بدأ التحدي معه عندما فقد بصره وهو فى عمر 6 سنوات، حيث قرر أن يتعامل كإنسان لا ينقصه شئ، فهو يعتمد على نفسه فى السير والإنتقال، إستطاع الوقوف صامدا أمام جميع التحديات والعقبات لمواصلة دراسته، حبا فى تطوير ذاته وخدمة وطنه، قلل منه الكثير فضرب بكلامهم عرض الحائط. وإلتحق بكلية الإعلام جامعة القاهرة، سعيا لإثبات أن الإعاقة لن تقف أمام تحقيق حلمه فى أن يصبح أستاذا جامعيا، إستطاع أن يتجانس مع طبيعة الكلية وكان يتعامل مع المواد الدراسية بقلبه وعقله، إلى أن عين بالكلية معيدا بقسم العلاقات العامة، وذلك طبقا لقانون ذوى الاعاقة الجديد والذى تنص المادة 3 منه على "إحترام كرامة الأشخاص ذوى الإعاقة وإستقلالهم الذاتي بما في ذلك حرية ممارسة خياراتهم بأنفسهم وبإرادتهم المستقلة ما لم تحول الإعاقة دون ذلك". فقد نجح فى أن يثبت للجميع أن الإعاقة لم تحل دون تحقيقه لحلمه، إنه أحمد رحمة أحدث معيد بكلية الإعلام جامعة القاهرة تحدث معنا بملامح تعكس الإصرار والتحدي، وبهدوء وإبتسامة تؤكد الشعور بالرضا.
من هو أحمد رحمة ؟ أنا أحمد عبد المنعم محمد يوسف محمد رحمة 23 عاما، من أبناء قرية شيبه مركز الزقازيق محافظة الشرقية ترتيبي الأوسط في أسرتي.
كيف كانت بدايتك ؟ قصتي بدأت حين كنت طفلا بعمر 3 سنوات وكنت متعلق جدا بمرافقة أختي التي تكبرني سنا في دروسها ومع تكرار الذهاب مع أختي لدروسها لاحظ الأستاذ تجاوبي مع بعض أسئلته وما يكتبه للتلاميذ فسأل أختي توفير كراسة وقلم كى أتعلم الكتابة والقراءة دون مقابل. وبالفعل بدأت أقرأ وأتهجأ الكلمات وأنا إبن الأربع سنوات وحفظت جزء عم من خلال والدتي في سن الخمس سنوات، وبعد الإلتحاق بالابتدائية تعرضت لحادث وأنا في السادسة من عمري على اثره أجريت العديد من العمليات الجراحية التى أدت فى النهاية الي فقدان بصري.
كيف كان تعاملك مع هذا التغيير خاصة وأنت في سن صغيرة؟ تحولت من مدرسة عادية لمدرسة خاصة لتعليم المكفوفين فى الزقازيق حيث قام والدي بتعليمي طريقة براين قبل الإلتحاق بمدرسة النور للمكفوفين حتى أنتقل لنفس المرحلة التى خرجت منها من المدرسة العادية ولا أرجع سنة للوراء كى أتعلم مبادئ البراين والكتابة والقراءة بطريقة اللمس. وفى خلال أسبوعين تعلمت الطريقة وإلتحقت بالصف الثاني الابتدائي قبل إمتحانات نهاية الفصل الأول بأسبوع وإستطعت تحقيق المركز الأول على الفصل ومن وقتها إلتزمت الترتيب الأول طيلة تعليمي في المرحلة الابتدائية والاعدادية والثانوية. كنت أول محافظة الشرقية في الصف السادس الابتدائى والصف الثالث الاعدادى وفي الثانوية العامة حققت المركز الأول على الجمهورية كأول مكفوفين
اذا كان للأسرة دور هام فى مسيرتك العلمية؟ بالفعل والدتي كانت دائما تشجعني وتخفف علي الأعباء وتتكبد من أجلي الشقاء، وكانت هي والأخوة والأخوات عونا لي في قرار إلتحاقي بكلية الاعلام
التحاقك بكلية الاعلام كان رغبة منك؟ كلية الإعلام كانت رغبتى الوحيدة التى كنت أتمناها وأنا لم أزل بالمرحلة الإعدادية، وبالفعل دخلتها وإلتحقت بقسم العلاقات العامة بها بعد دخولي المقابلة الشخصية لقسم الاذاعة والتلفزيون حيث أشاد أعضاء هيئة التدريس إشادة كبيرة بي.
