لا تعترف السياسة سوى بالفاعلين السياسيين القادرين على التأثير على الفعل السياسى سواء عبر تشكيل وعى الجماهير وحشدهم لصالح أجندة سياسية أو اقتصادية معدة سلفا لتخدم المصالح الأيديولوجية والمادية لهؤلاء الفاعلين، أو من خلال التأثير على عملية صنع القرار داخل أروقة السلطة إما عبر التحالف معها أو الضغط عليها من خلال أطر مؤسسية وقانونية أو من خلال معارضتها واستخدام أساليب دستورية أو غير دستورية لتعطيل الفعل السياسى للسلطة. بهذا المعنى السابق فإن تحديد مصير مصر السياسى فى 2015 لن يكون بالضرورة عبر الفاعل الأكثر نقاء أو الأجدر على طرح المظلوميات والترويج لها ولكنه سيكون الأكثر تنظيما ومرونة والأجدر على قراءة الواقع وامتلاك أدوات التأثير على الفعل السياسى بالمعنيين الإيجابى والسلبى على النحو المشروح أعلاه. ووفقا لذلك فإن الفاعلين المؤهلين حتى اللحظة للتأثير على مصير مصر السياسى خلال العام الجديد هم (بحسب ترتيب درجة التأثير وفقا لوجهة نظر الكاتب): أولا: المؤسسة العسكرية: وهى أهم المؤسسات القادرة على التأثير على المصير السياسى لمصر خلال العام الجديد، صحيح أنها رسميا غير منخرطة فى الشأن السياسى، ولكنها فعليا تملك (كما امتلكت فى كل اللحظات المحورية من تاريخ الجمهورية) التأثير على مصير الفاعلين السياسيين إذا ما قررت فى أى لحظة أن وحدة البلاد تتعرض لخطر، لما تمتلكه من مصالح مجتمعية واقتصادية ولما اكتسبته من شرعية شعبية منذ 2011 جعلتها تملك فى النهاية اليد الطولى لتحديد متى وكيف تتدخل لتغير هيكل السلطة وترتيباتها، وما تمتلكه أيضا من مكتسبات دستورية تأسست فى دستور 2012 ثم بشكل أكبر فى 2014، جعلتها تتمتع باستقلال عضوى عن مؤسسة الرئاسة والقضاء والبرلمان، أى إنها وبشكل عملى أصبحت سلطة رابعة فى مصر تضاف إلى السلطات الثلاث التقليدية وفقا للترتيبات الدستورية الأخيرة. وإذا ما أضفنا فى النهاية أن الفاعلين المدنيين على اختلاف انتماءاتهم مازالوا بعيدين عن إحداث تغيير حقيقى فى معادلة السلطة، نستطيع أن نفهم لماذا ستتمتع المؤسسة العسكرية بالتأثير الأهم فى تحديد مصير مصر فى عام 2015. ثانيا: الأجهزة الأمنية والسيادية: والمقصود تحديدا أجهزة المخابرات الحربية والعامة والأمن الوطنى، وبغض النظر أن المتاح من معلومات حول طبيعة العلاقة بين هذه الأجهزة وما إذا كانت تتصرف بشكل يعكس تحالفا أو صراعا بينها يظل قليل، إلا أنها تظل الأجدر والأكثر قدرة على تحديد المصير السياسى لمصر سواء بالسلب أو الإيجاب لما تمتلكه من موقع محورى فى عملية صنع السياسة واختيار النخبة المقربة من السلطة، وبما تمتلكه من معلومات وأدوات مباشرة وغير مباشرة للتهديد أو المكافأة، فضلا عن إنها الأجهزة الأبعد عن الرقابة المؤسسية أو الدستورية لأسباب محورية ومعقدة. ••• ثالثا: مؤسسة القضاء: وهى ثالث أهم مؤسسة أتوقع أن تؤثر على المصير السياسى لمصر خلال عام 2015 فالقضاء المصرى تمكن هو الآخر بجانب المؤسسة العسكرية من تحقيق استقلال كبير عن أى نوع من الرقابة أو التوازن مع المؤسسات التنفيذية والتشريعية، وقد أثبتت الأحداث السابقة واللاحقة على ثورة يناير أن القضاء يستطيع أن يلعب دورا كبيرا فى تحديد مصير السياسة بالشقين الإيجابى والسلبى لهذا المصير. ولأن القضاء يملك أيضا المحكمة الدستورية العليا، تلك المؤسسة التى أثبتت الأحداث السياسية إنها تستطيع قلب المعادلات فى أية لحظة ولأن أحد رجال هذه المؤسسة قد شغل منصب الرئيس المؤقت فى فترة دقيقة حتى وإن بدى أن منصبه رمزيا، لكن بكل تأكيد أصبح القضاء بمؤسساته ولاعبيه منخرط بقوة فى تحديد الخريطة السياسية لمصر وسيستمر فى لعب هذا الدور خلال عام 2015 أيضا. رابعا: مؤسسة الرئاسة: وقد يتعجب البعض من وضع