضي الزوج بما قد يكره منهن "فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً" ، وقال الرسول  "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي بآخر" ، وعن ابن مسعود قال أتى الرسول  رجل فقال "إني تزوجت امرأة شابة وإني أخاف أن تفركني" فقال الحب من الله والفرك من الشيطان ، ولأن القرآن يقرر للنساء قاعدة المساواة "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" ، فلا نجد حديثًا واحدًا يتجاوب مع رغبات المرأة ، بل يخالف أحاديث أخرى توجب على الرجل أن يتجاوز عما لا يرضاه من زوجته ، ولأن تضخيم العذاب على الذنوب الصغيرة هو من علامات الوضع ، ولهذا فنحن نستبعد معظمها على أساس أنها موضوعة ، وأن القليل الباقي أخذ به في أوقات معينة خاصة دون أن يحمل محمل العموم ، أو الوجوب ، وإنما التنزيه فهي من باب الترغيب والترهيب ، وليس لها صفة الوجوب ، ناهيك بالتأبيد ؛ لأن القرآن وحده وما وافقه هو الذي يستقل بهذه الصفة .
الطلاق :
الطلاق كلمة بغيضة إلى كل امرأة فهو الشبح الأسود الذي ينذر بهدم بيتها وتقويض حياتها والتحول من السلام والطمأنينة إلى التشرد والاضطراب .
ولكن الطلاق في الوقت نفسه يمكن أن يكون وسيلة الخلاص للمرأة من زوج لا تطيقه ، ولا يحسن معاملتها ويجعل حياتها جحيمًا متصلاً ، وصحيح أن هذه الحالات لا تمثل الأغلبية ، ولكن الاحتمال قائم وقد اعتبره الإسلام (أبغض الحلال) .
أحكام الطلاق في القرآن :
تضمنت سورة البقرة ، والنساء والطلاق معظم أحكام الطلاق والضمانات التي وضعها القرآن له وهى كالآتي :
•"وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَاءآتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ * لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ * وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (البقرة 228 : 237) .
•"وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (البقرة 240 )
•"وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ" (البقرة 241 ) .
•"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَاءاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً" ( النساء 19) .
•"وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً" (النساء21 ، 22) .
•"يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً * وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً * أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً" (سورة الطلاق من 1 إلى 7 ) .
ومطالعة هذه الآيات تبين تماما مدى حرص القرآن على مصلحة المرأة وتقديمه الضمانات لحمايتها ومعالجة الموضوع في مناخ من العدل ، والرحمة والمعروف ، وأن هذه الآيات بعيدة كل البعد عن عالم ( روحي إنتِ طالقة) ، كما يجب أن نذكر أن هذه الآيات أنزلت من 1400 سنة ، عندما كانت حقوق النساء في العالم أجمع ، مهدرة .
آيات منسية عند الخلاف أو الخيانة :
مع أن الآيات عن الطلاق التي ذكرناها آنفا واضحة وصريحة ويفترض إعمالها ، إلا أن الفقهاء قلما التزموا بها ، بل وأغفلوا إعمال آيات كثيرة أخرى بحيث أصبحت في حكم المنسية ، وكأنها لست بين دفتي المصحف ولا أثر لها عند اتخاذ إجراءات الطلاق أو التصرف فيما يظن انه خيانة ، من هذه الآيات :
( أ ) الآية الخاصة بتعيين حكمين عند (خوف الشقاق) وهي : "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً" (النساء 35 ) .
والمفروض طبقًا للآية أن يسبق الطلاق هذه الخطوة ، ولعلها هي نفسها التي تحدد مصير الزواج وهل ينتهي بصلح أو ينتهي بطلاق وهذه الطريقة العرفية السهلة هي مالا يجعل ضرورة للالتجاء إلى القضاء ، وما يحيط به من بيروقراطية ، أو إعلان لما لا يود الزوجان إعلانه إلا لمن يختارونه .
(ب) وفي القرآن الكريم آية أسدل عليها الفقهاء ستارًا كثيفًا من التعتيم ، وكأنها غير موجودة ، هي آية اللعان التي حددت موقف الإسلام في قضية من أشد قضايا المرأة حساسية إن لم تكن أشدها وهى تعالج الموقف عندما يضبط الزوج زوجته متلبسة بالزنا ونصها : "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَؤا عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ" (النور 4 10) .
