"التنسيقية": استمرار توافد الناخبين بقنا للتصويت في انتخابات مجلس النواب 2025    رئيس الوزراء ل«الشروق»: لن نتخذ أية قرارات جديدة من شأنها التسبب في زيادة معدلات التخضم مرة أخرى    مصادر للقاهرة الإخبارية: مصر ملتزمة بفتح معبر رفح من الاتجاهين لاستقبال الجرحى من غزة وعودة الفلسطينيين إلى القطاع    السفير الجزائري في مصر: ندرس إنشاء منصة تكشف عن احتياجات سوق البلدين الاستثمارية    إندونيسيا ترسل سفنا حربية لدعم عملية توزيع المساعدات في آتشيه المتضررة جراء الفيضان    صلاح يبحث عن رقمٍ استثنائي أمام سندرلاند في الدوري الإنجليزي    أوسكار رويز يعقد اجتماعًا فنيًا مع الحكام لمراجعة بعض الحالات    السيطرة على حريق محدود داخل مستشفى قصر العينى    مصرع 3 أشخاص وإصابة 4 آخرين إثر حادثين في أسيوط    بعد كلمته أمام مجلس الشيوخ.. المسلماني: ملتزمون بالعمل من أجل إعلام وطني قوي    العرض العالمي الأول للفيلم الفلسطيني أعلم أنك تسمعني في مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    تصريح صادم من الكاتب أحمد مراد عن فيلم الست    الجيزة تنفّذ حملة مكبرة بعثمان محرم لإزالة الإشغالات وإعادة الانضباط إلى الشارع    مياه الشرب بالجيزة: كسر مفاجئ بخط مياه قطر 1000 مم أمام مستشفى أم المصريين    لجنة إدارة الإسماعيلي تؤكد استمرارها وتسعى لحل أزمات الدراويش    محافظ الجيزة يتفقد الموقف التنفيذي لتطوير حديقتي الحيوان والأورمان    توقيع الكشف الطبي على 283 حالة بمدرسة كفر الكردي في كفر شكر    توغل قوات إسرائيلية في عدة قرى بريف القنيطرة الجنوبي بسوريا    مباحثات مباشرة لأول مرة بين إسرائيل ولبنان.. ما الهدف؟    «الري» تتعاقد على تنفيذ التغذية الكهربائية لمحطتي البستان ووادي الصعايدة    الداخلية تضبط شخصا بحوزته بطاقات شخصية بمحيط لجان في قنا    مدرب تونس: طوينا صفحة الخسارة أمام سوريا ونستعد بقوة لمواجهة فلسطين    فيدريكو جاتي يغيب عن يوفنتوس بسبب إصابة الركبة    خبر في الجول – الإسماعيلية الأقرب لاستضافة السوبر المصري لكرة السلة    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. غزة تواجه أعلى معدلات الإعاقة في العالم بسبب حرب الإبادة الجماعية.. 12 ألف طفل فقدوا أطرافهم أو تعرضوا لعاهات مستديمة.. و60% من السكان صاروا معاقين    يروي قصة أرض الإمارات وشعبها.. افتتاح متحف زايد الوطني بأبوظبي.. صور    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    إبراهيم قاسم: قرارات الهيئة وتوجيهات رئيس الجمهورية رفعت ثقة الناخبين وقللت المخالفات    سكرتير عام المنوفية يشهد افتتاح معرض «ابتكار مستدام»    رئيس قطاع الثروة الحيوانية والداجنة بالزراعة: لا توجد دواجن مريضة في الأسواق.. واتهامات السردة إشاعات    عاجل- الحكومة: 6.3 مليون مواطن استفادوا من خدمات هيئة الرعاية الصحية خلال 6 أشهر    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    زينة: "ماشوفتش رجالة في حياتي وبقرف منهم"    6 قرارات جديدة للحكومة.. تعرف عليها    ريهم عبدالغفور تحيي ذكرى وفاة والدها الثانية: "فقدت أكتر شخص بيحبني"    7 ديسمبر.. الإدارية العليا تنظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    ضبط سيدتين بحوزتهما كروت دعاية انتخابية بمحيط لجنة في دمنهور قبل توزيعها على الناخبين    بداية شهر رجب 1447 هجريًا... الحسابات الفلكية تكشف موعد ظهور الهلال    السيدة انتصار