كيف كان قرار إنتقالك للدراسة بالقاهرة على الأسرة؟ بالطبع هذا القرار أقام خلاف بيني وبين والدتي استمر قرابة الشهرين وتوسط زملائي وأصدقائي بيني وبينها لإقناعها بقراري ومحاولة تقبل إختياري فأسرتى بالكامل فى الزقازيق وليس لدينا سكن أو سبيل للعيش فى العاصمة.
كيف كانت تجربتك مع الغربة ومكوثك فى المدينة الجامعية؟ المدينة الجامعية حياة أخرى فيها أتعلم كيف أجتهد، كيف ألتزم مع ربي، كيف أطور من نفسي، كيف أخلص بأصدقاء العمر الذين برغم إختلاف المجال والإهتمامات إلا أنهم صاروا جزء أصيل من حياتي لا تتقطع الأوصال أبدا. فأنا سكنت بالمدينة عامين فقط في التانية والثالثة من المرحلة الجامعية، خلال العامين شاركت فى أنشطة متعددة وحصلت على مراكز مختلفة فى كتابة القصة والمقال، كما أننى إستطعت تحسين اللغة الانجليزية فقد كنت أسكن بمبنى الأجانب مما جعلني أجري محادثات مطولة معهم.
وكيف كانت تجربتك مع الدراسة الجامعية؟ الحمد لله إستطعت تحقيق المركز الأول على الدفعة بأقسامها الثلاثة المختلفة ثلاث سنوات متتالية إستطاع ذلك تعويض تأخيري فى السنة الأولى جراء حادث تصادم السيارة الذى تعرضت له ومكثت على إثره فى البيت طيلة السنة الأولى فى الكلية، كما أنى استطعت تحقيق لقب الطالب المثالي لكلية الإعلام 2015 والطالب المثالي على مستوى جامعة القاهرة
ما هي العقبات التى واجهتك وستواجهك؟ عقبات الماضي هى السفر وعدم توافر إقامة لي بالعاصمة إلى جانب البيانات المصورة، فأعاني كثيرا فى أبحاثي من توافر المادة العلمية على النحو الذى يمكننى قرائته ونفس العقبات هي هي في المستقبل لا يوجد جديد. مشكلتي معضلة لأن بنك المعرفة يوفر ملخصات وأبحاث ورسائل لكن صورة مصورة PDF وليست نصوص قابلة للتحرير والقراءة من خلال قارئات الشاشة للكمبيوتر، كذلك أنا لا أستطيع التعامل مع المكتبة وحدي فأحتاج دائما لمن يستخرج لي الكتاب ويبدأ فى القراءة والتدوين لما أراه مهما لتدوينه. لا يوجد كتب بطريقة براين فى كلية الإعلام، فكيف تعاملت مع هذة المشكلة؟ أنا لا أحتاج البراين إلا فى المذاكرة فقط ولكن بدأت الكلية تدشين لجنة منذ سنتين لمساعدة الطلاب المكفوفين على توفير المواد لهم بطريقة براين وهذا يساعد كثيرا على توافر المادة ويرجع الفضل لأساتذة إعلام الذين يرحبون بتوفير المادة word بالطبع ليس الجميع لكن عدد لا بأس به، وأيضا لإدارة الكلية لاسيما وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب دكتور وليد بركات وبعض الأساتذة مثل دكتورة داليا عبدالله التى تتوسط لتوفير المواد بطريقة براين.
ماذا عن الكتب التى يأبي الأساتذة توفيرها word؟ الكتب والمناهج التى يأبى الأساتذة توفيرها word أضطر للتعامل مع مراكز خارجية لتحويل الكتاب word ثم أقوم بطبعها بطريقة براين وهذة عملية مكلفة للغاية فبعض الكتب تصل تكلفتها ل 400 جنيه غير ثمن الكتاب نفسه 50 جنيه. وكل هذا أتحمله لكنى أحب أشكر جمعية البراق مشروع النبراس وهى جمعية يعمل فيها شباب متطوع يقومون بكتابة الكتب وتحويلها word بالمجان، فلا بد من تحويله لأن برنامج الطباعة بطريقة براين تتعامل مع نصوص word documents و text documents فقط، فلا يجوز الطباعة من ورق الكتاب لبراين مباشرة ولهذا قامت الكلية بعمل لجنة لتوفير المادة العلمية بطريقة براين.
