سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تواصل علي ورق
تقديراً للكاتب الكبير لبيب السباعي وبداية من اليوم ، ننشر 40 مقالاً من مقالاته التى سبق وتواصل فيها مع قراء مجلة الشباب خلال السنوات الماضية من خلال عنوانه الثابت " تواصل على ورق " ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يسكنه فسيح جناته .
هل تتذكر النكتة القديمة عن بلدياتنا الذي تلقي عشرين صفعة متتالية وكلها ' علي غفلة ' !! هذه النكتة القديمة تشبه تماما تصريحات المسئولين الذين تأتي قراراتهم دائما في الوقت الضائع وعلي شكل ردود أفعال شكلية ورغم أنها رد فعل وليست فعلا وأنها في معظم الأحوال تتعامل مع فعل يوصف بأنه كارثة من الكوارث فهي مع ذلك للأسف ردود أفعال بطيئة جدا ومتأخرة جدا جدا وتنتهي نهاية مؤسفة جدا يرتبط تماسك أي مجتمع وسلامته وقدرته علي البقاء والنمو بحجم وقوة الطبقة المتوسطة في هذا المجتمع وهي تلك الطبقة التي يعيش أبناؤها حياة يحصلون فيها علي القدر المعقول والمناسب من الرعاية الصحية إذا مرضوا والحق في التعليم وفقا لقدراتهم الذهنية وبعيدا عن قدراتهم المالية وتتوافر أمامهم ولو بصعوبة فرص للعمل وتتناسب دخولهم المادية مع أسعار السلع الأساسية وهو ما يتيح لهم الحياة في ظروف معقولة دون بذخ وكذلك أيضا دون معاناة .. الطبقة المتوسطة في أي مجتمع هي المادة اللاصقة التي تربط طبقات المجتمع كلها الثرية والفقيرة والمعدمة وتجعل من هذه الطبقات سبيكة واحدة ومجتمعا صحيحا .. هذه الطبقة للأسف تكاد تختفي من مصر !! ففي ظل سياسات تسحب من هامش حقوق الفقراء في الصحة والتعليم والسكن مع ارتفاع متواصل لأسعار مختلف السلع أصبحت هذه الطبقة مهددة بالاختفاء . وأظن أن علينا أن نلتفت جميعا إلي حماية هذه الطبقة الوسطي واستمرار بقائها والعمل علي اتساع المساحة التي تشغلها في جسم الوطن وسوف يتحقق ذلك بتوافر فرص للتعليم الجيد والحقيقي في مدارس وجامعات الحكومة قبل مدارس وجامعات القطاع الخاص وأن يجد أبناء هذه الطبقة حقوقهم في رعاية طبية في مستشفيات الحكومة قبل المستشفيات الاستثمارية والسياحية وأن يتاح لأبناء هذه الطبقة فرص العمل المناسبة وفق قدراتهم وليس وفق أقاربهم !! وأن يجد أبناء هذه الطبقة المسكن المناسب والمعقول ماديا . باختصارالمطلوب هو تحرك سريع لإنقاذ ما تبقي من الطبقة المتوسطة في مصر وعودتها مرة أخري إلي كيان المجتمع المصري !! ** توقفت كثيرا عند سؤال من شابة مثقفة تقول فيه : إلي متي نظل ندير ونجتر ونسترجع قضايا ومعارك الماضي ! لماذا نحن مشغولون بهذه الصورة المريضة بما جري منذ عشرات السنين أكثر من اهتمامنا بالحاضر فضلا عن المستقبل؟ ! ووجدت السؤال كاشفا لواقع يحتاج بالفعل إلي مراجعة وتصحيح وترتيب للأولويات .. نعم الماضي مهم ولكن الحاضر أهم فنحن مازلنا نختلف ونتصارع حول أحداث ووقائع جرت في الماضي رغم أن الحاضر الذي نعيشه يحتاج منا إلي نصف المجهود الذي نبذله في خلافاتنا حول الماضي حتي يصبح أفضل مما هو عليه .. والحقيقة أن صورة المجتمع المصري وترتيب أولويات القضايا التي تشغله تبدو وكأنها صورة هزلية .. فنحن مازلنا غرقي في بحار ما جري زمان .. ومازلنا مشغولين ومختلفين في نفس الوقت حول تفاصيل حكايات مضي عليها عشرات السنين .. ويجوز أن يكون ذلك مقبولا عندما يكون حاضرنا والواقع الذي نعيش فيه قد انتهت مشكلاته ومستقبلنا واضحا ومشرقا ولا يوجد ما يشغلنا بعد أن اصبحنا نعيش في رفاهة تحسدنا عليها دول مثل السويد وسويسرا .. ساعتها ليس هناك ما يمنع من أن نستهلك وقتنا وجهدنا في حكايات الماضي .. أما ونحن نواجه واقعا شديد الصعوبة والتعقيد دوليا ومحليا فإن الاستغراق في حكايات الماضي معناه ببساطة هو الهروب من قضايا ومشكلات الحاضر .. نحن مثلا مشغولون بنشأة إسرائيل علي حدودنا قبل ستين عاما وما جري وقتها حتي نتجاهل ولا نشعر بالقلق لأن هذه الدولة أصبحت تمتلك أكثر من 150 قنبلة نووية !! نحن مختلفون حول الملك فاروق هل هو ظالم أم مظلوم؟ مفتر أم مفتري عليه ! ولا يشغلنا كيف ندخل في قائمة الدول المتقدمة وكثير منها مثل كوريا والصين واليابان والهند بدأت مشوارها نحو التقدم الاقتصادي والعلمي والسياسي في نفس التوقيت الذي بدأت فيه مصر وهو توقيت رحيل الملك فاروق الذي نتقاتل حول تاريخه !! تعالوا نغلق ولو مؤقتا ملفات الماضي وننح خلافاتنا حول قضاياه جانبا ونفتح ملفات الحاضر والمستقبل .