رائدة فرقة أوبرا القاهرة منذ نصف قرن.. كنت أول دفعة تلتحق بالكونسرفتوار عام 1958.. وكان معى كمال الطويل وعبد الحليم حافظ لا أتصور نفسى فى إحياء حفلات سمر وخلافه بالإضافة أن الفن لم ينظر له مثلما يحدث الآن في الستينيات كان مسرح الأوبرا محجوزاً بالكامل والناس تقف بالطوابير لاهتمامهم بالفن الثقافة تراجعت بسبب الظروف السياسية والاقتصادية وأصبحت من "كماليات" الحياة فرقة الأوبرا الآن أصبحت "متحجرة" وينقصها الهواء والشمس والأصوات الشابة أطلقت عليها فى أحد مقالاتي السابقة"زهرة الغناء الأوبرالى"، وهي تستحق هذا اللقب.. فإشراقتها المتفتحة وبهجتها تدخل السرور على كل من يتعامل معها بقلبها النقى وحنوها البالغ.. أستاذة بمعنى الكلمة وناقدة موسيقية وهى من رواد الغناء الأوبرالى، حيث قامت على أكتافها فرقة أوبرا القاهرة منذ أكثر من نصف قرن،عاشقة للفنون متسامحة مع ذاتها ومع الآخرين، كرمها الرئيس عبد الناصر فى أول عيد للعلم عام 1964.. إيمانها برسالتها الفنية جعلها تضحى بكثير من المناصب لإيمانها أن لقب فنان أرفع وأرقى من أى منصب.. كانت وكيلة الكونسرفتوار منذ سنوات عديدة ورئيسة قسم الغناء، كلامنا عن مطربة الأوبرا الرائعة الدكتورة نبيلة عريان والتي سنتعرف على رحلتها التى تجاوزت ال50 عاماً من العطاء داخل جدران أكاديمية الفنون في السطور التالية.. حدثينا عن بداياتك واكتشاف موهبتك الغنائية؟ فى سنواتى الأولى بمدرستى الكلية الإرسالية الإنجليزية كنت أحب الغناء بصوت عال فمدرسة الفصل كلفتنى بالغناء المنفرد باللغة الفرنسية فى حفل نهاية العام وفرح بى الجميع ومن بعدها كنت أقدم الحفل الختامى حتى تخرجت فى المدرسة عام 1958. وماذا عن الدراسة الجادة للغناء؟ الرائدة الراحلة ا/كارمن زكى كونت كورالا لكنيسة مارى مرقص لتقديم ترانيم باللغة القبطية فى حفل عيد الميلاد واشتركت ضمن "الكورال" فى الحفل، وبعد نجاحه دعت كل الأهالى فى منزلها لحفل كبير وغنيت صولو خلاله واحدة من أشهر أغانى عيد الميلاد وانبهر الجميع بصوتي، ووالدتي ذهلت فتحدثت لأستاذتى التى أشادت بصوتى ونصحتها بتعليمى بشكل احترافى مع مدام "رطل"، وبالفعل درست معها عدة أشهر ثم فتح الكونسيرفتوار أبوابه وأخذتنى معها وكانت أول أستاذة للغناء به. كيف كانت سنواتك الأولى بالكونسرفتوار؟ كنت أول دفعة تلتحق بالكونسرفتوار عام 58 وكنت سعيدة، وكنا بمقر الوزارة الحالى بالزمالك قبل بناء الكونسرفتوار، وكانت الدراسة يسبقها سنة إعدادى لتأسيس الطلاب كسنة تحضيرية. وكان معى كمال الطويل وعبد الحليم حافظ لكنهما أكملا دراستهما بمعهد الموسيقى العربية برمسيس، ومن المفارقات كان الطويل يصطحبنى لحجرة بجوار قاعة المحاضرات ليسمع صوتى ويقنعنى بالتلحين لى، لكننى عشقت الغناء الأوبرالى ورفضت الغناء الشرقى. لماذا رفضك للغناء العربى؟ كنت أرى نفسى فى الغناء الأوبرالى، ولا أتصور نفسى فى إحياء حفلات سمر وخلافه، بالإضافة أن الفن لم ينظر له مثلما يحدث الآن، وكانت فكرة الغناء بالنسبة للعائلة فضيحة، ولكن والدي درس فى انجلترا أثناء الحرب العالمية الأولى وكان مثقفاً جداً ومستنيراً ويقدر الفن، ولذا احترفت الغناء ،وآنذاك الغناء الأوبرالى باعتباره فنا عالميا كان مقبولاً، ونشأتي مع الإنجليز فى المدرسة أثرت فى تكوينى وحبى لهذا النوع من الغناء. رغم هذا أعشق سماع الغناء الشرقى وتربيت على سماع أم كلثوم مع والدتى عاشقة الغناء وصوتها جميل وهى سبب حبى للغناء وكانت تصطحبنى للأوبرا وأنا صغيرة. هل هناك أى محاولات لإقناعك بالغناء الشرقى؟ الفنان الكبير على إسماعيل حضر مرة بناء على رغبة مدام "رطل" ليسمعني بمنزلها وأنا فى السنة الثانية بالمعهد وانبهر بصوتى وحاول إقناعى لكننى صممت على الاستمرار فى الغناء الأوبرالى. كيف كانت بدايتك الاحترافية؟ فى إحدى مرات حصولى على درس غناء مع مدام "رطل" أخبرها متعهد بحضور فرقة سلافية لأداء أوبرا الخطيبة المباعة لسميتانا، وبطلة الدور الثانى مرضت وأرسلت تلغرافا بالاعتذار، فسألها عن مغنية بديلة وكان ردها بنتى نبيلة، كنا فى الهول وغنيت فأعجب بصوتى وتوجهنا لمدرب الكورال الإيطالى مايسترو كرسى فى منزله وبدأت أحفظ دور "أزميرالدا" باللغة السلافية وظل التدريب 48 ساعة، وكانت هذه أول تجربة فى حفل رسمي خلال الموسم الفنى للأوبرا عام 1960. وما رد الفعل؟ شجعنى تصفيق الجمهور والإشادة من الجميع، وثانى يوم العرض كان عندنا محاضرة مع د/سمحة الخولى وكنا نخاف من شدتها لكن المفاجأة أنها قصت ما حدث وأشادت بىَ لزملائي وفرحت جداً. هل هذه الأوبرات كانت تلقى إقبالاً جماهيرياً؟ مسرح الأوبرا كان محجوزاً بالكامل والناس كانت طوابير لاهتمامهم بالفن الراقى والحصول على تذاكر وكانت الأوبرا تعمل (أبونيه) خلال الموسم الفنى وكان أهلى يأخذون "بنوار" طوال الموسم لحضور جميع الحفلات. وهذه كانت ثقافة الشعب المصرى وقتها، وبعد فوز أبو هيف ببطولة العالم فى السباحة وعند تكريمه من الرئيس عبد الناصر طلب منه أن تغنى منار زوجته هذه الأوبرا لأنه يدين لها بالفضل فى الفوز، وتم تشكيل لجنة تضم وكلاء وزارة الثقافة لاختيار الأصوات المشاركة ودخل فيها كل المغنيين وتم اختيارى أنا وحسن كامى ويوسف عزت والمجموعة، وكنا انتقلنا للكونسرفتوار بالهرم ولم تدخل كهرباء، وأتذكر كنا نجلس بجوار الشباك لنستطيع الاستفادة بالضوء أكبر وقت ممكن للمذاكرة لحبنا فيما نقوم به وقدمناها عام 64. هل حصلت على أجر؟ غنيت 7 عروض بالتناوب مع منار وحصلت على 5جنيهات عن كل ليلة عرض. وماذا عن فرقة الأوبرا؟ كان نجاح لاترافياتا واعتمادها على المغنيين المصريين بداية إنشاء فرقة الأوبرا. ماذا عن حصولك على أول دكتوراه فى موسيقى الشعوب من أمريكا بخلاف دراساتك المتعددة فى الغناء؟ كانت الأولى فى هذا التخصص، وأول رسالة دكتوراه موسيقية بعد د/سميحة وحصلت عليها من جامعة حكومية بأمريكا عام 84 بعد حصولى على زمالة عام 75 وأكثر من دبلومة فى أوائل السبعينيات. هل أنت راضية عن حال الكونسرفتوار؟ راضية وغير راضية بمعنى أنه مرتبط بالأكاديمية وهى مرتبطة بالوزارة والوزارة مرتبطة بشكل الوعى فى الشارع والأحوال السياسية، وللأسف إن الثقافة تراجعت وذلك للظروف السياسية والاقتصادية ومعاناة حياتنا اليومية وأزمات المرور وغيرها، فأصبحت من كماليات الحياة رغم ضرورتها كأحد أساسيات الوجود ونجاح الحياة. ولهذا تأثير على نوعية الطلاب ولابد أن تعود النظرة للفن كرسالة فى الحياة، وتغيير ثقافة الكرسى المتغلغلة فى نفوسنا. ماذا عن أوبراتك التى تقدمينها؟ لحبى وعشقى فى الأوبرا قدمت عددا من الأوبرات وأنتجها بنفسى وأقوم بالتدريب والديكور والملابس وكل شىء من أجل تقديم عمل مصرى هادف مثل "من مصر دعوت ابنى" ،"ثلاث فتية من العهد القديم"،"فداء"،"شجرة الزيتون"،"الميلاد الجديد"،"شبع"، وهذا العام "اختراق"ويليها بإذن الله"روندو دوبل". ما رأيك فى أغنيات المهرجانات؟ مثل "الحلة البرستو"،عبارة عن أغنيات تيك أواى، وبالطبع لا تعجبنى لأنها لا تغذى العقل ولا روح الشعب وحتى لو الأغنية لمجرد التسلية ينبغى أن تحمل قيمة تشبع الإنسان. ما رأيك فى فرقة الأوبرا الآن؟ فرقة تحجرت وأصبحت فرقة متحفية. لماذا؟ لأنها تجمدت فى عضويتها وأصواتها وفى مفهومها الإخراجى والربرتوار الذى يقدم، أيضاً فرقة محدودة الرؤية وتدور فى حيز ضيق، ولم تزد عن مستواها منذ أكثر من خمسين عاما. وينقصها الهواء والشمس والأصوات الشابة وأهم شىء حب الفن ونلاحظ ذلك فى عروضها التى تفتقر الإبداع والخيال. هل يتم الاستعانة بخبرتك كرائدة للغناء الأوبرالى؟ بالطبع لا، الساري هو استبعاد الكفاءات. وماذا عن الصوت الواعد فاطمة سعيد؟ بنت ممتازة ومشرفة لمصر ولها مستقبل باهر وقيمة فنية كبيرة، وساعدها على نجاحها ظروفها الشخصية وطفولتها فى مدرسة ألمانية وإجادتها للغات كانت سبيلا لتواصلها مع العالم الخارجي، وللأسف مغنو الأوبرا حالياً معظمهم لا يجيدون اللغات الأجنبية مما يحد من انفتاحهم على الثقافات الغربية. وماذا يعنى تكريمها فى مؤتمر الشباب كمغنية أوبرا؟ يعنى أن القيادة السياسية تلتفت للفنون وأهميتها فى حياة الشباب فبدون فن يصبح الشباب بلا روح. وكيف ترى تعامل الوزارة معها بعد فوزها مؤخراً؟ الوزارة تغض النظر عن المواهب القيمة، لأن القيمة تشكل تهديدا على من لا يملكها. وعندنا من المميزين مستبعدون لكى نظل "محلك سر" فمثلاً البيانيست محمد شمس ووائل فاروق ومن المغنيين رجائى، أميرة سليم، جالا الحديدى، غادة سمير، والاستعانة بهم لا ترقى بمستوياتهم الإبداعية. وهل نفتقد الأمل لسلبية المسئولين؟ بالطبع لا الأمل دائماً يكون موجودا وأتمنى من الفنانين الحقيقيين أن يتحدوا وإذا حدث ذلك سيكونون قوة مؤثرة لأن الفن عطاء وليس أخذ مثله مثل الحب. وكل الفنون هى تعبير عن الحب وطالما فى الله، يوجد الحب ويوجد الفن لأن الفن نسمة من نسمات الله.