الفساد ينتشر بسبب ندرة العواطف والمشاعر.. والحب يحقق العدالة الرجل الذى يفترش الرصيف أمام قصر العينى بالأيام أملا فى فرصه لعلاج طفله ستتولد عنده حسرة من المجتمع وربما تحولت لرغبة في الانتقام الإعلام تسبب في خلل الأسرة بسبب البرامج النسائية التي تستهدف معاداة الرجل وتحريض المرأة على التمرد عندما يفرق أب بين أولاده سيجعل المظلوم يتحول إلى شخص غير مسئول يغيب عنه الإحساس بالواجب الضمير هو الذي يجعلنا نفرق بين والخطأ والصواب..وغيابه يعني سيادة الظلم يحتفل العالم بعد 14 يوما بالفلانتين داى أو عيد الحب، وهو أمر يدعو للدهشة فكيف لهذا العالم العنيف القاسى أن يحتفى بالحب، وكيف لهؤلاء الذين يقيمون له الأعياد ألا يطرف لهم جفن وهم يشاهدون ما يحدث فى دول كثيرة من قتل ودمار وحروب، وحتي في مصر وصلنا لدرجة أن رجلا فى الإسكندرية ألقي بمحصل الكهرباء من الدور التاسع لمجرد أنه يحمل له فاتورة استهلاك بمائة خمسة وسبعين جنيها، ألا يعد من غير الطبيعى أن نتشدق بكلمة "حب" بعد كل هذا بل ونقيم له عيدا؟ هذا السؤال هو ما حاولنا أن نبحث له عن إجابة مع دكتور مدحت عبد الهادى استشارى العلاج النفسى والعلاقات الأسرية والزوجية. هل اختلفت فطرة الإنسان حتى وصلت لتلك المرحلة المخيفة من العنف؟ بالتأكيد اختلفت، فالإنسان فطر على الضمير وهذا الضمير هو الذى يجعله يعرف كيف يفرق بين الحق والباطل والصواب والخطأ والحب والكره وطالما كان الضمير هو المحرك الأساسى للإنسان فمعنى هذا أنه سيبقى شخص لديه من السواء النفسى ما يجعله ينفر من العنف ويسعى الى تحقيق العدل. معنى هذا أن الضمير لم يعد موجودا بدليل ما يحدث حولنا اليوم ؟ دعينا نتكلم عن المجتمع المصرى تحديدا والذى يعانى أغلبه من غياب الوعى وهذا لايرتبط بمستوى التعليم فطالما ناس حصلوا على أعلى شهادات ولكن ليس لديهم وعى التعامل مع أبنائهم وبالتالى يخرجون للمجتمع أشخاصاً غير أسوياء، ومن ثم فأهم شرط لعودة الضمير الغائب فى مصر هو تحقيق العدل على كل المستويات وأهم شىء أن يبدأ العدل من البيت يعنى عندما يفرق أب أو أم بين الأولاد ويميزون واحدا دون الآخر فسيتحول هذا الآخر مع الوقت بسبب شعوره بالظلم والاضطهاد إلى شخص غير مسئول يغيب عنه الإحساس بالواجب لأنه شعر بأنه كائن مهمل وتأكدى أنه سيصبح مع الوقت شخصا فاسدا ليس لديه ضمير لأنه من الأساس لم يفطر على الشعور بالحب فأخطر الأسباب التى تساعد على نشر الفساد فى المجتمع هو ندرة العاطفة وغياب العدل والمساواة بين الناس. ومن الذى يقع عليه اللوم والمسئولية هنا؟ كلنا نتشارك فى المسئولية فالأب الذى يهمل أبناءه ولا يستمع لهم أو يساعدهم فى حل مشاكلهم يعد مسئولا والمدير الذى يسمح لموظف أن يتلصص على زملائه أو يميز أحدهم عن الآخر لأى سبب دون الكفاءة فى العمل هو أيضا شريك لذا فأنا دائما أقول إن الأهم من المشاريع الاقتصادية العملاقة هو بناء الإنسان وهذا لن يحدث إلا بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الثوابت الأساسية من تعليم وعلاج لكونهما أهم شرطين لبناء شخص سوى فالذكاء الاجتماعى مطلوب فى القرارات السياسية. هل يتولد الشعور بالانتماء للأسرة والوطن ككل من تحقيق العدل؟ لايوجد إنتماء بلا إحساس بالعدل فهناك هرم لاحتياجات الإنسان يبدأ بالقاعدة الأساسية وهى الأكل والشرب والملبس يأتى بعدهم الإحساس بالأمان والذى يعد من أهم ثوابت العدالة بمعنى أن يشعر كل مواطن أنه لن يتعرض للظلم والاضطهاد دون سبب وأنه لايوجد شخص أيا إن كان يمكنه أن "يتبلى" عليه لمجرد أنه فى مركز يسمح له بذلك وأنه إذا تعرض لمحنة المرض مثلا سيجد مكانا يعالجه فالرجل الذى يفترش الرصيف أمام قصر العينى وأبوالريش بالأيام والأسابيع أملا فى أن يجد فرصه لعلاجه أو علاج طفله بالتأكيد مع الوقت ستتولد عنده حسرة من المجتمع وربما تحولت حسرته تلك لرغبة انتقامية فمرة أقاموا تجربة على قاتل محكوم عليه بالإعدام ليعرفوا إن كان ضميره مازال مستيقظا أم لا فأطلقوا سراحه وبدأوا يدرسون سلوكه فى بعض التجارب منها أنهم جعلوه يصادف فى طريقه رجلا عجوزا أعمى متكأ على عصا ويوشك