فبالنسبة للعربي وفي الجاهلية فإن هذا المنظر لا يحتمل إلا مسلكا واحدًا هو قتل الزوجة والعشيق أو على الأقل البطش بهما ، ولكن الإسلام كان له رأى آخر وعندما نزلت الآية (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) كبر هذا الأمر على العرب حتى قال سعد بن عبادة أهكذا أنزلت يا رسول الله لو أتيت لكاع [ كناية عن زوجته ] قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء ، والله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته فقال رسول الله  يا معشر الأنصار ألا تسمعون إلى ما يقول سيدكم ؟ قالوا : لا تلمه فإنه رجل غيور ما تزوج فينا قط إلا عذراء ، ولا طلق امرأة له ، فاجترأ رجل منا أن يتزوجها ، فقال سعد : يا رسول الله بأبي وأمي والله إني لأعرف أنها من الله ، وأنها حق ولكن عجبت ، فما لبثوا إلا يسيرًا حتى جاء هلال بن أمية من حديقة له فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فأمسك حتى أصبح ، فلما أصبح غدا على رسول الله  وهو جالس مع أصحابه فقال يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء ، فوجدت رجلاً مع أهلي رأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله  ما أتاه به وثقل عليه جدًا حتى عرف ذلك في وجهة ، فقال هلال والله يا رسول الله إني لأرى الكراهية في وجهك مما أتيتك به والله يعلم أني صادق وما قلت إلا حقًا فإني لأرجو أن يجعل له فرجًا قال واجتمعت الأنصار فقالوا بلينا بما قال سعد أيجلد هلال بن أمية ، وتبطل شهادته في المسلمين ، فهم رسول الله  بضربه ، إذ نزل عليه الوحي بآية اللعان .
إن الحرص على العدل ، وعلى كرامة المرأة جعلا القرآن يقف هذا الموقف الذي بدأ غير مستساغ للعرب ، ذلك أن مما يخالف قواعد العدالة أن يكون فرد ما شاهدًا ومدعياً ، وعندما يدعي أحد ، فلا بد أن يقيم ادعاءه على دليل مهما كان الأمر ومن ثم تطلب الشهود ، ولكن لما كان المجال لا يسمح بطبيعته بالشهود ، لا من ناحية الزمان ، ولا من ناحية المكان ، فقد أحل القرآن اليمين محل الشاهد وطلب من الزوج أن يشهد أربع شهادات بالله إنه من الصادقين على ما ادعاه ويختم هذه الشهادات الأربع بشهادة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثم تشهد المرأة أربع شهادات إنه لمن الكاذبين تختم بشهادة توقع عليها اللعنة إن كان من الصادقين ، وبعد هذا يفرق بينهما .
نجزم بأن هذه القطعة من التشريع لم يصل إليها ، أي قانون في الحرص على العدالة ، والبعد عن الاستسلام للعواطف وحل مشكلة لا يمكن إثباتها ، ولا يمكن نفيها بالطرق القانونية العادية .ولا يزال هذا التشريع يثير الدهشة ، ويبدو متقدمًا على مشاعر الرجال والنساء حتى في الدول الأوربية التي يستخدم مع الزوج عقوبات مخففة إذا اعتدى على زوجته أو عشيقها وهما في حالة تلبس .
أما الموقف بالنسبة للعرب ، فقد سجله المتنبي في بيته المشهور :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم
وحتى الآن فإن مثل هذا التشريع مجمد ، إن شائعة واحدة وليس التلبس ، تكفي لأن تدفع الزوج أو الأخ لأن يقتل المرأة غسلا لعاره إنقاذا لشرفه المزعوم .
وهكذا نرى أنه لا يزال بيننا وبين التشريع القرآني أمدًا بعيدًا .
ويمكن القول إن آية اللعان تقدم مثالاً عن سبق الشرع للعرف ، وكيف أن العرف السابق يمكن أن يعطل الشرع اللاحق حتى عندما يأتي من القرآن نفسه وبصورة صريحة وقاطعة ، وكيف أن التطبيق القرآني يتطلب عملا دائبًا حتى يمكن للعرف إساغة الشرع وتقبله ، وكيف أننا في موضوع المرأة لا نطبق القرآن والإسلام ولكن العرف والتقليد ؟
(ح) ومن الآيات التي يتجاهلها الفقهاء آية الخلع التي جاءت ضمن آية الطلاق المشهورة "الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ" (البقرة 229) .