هل كانت لديك قدوة ساعدتك على تحمل تلك العقبات؟ قدوتى فى الحياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأسعى لأن أصبح أحمد رحمة لا كما يقول البعض طه حسين الجديد
هل ترفض تشبيهك بطه حسين؟ ليست المسألة قبولي أو رفضي لهذا التشبيه ولكن ظروفي وإهتماماتي تختلف عنه تماما ليس لأنه إشترك معي في كف البصر أن أقرن نفسى به، الدكتور طه حسين واحد لا ثانى له وأنا أطمح فى أن يكون لأحمد رحمة أيقونة خاصة به وهوية مميزة لا يشاركه أحد فيها.
وما هي إهتماماتك بجوار الدراسة والتحصيل؟ إهتماماتي متعددة فأنا أحب القراءة والإطلاع، أحرص على متابعة أخبار التقنية، أواظب على حفظ القران الكريم فالثابت فى ذهني ثلثه، كما أني أطوق لمتابعة نادي الزمالك والمنتخب الوطني. أحرص دائما على التعلم الذاتي فيما يتعلق بمجال الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات، وأحب التمثيل الكوميدي ولي فيه أعمال سجلتها بنفسي، ولدي خبرة ليست بالسيئة فى مجال الهندسة الصوتية وتحرير الصوتيات.
التعيين فى الكلية كان هدفك؟ أم كان لك أهداف أخرى؟ الهدف الذي سعيت لأجله هو أن أصبح أستاذا جامعيا وتعييني معيدا بالكلية خطوة جيدة لتحقيق هذا الهدف، هدف عملت من أجله طيلة سنوات الدراسة بالكلية ومستمر فيه الى أن يشاء الله أمرا كان مفعولا، فأنا أهوى التدريس والبحث والتعليم.
ماذا عن أحمد رحمة المستقبل؟ أحمد رحمة المستقبل أراه باحثا أكاديميا متميزا له سيط دولي، أراني معلما يريد أن ينهل من العلم ليقدمه لأبنائه من الطلاب والموريدين، أود أن أشارك مع أقرانى فى رفعة التعليم فى مصر والنهوض بالبحث العلمى لتصبح الجامعات المصرية ذات مكانة دولية وتسترد قيمتها الحقيقية.
ماذا تقدم من رسائل للشباب وللكلية وللدولة ككل؟ أولا الشباب: عماد الأمة والذى بصلاحهم يصلح المجتمع وينهض فأنا كما أرى الشباب ظالما فهو مظلوم، فالشباب لم يأخذ فرصة حقيقية، جيل قديم حصل على كل شىء وظائف وموارد وإمكانيات ولم يحقق الكثير حتى تردينا. فلا يمكن محاسبة الشباب قبل أن يكونوا فى مكان الفاعل، لكن أرجو من كل انسان شاب أو كهل أن يحاول ويفشل ويحاول دون إستسلام فالعجز الحقيقى هو عجز الإرادة لا المادة أو الجسد. رسالتي للكلية:أنا أعشق كلية الإعلام طلابا ودكاترة وأساتذة وعمالا وموظفين وحيطان وبوابات وبلاط، أول يوم وطأت أرجلي الكلية أحسستها بيتى والمكان الذي سأظل فيه طيلة عمري، وفعلا لو تمنيت أموت فى مكان بعد أمنيتى بأن أموت فى الحرم سيكون فى الكلية. رسالتي للقائمين على الدولة: علموا أبناءكم الإنتماء، إجعلوهم يرتبطون بالبلد، مكنوا الشباب وأعطوهم فرصا، إستغلوهم فى البناء والتعمير , ارعوا الكوادر العلمية والعقليات المبدعة وسلطوا الضوء عليهم، فالعالم لابد أن يكون هو النموذج والقدوة، لا الممثل ولا المطرب، لا لاعب الكرة ولا ضارب الدف.