السيسي تحتفي بيوم أصحاب الهمم: قلوب مليئة بالحب    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    الأمن يضبط قضايا إتجار فى العملات الأجنبية تتجاوز 3 ملايين جنيه    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    محافظ الإسكندرية يتفقد لجان الاقتراع بدائرة الرمل    طلاب ثانية إعدادي يؤدون اختبار مادة العلوم لشهر نوفمبر بالقاهرة    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    أسعار الفراخ والبيض اليوم الاربعاء 3-12-2025 في الأقصر    سوريا تشكر مصر على مشروع قرار أممى يطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى الغزاوي يكتب :تعديل ميزان القوى .. المصارحة أولاً
نشر في الوفد يوم 28 - 08 - 2012

الأوضاع الحالية في مصر أقرب إلى السيولة منها إلى المنطق، حيث الأقوال أدنى من الثقافة والوعي، والأفعال تتجاوز الأدوار، واستبدال الخصومات أساس الخيارات، وتبادل الأدوار صار مفزعا فالعناصر التي تنتمي إلي تيارات الثورة او أنتجتها الثورة صامتة، وقضايا اللحظة يتبادل الدعوة إليها عناصر محل ريبة، وفتاوى إهدار الدم لا راد لها، وكتائب الإشاعات صارت أحد مكونات النظام، والمؤسسة العسكرية محل استفهام أكثر منها رمانة الميزان، وهي الصفة التي ضاعت منها خلال الفترة الانتقالية، وسط هذه السيولة تصبح المكاشفة واجبة، حتى وإن بدت أنها تكرار لما قيل من قبل أو تجميع له، فهي المدخل الأساسي لبحث توازن القوى.
بدون تحديد ماهية القوى المؤثرة في المجتمع المصري، وواقعها الآن لن نستطيع الحديث عن ميزان القوى أو البحث في تعديله، وماذا نعني بالتعديل، وهل ننظر بعين منحازة أم بعين محايدة، فالانحياز في المواقف السياسة هو حقيقة الوجود، والحياد يعني انعدام الموقف. ما يمكن أن نرصده كانحياز أو حياد هو الموقف من الثورة، ومن حاجات الشعب وأهدافه.
ننحاز إلى الثورة، ومرجعية القياس هو هدفها الأعلى في نداء "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وعلى هذا المعيار تجب المصارحة.
البداية واجبة من نهاية وقائع الثمانية عشر يوما الأولى من عمر الثورة، أي مع تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة مسؤولية إدارة البلاد، كان يمكن يومها أن يمثل المجلس، الثورة والشعب إن هو (تفهم مطالب الشعب) كما أعلن المتحدث باسمه، كما هي (مطالب الشعب) ولم يكن يضمر إنهاء عملية التوريث كحد أقصى، وكان يمكنه أن يكون رمانة الميزان الوطني إن لم ينحز منذ اللحظة الأولى إلى جانب جماعة الإخوان والتيارات الدينية.
بداية المشهد انحياز من المجلس العسكري للإخوان في تشكيل لجنة التعديلات الدستورية، ونهاية المشهد قرارات من الرئيس المنتخب بتغييرات في القيادة العسكرية فتحت جدلا هل ما نراه تنفيذا لاتفاق بينهما أم هو انقلاب على المجلس استولت به الإخوان على قيادة الجيش أو هو خليط بين هذا وذاك.
هذا الجدل أثاره حق الشعب أن يعرف، وهو صاحب الإرادة التي صنعت الثورة ومنه إرادة أتت بالرئيس المنتخب، وتناقض هذا الحق مع اكتفاء الأطراف بعرض النتائج بينما تكفلت كتائب الإشاعات المنتشرة في مصر بعرض الأبعاد الثورية للقرارات، وصارت إزاحة المجلس العسكري هي المطلب الثوري، رغم أن المجلس العسكري هو من أتي بهم وقدم الانتخابات على الدستور حسب رؤية الإخوان، وأحال وقائع الفترة الانتقالية إلى فترة انتقامية كما أطلق عليها الشعب في أحاديثه اليومية مثيرا الكثير من علامات الاستفهام دون أن يجد إجابات عليها.
