الحياة فى الغربة عديمة اللون والطعم والرائحة أتعب شوية وأكيد ستجد العمل الذى يناسبك فى بلدك المشاعر الإلكترونية لا تغنى عن التواجد عن قرب مع الأهل والأصدقاء وجودنا كأسرة واحدة معا أهم كثيرا من المادة فى الوقت الذى يموت فيه الكثير من الشباب المصرى غرقا فى مراكب الموت فى سبيل تحقيق أحلامهم الوردية فى الغربة، هناك من الشباب أيضا من يقرر ترك الغربة بكل مزاياها للعودة إلى الحياة فى مصر، بعدما اقتنعوا من خلال التجربة أن الغربة لها ضريبة عالية جدا أبسطها الوحدة والبعد عن الأهل والأصدقاء إلى جانب الكثير من الصعوبات .. النماذج كثيرة والتجارب متكررة لهذا قررنا أن نلتقى فى السطور التالية بأحمد حسين وزوجته علياء أبو الحسن، بعدما قررا العودة إلى مصر بعد 9 سنوات من الغربة .. وإليكم تجربتهما . البحث عن فرصة البداية من التفكير فى السفر إلى الخارج، حيث تختلف الظروف لكن الهدف تقريبا واحد وهو البحث عن فرصة لتأمين المستقبل، هكذا بدأ أحمد حديثه معنا، حيث يقول : كنت أعمل فى إحدى الشركات الخاصة فى مصر، وفجأة تم إغلاقها وبيعها وتسريح العمالة الموجودة بها بالكامل، وظللت لفترة أبحث عن عمل فى شركات أخرى وأرسل ال C.V الخاص بى لكل ما هو متاح من فرص فى مجالى داخل وخارج مصر، ولأننى كنت فى بداية زواجى فكان على عاتقى العديد من المسئوليات التى جعلتنى أوافق على أول فرصة أتيحت لى، فعندما تم قبولى فى إحدى الشركات للعمل فى الإمارات ، وافقت فورا فلم يكن الوضع يحتمل الانتظار، وبالفعل سافرت فى البداية بمفردى وبعد حوالى 8 شهور تمكنت من توفير سكن للأسرة وجاءت زوجتى لترافقنى فى الغربة . وتلتقط علياء أطراف الحديث، قائلة: لم تكن الغربة أمرا جديدا بالنسبة لى، فقد عشت سنوات طويلة من طفولتى بإحدى الدول العربية مع أسرتى. وبالتالى الحياة خارج مصر لم تكن أزمة، وكان أكثر ما يهمنى هو وجودنا كأسرة واحدة معا لذلك حاولنا التأقلم مع الوضع الجديد والحياة التى كتبها الله لنا. الروتين والملل الإحساس برتابة الحياة فى الغربة لا ينتهى خاصة فى ظل الابتعاد عن الأصدقاء والأهل ودفء الوطن، حيث يذكر أحمد: كل من يعيش فى الخارج يعلم جيدا أن وقته كله للشغل فقط، فلا يوجد أى وقت للخروج أو الترفيه أو حتى الجلوس فى البيت مع الأسرة سوى يوم الجمعة فقط، فكنت أذهب إلى عملى يوميا من 9 صباحا وأعود 1 ظهرا لتناول الغذاء والنوم لساعتين ثم أعود للعمل من 5 مساء حتى 10 مساء، وبالتالى أعود ليلا وأنا مرهق جدا ولا يوجد أى وقت للتحدث مع زوجتى أو الجلوس مع أطفالى وتضيف علياء: رغم الروتين الفظيع للحياة فى الغربة إلا أننى قررت تحملها بكل أعبائها ومشكلاتها فلم نكن لنرى أحمد سوى أوقات قليلة جدا، وطوال النهار كنت أجلس بمفردى مع ابنتى بين "4 جدران" لا أستطيع الخروج، حتى كل جيرانى فى السكن إما يمرون بنفس ظروفنا أو يتحدثون لغات مختلفة ولا يمكننا التواصل معهم . لذلك كنت أشعر بملل شديد، ورغم أننى كنت أنتظر (الويك إند) كل أسبوع للخروج أو تغيير الجو إلا أننى كنت أفضل الجلوس فى المنزل حتى يشعر أحمد بأنه أخذ قسطا من الراحة فى البيت. ورغم إصرارى على التحمل فى البداية إلا أننى مع الوقت بدأت أشعر بضيق واكتئاب شديد من الجلوس فى البيت ففكرت فى البحث عن عمل لكننى أيضا واجهت عدة مشكلات، أولها أن