إذا ما أتيح لي .. أن أضع إطارا لمناهج التعليم في بلدي فلن أجد أفضل من هذا النهج الذي وصفه سلامة موسى في كتابه " فن الحب والحياة " عام 1947 كدليل وبداية و أساس مرشد لتكوين بنية المتعلم والمثقف العصري . الشروط التي وضعها سلامة موسى نقلا عن أستاذ اسمه " دوبرييه " هي : أولا : أن يتعرف علي شكل الكون الذي نعيش فيه و التركيب الطبيعي له أي يدرس نظريات ولادته منذ 13,7 مليار سنة.. وعلوم الفلك الحديثة و نظريات جيولوجيا تكوين الأرض والدراسات الرياضية الحاسبة للحركة و القوانين الحاكمة للطبيعة ( كالجاذبية و الحرارة و المغناطيسية و الاندماج أو الانشطار النووي ) كذلك كيمياء المواد والعناصر التي تتألف منها الأرض و الشمس و النجوم فنحن جميعا سواء فيما يخصها . الشرط الثاني : أن يتعرف علي الفصيل الذي جئنا منه( نحن البشر) من بين فصائل ألوف الكائنات التي تنتمي إلي المملكة الحيوانية.. بكلمة أخرى دراسة تطور الأحياء خلال الألف مليون سنة الماضية ، تاريخ عظيم حافل ((إذا درسته ازددت إنسانية)) الشرط الثالث :دراسة الحركات الكبرى في التاريخ البشرى مثل اكتشاف المصريين للزراعة و التقويم و إيجاد الحكومة و الدين واختراع المطبعة والآلات ( من البخارية حتى المدارة ذاتيا ) واكتشاف مكونات الذرة (و الآن، تطور وسائل الاتصال و الكومبيوتر و التكوين الجيني للأحياء والرياضيات الحديثة المتصلة بالإبعاد متناهية الكبرأوالصغر ) وكل ما وجه تاريخ البشر وجهه أخرى أو زاد من سرعة التقدم أو فتح ميادين جديدة للفهم والاستكشاف الشرط الرابع : أن يعرف (عن طريق علوم الانثروبولوجي و الاجتماع و السيكولوجي و القوانين و التاريخ الإنساني ) النظم التي يعيش فيها ، أي نظام المجتمع ونظم الحكم وكيف يتزوج الناس وكيف يتصرفون بالثروة وكيف يوزعونها على الأفراد ، وما هي الطرق التي تتبع في الارتزاق والتعلم وصيانة الصحة ؟ ثم كيف يحكم الناس ، وكيف تحل المحاكم مشاكلهم ثم كيف تغيرت المجتمعات البشرية ،وما هي الأسباب الأصلية التي تجعل إحدى الأمم راكدة آسنة ، في حين أن الأخرى ناهضة متقدمة الشرط الخامس : أن يعرف أسس القيم البشرية وهذا يجب أن يحمله على درس الأديان والفلسفات قديمها وحديثها ، شرقها وغربها أي يجب أن يعرف ديانات شعوب المنطقة ( البابليين و المصريين القدماء) وكيف تصوروا النعيم والجحيم ، ومبلغ ما فهموه من معنى العدل ، وكذلك ديانات الصين والهند واليونان ، إلى ظهور الأديان التوحيدية الكبرى .. وقريب من الأديان في الاتجاه هو الفلسفات التي حاولت بالتعقل ، ما حاولته الأديان بالوحي . هذه الفلسفات يجب أن نناقشها بعقل مفتوح مثل ما قدم سقراط وأرسطو إلى جيمس ديوى وسارتر الشرط السادس والأخير : هو أن يدرس الرجل المثقف البلاغة البشرية أى الأدب والمسرح و الشعر والموسيقى والفنون الجميلة،ويزاول بعضها لأن الحياة البليغة تقتضى الإحساس العميق والتصور الجميل ، بحيث نستلهم من الأدباء والفنانين أسلوبا يرقى بنا إلى أن نحيا الحياة الفنية الغنية الفارق بين اقتراب سلامة موسى و ما يحدث اليوم من تعليم تلقيني هو الفارق بين عصرين يفصلهما نصف قرن ، لم نتقدم خلاله إلي تطوير أسلوب إعداد المواطن المتعلم المثقف قيد أنملة و ما زلنا متمسكين بمناهج التعليم كما عاصرها البعض في كتاب القرية .. حيث سيدنا و عريفة .. و عقاب من لا يحفظ آيات الذكر بالعصا و الفلكة وعصا العريف. لو أتيحت لي الفرصة لتعليم الأبناء(الأحفاد ) فسأهتم بان يتقن كل منهم أكثر من لغة ..و يزاول كل منهم رياضة ما ..وأن يكون له هواية فنية( كالتمثيل ، الغناء ، العزف، الرقص ..الرسم ، النحت ، التصوير ) أو فكرية (كلعبة الشطرنج ، البريدج) أو مهنية ( كالطهي ،تفصيل الملابس ،ألبستنه والأشغال اليدوية والميكانيكية ) بعيدا عن حشو الرؤوس بمقررات تسويق الانتصارات الإقليمية الوهمية التي يبلون بها الصبايا و الشبان . ولتأكدت أن كل من حصل علي شهادة إتمام الدراسة قبل الجامعية قد استوعب العلوم و الأنشطة التي أوصي بها سلامة موسي منذ عام 1947 بالإضافة إلي إتقانه للعبة رياضية أو نشاط فني ما يزاوله علي مستوى فرق الهواية لو أتيح لي القرار فيما يخص تعليم الأبناء .. لقضينا سويا ( صبايا وشباب مختلطين )أوقات طويلة في المتاحف .. والمعارض .. والملاعب .. و معامل اللغات و لجعلتهم يقدسون المسرح(كمعبد جديد ) يرقصون .. يمرحون .. يغنون .. ويفجرون الطاقات الكامنة داخلهم من خلال فعالياته..بدلا من أن يتعلموا الحقد و الكره .. وازدراء الآخر كلما جلسوا يستمعون إلي إرشادات سيدنا و عريفه في الكتاب الريفي أو مدارس الأحد .