فجأة تظهر فتحة البوابة الكبيرة لبيت الرئيس السادات فى القناطر الخيرية هيئته قادما مهيبا شامخا حتى أن شق الجبة لاينفتح على وقع خطاه الوقور ولا ترتفع يده لإزاحة عمامته للخلف كى لاتهتز صورة الشيخ الجليل المعمم سيد النقشبندى أحد أشهر المنشدين فى تاريخ المديح النبوى حتى أنه لو لم يبدع فى حياته سوى "مولاى إنى ببابك قد بسطت يدى" وحدها لكفاه . كان الرئيس السادات عاشقا للإنشاد الدينى عموماولصوت قيثارة السماء الشيخ سيد النقسبندى خصوصا لذا كان أول المدعوبين لحفل خطوبة إبنته فى بيته بالقناطر الخيرية عام 1972وقد كانت له فقرة أساسية فى كل مناسبات السادات حتى من قبل أن يصبح رئيسا وكان من ضمن المدعويين بليغ حمدى ووجدى الحكيم ولأن النقشبندى لم يكن من هواة التواجد فى الحفلات كان ينتوى تقديم فقرته ويستأذن من الحفل إلا أنه فوجىء بما لم يكن يتخيله عندما عرفه السادات على بليغ حمدى وقال له " عاوز أسمعك على ألحان بليغ " حتى أنه طلب من وجدى الحكيم رئيس الإذاعة وقتها بفتح إستديو خاص لهما فوافق النقسبندى محرجا ولكنه قال للحكيم بعد ذلك فى اليوم المحدد للتسجيل هذا الأمر مستحيل أن يحدث " مينفعش أغنى على ألحان بليغ الراقصة .. بليغ ده بتاع أغانى حب وكلام فاضى وأنا مش هغنى على أخر الزمن يا وجدى" وقد كان النقشبندى معتادا على الإبتهال بما يعرفه من المقامات الموسيقية دون أن يكون هناك لحنا إعتقادا منه أن "المزيكا" تفسد خشوع الإبتهال وتحول الأنشودة الدينية الى أغنية لذا طلب من وجدى الحكيم الإعتذار للسادات ولبليغ الذى كان متحمسا جدا للفكرة وهنا وجد الحكيم نفسه فى مأزق فكيف يعتذر للرئيس ولبليغ الذى كان قد ذهب بالفعل الى الإستديو فقال له " لاتوجد مشكلة ولكن حتى لايسىء السادات فهم وجهة نظرك فلتستمع أولا الى ألحان بليغ ثم تعتذر بحجة إنها ليست مناسبة لك" فوافق النقشبندى وذهبا معا الى الإذاعة بعدما إتفقا أن يتركه مع بليغ فى الإستديو لمدة نصف ساعة ثم يعود له فإذا وجده خلع عمامته فمعنى ذلك أنه أعجب باللحن وإذا لم يخلعها فهذا يعنى إنها لم تعجبه ووقتها سيتحجج لبليغ بحدوث عطل فى الإستديو لينهى اللقاء وبالفعل نفذ الإثنان الإتفاق وترك الحكيم النقشبندى مع بليغ ليعود بعد نصف ساعة فيجد أن النقشبندى لم يخلع عمامته فقط وإنما خلع الجبة والقفطان وقال له " يا وجدى بليغ ده جن" ولم يتخيل الشيخ الجليل أن ينتهى بليغ فى نصف ساعة فقط من تلحين رائعته "مولاى أنى ببابك" وعندما علم بليغ بالإتفاق الذى كان بين النقشبندى والحكيم وأنه كان رافضا التعاون معه قال له" سأقدم لك ألحانا تبقى العمر كله" وبالفعل أسفر التعاون بينهما بعد ذلك عن أعمالا رائعة وإبتهالات عديدة منها ماشى فى نور الله ورباه يا من أناجى ويارب أنا أمة وأيها الساهر ومن شدة إنبهار بليغ بصوت النقشبندى طلب من الفرقة الموسيقية أن تمشى خلف صوته وهذا كان أمرا مستحيلا ألا أن كان النقشبندى قادرا على أن يجمع كل المقامات الموسيقية فى إبتهاله لذا إتبعته الموسيقى وليس العكس . وقد صدقت نبوءة بليغ وأصبح إبتهال "مولاى إنى ببابك " الذى إختاره من كلمات عبد الفتاح مصطفى من أروع ما قدمت الإذاعة وأحد أهم علاماتها حتى بعد أن تراجع إهتمام الناس بها ظل هذا الإبتهال أهم ما يبحثون عنه بالإذاعة فى رمضان وقد رفض النقشبندى وبليغ تقاضى أجرا عن جميع الأعمال التى قدموها معا والتى أكد بها الشيخ سيد أنه ليس كل من لبس العمامة يزينها ولا كل من ركب الحصان خيال .. فقد أزان النقشبندى العمامة وأضاف على الإبتهال عزة وخشوعا. رحم الله النقشبندى وبليغ وغفر لهما بقدر ما تركا لنا من أعمال تلمس القلوب وتسمو بالروح .