أنتجت الفترة الانتقالية عددا من الملاحظات نرصدها كمقدمة أساسية لدراسة ما نعنيه بالبحث عن توازن القوى:
1) أن هناك تحالفا بين الإخوان والمجلس العسكري، وتوقعنا في مقالات سابقة أن هذا التحالف كان سابقا على الثورة في مواجهة موضوع التوريث، حيث افترضنا أن المجلس العسكري كان يبحث عن عمق جماهيري ووجد ضالته في الإخوان في مواجهة تحالف الداخلية والسلفيين والرأسماليين الجدد، والذي كان يتبنى مشروع التوريث.
2) أن هذا التحالف تأكد مبكرا بلقاء الإخوان (محمد مرسي وسعد الكتاتني) مع عمر سليمان، وتولت جماعة الإخوان بناء عليه مهمة تفريغ الميدان، مقابل الحصول على حزب والإفراج عن المعتقلين أو المحكومين.
3) جرى فتح أبواب المشاركة أمام السلفيين باعتبارهم تيارا سياسيا، وكذلك أفرج عن العديد من المعتقلين ، ليس بحثا عن تحقيق العدالة، ولكن لدعم معسكر تحالف الإخوان والمجلس العسكري.
4) لا يمكن الفصل بين ما جري داخليا والمحيط الإقليمي والعالمي الذي شكل وحدة في الرؤية تحول بين التغيير الموضوعي كما يريده الشعب ويطالب به وبين مجرد التغيير الشكلي بإزاحة رأس النظام مع الإبقاء علي النظام وعلاقاته الداخلية والخارجية كما هي, وكان الأمر تحقيقا لمصالح متبادلة حتى وان كان لدي الغرب تحالفا مؤقتا، يمكن إعادة صياغته مستقبلا، ولكنه حاجة اللحظة.
5) تجاوب التحالف الداخلي مع الرؤى الخارجية في الإقليم او لأمريكا وإسرائيل، استهدفت بالأساس ألا تتحقق نتائج حقيقية لتحرك العشرين مليونا من المصريين، وتفريغ هذا التحرك من قواه الفاعلة لضمان عدم القدرة على تكراره.
6) تولي المجلس العسكري عملية تفريغ الحركة من قواها الفاعلة سواء بالاعتقال والمحاكمات العسكرية، حتى القتل، مع اختراق التجمعات التي تأسست بعد الثورة وجرى تفكيك هذه التجمعات والائتلافات بتحقيق بعض المصالح الشخصية لعناصرها وفتح دائرة الضوء أمامهم، فزاغ منهم البصر وتغلبت المناحي الشخصية على الموضوعية.
7) تجلت خلال الفترة الماضية حملة على الهوية المصرية، وكأن مصر كانت دولة الكفر ولم تكن دولة الفساد، وكأن الدعاة كانوا قادة الثورة ولم يكونوا خدم النظام وسدنته والداعين إلى عدم التظاهر، وبلغ بهم الأمر بالفتوى بأنهم يكفيهم أن الحاكم لا يمنع صلاتهم بالمساجد، وتحول الأمن القومي المصري والهوية الوطنية إلي رهينة لهم، وتبدل معنى التصويت إلى أنه غزوة دينية، وأن كل من يخالفهم هو خارج على شرع الله، وحدث التشوه الأكبر في الخطاب السياسي، ووصل الأمر حد إهدار دم المتظاهرين.
8) كشفت الوقائع حقيقة تصحر الحياة السياسية، وهو ما عرض له الاستاذ محمد حسنين هيكل في اقتراحه بمجلس أمناء الدستور، وأن تكون الفترة الانتقالية لمدة ثلاث سنوات، وبات واضحا أن ثورة الشعب تجاوزت الأحزاب والنخب ولم يستطع أي منهم ان يعرض رؤية تعبر عن الثورة، وصار الخطاب السياسي فارغ المضمون، مبتور لا يدعم أهداف الثورة ولا يخصبها، ولكنه خطاب الخصومة سعيا لتحقيق نتائج وفق جدول أعمال تحالف العسكري والإخوان، غير واعين أن من يضع جدول الأعمال يملك آليات وقدرات إدارته لصالحه.
