د . مصطفى خميس السيد لا تعترف السياسة سوى بالفاعلين السياسيين القادرين على التأثير على الفعل السياسى سواء عبر تشكيل وعى الجماهير وحشدهم لصالح أجندة سياسية أو اقتصادية معدة سلفآ لتخدم المصالح الأيديولوجية و المادية لهؤلاء الفاعلين ، أو من خلال التأثير على عملية صنع القرار داخل أروقة السلطة إما عبر التحالف معها أو الضغط عليها من خلال أطر مؤسسية و قانونية أو من خلال معارضتها و استخدام أساليب دستورية أو غير دستورية لتعطيل الفعل السياسى للسلطة . بهذا المعنى السابق فإن تحديد مصير مصر السياسى فى 2015 لن يكون بالضرورة عبر الفاعل الأكثر نقاء أو الأجدر على طرح المظلوميات والترويج لها و لكنه سيكون الأكثر تنظيمآ ومرونة والأجدر على قراءة الواقع وامتلاك أدوات التأثير على الفعل السياسى بالمعنيين الإيجابى والسلبى على النحو المشروح أعلاه . و وفقا لذلك فإن الفاعلين المؤهلين حتى اللحظة للتأثير على مصير مصر السياسى خلال العام الجديد هم بحسب ترتيب درجة التأثير وفقا لوجهة نظرى الشخصية أولآ : المؤسسة العسكرية : وهى أهم المؤسسات القادرة على التأثير على المصير السياسى لمصر خلال العام الجديد ، صحيح أنها رسميآ غير منخرطة فى الشأن السياسى ، و لكنها فعليآ تملك ( كما امتلكت فى كل اللحظات المحورية من تاريخ الجمهورية ) التأثير على مصير الفاعلين السياسيين إذا ما قررت فى أى لحظة أن وحدة البلاد تتعرض لخطر، لما تمتلكه من مصالح مجتمعية و اقتصادية و لما اكتسبته من شرعية شعبية منذ 2011 جعلتها تملك فى النهاية اليد الطولى لتحديد متى و كيف تتدخل لتغير هيكل السلطة و ترتيباتها ، و ما تمتلكه أيضا من مكتسبات دستورية تأسست فى دستور 2012 ثم بشكل أكبر فى 2014 ، جعلتها تتمتع باستقلال عضوى عن مؤسسة الرئاسة والقضاء والبرلمان ، أى إنها وبشكل عملى أصبحت سلطة رابعة فى مصر تضاف إلى السلطات الثلاث التقليدية وفقآ للترتيبات الدستورية الأخيرة . و إذا ما أضفنا فى النهاية أن الفاعلين المدنيين على اختلاف انتماءاتهم مازالوا بعيدين عن إحداث تغيير حقيقى فى معادلة السلطة ، نستطيع أن نفهم لماذا ستتمتع المؤسسة العسكرية بالتأثير الأهم فى تحديد مصير مصر فى عام 2015 . ثانيآ : الأجهزة الأمنية و السيادية : والمقصود تحديدآ أجهزة المخابرات الحربية والعامة والأمن الوطنى ، و بغض النظر أن المتاح من معلومات حول طبيعة العلاقة بين هذه الأجهزة وما إذا كانت تتصرف بشكل يعكس تحالفآ أو صراعآ بينها يظل قليل ، إلا أنها تظل الأجدر و الأكثر قدرة على تحديد المصير السياسى لمصر سواء بالسلب أو الإيجاب لما تمتلكه من موقع محورى فى عملية صنع السياسة و اختيار النخبة المقربة من السلطة ، و بما تمتلكه من معلومات و أدوات مباشرة و غير مباشرة للتهديد أو المكافأة ، فضلآ عن إنها الأجهزة الأبعد عن الرقابة المؤسسية أو الدستورية لأسباب محورية ومعقدة . ••• ثالثآ : مؤسسة القضاء : وهى ثالث أهم مؤسسة أتوقع أن تؤثر على المصير السياسى لمصر خلال عام 2015 فالقضاء المصرى تمكن هو الآخر بجانب المؤسسة العسكرية من تحقيق استقلال كبير عن أى نوع من الرقابة أو التوازن مع المؤسسات التنفيذية والتشريعية ، وقد أثبتت الأحداث السابقة و اللاحقة على ثورة يناير أن القضاء يستطيع أن يلعب دورا كبيرا فى تحديد مصير السياسة بالشقين الإيجابى والسلبى لهذا المصير . ولأن القضاء يملك أيضا المحكمة الدستورية العليا ، تلك المؤسسة التى أثبتت الأحداث السياسية إنها تستطيع قلب المعادلات فى أية لحظة ولأن أحد رجال هذه المؤسسة قد شغل منصب الرئيس المؤقت فى فترة دقيقة حتى وإن بدى أن منصبه رمزيآ ، لكن بكل تأكيد أصبح القضاء بمؤسساته و لاعبيه منخرط بقوة فى تحديد الخريطة السياسية لمصر وسيستمر فى لعب هذا الدور خلال عام 2015 أيضآ . رابعآ : مؤسسة الرئاسة : و قد يتعجب البعض من وضع تلك