إستوقفتنى صور الطيارين العرب ، وهم يلوحون من نافذة طائراتهم الحديثة " إف 16 " ، بإشارات النصر والإبتسامة تعلوا وجوههم بعد قصف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية داخل الأراضى السورية ، ولكن المثير فى الامر بعد 7 أسابيع من القصف الأمريكى المتواصل وأكثر من 200 غارة جوية ضد الدولة الإسلامية منذ أغسطس الماضى ، ولا يبدو ان ذلك أثر كثيراً على قدرات داعش، فالتنظيم ببساطة لا يملك قواعد عسكرية ، أو مطارات حربية، أو بنوك وقطاعات مصرفية، أو يقنت قادته فى قصور رئاسية ، حتى تكون هدفا صريحا ومعلنا للقصف ، بل ذابت قيادته وأفراده وسط المجتمع العراقى والسورى ،وبدا وكأنك تبحث عن إبرة فى جبل من القش ، وبالتالي لا جدوى من الضربات الجوية مهما فاقت قدرتها التكنولوجية ، فحسم المعركة والسيطرة على الأرض يحتاج الى قوات برية . الرئيس الأمريكى بارك اوباما قال ،، لن نرسل قوات برية لقتال الدولة الإسلامية ولدينا خيارات استراتيجية ،، لا بأس فالرجل يعى جيدا حجم الخسائر البشرية التى تكبدتها القوات الأمريكية إبان الحرب على العراق فى الفترة من 2003 إلى 2008 والتى تجاوزت 32000 ألف قتيل ، ناهيك عن حجم الخسائر المادية التى أنهكت الإقتصادى الأمريكى وتسببت فى الأزمة الإقتصادية العالمية ، وعليه لا يختلف الحال كثيراً فى أفغانستان ، حتى أن الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأمريكية فى العراقوأفغانستان سابقا .. قال قولته المشهورة بشأن إرسال " 30 ألف جندى" إضافى إلى مناطق الحرب فى أفغانستان ، وكان نص المقوله .: " لا أظن أنه بالإمكان الإنتصار فى هذة الحرب ، إنها من نوع القتال الذى نستمر فيه طيلة حياتنا، وربما أيضاً حياة أبنائنا " بتلك الجملة حُسم الصراع بين إدارة أوباما المدنية ووزارة الدفاع الأمريكية ، وبالتالي أمريكا لن تضحى بجنودها فى الداخل العراقى وتعاود مجددا إلى مستنقع من الوحل والطين . خطة أوباما التى قدمت مؤخراً الى الكونجرس الأمريكى تتحدث عن إعادة تأهيل وتدريب قوات البيشمركة الكردية ، وكذلك الجيش العراقى من خلال إرسال 300 مستشار عسكرى أمريكى لإنجاح المهمة ، ولكن الجميع تناسى أن الجيش العراقى تم تدريبه وتسليحه لأكثر من عشر سنوات منذ تأسيسه على يد الحاكم العسكر الامريكى فى العراق بول بريمر ورصدت له ميزانية تجاوزت 26 مليار دولار قبل أن يفل ويهرب القادة والجنود ويتركوا أسلاحتهم وقواعدهم العسكرية غنيمة فى يد الدولة الاسلامية فى ثمانية مدن عراقية " الفلوجة و الموصل وتكريت والأنبار وصلاح الدين وغيرها " . والسؤال الذى يبدوا منطقيا ؛ كم من الوقت يحتاج الجيش العراقى للتدريب وإعادة التأهيل والتسليح حتى ينتصر على الدولة الإسلامية ، فى أغلب ظنى يحتاج إلى عشرين عاما أخرى على الأقل ليكون على إستعداد لهذه المواجهة ؟ حديث وزارة الدفاع الأمريكية عن إختيار وإعتماد المعارضة السورية المعتدلة " 5000 مقاتل " لتدريبهم وتسليحهم فى معسكرات على حدود الأردن والسعودية حتى يتثنى لهم الاشتباك مع تنظيم الدولة الإسلامية ، ماهى إلا محاولة لإعادة إحياء "جيش الصحوات " وهى من بنات أفكار الجنرال بترايوس قائد القوات الأمريكية في العراق الذي جيئ به بعد إقالة سلفه خصيصا لانتشال الجيش الأمريكي من المستنقع العراقي، ، حينها رصدت الإدارة الأمريكية أكثر من " 200 مليون دولار" شهريا ، لتجنيد "80 الف" من أبناء العشائر والقبائل السنية العراقية ، وكان يتقاضى المقاتل 200 دولار يومياً ، لقتال فرع القاعدة فى العراق بالوكالة نيابة عن قوات المارينز . والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة : إذا كانت التقديرات الغربية تؤكد أن هناك ألف فصيل مقاتل داخل سوريا ، يضموا تحت رايتهم قرابة 100 ألف عنصر، نصفهم من الإسلامين المتشددين على حد وصفهم ، وأخطرهم من ينتمى إلى الفكر القاعدى ، وتحديدا " الدولة الإسلامية وجبهة النصر وأحرار الشام وغيرها"، وهم من قاتلوا بشراسة ضد نظام الرئيس السورى بشار الأسد ، وحققوا إنتصارات عديدة ، وسيطروا على المدن والقرى ! .. فما هو مصير هذة الفصائل بعد إنقطاع دعم أمريكا المالى والعسكري ، وتوجيهه إلى دعم المعارضة السورية المعتدلة فقط ؟! .. هل يذهب قرابة " 90 الف "مقاتل إلى بيوتهم إذا كان لهم بيوت من الأساس أم ينضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية بعد إستبعادهم ؟! ربما النقطة الأهم التى تتطرق اليها الرئيس اوباما فى شرح خطته للقضاء على تنظيم الدولة ؛ تتمثل فى تجفيف منابع تمويل التنظيم ومنع تدفق المقاتلين إليه من الداخل و الخارج . وهنا مربط الفرس ؛ كيف يتحقق للرئيس اوباما ما أراده من تجفيف لمنابع تمويل هذا التنظيم ؟! ، إذا كان التنظيم حقق اكتفاءً ذاتياً "مالياً وعسكرياً " ، فوضع تحت يده اكثر من 7 مليار دولار ، فاستولى على 500 مليون دولار كاش من بنوك الموصل ، بخلاف دخل يومى تخطى 2 مليون دولار من النفط والبترول ، دع عنك الأراضى الخصبة و الزكاة والجزية والضرائب التى فرضها على سكان العراقوسوريا ، وهذه الأموال تكفية للصمود فى جبهات القتال عشرات السنوات ، وتساعد فى تجنيد آلاف من العراقيين والسوريين داخل صفوفة . واقعياً لا يمكن التنبؤ بهزيمة طرف أو انتصار الاخر ، فهذا النوع من الحروب دائماً ما تكون متقلبة ومليئة بالتغيرات و نتائجها غير مضمونة ، وعلينا بأن نأخذ تصريحات الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودى على محمل الجدية " ، كان الإرهاب خلايا وأصبح جيوشا " الشئ المؤكد فى واقع وحقيقة هذه الحرب ، أن داعش هى الرقم الأصعب ليست فى المعادلة السورية أو العراقية فقط، وإنما فى معادلة الشرق الأوسط برمتة. الكاتب / محمد سعد للتواصل / [email protected]