وتعني الآية أن الزوجة إذا خافت أن لا تقيم حدود الله من الطاعة للزوج والأمانة معه لأي سبب ، فيمكن لها أن (تفتدي) نفسها بأن تقدم إليه عوضًا ، وقد بينت السنة في حديث مشهور ذلك فإن صحابية جليلة هي جميلة بنت عبد الله بن أبي لم تكن تحب زوجها الذي كان بدوره صحابيًا جليلا هو ثابت بن قيس بن شماس ، بل كانت تبغضه أشد البغض ، وكان يحبها أشد الحب .، كما جاء في تفسير الرازي ، فذهبت إلى الرسول  وأقرت أنها تنقم من زوجها شيئا في خلق أو دين ولكنها لا تحبه وقالت فرق بيني وبينه فإني أبغضه ، ولقد رفعت طرف الخباء فرأيته يجئ في أقوام فكان أقصرهم قامة وأقبحهم وجها وأشدهم سوادًا وإني أكره الكفر بعد الإسلام ؟) فقال ثابت يا رسول الله مرها فلترد على الحديقة التي أعطيتها فقال لها ما تقولين قالت نعم وأزيده ، قال لا حديقته فقط ثم قال لثابت خذ منها ما أعطيتها وخل سبيلها ففعل ، فكان أول خلع في الإسلام ، ص 86 تفسير الرازي ج6 .
( د ) ومن الآيات التي يتجاهلها الفقهاء الآية الأولى والثانية من سورة الطلاق .
وقد قبل الفقهاء ما أطلقوا عليه ( الطلاق البدعي) وهو أن يطلق في الحيض أو في طهر جامعها فيه ، مع تأكيد الآية ملاحظة العدة ، وعلى كل حال فإن هذا القيد مجهول عمليًا لدى الذين يحلفون بالطلاق كلما حلا لهم ذلك أو لمختلف المناسبات ، كما أن الآية الثانية أمرت بإشهاد شاهدين "وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ" ، ولم تعين الآية نوع الطلاق ، فيفترض أن يطبق ذلك على كل أنواع الطلاق رجعيًا أو بائنًا حتى يقطع شأفة التلاعب والكيد والخضوع للأهواء(1) .
وتقصي تاريخ الطلاق يوجب علينا التميز بين حالتين الأولى تكون المرأة فيها مجردة من الحقوق ، محرومة من التعليم ، عاجزة عن العمل ، مغلق عليها بابها ، وفي مجتمع تسوده الفجاجة والأنانية والقسوة وسوء الحال ، فإن الطلاق يكون تشريدًا للمرأة وتقويضًا لحياتها وحكمًا عليها بأن تكون عالة على أهلها ، أو تضطر لأن تخضع لأحكام المجتمع القاسي الذي يخيرها ما بين الخدمة أو البغاء ، فضلاً عن أن الطلاق يمزقها ما بين الاحتفاظ بأبنائها ، والقيام بأودهم أو التنازل عنهم للزوجة الأخرى (الضرة المقيتة) .
ويمكن القول إن المرأة المسلمة سلخت معظم حياتها في هذا الوضع السيئ الذي حال دون تنمية ملكاتها ونمو شخصيتها وما تقدمه لنفسها ، وللمجتمع نتيجة لذلك ولم تنصفها القوانين الحديثة ، لأن القوانين لها عقابيلها ، ولأن الأمر أعظم من أن يكون أمر قوانين إنه بيئة ومناخ وفكر متحرر من التحيزات . ومن هنا ، فإن كل المشروعات التي وضعت لإصلاح نظام الطلاق باءت بالفشل ، لأنها استندت ولو جزئيًا على التراث الفقهي ، ولأنها صدرت في مناخ تقليدي ولن يتم الإصلاح إلا عندما تسود روح جديدة تضرمها مبادئ العدالة والمساواة التي أعلنها وقررها القرآن ، بعيدًا كل البعد عن التراث الفقهي السلفي ، وهو ما سنشير إليه في الفصل الأخير من الكتاب .