9) وقعت التيارات السياسية حبيسة أحاديث الخصومة، بالمطالبة بالثأر لدم الشهداء ومحاكمات مبارك ونداءات سقوط حكم العسكر، وكان لذلك كله ثمنه من الدم والشهداء والمصابين، بل وكانت المطالبات المتكررة تدعو إلى تحقيق جدول أعمال الإخوان، لتتحقق النتائج كاملة لصالح الإخوان ، التي تعمل وفق خطة واضحة بأن الصناديق ستحكم وتقرر وهو ما يجب أن تلتزم به. كان واجبا في ذلك الوقت عدم التغاضي عن مطلب مراجعة مدى قانونية الجماعة، ومدى جواز الربط بين حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان حسب قانون الأحزاب السياسية، وتغاضت لجنة الأحزاب عن ذلك وسقط الجميع في فخ الجشع السياسي عند صياغة قانون الانتخابات النيابية لتقضي المحكمة الدستورية بعدم دستوريته، ولا يحاسب من وضعه ولا يحاسب من حاول تجاوز حكم المحكمة، هكذا تمضي الأمور بلا حساب، ففتحت أبواب الهوى السياسي، فسقطت الأعراف وتاهت القيم والمعايير والعلوم السياسية، بعد أن أجهضت الشرعية الثورية.
10) لم يكن ما جرى في مصر وحتى اللحظة في عزلة عن الإقليم أو العالم، وكتبنا مقالا حول لعبة الأمم فوق الأرض المصرية، ومنها ما أعلنه في نهاية عام 2010 رئيس المخابرات الحربية الإسرائيليه يوسي ادلين بأن أي نظام سيأتي بعد حسني مبارك لن يكون في استطاعته أن يحكم خارج المصالح الإسرائيلية وأنهم يخترقون مصر في كافة الاتجاهات، لم يرد يومها أحد، ولكن غيره يعمل ولا يعلن. وجرت اتصالات ولقاءات واتصالات داخلية وخارجية بين العديد من القوى سواء مباشرة أو عبر وسطاء، ولم يكشف أحد عن ذلك بشفافية، ولم يعلن أحد عن مضمون الالتزامات التي ترتبت على هذه اللقاءات، والتعهدات دون رقابة شعبية خطر، والأموال التي تدخل لتدعيم المواقف والحملات تفسح مجالا لتغيير طبيعة التوازن، وكل مال مدفوع له مقابله السياسي، فالعالم لا تحكمة قاعدة الإحسان ولكن تحكمه قاعدة المصالح، ومن له ثمن يقبل به، لا قيمة له في وطنه.
11) انتبهت بعض التيارات السياسية إلى ضرورة وجود موقف مغاير لموقف المجلس العسكري والإخوان والتيارات الدينيه، وعقد مؤتمر مصر الأول مبكرا، ورغم صحة التوجه والخطاب السياسي في مجمله واتساقه مع الثورة، غير أنه بديل عن الانتماء إلى القوى الشعبية والمجتمعية، وجد مصدر قوته فقط في استدعاء مواقف من المجلس العسكري فحكم مبكرا بفشل التوجه لاجتماعي، وانحسر وانتهى، ووقع العديد من مكوناته صرعي الارتباط بالمجلس العسكري كما حدث للمجلس الاستشاري.
12) غابت قضايا البناء الأساسية والتي تمثل أعمدة الدستور الجديد عن اهتمام عناصر التيارات غير الدينية.
لم تملك هذه التيارات تصورا لدور القوى الاجتماعية ودور العمال والفلاحين والطبقة الوسطى والطلاب، وظل التواصل معهم يتم مصادفة أو إعلاميا، كظاهرة كلامية، وغاب الاتصال السياسي بالقوى الاجتماعية فافتقدت التيارات السياسية حديثها وقديمها الذي لم يتعلم من تجربتة، افتقدت جذورها الاجتماعية.
