خلاص.. انتهت كل قضايانا ومشاكلنا ولم يعد هناك ما يشغلنا الآن سوي قضية إسلام فلانة أو تنصير علانة.. لقد تعبنا لدرجة الملل من كثرة الحديث عن الحق في حرية الاعتقاد عامة والديني بصفة خاصة.. وأن تغيير المصري لعقيدته إلي هذا الدين أو ذاك لن يزيد الإسلام قدرا أو ينتقص من قيمة المسيحية.. والعكس صحيح.. ورغم ذلك لايزال بيننا من يريد شدنا إلي الوراء بإثارة النعرات الطائفية كل فترة.. ومن كثرة التكرار أصبحنا نعيش مسلسلاً مستمراً عن الفتنة. مرت عصور وأزمنة جرت خلالها حالات تغيير الديانة بين المصريين ولم يحدث مثل هذا الحشد الطائفي البغيض.. الأزمة لا تكمن في تطرف الطبقات الدنيا الشعبية المسيحية والإسلامية.. بل انتقل هذا التطرف وشغل مساحة ليست قليلة لدي قطاعات متقدمة علمياً واجتماعياً واقتصادياً في المجتمع.. كما أن الخطاب الديني في غالبية دور العبادة علي كلا الجانبين بات متطرفاً منذ زمن بعيد. ما يزيد من تعقيد المشكلة هو أن الدولة لا تشغل ذهنها كثيراً بما يجري.. طالما وجدت الناس مشغولة بتلك القضايا عن الحديث في أمور الحكم والسياسة والمعيشة.. كما أن رؤساء المؤسسات الدينية الرسمية المسيحية والإسلامية قد اكتفيا بالمصافحة وإقامة مائدة إفطار الوحدة الوطنية السنوية التي لم تغير من الأمر شيئاً.. ثم إن بعض وسائل الإعلام ركبت الموجة برصد ما يجري في المجتمع من أحداث فإنها ساعدت علي ترويج الفتنة.. فأصبحنا نطالع كل ساعة أكبر حرب للفيديوهات بين فتاة الإسماعيلية التي أسلمت وزوجة الكاهن التي لم تسلم وهلم جرا. تركنا كل قضايا حياتنا ومعاشنا وأصبحت قضية إسلام فتاة الإسماعيلية هي غاية المراد من رب العباد.. وتصويرها للرأي العام كأنها هي التي ستحرر القدس وتحل مشاكلنا مع دول حوض النيل.. وإذ ربما تقضي علي سيناريو التوريث. ما كل هذا الجهل والتخلف.. هل نتقدم خطوة للأمام أم نرجع عشرات الخطي للخلف.. خاصة أن من أشعل تلك الفتنة يعرف أنها تأتي والمسلمون يحتفلون بعيد الفطر ومن ثم ستكون الشوارع والطرقات والمساجد ممتلئة بالمسلمين.. وربما يخرج أحد المتشددين ليلقي خطبة نارية تهيج روح الغوغائية ويحدث مالا تحمد عقباه. عندما نضع بذور الفتنة الطائفية التي يحاك لها الآن في الشارع المصري بين مسلميه ومسيحي بجوار بذور فتنة سياسية تتمثل في حرب الملصقات الرئاسية التي بدأت تنتشر في شوارع القاهرة وتطرح أسماء مرشحين من داخل الحزب الحاكم أو الدولة.. ثم نضع تلك الفتن بجوار فتن أخري خارجية مثل التدخل الإسرائيلي في مياه النيل للضغط علي مصر.. إضافة إلي مشاكل داخلية متفجرة لا تجد حلا مثل البطالة والغلاء والفساد.. فإذا لم ننتبه جميعا إلي كل تلك الفتن فإننا سنجد أنفسنا نتساءل.. إلي أين نحن ذاهبون وماذا يفعل من بيدهم الأمر؟.