والحالة الثانية عندما يقدم المجتمع للمرأة ضمانات حقيقية تحول دون أن يؤدى الطلاق إلى تشردها كما كان الحال في صدر الإسلام عندما سادت قيم المروءة والتكافل والعدل ، أو يحقق للمرأة التعليم ، والعمل بحيث يكفل لها شخصية قديرة واستقلالية اقتصادية كما هو الحال بالنسبة للمرأة الأوربية . في هذه الحالة لا يعد الطلاق كارثة تقوض حياة المرأة ، لأن حياتها يمكن أن تظل قائمة قوية ولأن القرآن يحيط المطلقة بالضمانات والكرامة لأنها إن فقدت إحدى مقومات كيانها كأنثي ، فإنها لم تفقد شيئا من مقومات حياتها كإنسان وفي المجتمع الأوربي يحدث أن تكون المرأة هي طالبة الطلاق ، وفي كثير من الحالات لا يكون السبب كافيا أو يبرر الطلاق ، وإنما يعود إلى طغيان صفتها كإنسان على صفتها كأنثي ، وتسلك المرأة الأوربية هذا المسلك في حالات يكون لديها أطفال لأن ميول واتجاهات وهوايات زوجها لا تتفق معها ، وقد يشجعها على هذا أن القانون الأوربي يعطي المرأة نصف ممتلكات الزوج عند الطلاق .
وقد أريد بهذا الحكم تصعيب الطلاق على الزواج لكنه أعطى الزوجة سلطة ابتزاز الزوج بما يخالف جادة المساواة والعدالة ، وإذا كان يثني الزوج عن الطلاق فإنه يدفعه دفعًا لممارسة علاقات جنسية خارج إطار الزواج ، ولكن دون الطلاق رغم أن هذه النظم نقلت عن الإسلام فكرة الفرقة المؤقتة SEPERATION قبل الطلاق النهائي ، وهى الفكرة في الطلاق الرجعي ، ولكن الإسلام أكثر إحكاما لأنه جعل إقامة الزوجة المطلقة في بيت زوجها لاحتمال التصالح بينما لا تشترط النظم الأوربية ذلك فأزيد في احتمال الطلاق .
ومع أن المرأة في صدر الأول للإسلام لم تكن هي الطالبة للطلاق ، إلا أن الطلاق لم يكن يمثل لها كارثة لما أشرنا إليه من سلامة البنية الإسلامية وسيادة قيم التكافل ، وهذا هو السر في كثرة الزيجات بالنسبة لكثير من النساء بما فيهن صحابيات بارزات ، وفي ضوء هذا يمكن نقرأ "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ" ، فالطلاق وأن كان ضرورة بغيضة ، إلا أن الحياة دون حب قد تكون لدى بعض النساء أسوأ من الطلاق .
الثلاثاء الفصل الثانى..
"دور الرسول نصيراً للمرأة وداعياً للمحبة والجمال"
◄الرسول (ص) كان نصيراً دائماً للمرأة..
◄فضل البر بالأمهات على البر بالآباء.
◄كان يفهم ماذا تنتظر الزوجة من زوجها.
◄استبعد إجبار الفتاة على الزواج بمن لا تريد
************************************************************************************
(1)رسالة القرآن والمرأة للشيخ شلتوت ، ص 3 .
(1)قال الشيخ عبد المتعال الصعيدي في كتابه "في ميدان الإجهاد" ص 45 ، تعليقًا على هذه الآية "وإني أرى أن لا دلالة في هذه الآية على وجوب ذلك النقاب لأن هذه الصيغة "يا أيها النبي قل" لا تدل على الوجوب ، لأن الأمر بشيء لا يدل على وجوب هذا الشيء ، كما هو مذهب جمهور علماء الأصول ، ولأن قوله "ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين" مما يدل على أن ذلك لا يدفع الفساد حتما وإنما هو أدني إلى دفعه ، ومثل هذا يكون مندوبا لا واجبًا ، نقول هذا دفع يغير الصورة المأخوذة وإن لم يعن به "المختصون" لأنهم لا يريدون المساس بالآية ، حتى ولو كان على حساب الحقيقة .
(1) سنناقش قضية النقاب في القسم الثاني من هذا الكتاب .
(1)" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ" النور 58 .
(1)الشيخ القرضاوي في كتاب "النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه" ، مكتبة وهبة" ، ص 57 .