أسعار الحضانات مرتفعة جدا هناك بصورة مبالغ فيها، والحل الأفضل أمامى هو ترك ابنتى مع baby sitter وهذا الاختيار كان مقلقا جدا بالنسبة لنا خاصة أن كل العمالة فى هذا المجال من دول إفريقية وآسيوية تختلف عنا تماما فى العادات والتقاليد. لذلك فضلت الجلوس فى المنزل وتحمل الجلوس بمفردى لساعات طويلة . متطلبات الحياة وحول ارتفاع تكاليف الحياة فى الخارج، يقول أحمد: لم أنكر أننى لم أحسبها جيدا قبل السفر للخارج بسبب اضطرارى للسفر فى هذا التوقيت، فكان المرتب المعروض علىّ وقتها مغريا جدا بمعاييرى الخاصة، لكننى بعدما سافرت اكتشفت أن تكاليف الحياة فى الغربة مرتفعة جدا ولابد أن يكون العائد المادى أضعاف ما ينفق حتى أتمكن من الإنفاق على متطلبات الحياة وتوفير جزء من المال للاستثمار فى مصر بعد العودة، لكننى على أرض الواقع وجدت أن كل ما أحصل عليه من أموال تنفق بأكلمها، فإيجار السكن حوالى 1500 درهم شهريا وتكاليف الأكل كذلك غالية جدا، بالإضافة إلى مصاريف المنزل والأولاد ولأننا لا نستطيع العيش فى مستوى اجتماعى أقل مما اعتدنا عليه فى مصر بدأنا نشعر بأزمة حقيقية وأن تكاليف الحياة فعلا مرتفعة، ومن ثم أصبحت الغربة مكلفة دون عائد حقيقي. الغربة مرة الإحساس المر بالغربة لا يشعر به إلا من خاض التجربة، هكذا يلخص أحمد حكمة السنوات التى قضاها فى الخارج، قائلا: الغربة مرة هذه المقولة صحيحة 100%، فرغم المزايا التى يراها الكثيرون فى السفر إلا أن الغربة فعلا مرة ، فالمزايا من وجهه نظرى لا تعادل كم الأشياء التى نفتقدها فى هذه الحياة التى تعتبر بلا طعم. ويكفى أن والدى توفى وأنا فى الغربة، وأتذكر هذا اليوم جيدا، حيث تلقيت اتصالا هاتفيا من أخى فى الفجر يخبرنى بأن والدى توفى، وقتها أسرعت لحجز أول تذكرة طيران حتى ألحق بجنازته، وكان موقفا سيئا وصعبا جدا، و لن يشعر بمعاناة هذا الموقف إلا من عاشه بالفعل. وتضيف علياء: الكثيرون ينظرون للحياة فى الخارج على أنها أجمل كثيرا من العيش فى مصر، وينبهرون بالشوارع النظيفة والنظام وقواعد المرور التى لا يجرؤ أحد على الإخلال بها، وغيرها من الأشياء المبهرة فعلا، لكن كلها لا تساوى شيئا نظير البعد عن الوطن والأهل والأصدقاء.. ويكفى عندما يتعرض أحد الأقارب لظرف أو مرض أو حالة وفاة لا نستطيع أن نتواجد معهم، وأتذكر أن أختى أجرت عملية جراحية، وأنا فى الغربة ولم أستطع وقتها المجىء إلى مصر للوقوف بجانبها أو الاطمئنان عليها. الشعور بالوحدة على الرغم من أن الإنسان فى الغربة يقابل أصدقاء جددا ويتعرف على زملاء وجيران من ثقافات ودول مختلفة إلا أن الإحساس بالوحدة يسيطر على كل من يقيم فى الخارج، وهو ما يؤكده أحمد ويضيف : الشعور بالوحدة هو فى الأساس شعور نفسى ليس له علاقة بكم الأشخاص الموجودين حولك، الأهم هو من الذى يقف بجانبك ؟ وأنا اكتشفت فى الغربة أن الإنسان لابد أن يعتمد على نفسه تماما، وهذا فى حد ذاته صعب جدا وتضيف علياء: تعرضنا لموقف صعب جدا أشعرنا بالوحدة بشكل كبير، وهو عندما كنت حاملا فى ابنى الصغير، وشعرت بتعب مفاجىء وكانت معى ابنتى عمرها تقريبا عامين، واضطررنا للذهاب إلى المستشفى وأصروا على احتجازى بالمستشفى، ووقتها كان أحمد يقوم بكل شىء بمفرده، فكان يأخذ البنت معه فى العمل ثم يأتى ليزورنى فى المستشفى ثم يعود بها إلى المنزل ويعتنى بها وبطعامها وملابسها وظل يكرر نفس الأمر يوميا لمدة 10 أيام تقريبا، وبالفعل كان موقفا فى غاية الصعوبة وشعرت فيه فعلا بمعنى معاناة الوحدة فى الغربة. أعياد ومواسم بلا طعم وعن أكثر الأوقات التى يشعر فيها المصريون بالغربة والوحدة فعلا تذكر علياء أن الأعياد والمواسم المختلفة مثل شهر رمضان من أكثر الأوقات التى يشعرون فيها بالغربة فعلا، فلا يوجد رمضان إلا فى مصر بكل ما فيه من زينة الشوارع وأصوات المساجد فى صلاة التراويح والعزومات والسهر، حتى فى الأعياد لا يوجد طعم ولا لون ولا إحساس بالعيد على الإطلاق، فمن اعتاد على قضاء هذه المواسم فى مصر يعرف الفرق جيدا، ومهما حاولنا الخروج أو التجمع مع الأصحاب والجيران لتعويض جو العائلة والشعور باللمة، إلا أنه فعلا لم نشعر بأى سعادة أو طعم لكل هذه الأشياء . المشاعر الإلكترونية وعن سهولة التواصل مع الأهل مؤخرا عبر الإنترنت والفيديو شات ودور هذه الوسائل فى تقليل المسافات، يؤكد أحمد أن "المشاعر الإلكترونية" لن تحل محل التواجد مع الأهل وجها لوجه، ولا شىء فى الدنيا يساوى حضن الأم أو الأخ أو الأخت، ومهما سهل التواصل مع الأهل فى الغربة فلن يغنى ذلك عن الجلوس والأكل والخروج معهم فالشعور مختلف تماما .. ويكفى أننى وسط أهلى أتابعهم يوما بعد يوم، وأطمئن عليهم وأقابلهم وقت ما أحب. قرار العودة وبعد هذه التجربة التى توصف بالمريرة قرر أحمد وعلياء العودة إلى مصر، وتقول علياء: لم يكن قرار العودة للاستقرار فى مصر وليد اللحظة، بل أخذناه بشكل تدريجى، فكانت البداية عندما جاء السن المناسب للتقديم لابنتى فى المدرسة ووجدنا أسعار المدارس هناك مرتفعة جدا بصورة مبالغ فيها، ففكرت فى النزول أنا والأولاد إلى مصر للتقديم فى المدرسة وأن يستمر أحمد فى عمله بالخارج، وفعلا اضطررت لذلك ونزلت وفى هذا الوقت كان مرتب أحمد زاد إلى حد ما وكان يرسل لى مبلغا جيدا يكفى لمتطلبات الحياة لى وللأولاد. وبعد حوالى عامين من هذا الوضع الأسرى المتفكك، وجدنا أننا أصبحنا أكثر عصبية وزادت خلافاتنا بسبب الحياة المرتبكة التى نعيشها ووجوده بعيدا عن الأولاد فى سن يحتاجون فيه إلى وجود الأم والأب معا، فقرر أحمد أن يعود إلى مصر ولم يحسبها وقتها ب "الفلوس" فقط، فالحياة مش كلها فلوس ، لكن فكر فى المزايا والعيوب المترتبة على هذا الوضع، ووجدنا أن الحفاظ على نفسية الأطفال ووجودنا كأسرة معا أهم وأفضل كثيرا من الجرى وراء المادة . نصيحة وعلى الرغم من أن وجود أحمد فى الغربة 9 سنوات لم يمكنه من تكوين ثروة كبيرة، إلا أنه تمكن من توفير مبلغ جيد استطاع أن يفتتح به مشروعه الخاص، فيقول أحمد: عندما قررت العودة إلى مصر كان أكثر ما يخيفنى هو الحصول على وظيفة تناسبنى، لذلك لم يكن فى ذهنى سوى تأسيس مشروع صغير أنفق من خلاله على أسرتى، لكن بعدما عدت وافتتحت المشروع بدأت رحلة البحث عن عمل فى مجالى، والحمد لله أعمل حاليا كمهندس كمبيوتر وأدير مشروعى الخاص، وهذه التجربة أكدت لى أن من يريد شيئا يسعى إلى تحقيقه بشتى الطرق وأن مصر مليئة بالفرص واللى عايز يشتغل فعلا هيلاقى. الحل مش فى السفر فقط، الغربة لها عيوب وصعوبات كثيرة لا يشعر بها إلا من ذاقها فعلا، لذلك أقول لكل شاب يعتقد أن الغربة هى الحل لكل مشاكله بأن هذا "وهم".