ولم تسع العناصر السياسية إلى حوار وطني حول مفهوم التنمية الاقتصادية المستقلة في عالم العولمة والعدالة الاجتماعية، وحصرت نفسها في حكم قضائي صدر قبل الثورة بالحد الأدني للأجور وأضافت إليه مطالب بتحديد الحد الأقصى وتردد تعبير الضرائب التصاعدية كتحقيق للعدالة، وهي خيارات بعيدة تماما عن الرؤية الاقتصادية المتكاملة للتنمية ومحدداتها وبرنامجها الزمني المتوقع وشمولها الاجتماعي، والمعنى العلمي للعدالة الاجتماعية والتي لا تعني شراكة الفقر ولكن التنمية المستقلة وحق العمل والعلاج والتعليم والسكن، وكيفية علاج التضخم في الأسعار ومعنى الاستثمار ومجالاته والموقف من القروض.
وتغلبت فكرة التصالح مع الفساد على مبدأ القضاء على الفساد وما ترتب عليه، وبديلا عن تطهير جهاز الدولة ووضع قواعد لذلك يجري التسلل داخله لإحكام السيطرة عليه، وبديلا عن مراجعة سيطرة رأسمالي النظام السابق على الثروة والسلطة، يجري إقامة حلف جديد بينهم وبين رأسمالي الجماعة.
وبديلا عن دراسة مفهوم الأمن القومي ودور الأجهزة والمؤسسة العسكرية في إطار هذا المفهوم كمؤسسات للدولة وليست خارجه عنها، انحسر الإدراك في هتاف يسقط حكم العسكر وتطهير جهاز الأمن وإسقاط العلم الإسرائيلي من فوق مقر السفارة في مشهد مماثل لمشاهد الرجل العنكبوت، وتتحول القضية الفلسطينية الي قضية معبر وأنفاق، بينما تسعى جماعات دينية لإعلان سيناء إمارة إسلامية وهي ميدان المعركة القادم مع العدو الصهيوني متناسين خطط إسرائيل بشأن تبادل الأراضي.
ذلك كله أدى إلى انعزال التيارات السياسية عن التأثير على الدستور الذي يجري وضعه في غياب لقوى الشعب الفاعلة.
وتجلى الخطر عندما قامت محكمة القضاء الإداري بتأجيل الحكم في شرعية الجمعية التأسيسية، مما أتاح الفرصة لصدام حولها، قد يترتب عليه عوار في العمل من أجل وضع دستور توافقي لمصر، يمثل العقد الاجتماعي الجديد بعد الثورة.
هذه الملاحظات الأولية حول تراكمات ما جرى خلال الفترة الانتقالية هي مقدمة لأزمة لدراسة توزيع القوى داخل المجتمع، تمهيدا للإسهام في دراسة ميزان القوى وكيفية إعادة التوازن له، خاصة بعد أن خرجت المؤسسة العسكرية من معادلة القوى مؤقتا وحتى إشعار آخر، وفي الحد الأدنى تحسب داخل معسكر الاستحواذ وليست رمانة الميزان، وهو الأمر الذي لم يتحقق خلال الفترة الانتقالية على الإطلاق.
لقد واجهت الثورة سؤالا امتد معنا منذ أول السبعينيات طرحة الدكتور محمود فوزي رئيس وزراء مصر في بداية حكم السادات ووزير خارجية مصر خلال حكم عبد الناصر، وكلما واجهنا مشكلة الرجال والقيادة، وجدنا أنفسنا نكرره ومؤداه: أليس من الضروري أن تكون هناك نسبة بين أحجام الرجال وأحجام المشاكل؟
هذه هي المعضلة، ماهية الرجال الذين تحتاجهم مصر في اللحظة الراهنة؟
وماهية المضمون الثقافي والوطني لمن يتصدى لمواجهة المشاكل؟
في المعادلات الرياضية تتحدد صعوبة الحل بعدد العوامل المجهولة، وفي المعادلات السياسية تتحدد صعوبة الحل باختلال ميزان القوى، أي بالقوى الخارجة من الحساب، لأنها ستحاول الدخول في الحساب، خاصة وأنها كسرت حاجز الخوف ولم يعد الوعي فئويا أو تلقينيا ولكنه صار وعيا بالمصلحة وترابطها بين الفئات المختلفة، واختبرت أسلوب فرض الإرادة، وتزايد وعيها بفاعليته، ومعادلة تخصم القوى الاجتماعية هي معادلة انفجار اجتماعي وليست معادلة مجتمع بعد الثورة.
نقلا عن صحيفة الشرق لبقطرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.