(2)هناك فضيلة للزواج قلما يشار إليها ، تلك هي أنه إذا عاش الإنسان منفردًا فإن الابتذال يتطرق إليه ويمكن أن يسلم نفسه لعادات وممارسات سيئة ، كما تتملكه الأنانية ، ووجود شريك له يعيش معه دائمًا تحت سقف واحد (وهي علاقة لا تتحقق إلا بالزواج) يجعله يحجم عن ذلك ويأخذ نفسه بصور من الحفاظ والتهذيب في السلوك وعمل حساب "الآخر" والتخلي عن الأنانية ، الزواج هو أولى وأوثق حلقات "المجتمع" وهو نواة الحلقات الأكبر ، على مستوى المدينة والوطن ، وما أوسع .
(1)هو قيس بن ذريح حبيب لبنى ، وسترد إشارة إليه في الفصل الرابع .
(1)وهذا لا يمنع من أن المهر حق للمرأة ، وفي الحالة موضوع الحديث فإن الزوج تنازل لزوجته قبيل أن يموت عن سهمه في خيبر ليكون صداق امرأته وأشهد الحاضرين على ذلك .
(1)من هنا فنحن نرى أن من الخطأ الجسيم إيراد هذه الآية مقتضبة "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" لأنها جزء من آية ، تربطها بما سبقها الفاء في "فانكحوا"وهي تفيد الترتيب والتعقيب والسببية ، بحيث لا يفهم المعنى إلا بمعرفة ما قبلها ، فضلاً عن إضافة شرط العدل بعد كلمة "رباع" فمن الخطأ تجريدها مما قبلها ، ومما بعدها .
وعرض الآية هذا العرض المقتضب أسهم في فكرة أن التعدد حق مطلق دون ملابسات سابقة أو شروط لاحقة .
ونحن لا نجهل ما أورده الفقهاء عن العدل ولكن يظل مع هذا لإشارة القرآن دون تحفظ أهميتها .
(1)إن تكملة الحديث "لا والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد" قد توحي بأن هناك مبررًا خاصًا جعل الرسول  يرفض التعدد ، وبالتالي لا يجوز الاستدلال به على حكم عام ، وهو ملحظ دقيق ولكنه مرجوح لأن الرسول نفسه وضع مبدأ أن الإسلام يجب ما قبله ، ولم تؤثر عداوات خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمه بن أبي جهل السابقة عليهم بعد أن أسلموا ، ووضع القرآن مبدأ "ولا تزر وازرة وزر أخرى" وعندما عير بعض النساء درة بنت أبي لهب بأبيها بعد أن هاجرت وأسلمت ، غضب الرسول وقال "لا يؤذى حي بميت" ، كما أن الرسول قال بصريح العبارة إن فاطمة بضعه مني وإني أكره ما يسوؤها ، ولم يكن الموقف بالنسبة لفاطمة ليتغير لو كانت المرشحة للزواج من على بنت أحد كبار أصحابه .والذي أراه أن من عنده مثل فاطمة أو من يدانيها لا يجوز له أن يفكر في الزواج عليها ، وعليه أن يفعل كما فعل الرسول نفسه عندما لم يتزوج على خديجة حتى ماتت مع أنه وقتئذ كان في أوج الرجولة ، وهذا الاستنباط يعزز المعنى الذي أشرنا إليه ، ألا وهو أن التعدد مباح بشروط وفي ملابسات معينة ، وليس حقًا مقررًا مطلقًا فإذا لم تتوفر الشروط والملابسات جاز وربما وجب إيقافه.
(1)من الطريف أن كرادلة الكنائس الأوربية في مؤتمر لامبث الذي عقد في لندن الذين أجمعوا على هذا ضاقوا ذرعا بكرادلة الكنائس الشرقية الذين رفضوا إقرار هذا الشذوذ ، واتهموهم بالتأثر بالإسلام !! (انظر مجلة الأسبوع القاهرة ص 7 العدد الصادر في 17/8/1998) . وتضمنت ورقة بكين (1995) أن الدعارة ليست عارًا ما لم تفرض .
(1)منذ أن صفع كلارك جيبل ريتاهايورث صفعة مدوية في فيلم جيلدًا ، أصبحت هذه الصفعات في السينما أو البيوت أمرًا مألوفًا ، والرسول ينهى بوجه خاص عن الصفع للرجال والنساء على حد سواء ، بل وللرقيق أيضًا وجعله سببًا للعتق .