تلك المؤسسة الهامة فى المرتبة الرابعة للتأثير، وفى تقديرى أن المؤسسة وعلى رأسها رئيس الجمهورية والدائرة الضيقة للغاية من مساعدية العسكريين أثبتوا فى 2014 أنهم فاعل مهم فى التأثير لكنهم ليسوا الأهم لكونهم فى النهاية حاصل تسوية التفاعل بين معادلات القوى والتوازنات والصراعات بين أجهزة الدولة السياسية ومؤسساتها القوية. فمعظم التشريعات والقرارات التى خرجت عن رئاسة الجمهورية منذ المستشار عدلى منصور وحتى اللحظة أثبتت أنها تعبر عن توازنات ومصالح الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية ومؤسسة القضاء، وأن قلة فقط من تلك القرارات والتشريعات يمكن أن تعبر عن المؤسسة فى حد ذاتها أو عن رؤية قائدها، ولأن قائد المؤسسة مصمم على الاكتفاء بدائرة مستشارين من خلفيات عسكرية وأمنية دون عقل سياسى واحد، ولأنه بلا ظهير سياسى واضح، ولأنه بلا برنامج محدد الملامح والخطوات، فستظل المؤسسة وقائدها فى 2015 معبرة عن تلك التوازنات الدقيقة بين اللاعبين الآخرين ومن غير المتوقع أن تلعب مساحة أكبر من ذلك ما لم يحدث تغير جذرى فى طريقة قيادتها. ••• خامسا: البرلمان: فرغم أن مصير هذا البرلمان مازال غامضا، فإن البرلمان بكل سيناريوهاته المتوقعة بدءا من غيابه أو تغيبه لمصالح ضيقة أو انتخابه وتفتته وإعاقته، بسبب هذا التشرذم، لعمل مؤسسة الرئاسة وغيرها من مؤسسات الدولة انتهاء بحله بقرار رئاسى أو قضائى، أو حتى تحوله إلى مجرد أداة فى يد الرئيس أو غيره من المؤسسات القوية الأخرى، وصولا إلى السيناريو الأكثر تفاؤلا والقائل بتحوله إلى ساحة حقيقية للتشريع عبر توازنات بين قوى سياسية وحزبية جديدة يتم خلقها بداخله، يظل اللاعب الخامس الأبرز فى 2015 وقد يحدد مصير كل اللاعبين الآخرين. سادسا الإعلام: يلعب الإعلام أخيرا دورا مهما فى 2015 فى تحديد مصير الوطن، ولكن سيظل هذا الدور (فى مجمله) مجرد تعبير عن مصالح ورؤى الأجهزة المختلفة وإن كانت مجموعة الإعلاميين الشباب الذين أثبتوا فى 2014 قدرا معتبرا من المهنية قادرين على صنع اتجاه جديد من الإعلام أعتقد أنه سيمكنهم بقدر ما من التأثير على مجريات الأمور خلال العام الجديد. ••• بالإضافة إلى الفاعلين السابقين يوجد عدد آخر من الفاعلين من المتوقع أن يكون لهم دورا فى تحديد سير الأمور خلال العام الحالى، منهم الجهاز البيروقراطى للدولة بشقيه (الإدارة العليا الممثلة فى وكلاء الوزراء ورؤساء القطاعات على مستوى الدواوين المركزية ومديريات المحافظات، والأجهزة التنفيذية على مستوى المحافظات والمدن والقرى والأحياء)، هذا طبعا فضلا عن أن الفاعلين الإقليميين وخاصة فى دول الخليج سيظل لهم دورا كبيرا فى تحديد مصير التفاعلات الداخلية فى مصر عن طريق أداوات المساعدات الاقتصادية والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة والدعم السياسى والوساطة مع الأطراف الأسيوية والأوروبية لدعم الملف المصرى سياسيا واقتصاديا، كما أن أى تغير فى معادلة الاستقرار السياسى الداخلى لأى من هذه الدول ولا سيما فى المملكة العربية السعودية، أو أى تغيير فى معادلة الصراع الفسلطينى الإسرائيلى أو فى المعادلة الأمريكية الإيرانية أو غيرها من المعادلات الأمنية فى سوريا والعراق على هامش مصير تنظيم داعش الإرهابى من المتوقع أن يُحدِث تأثيرات كبيرة أيضا على الأوضاع الداخلية فى مصر. لا تبدو الموشرات الأولية فى 2015 لصالح قوى التغير سواء بشقه الإصلاحى أو الثورى، كما لا تبدو الأمور فى طريقها إلى الاستقرار السياسى أو الاقتصادى المنشود، لن تكون 2015 هى سنة الحسم، ولكنها ستشهد وبشكل أكثر تفصيلا ووضوحا تسديد الفواتير المؤجلة منذ 2015 بين هؤلاء الفاعلين جميعا، وقد تشهد تغيرات مشابهة لتلك الحادثة فى 2011 أو 2013.