أن يقع فلم يحاول أن يساعده وتركه ومضى فالتقى بسيدة ضعيفة تتعرض للخطف والاغتصاب فاكتفى بالنظر لها والاستمرار فى طريقه ولكنه عندما وجد طفلا صغيرا على وشك أن يقع فى حفرة انتفض لإنقاذه وبتحليل سلوكه اتضح أنه من الأساس لايشعر بالعدل لذا فهو يرى أن الرجل الكفيف والمرأة الضعيفة كانوا أفرادا فى المجتمع الذى ظلمه لذا لم يساعدهم أما الطفل فهو كائن برىء لاذنب له ولم تكن له يدا فى ظلمه لذا انتفض لإنقاذه فغياب الشعور بالعدالة يخلق شخص غير منتمٍ لايتوانى فى تخريب مجتمعه وهذا بالضبط ما يحدث مع الشاب الذى لم يتجاوز العشرين من عمره ويقرر الانضمام لجماعة إرهابية فالسبب هنا أنه لم يجد من يحنو عليه سواء بالحب أو التربية والتعليم والصحة وبالتالى لم يشعر بالانتماء لأى شىء فتحول الى شخص مريض مخرب ليس لديه أى إحساس بالذنب تجاه ما يفعله. إذن الحب والانتماء هما وقود الشعور بالواجب والمسئولية؟ بالتأكيد فالانتماء هو الذى يخلق الإحساس بالمسئولية وللأسف أنه لم يعد موجودا عند نسبة كبيرة منا ولكن ما يقلقنى بالفعل عندما يغيب هذا الإحساس عند الأم جهة أسرتها وأطفالها فأنا كثيرا ما تأتى لى حالات فى العيادة من أمهات تقول لى باللفظ "أنا نفسى أهج" وأسيب البيت والعيال ورغم أن الكلمة تبدو بسيطة إلا أنها خطيرة فى مضمونها لأن الأم هنا والتى هى عمود الأسرة وأساس التربية لم تعد تشعر بأهمية وقوة تأثيرها فى حياة أولادها كما انها تناست أنه من أسباب خلقها هو التكاثر وتربية أولادها بما يضمن خروجهم أسوياء للمجتمع حتى يصبحوا أشخاصا منتجين وفعالين ومن ثم نساهم فى بناء وطن. هل ترى أن الإعلام ساهم فى "لخبطة " أفكار المرأة والأم فى مصر؟ نعم، فالإعلام الذى أصبح لا كلام له فى كل البرامج النسائية سوى معاداة الرجل وتحريض المرأة على التمرد والتشدق بالمساواة والاستقلالية والسلوك الاستهلاكى وعلو قيمة المادة ومن ثم طبيعى أن تأتى النتيجة بحدوث خلل فى الأسرة ككل. ألا يتعارض هذا مع الدراسة التى أجريت مؤخرا وأكدت أن المرأة أقل رغبة فى الفساد والظلم من الرجل؟ لقد أجريت تلك الدراسة فى معهد لندن للاستشارات النفسية على 700 إنسان 450 من السيدات و250 من الرجال وقد شاركت أنا فيها باسم المركز المصرى للاستشارات الزوجية والأسرية ب58 سيدة و13 رجلا واتضح بالفعل أن المرأة أقل ميلا للانحراف عن الفطرة الطبيعية وأقل قدرة على قبول الفساد بنسبة 7 إلى 10 وربما كان هذا هو السبب فى استمرار الملايين من الأسر المصرية صامدة فى مواجهة العديد من المواقف الحياتية الصعبة فالأم المصرية هى عمود هذا المجتمع لذا لابد من الاهتمام بها ودعمها فى تربية أطفالها بكل السبل الممكنة. إذن فإعادة بناء الإنسان هو الأمل الوحيد لمصر فى السنوات القادمة؟ ولا أمل غيره بدليل أنه مع نهاية الستينات والنكسة تصور العالم أن مصر لن تقوم مرة أخرى وادعت إسرائيل أن جيشها لن يقدر إلا أن الجندى المصرى انتفض بعد هزيمته ليثبت للعالم كله أنه لن يقبل الهزيمة وانتصر بقوة إيمانه وانتمائه وقوة كلمة الله أكبر وبعدما استوعبت إسرئيل هول الصدمة بدأت تدرس السبب فوجدوا أن السر فى الأم المصرية التى ربت هذا الجندى على الحب والانتماء لوطنه وكانت ترضى بقليلها وتعلم أولادها الرضى والمحبة لذا فلم يجدوا أمامهم مدخلا لمصر سوى هدم كل تلك القيم التى تعمل على تماسك المجتمع فبدأوا يسربون لنا بعض الأفكار الاستهلاكية الهدامة التى تعلى من قيمة الماديات على حساب الإنسانيات وبالتالى فالسبيل الوحيد أمامنا لإعادة بناء هذا المجتمع لمواجهة تحديات المستقبل هو بناء الإنسان ووضعه أمام أعين أصحاب القرارات السياسية كأحد أهم عوامل التنمية لأن بناء المشاريع وحدها لاتكفى وإنما لابد من بناء إنسان يحافظ على تلك المشاريع عندما يشعر أنه المستفيد الأول منها. وما هى أساسيات هذا البناء من وجهة نظرك؟ العودة الى الفطرة وهى العاطفة فنحن فطرنا على الحب والذى هو وقود الضمير وهذا لن يتحقق إلا بالعدل والكلمة الطيبة وهذا هو الحب الذى يستحق أن نحتفى به ونقيم له الأعياد لأنه يقوم على الحق والعدالة الإنسانية والاجتماعية.