(1)نحن عادة لا نأخذ بما يقولون عنه أسباب النزول ولا بما يروى في التفاسير ، ولكن الفيصل في القبول أو الرفض هو الموافقة أو المخالفة لروح الآيات ، فإذا كان سبب النزول موافقاً فيمكن قبوله على سبيل الاستئناس لأن الأصل هو عموم اللفظ لا خصوص السبب ، جاء في تفسير الرازي عند حديثه عن نقطة القوامة .
المسالة الأولى : القّوام ، اسم لمن يكون مبالغًا في القيام بالأمر ، يقال : هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويهتنم بحفظها ، قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في بنت محمد بن سلمة وزوجها سعد بن الربيع أحد نقباء الأنصار ، فإنه لطمها فنشزت عن فراشه وذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وذكرت هذه الشكاية ، وأنه لطمها وأن أثر اللطمة باق في وجهها ، فقال علية الصلاة والسلام : (اقتصي منه) ، ثم قال لها اصبري حتى أنظر ، فنزلت هذه الآية (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) ، أي مسلطون على أدبهن والأخذ فوق أيديهن ، فكأنه تعالي جعله أميرًا عليها ونافذ الحكم في حقها ، فلما نزلت هذه الآية ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (أردنا أمرًا وأراد الله أمرًا والذي أراد الله خير) ، ورفع القصاص ، ثم إنه تعالي لما أثبت للرجال سلطة على النساء ونفاذ أمرهم عليهن بين أن فعل ذلك معلل بأمرين ، أحدهما : قوله تعالي (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) . والثاني : (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) ، تفسير الرازي ، ص 72 ج 11 .
وعن نقطة الضرب قال الرازي : قال الشافعي رضي الله عنه : والضرب مباح وتركه أفضل ، روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : كنا معاشر قريش تملك رجالنا نساءهم ، فقدمنا المدينة فوجدنا نساءهم تملك رجالهم ، فاختلطت نساؤنا فذئرن على أزواجهن ، أي نشزن واجترأن ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له : ذئرت النساء على أزواجهن ، فأذن في ضربهن فطاف بحجر نساء النبي صلى الله عليه وسلم جمع من النسوان كلهن يشكون أزواجهن ، فقال صلى الله عليه وسلم (لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشكون أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم) ، ومعناه أن الذين ضربوا أزواجهم ليسوا خيرًَا ممن لم يضربوا ، قال الشافعي رضي الله عنه : فدل هذا الحديث على أن الأولى ترك الضرب ، فأما إذا ضربها وجب في ذلك الضرب أن يكون بحيث لا يكون مفضيًا إلى الهلاك البتة بأن يكون مفرقاً على بدنها ولا يوالي به في موضوع واحد ويتقي الوجه لأنه مجمع المحاسن ، بأن يكون دون الأربعين ، ومن أصحابنا من قال : لا يبلغ به عشرين لأنه حد كامل في حق العبد ، ومنهم من قال : ينبغي أن يكون الضرب بمنديل ملفوف أو بيده ، ولا يضرب بالسياط ولا بالعصا ، وبالجملة فالتخفيف مراعي في هذا الباب على أبلغ الوجوه .
(1)هي أم جميل بنت عبد الله ضربها زوجها فذكرت ذلك للنبي فقال لزوجها ، هل لك أن تفارقها ففارقها (أنظر الإصابة في تمييز الصحابة) ، ص 218 ، ج 8 .
(1)حدثت حالات عديدة لابتزاز بعض الأزواج زوجاتهم إذ بعد أن طلقوهن طلاقًا رجعيًا ، وتزوج هؤلاء الزوجات وأنجبوا ادعوا أنهم أعادوهن ، فيما بينهم بين أنفسهم ، وفي حالة أخرى عندما ماتت الزوجة المطلقة الثرية ادعي زوجها أنه أعادها فيما بينه وبين نفسه في فترة العدة وطالب بالميراث ، وقد أدت هذه الحالات إلى وضع مشروع بقانون لمجلس الشعب أيده فضيلة المفتي يوجب توثيق الزوج لمراجعته قبل انقضاء ستين يومًا من تاريخ الطلاق وإخطار الزوجة بذلك خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ التوثيق .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.