المؤسسة الهامة فى المرتبة الرابعة للتأثير، وفى تقديرى أن المؤسسة و على رأسها رئيس الجمهورية والدائرة الضيقة للغاية من مساعدية العسكريين أثبتوا فى 2014 أنهم فاعل مهم فى التأثير لكنهم ليسوا الأهم لكونهم فى النهاية حاصل تسوية التفاعل بين معادلات القوى والتوازنات والصراعات بين أجهزة الدولة السياسية ومؤسساتها القوية . فمعظم التشريعات والقرارات التى خرجت عن رئاسة الجمهورية منذ المستشار عدلى منصور وحتى اللحظة أثبتت أنها تعبر عن توازنات و مصالح الأجهزة الأمنية و المؤسسة العسكرية و مؤسسة القضاء ، و أن قلة فقط من تلك القرارات والتشريعات يمكن أن تعبر عن المؤسسة فى حد ذاتها أو عن رؤية قائدها ، و لأن قائد المؤسسة مصمم على الاكتفاء بدائرة مستشارين من خلفيات عسكرية و أمنية دون عقل سياسى واحد ، ولأنه بلا ظهير سياسى واضح ، و لأنه بلا برنامج محدد الملامح و الخطوات ، فستظل المؤسسة وقائدها فى 2015 معبرة عن تلك التوازنات الدقيقة بين اللاعبين الآخرين ومن غير المتوقع أن تلعب مساحة أكبر من ذلك ما لم يحدث تغير جذرى فى طريقة قيادتها . ••• خامسآ : البرلمان : فرغم أن مصير هذا البرلمان مازال غامضآ ، فإن البرلمان بكل سيناريوهاته المتوقعة بدءا من غيابه أو تغيبه لمصالح ضيقة أو انتخابه وتفتته وإعاقته ، بسبب هذا التشرذم ، لعمل مؤسسة الرئاسة وغيرها من مؤسسات الدولة انتهاء بحله بقرار رئاسى أو قضائى ، أو حتى تحوله إلى مجرد أداة فى يد الرئيس أو غيره من المؤسسات القوية الأخرى ، وصولآ إلى السيناريو الأكثر تفاؤلآ والقائل بتحوله إلى ساحة حقيقية للتشريع عبر توازنات بين قوى سياسية وحزبية جديدة يتم خلقها بداخله ، يظل اللاعب الخامس الأبرز فى 2015 و قد يحدد مصير كل اللاعبين الآخرين . سادسآ : الإعلام : يلعب الإعلام أخيرآ دورآ مهمآ فى 2015 فى تحديد مصير الوطن ، ولكن سيظل هذا الدور ( فى مجمله ) مجرد تعبير عن مصالح ورؤى الأجهزة المختلفة وإن كانت مجموعة الإعلاميين الشباب الذين أثبتوا فى 2014 قدرآ معتبرآ من المهنية قادرين على صنع اتجاه جديد من الإعلام أعتقد أنه سيمكنهم بقدر ما من التأثير على مجريات الأمور خلال العام الجديد . ••• بالإضافة إلى الفاعلين السابقين يوجد عدد آخر من الفاعلين من المتوقع أن يكون لهم دورآ فى تحديد سير الأمور خلال العام الحالى ، منهم الجهاز البيروقراطى للدولة بشقيه ( الإدارة العليا الممثلة فى وكلاء الوزراء و رؤساء القطاعات على مستوى الدواوين المركزية و مديريات المحافظات ، و الأجهزة التنفيذية على مستوى المحافظات و المدن و القرى و الأحياء ) ، هذا طبعآ فضلآ عن أن الفاعلين الإقليميين و خاصة فى دول الخليج سيظل لهم دورآ كبيرآ فى تحديد مصير التفاعلات الداخلية فى مصر عن طريق أداوات المساعدات الاقتصادية والاستثمارات المباشرة و غير المباشرة و الدعم السياسى و الوساطة مع الأطراف الأسيوية و الأوروبية لدعم الملف المصرى سياسيآ و اقتصاديآ ، كما أن أى تغير فى معادلة الاستقرار السياسى الداخلى لأى من هذه الدول و لا سيما فى المملكة العربية السعودية ، أو أى تغيير فى معادلة الصراع الفسلطينى الإسرائيلى أو فى المعادلة الأمريكية الإيرانية أو غيرها من المعادلات الأمنية فى سوريا والعراق و ليبيا على هامش مصير تنظيم داعش الإرهابى من المتوقع أن يُحدِث تأثيرات كبيرة أيضآ على الأوضاع الداخلية فى مصر . لا تبدو الموشرات الأولية فى 2015 لصالح قوى التغير سواء بشقه الإصلاحى أو الثورى ، كما لا تبدو الأمور فى طريقها إلى الاستقرار السياسى أو الاقتصادى المنشود ، لن تكون 2015 هى سنة الحسم ، و لكنها ستشهد و بشكل أكثر تفصيلآ و وضوحآ تسديد الفواتير المؤجلة منذ اربعة أعوام بين هؤلاء الفاعلين جميعا ، وقد تشهد تغيرات مشابهة لتلك الحادثة فى 2015 . د . مصطفى خميس السيد الباحث السياسى فى شئون الاحزاب