يولد الطفل ويتوحد مع أمه، فهما شيء واحد، ولا تحكمه فى هذه المرحلة من عمره سوى إشباع غرائزه بالرضاعة وحب وحنان الأم وتلبية احتياجاته الأولية من النظافة وتجنب الألم وأى مخاطر أو أضرار قد تلحق به. وعندما يصل الرضيع إلى عامه الثانى تقريبا يبدأ بالانفصال النفسى والجسدى عن أمه تدريجيا، ويشعر بأن العالم من حوله يتسع ليشمل أفرادا آخرين فى أسرته ثم فى المجتمع، فينمو لديه الشعور باتساع الأفق الاجتماعى وتتكون لديه أحاسيس الذاتية والتفرد وأنه كائن بشرى مستقل، وهنا يظهر مشاعر الأنا (الذات) والآخر (المجتمع)، وتتولد عنده مهارة التواصل والعلاقات الاجتماعية، ومن عمر الثانية وحتى العاشرة تقريبا تتبلور شخصية الطفل اليافع فى التعرف على نوع جنسه ذكرا أم أنثى وعلى الفروق بينهما من حيث التشريح الجسدى والطبائع النفسية والميول الاجتماعية والعوامل الخاصة بالفكر والعاطفة والسلوك إلى آخره، وأكثر ما يميز هذه المرحلة العمرية هو إثبات الهوية الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين وتكوين صورة نفسية عن شخصية خاصة بمميزات خاصة، ثم يدخل الطفل بعد العاشرة تقريبا مرحلة الاستعداد للبلوغ والنضج الجنسى والنفسى من أجل الوصول إلى حياة الرجولة أو الأنوثة الكاملة، وهذه هى مرحلة فارقة فى تاريخ حياة الفرد، حيث يبدأ فى التعرف على ذاته من خلال اكتساب القيم والمثل والمبادئ، وهنا تكون مرحلة تكوين الضمير بالتميز بين الحلال والحرام، والصواب والخطأ، والحب والكراهية، والعدل والظلم، والحق والباطل... الخ، فهى مرحلة زرع القيم العليا والأخلاق وتعزيز روح العمل والإنتماء للوطن وإعلاء قيمة المواطنة. إن الضمير الذى تتم زراعته داخل النفس من صنع الخالق سبحانه وتعالي، فهو غريزة إلهية تحتاج إلى رعاية وعناية وصقل، أما الأخلاق فهى نتاج ضمير حى يقظ فى مجتمع يعرف قيمة التصالح والتراضى بين إخوة الوطن الواحد، أيا كان اختلاف الدين أو العرق أو الجنس أو اللون أو المستوى الاجتماعي. إن الضمير بمثابة المنبع الذى تتفجر منه طاقة الاستعداد لكل إيجابيات الخير والحب والجمال والأخلاق والكيان النفسى السوى الذى يحرك الفرد نحو العمل الصالح والحياة الراضية الهادئة دون ندم أو اكتئاب أو توتر أو قلق، وطوبى لمن عنده ضمير يقظ يحاسب به ويحاسب عليه. أما الأخلاق، فهى توجهات فى المعاملات الإنسانية لكى تستقيم معها الحياة وتستقر بلا متاعب أو هموم، وهى تحتاج إلى توجيه وتدريب يصقل من خلال التوحد والتقليد (المحاكاة) مع القدوة والنخبة التى عليها أن تتمسك بكل ما هو مثالى وحكيم من أقوال وأفعال. والخلاصة.. ان تنمية الأخلاق والضمير تأتى بالأفعال وليس الأقوال منذ الصغر عن طريق القدوة الحسنة، وان حكمة الخالق سبحانه تتجلى فى الإنسان الذى يولد بصفحة بيضاء تعززه مبادئ وقيم إلهية ناصعة وشرائع سماوية لا تحتاج سوى تدريب عملى وقدوة حقيقية وليست زائفة لكى يسير على طريق الحق ويبتعد عن طريق الضلال.. ونسأل الله العفو والعافية والسلامة فى الدنيا والآخرة. د. يسرى عبدالمحسن أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة